الخطأ الذي وقعت فيه العصابة!
وقف الشياطين وسط الضوء الساطع، ورغم أن الموقف كان يبدو صعبًا، إلا أن ذلك لم يكن يجعلهم يتردَّدون أو يخافون، فبعد لحظةٍ قال «بو عمير»: جهاز الأشعة الموجَّه، إنه يمكن أن يشل أي حركة حولنا، ويمكن أن يسكت هذا الضوء الذي يكشفنا! أسرع «مصباح» فأخرج جهاز الأشعة الصغير، ثم وجَّهَه في حرصٍ تجاه مصدر الضوء، وضغط زرًّا صغيرًا فيه، انطلقت الأشعة السرية، والتي لا يراها أحد. وفي أقل من ثانيتين، كان الضوء قد انسحب، وغرقت الغابة في الظلام، همس «أحمد»: الآن، ينبغي أن نصل إلى الشجرة الغريبة، حتى يمكن أن ننسفها، ويتوقف كل شيء … سكت لحظة، ثم أضاف: لقد فكرت أن نستولي عليها، فالمؤكد أنها سوف تضيف إلينا إمكانياتٍ جديدة. لكن يبدو أننا لن نستطيع ذلك!
قالت «زبيدة»: فلنحاول أولًا، فإذا فشلنا، فسوف يمكن أن ننسفها، وهذه مسألة ليست صعبة. تحرك الشياطين في اتجاه الشجرة، لكن مرةً أخرى، ظهر الضوء من جديد، كان ضوء أكثر قوة، ومن جديدٍ أيضًا استخدم «مصباح» جهاز الأشعة السرية، في لمح البصر كان الضوء قد اختفى، همس «قيس»: يبدو أن هذه نهاية قدرتهم … استمرَّ الشياطين في تقدُّمهم تجاه الشجرة، التي لم تكن تبعد كثيرًا الآن، لكن فجأة؛ لمع ضوء قوي في الظلام، فألقى الشياطين أنفسهم على الأرض، وقريبًا من «بو عمير»، استقرَّت طلقة بلا صوت، فقال: إنهم يستخدمون أسلحة بلا صوت، وهذه مسألة ينبغي أن نحذرها جيدًا!
قال «أحمد»: فلنتقدم زحفًا في اتجاه الشجرة! زحف الشياطين في حذر، غير أن الطلقات توالت حولهم، فهمس «أحمد»: سوف نغيِّر الاتجاه بعيدًا عن الطلقات، وندور نصف دورة حول الشجرة حتى نصل إليها من جانب آخَر، غيَّر الشياطين اتجاههم مبتعدين عن الشجرة، وإن كانوا يدورون حولها، توقفوا يستمعون إلى أي صوت، كان كل شيء هادئًا، همس «رشيد»: أظن أنهم يتصوروننا في مكانٍ ما، ولا بد أن يكون بجوار الشجرة الغريبة … مرَّت لحظة، قبل أن يقول «أحمد» سوف أتقدَّم أنا و«بو عمير» في مهمةٍ استطلاعية، قريبًا من الشجرة، لنرى ما حدث، إن الوقت الذي يمرُّ ليس في صالحنا … سكت لحظة، ثم أضاف: لا تتركوا المكان إلا للضرورة، وراقبوا الدائرة التي تتحرك فيها، وكونوا مستعدين لأي إشارة، فقد ندخل معركة مفاجئة!
