أحمد يقول: التفاحة قد نضجت!
أخذ «رشيد» يلتقط الصور التذكارية، في نفس الوقت الذي كان «أحمد» يرقب الرجل، الذي وقف بعيدًا، كان يبدو أنه يراقبهم، وكانت هذه المراقبة المتبادلة تجعل فكرة «أحمد» تتأكد أكثر؛ ولذلك فقد أخذ الكاميرا من «رشيد»، وبدأ يلتقط هو الصور؛ ولأن الفكرة التي فكَّر فيها تحتاج إلى عملٍ كثير، فقد طلب من «بو عمير» أن يشتري عددًا من الأفلام من أحد محلات التصوير، وعندما تمَّ ذلك علَّق الكاميرا في كتفه، وطلب من «قيس» أن يمسك أحد مضربَي التنس، وأن يدخل معه في مباراة، انقسم الشياطين إلى فريقين، كل فريق يشجِّع لاعبًا، اشتدَّ حماس المباراة بين «أحمد» و«قيس»، وتعالت الصيحات. فجأة؛ ضرب «أحمد» الكرة بقوةٍ، فطارت إلى مسافةٍ بعيدة.
قالت «زبيدة»: هذه ضربة خاطئة!
ابتسم «أحمد» وقال: إنها هي الضربة الصحيحة، وسوف تعرفين ذلك فيما بعد!
نظر إلى «قيس»، بمعنى: «اتبعني»، أسرع يجري خلف الكرة هو و«قيس»، في الوقت الذي جلس فيه الشياطين حول رقعة شطرنج، كان «بو عمير» قد لاحظ إشارة «أحمد» إلى «قيس»، فهمس: إن «أحمد» يُجري تجربةً ما، وليست المسألة تنس! اختفى «أحمد» و«قيس» عن أعين الشياطين، فقد كانت الكرة، قد سقطت في منطقةٍ بعيدة، فجأةً، قال «أحمد»: قف هنا، سوف ألتقط لك صورة … كانت عينا «أحمد» ترقبان المكان، وكما توقَّع تمامًا، اقترب أحد الرجال منه، وقال: إن التصوير هنا ممنوع! وقبل أن يكمل جملته، كان «أحمد» قد ابتسم، وأكمل: سوف نقوم بتحميض الأفلام عندكم، وأيضًا طبع الصور! ابتسم الرجل، وهزَّ رأسه، وهو ينصرف … قال «أحمد» في نفسه: هؤلاء هم رجال العصابة، إننا في المنطقة المقصودة تمامًا! ظلَّ «أحمد» يلتقط الصور من زوايا مختلفة، ويُعطي «لقيس» الكاميرا، ليلتقط له صورًا أخرى، وبسرعة استطاع أن يحدِّد دائرةً واسعة، يمكن أن يدور داخلها التصوير. في نفس الوقت فكَّر في تجربةٍ أخرى، كان الفيلم الأول قد انتهى، فأخرجه من الكاميرا ووضع مكانه فيلمًا آخَر، في نفس الوقت الذي اتجه فيه إلى الرجل، وقدَّم له الفيلم، وهو يسأله: متى نحصل على الصور؟
قال الرجل: خلال نصف ساعة!
شكره وانصرف، قال «قيس»: ينبغي أن ننضم للشياطين الآن!
وفي طريق عودتهم، نقل «قيس» كلَّ ما فكَّر فيه، وقال في النهاية: ينبغي أن نغيِّر مكاننا إلى مكانٍ آخَر، حتى نتأكد من أفكارنا. انضمَّا إلى الشياطين، الذين كانوا قد استغرقوا في مباراة الشطرنج، قالت «زبيدة» عندما رأتهما مُقبلين: ها هما قد عادا!
نقل لهم «أحمد» ضرورة الانتقال إلى مكانٍ آخَر، دون أن يذكر السبب، نظر له «رشيد» وقال: أعتقد أننا في مكانٍ جيد! ابتسم «أحمد» قائلًا: لقد اكتشفنا مكانًا رائعًا!
جمعوا أشياءهم، وتركوا المكان، وهم يضحكون حتى لا يلفتوا النظر، وفي مكانٍ آخَر يبتعد عن الدائرة التي حدَّدها «أحمد» توقفوا وجلسوا، أخذ «أحمد» يلتقط الصور، ويغيِّر الزوايا ويجري هنا وهناك، هو وأحد الشياطين، ليلتقط صورًا أخرى، إلا أن أحدًا لم يمنعه، ولم يقُل له إن التصوير ممنوع. الآن تأكَّدَ «أحمد» أن المنطقة الأولى هي نقطة الهدف، غير أنهم لم يعودوا إليها، فبعد أن شرح لهم «أحمد» وجهة نظره، قال «مصباح»: لا يجب أن نعود الآن، لكن أقترح أن ننهي تصوير الفيلم، حتى نقوم بتحميضه وطبعه، إن ذلك سوف يجعل وجودنا عاديًّا، وتصرفنا عاديًّا أيضًا، في نفس الوقت، إن عودتنا للمكان بهذه الطريقة سوف تبدو عادية جدًّا!