أشار إلى «بو عمير»، ثم تقدَّما زحفًا في اتجاه الشجرة، لم يكن هناك صوت، وكان هذا يعني أن هناك خطة مضادة، توقَّفا قليلًا، ثم أخرج «أحمد» جهاز الكشف الصغير الذي يحمله، ثم وجَّهَه إلى نقطة أمامه مباشرة، وضغط زر الجهاز، وهو ينظر إلى المؤشر، كان المؤشر ثابتًا، حرك الجهاز في بطء بداية من النقطة التي حدَّدَها، ومرورًا بشكل نصف دائرة ١٨٠، عند الدرجة ٤٥ تحرَّك المؤشر، أوقف «أحمد» يده عند الدرجة ٤٥ وانتظر، ظلَّ المؤشر ثابتًا عند النقطة التي تحرَّك بها، فهمس: هناك البعض في هذا الاتجاه، حرَّك الجهاز مرة أخرى إلى الدرجة ٦٠، فعاد المؤشر، بما يعني أنه لا يوجد أحد عند هذه الدرجة، استمرَّ في تحريك الجهاز فتجاوز الدرجة ٦٠ إلى ٧٠ ثم إلى ٨٠، غير أن المؤشر لم يتحرَّك، وعند الدرجة ٩٠، تحرَّك المؤشر من جديد، قال «أحمد»: توجد هنا مجموعة أخرى … حرَّك الجهاز من جديد، فتراجع المؤشر، ولم يتحرك إلا عند الدرجة ١٥٠، ثم تراجع مرة أخرى عند الدرجة ١٨٠، قال «أحمد»: إن هناك أربع مجموعات موزَّعة في أربع نقط، هي تقريبًا على مسافاتٍ متساوية، قال «بو عمير»: إننا نستطيع أن نخترق الحصار بين هذه المسافات … وهي مسافات تكفي لأن نتحرك إلى حيث توجد الشجرة … لم يرد «أحمد» مباشرة، فقد انتظر قليلًا، ثم قال: سوف نجري هذه التجربة، لنرى إن كانوا يستخدمون أجهزة الكشف التي لديهم أم لا، وضع الجهاز في حقيبته السحرية، ثم أشار إلى «بو عمير»، كانا يتحركان على زاوية بين ٤٥ و٩٠، تقدما مسافةً لا بأس بها، حتى قال «أحمد»: إن الشجرة أمامنا مباشرة الآن، ويمكن أن تقيم حولها حزامًا ناسفًا، استعدادًا لأي طارئ … وما كاد ينتهي من جملته حتى كانت طلقات الرصاص تنهمر كالمطر، تراجعا في هدوء، حتى توقفا عند ساق شجرة ضخمة، همس «أحمد»: يبدو أنهم يستخدمون أجهزة الكشف الآن، صمت لحظة ثم قال: إننا نستطيع أن نوقف عمل هذه الأجهزة، وهذا سوف يدفعنا إلى معركةٍ مباشرة، وهذه المعركة نحتاجها! أخرج جهاز الأشعة الموجَّهة، ثم سلَّطَه في اتجاه مصدر النيران، وتحرك هو و«بو عمير» في نفس الوقت، ظلَّت طلقات الرصاص، تنهمر في نفس المكان الذي غادراه، فقال «بو عمير»: لقد اختلفت أجهزة الكشف عندهم بتأثير الأشعة الموجهة!
لكن مرة أخرى، عادت طلقات الرصاص وقد انهمرت بجوارهم، مع استمرار الطلقات السابقة على نفس المكان القديم، قال «أحمد»: هناك جهاز آخَر يعمل في منطقةٍ جديدة! صمت قليلًا ثم أضاف: إننا يمكن أن نوقف جميع أجهزتهم التي تعمل، لكن طلقات الرصاص في النهاية سوف تغطي الدائرة كلها التي تتحرك فيها! سكت من جديد، كان يفكِّر في طريقة تنهي الموقف كله، قال: ما رأيك لو استخدمنا الشجر في الوصول إليهم؟ إننا نستطيع أن نهبط عليهم دون أن يشعروا، فنبدأ معركة مباشرة في أي نقطةٍ من النقط! وفي خفةٍ تسلَّقا شجرة، كانت أغصان الأشجار متشابكة، وكأنها تصنع خيمة كبيرة، وكان هذا يعطيهما الفرصة حتى يستطيعا التنقل من شجرةٍ إلى أخرى في سهولة، وعلى هذا فقد أخذا يتنقلان من غصنٍ إلى غصن، في اتجاه المجموعة التي تتوسط المنطقة، والتي تقف عند الدرجة ٩٠، كانت طلقات الرصاص لا تزال تتردَّد، في نفس الاتجاهات القديمة، التي كانا فيها، وكان هذا يعطيهما الفرصة حتى يصلا إلى النقطة ٩٠، دون أن يلفتا نظر أحد، فقد كانت كل مجموعة تظن أنها تطلق رصاصها في الاتجاه الصحيح، توقفا لحظة، بعد أن شعرا بالإجهاد. في نفس الوقت أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى الشياطين، يحدِّد لهم ما حدث، ويطلب منهم أن يكونوا على استعدادٍ للتحرُّك، فسوف يكون الاشتباك وشيكًا، ارتاحا بما يكفي لأن يستمرا في القفز من غصنٍ إلى غصنٍ بمهارةٍ فائقة، ودون صوت حتى لا يلفتا سمع أحد، ففي هذا الوقت من الليل لا يوجد طائرٌ يمكن أن يهز أي غصن، بجوار أنه لا يوجد في مثل هذه الغابات أي نوع من الحيوانات، إلا إذا كانت كلاب ضالة، وهي عادةً لا تتوقف عن النباح أمام أي صوت، بجوار أن أصوات الطلقات كانت تخفي ما يمكن أن يصدر من صوتٍ هادئ، وصلا إلى النقطة المطلوبة، لم يكن هناك صوت يصدر من أي جهة، أخرج «أحمد» جهاز الأشعة الموجَّهة، وضغط زرًّا يُصدر أشعة فوق البنفسجية، التي تكشف أي شيء، دون أن يراها أحد، ورأى «أحمد» و«بو عمير» خمسة رجال يمسك كلٌّ منهم بمسدس، وقد وقفوا في حالة تحفز، نظر «أحمد» إلى «بو عمير» ثم مدَّ يده، وأمسك بيده، وعن طريق اللمس أخذ يتحدَّث إليه، قال «أحمد»: هل نبدأ المعركة، أو نرسل إلى الشياطين حتى ينضموا إلينا؟ وبنفس طريقة اللمس، قال «بو عمير»: إنهم سوف يستغرقون وقتًا نحن نحتاجه، أقترح أن نرسل إليهم في نفس الوقت الذي نبدأ فيه المعركة. وافق «أحمد» على اقتراح «بو عمير»، وبسرعةٍ أرسل إلى الشياطين يشرح لهم ما سيقومون به، ويطلب إليهم الانضمام إلى النقطة ٩٠ … انتهت الرسالة، فنظر «بو عمير» الذي رفع يده، يطلب منه الانتظار، مدَّ يده وتحدث بطريقة اللمس: أقترح أن نستخدم الإبر المخدرة بدلًا من الدخول في صراعٍ مباشر!
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: لاحظ أننا نقع في دائرة كشف الأجهزة، وسوف نكون وحدنا أمام الرصاص، لكننا لو اشتبكنا، فسوف يتوقف الرصاص، وتكون معركة بالأيدي!
وافق «بو عمير» على وجهة نظر «أحمد»، الذي أضاف بعد لحظة: أقترح أن نرسل إلى رقم «صفر» الآن، فنحن في مرحلتنا النهائية من المغامرة، وسوف تكون الرسالة نوعًا من الاستعداد، إذا حدث ما لم يخطر لنا ببالٍ، خصوصًا ونحن أمام عصابة تستخدم أرقى الأجهزة الإلكترونية!
وافق «بو عمير» على رأي «أحمد» الذي أخذ يرسل رسالة سريعة إلى رقم «صفر» يحدِّد فيها كل شيء، وختمها: نحن في المرحلة النهائية … عندما انتهت الرسالة لمس «بو عمير» لمسة إشارة، فاستعدا معًا، كان الرجال يقفون في صف واحد، وكان هذا يعني، أن ضربهم في لحظةٍ واحدة يمكن أن يوقع بهم جميعًا؛ ولذلك فقد كانت قفزة الاثنين، تغطي طابور رجال العصابة، كان كلٌّ منهم يفتح رجلَيه، ليضرب اثنين من الرجال في وقتٍ واحد، وهذا ما حدث فعلًا، ضرب «أحمد» اثنين، وضرب «بو عمير» اثنين، وبقي الرجل الذي يقف في الوسط، غير أن ضرب الأربعة أسقط الخامس معهم، دخل «أحمد» و«بو عمير» في معركةٍ رهيبة، دار «أحمد» حول نفسه وهو يضرب أحدهم، بينما قدمه تضرب الآخَر، بينما كان «بو عمير» قد أمسك أحد الرجال من ذراعَيه، ثم طوَّح به بقوةٍ فاصطدم بالآخرين، إلا أن أحد الرجلين المشتبكين مع «أحمد»، استطاع أن يتلقى منه ضربة مستقيمة، فيهرب منها، ويضرب «أحمد» بقدمه في قوةٍ، جعلت «أحمد» يطير في الهواء، ثم يصطدم بساق شجرة، شعر بدوارٍ سريع، لكنه كان يتمالك نفسه، فقد لحق به الرجل، وقبل أن يسدِّد لَكْمته إليه، كان «أحمد» قد جلس على الأرض، فاصطدمت يد الرجل بساق الشجرة في قوةٍ جعلته يصرخ، إلا أنه في نفس اللحظة، ضغط على شيءٍ فيها، فتردَّد صوت يشبه الصراخ، وكأنه استغاثة، فَهِم «أحمد» بسرعةٍ أن هذه دعوة لبقية رجال العصابة.