وافق الشياطين على فكرة «مصباح»، فقضوا بعض الوقت في الجري والضحك، وإن كانت أعينهم ترقب كلَّ حركة في محيط المكان الذي يجلسون فيه، وبعد ساعةٍ عادوا لنفس المنطقة الأولى، التي أطلقوا عليها اسم «تفاحة». هناك ذهب «أحمد» إلى الرجل الذي قدَّم له الصور، وهو يبتسم قائلًا: إن هناك ثلاث صور تعرَّضَت للضوء، وبها اهتزاز كثير، ويبدو أن هذا الجزء من الفيلم قد تعرَّض للضوء، كذلك الزميل الذي قام بالتصوير، لم تكن يده ثابتة، فتسبَّب في الاهتزاز. قدَّمَ الصور ﻟ «أحمد» وهو يقول: وبالطبع، لن تجدها بين الصور! شكره «أحمد» وهو يقدِّم الفيلم الآخَر قائلًا: هل أطمع في تحميض وطبع هذا الفيلم؟
ابتسم الرجل ابتسامةً عريضة، وقال: بالتأكيد! إن ذلك سوف يسعدنا تمامًا.
أخذ «أحمد» الصور وعاد إلى الشياطين، أخذوا يضحكون، وهم يشاهدونها، كانت صورًا جيدة فعلًا، قال «أحمد»: سوف نبقى وقتًا آخَر هنا، لكن لا بد لنا من العودة غدًا، وربما لأيامٍ أخرى! فَهِم الشياطين لماذا فكَّر «أحمد» بهذه الطريقة، فهو يريد أن يقوم بعملية مسح للغابة كلها، سأل «مصباح»: تُرى، كم تكون مساحة هذه الغابة؟
نظر الشياطين حولهم في شتَّى الاتجاهات، وكأنهم يقومون بقياس مساحتها، قالت «زبيدة» بعد لحظةٍ: أظن أنها لا تزيد على فدانَين!
هزَّ «مصباح» رأسه وقال: ربما، أو تزيد قليلًا!
قالت «زبيدة»: يعني في هذه الحدود. مرَّ الوقت، ثم فجأةً ظهر الرجل، وهو يحمل مظروفًا متوسطًا قدَّمَه ﻟ «أحمد»، وهو يقول: إن الصور كلها جيدة، ولم تسقط صورة واحدة!
شكره «أحمد» وهو يقدِّم له ما طلبه من نقود، انتظروا وقتًا آخَر، ثم قرَّرُوا الانصراف، وعندما أصبحوا في الفندق، قال «أحمد»: هل تحتاجون لبعض الراحة؟ اتفق الجميع على أن يرتاحوا بعض الوقت، ثم يعقدوا اجتماع عمل، وفعلًا أخذ كلٌّ منهم مكانه في الفراش، واستغرقوا في النوم، حتى «أحمد» الذي كان يبقى بعض الوقت مستيقظًا، استغرق هو الآخَر في النوم، فلم يكن هناك ما يقلقه بعد أن اتضحت أمامه الصورة، وبقي أن يضيف إليها تأكيدًا آخَر، عندما يستيقظ من النوم. انقضت ساعة، ثم أخذ الشياطين يستيقظون الواحد بعد الآخَر، وفي خلال ربع ساعة كانوا يجلسون في شبه دائرة في صورة اجتماع. بدأ «أحمد» الاجتماع بأنْ بسطَ أمامه صور الفيلم الأول، التي كانت تنقص ثلاث صور، أخذ يرتِّب الصور تبعًا للزوايا التي صورها، وكانت في النهاية تعطي شكلًا كاملًا للدائرة التي تخيلها، أشار إلى مكان الصور الثلاث وقال: إن هذه الصور الناقصة تبين المكان الذي نريده، ويبدو أن العصابة تحرص على تحميض الأفلام وطبعها، حتى تتأكد أن المكان المقصود ليس موجودًا فيها! سكت لحظةً، بينما سأل «مصباح»: لكن مثل هذه الأمور لا تهم أحدًا … أجاب «أحمد»: لكن ضرورة الاحتياط واجبة، فقد يظهر شيء ما في الصورة، يمكن أن يلفت نظر أحد، خصوصًا وهناك عمليات بحث، من المؤكد أن العصابة تضعها في حسابها! توقَّفَ لنصف دقيقة، ثم قال: إنني أقترح أن نعيد التجربة مرةً أخرى غدًا، وربما بعد غدٍ أيضًا، حتى نتأكد تمامًا، وحتى يكون بحثنا موثوقًا به، ولعل ما يلفت النظر، هو أننا عندما صوَّرنا الفيلم الثاني، فإن أحدًا لم يعترض كذلك، فإن الصور لم تنقص واحدة، وهذا يؤكِّد أنهم يستبعدون الصور التي يرون أنها يمكن أن تكشف المكان … سكتَ قليلًا، فقال «بو عمير»: إن الغريب في الأمر، أنه لا يوجد شيء غير عادي، فلا يوجد في الغابة سوى الأشجار!
أضاف «رشيد»: هناك المحلات التي تبيع لروَّاد الغابة، مَن يدري؟ فقد يكون أحد هذه المحال مجهَّزة لذلك! قال «قيس»: لا أظن، فمثل هذه المحلات يكون مكشوفًا أو لافتًا للنظر، ولا يمكن أن تلجأ العصابة إلى طريقةٍ مكشوفة، خصوصًا وأن تقارير رقم «صفر» تقول إنهم يعملون بأجهزةٍ غاية في الدقة! صمتَ لحظةً، ثم قال: إن استخدام مثل هذه المحال يجعلهم عرضة للتفتيش، وكما قال «أحمد»، فهم يحسبون كلَّ شيء!
تحاور الشياطين كثيرًا، وعندما توقَّفَ الجميع عن الكلام، قال «أحمد»: إن المنطقة التي صوَّرنا فيها، والتي نقصت ثلاث صور، هي المنطقة الهامة في الغابة كلها، وسوف تكون هدفنا غدًا!
قال «بو عمير»: أقترح إذَن أن ننقسم إلى مجموعتَين، وكل مجموعةٍ تقف في نفس المنطقة، وكأننا لا علاقة لنا ببعض، وكل مجموعة تقوم بالتصوير، إن ذلك سوف يؤكد أفكارنا، ومن جهةٍ أخرى، ربما خرجت إحدى الصور تحمل ما يفيدنا، أيضًا، إن تكرار ذلك هو نوعٌ من التأكيد. في النهاية، استقرَّ الرأي على الذهاب غدًا إلى الغابة، على أن تكون كل مجموعةٍ وحدها؛ ولذلك فقد طلب «أحمد» من عميل رقم «صفر» سيارةً أخرى صغيرة، ومختلفة تمامًا عن «الستروين» الخضراء.
في اليوم التالي، تحرَّكَت سيارتان من أمام فندق «جوته»، الأولى «الستروين» الخضراء، تضم «أحمد» و«مصباح» و«بو عمير»، والثانية «مرسيدس» سبور بيضاء، تضم «قيس» و«رشيد» و«زبيدة»، ولم تمضِ ساعة، حتى كانت السيارتان تقفان على مشارف الغابة، في مكانَين مختلفين. وفي هدوءٍ، وككل الموجودين، تقدَّمت المجموعتان، وأخذت كل مجموعة مكانًا … انشغلت كل مجموعة بلعبةٍ مختلفة، ثم حانت لحظة التصوير، عندما بدأ «أحمد» في إخراج الكاميرا من حقيبتها، كان الرجل يقترب، هو نفس رجل الأمس، قال مبتسمًا: التصوير هنا ممنوع، إلا إذا قمنا بتحميض الفيلم وطبع الصور!
ابتسم «أحمد» وقال: إن هذا يسهل لنا كل شيء، ولا بأس من ذلك، حتى نطمئن على الصور التي نلتقطها! نظر الرجل له لحظة، ثم قال في ابتسامةٍ مصطنعة: أظن أنني رأيتك أمس؟ تصنَّع «أحمد» الدهشة، وقال: رأيتني؟ صحيحٌ أنني كنت هنا أمس، لكنني لا أذكر! توقَّفَ لحظةً، ثم قال: نعم، نعم، أنت الذي حمَّضتَ لي الفيلم وطبعت الصور، حتى إن الفيلم كان ينقص ثلاث صور!
قال الرجل: تمامًا! ثم ابتسم وأضاف: أرجو أن تُحسِن التصوير هذه المرة!
ضحك الشياطين، فقال الرجل: هل الكاميرا جاهزة للتصوير الآن؟
قال «أحمد»: نعم!