نظر «أحمد» حوله فرأى ما جعله يبتسم ابتسامة سريعة، لقد كان الشياطين قد انضموا إليهما واشتبكوا مع الرجال، رأى «زبيدة» تضرب رجلًا ضربة خطَّافية، جعلته يطير في الهواء، ثم تلاحقه قبل أن يصل إلى الأرض، لتسدِّد له لكمة مستقيمة جعلته يصرخ، بينما كان بقية الشياطين قد أنهوا المعركة في دقائق. لكن نهاية هذه المعركة لم يكن إلا بداية معركة أخرى … فقد ظهر رجال العصابة، وكأن أرض الغابة قد أخرجتهم فجأةً، كان عددهم كبيرًا، فوقفوا في شبه دائرة حول الشياطين، إلا أن الدقائق لم تمُرَّ، ففجأة غطى الغابة ضوء قوي، جعل الجميع يخفون أعينهم لشدته، في الوقت الذي تردَّد فيه صوت من خلال ميكروفون يقول: ألقوا أسلحتكم، إن الأماكن كلها محاصرة! نظر رجال العصابة في دهشةٍ حولهم! بينما تقدَّم أحد رجال الشرطة السويسريين، نظر إلى الشياطين في ابتسامةٍ، وهو يقول:
«إن الحكومة السويسرية توجِّه لكم الشكر، فقد قدَّمتم لها، وللعالم كله، عملًا لا يُنسى»، في نفس الوقت، كان رجال الشرطة الذين ملئوا الغابة كلها، قد بدءوا يجمعون السلاح من رجال العصابة، تقدَّم عدد من الرجال يلبسون الملابس المدنية، وتبدو عليهم الجدية الشديدة، قال واحد منهم: أين الشجرة التي تتحدثون عنها؟
قال ضابط الشرطة مبتسمًا: الدكتور «فالدكوتني» عالم الزراعة … ابتسم «أحمد» وتقدَّم للدكتور، فحيَّاه ثم صحبه في اتجاه الشجرة التي لم تكن تبعد كثيرًا، هتف الدكتور «فالد»: أوه، إنها شجرة البلوط! كيف تنبت في هذا المكان وبين أشجار الحور؟! في نفس الوقت، تقدَّم آخَر، قال عنه ضابط الشرطة: الدكتور «موسكاف» عالم الإلكترونيات، تقدَّم «موسكاف» من شجرة البلوط، وأخذ يتسمَّع ما يصدر عنها، ثم أشار إلى مساعديه، فأمسك أحدهم ببلطةٍ متوسطة الحجم، ثم بدأ يضرب ساق الشجرة في حذر، فجأة؛ سقط جزءٌ كبير من الساق! وظهر عالم غريب، لقد كانت ساق الشجرة مفرغة تمامًا! وقد وضعت فيها أجهزة غاية في الدقة، ظهرت الدهشة على الجميع، بينما قال الدكتور «موسكاف»: إنها عمل جهنمي، مَن يستطيع أن يفعل ذلك؟! اقترب ضابط الشرطة من الشياطين وهو يقول: لقد أخطئوا خطأً واحدًا، فقد وضعوا شجرة البلوط بين أشجار الحور، ولو أنهم لم يقعوا في هذا الخطأ، ما استطاع أحد أن يتوصَّل إلى شيء!
كان الشياطين ينظرون بدهشةٍ إلى شجرة البلوط الغريبة، التي تمثِّل غرفة عمليات مجهزة تجهيزًا كاملًا! غير أن وقوفهم عند الشجرة لم يطُل، فقد كانت هناك رسالة من رقم «صفر» استقبلها «أحمد»، كانت الرسالة تقول: تهنئتي، لقد حقَّقتم عملًا عظيمًا! إلى اللقاء! وفي هدوءٍ أخذ الشياطين طريقهم إلى خارج الغابة، فقد كانت المغامرة مثيرة تمامًا، ربما أكثر من أي مغامرةٍ سابقة! لكنهم في نفس الوقت كانوا يتساءلون: «هل هناك مغامرة أخرى؟»