قال الرجل: إذَن دعني ألتقط لكم بعض الصور بنفسي، حتى لا تضيع صور أخرى … ضحكوا، وقدَّموا له الكاميرا، وبسرعةٍ كان «أحمد» يفكِّر في استغلال الفرصة، فقد وقف هو و«مصباح» و«بو عمير» في نفس الزاوية التي صوَّرَها بالأمس، إلا أن الرجل قال: ينبغي أن تقفوا في هذه الزاوية حتى يأتي عُمق الغابة في الصورة، فيكون لها جمالًا!
كانت هذه الكلمات بالضبط ما أراد «أحمد» أن يسمعها؛ ولذلك فقد جلسوا على الأرض في نفس المكان الذي أشار إليه الرجل، وحتى لا يشك في شيء، أخذ الرجل يصورهم من زوايا مختلفة، لكن ظلت زاوية واحدة لم يقترب منها أبدًا، قال «أحمد»: تكفي هذه المجموعة الآن. قال الرجل: لا بأس، وعندما تريدون التقاط صور أخرى، فإنني تحت أمركم، وحتى تضمكم الصور أنتم الثلاثة معًا! شكره «أحمد» فانصرف، ألقى «أحمد» نظرةً سريعة في اتجاه المجموعة الأخرى، وكان الغريب أن نفس الشيء كان يحدث معهم، فقد كان هناك رجلٌ يقوم بتصويرهم، همس قائلًا: الآن لم يعُد هناك شك، إن هذا يحدث مع كثيرين من رواد الغابة، وهذا يؤكِّد كلَّ ما فكَّرنا فيه! سكت لحظةً ثم قال: إن مهمتنا الآن، هي رصد المكان جيدًا، سواء كان رصد الأشجار أو غيرها … سكت لحظةً ثم قال: سوف نلعب الآن مباراة تنس، وسوف أضرب الكرة بشدةٍ في اتجاه المجموعة الأخرى، وسوف يذهب «مصباح» خلف الكرة، ليلفت نظر المجموعة إلى ضرورة رصد كل شيء داخل هذه الدائرة، وبسرعة وقف الاثنان بيد كلٍّ منهما مضربًا، ووقف «بو عمير» وهو يقوم بدور الحكم، بعد تبادل الكرة عدة مرات، ضربها «أحمد» بقوةٍ في اتجاه مجموعة الشياطين الأخرى، ثم وقف. أسرع «مصباح» خلف الكرة التي سقطت عند قدمي «زبيدة»، وعندما وصل إلى هناك، تحدَّث قليلًا، ثم التقط الكرة وعاد، أخذ الشياطين يتجوَّلون في الغابة، وهم يُبدون إعجابهم بالأشجار، والزهور التي كانت تنبت في أحواضٍ، بعيدًا عن أماكن اللعب، وعند كل حوض، تحذير: ممنوع قطف الزهور!
فجأةً؛ توقَّفَ «أحمد» عند شجرةٍ من أشجار الغابة، لفت نظره فيها اختلافها عن بقية الأشجار الأخرى، غير أنه لم يقف بجوارها كثيرًا، فقد ابتعد عنها، وإن ظلَّت ثابتة في تفكيره، وعندما أصبح بعيدًا، ألقى نظرةً على الشجرة، كان يتأمَّلُها عن بُعد. فكَّر: إن الرجال هنا يمكن أن تكون أعينُهم عليَّ! نظر إلى «مصباح» و«قيس» اللذين اقتربا منه، وقال: هيا نأكل، فقد بدأت أشعر بجوعٍ … اشترك الثلاثة في تجهيز طعام الغداء. وعندما جلسوا، حرص «أحمد» على أن تكون الشجرة الغريبة أمامه؛ حتى يستطيع أن يراها أكثر، في الوقت الذي يكون فيه كمَن يتناول طعامه فقط. لم يكن قد قال شيئًا ﻟ «مصباح» أو «بو عمير»، فقد كان ما فكَّر فيه يبدو غريبًا، وإن كان قد قال في نفسه: هناك فرق بين أن يدهش الإنسان لشيءٍ يبدو غريبًا، وبين أن يكون هذا الشيء المدهش ممكنًا! لقد بدأت فكرة ما تنبت في ذهنه، وتذكَّرَ إحدى القصص التي قرأها قديمًا … كان «مصباح» ينظر إليه فقال: يبدو أنك توصَّلت لشيء!
رفع «بو عمير» وجهه بسرعةٍ إلى «أحمد» عندما سمع كلمات «مصباح»، فقال «أحمد»: أرجو أن يكون ما فكَّرت فيه صحيحًا، ويبدو أن «التفاحة» قد نضجت!
لقد كان هناك معنى خفي لهذه الكلمات التي قالها.