ذكرى الطفولة
إن المرء إذا جعل يتذكر أيام طفولته؛ أحس لذة مثل لذة الرجل عند رؤية ابنه الصغير. فإننا ننظر في أعماق السنين إلى ذلك الطفل الذي كُنَّاه في طفولتنا؛ فنحنو عليه ونقبله بفم الذكرى، وهو لدينا مثل وليد لنا رضيع. ولقد يجول بخاطر المرء أن ذلك الطفل الصغير الذي كانه ليس بذلك الرجل الكبير الذي يحنو عليه، الذي يعبث بالذكرى، ويكشف عن الطفولة حجابًا مثل حجاب الحسان. فإن أكثر المرء مكتسب من الأيام والحوادث؛ ومن أجل ذلك صار يَعُدُّ شخصه في الطفولة جزءًا صغيرًا منه، ولو تفهم المرء تقلبه في أطوار عمره لرأى أنه ينتقل من حياة إلى حياة، وأنه يخلع كل يوم حياة ويلبس أخرى.
لست أعجب من شيء عجبي من أني لا أزال أذكر حوادث من حوادث الطفولة. وإن المرء ليزهى بالمقدرة على ذلك التذكر، كأنه قد سلب جزءًا من الخُلد، وصفة من صفاته. ولقد تمر بالمرء ساعات يتوق فيها إلى طفولته، ويناجي شخصه الصغير الذي كان يعمرها قائلًا: يا بني قد جعلتْ بيني وبينك الأيامُ سدًّا، فنحن لا نلتقي حتى يلتقي الأزل والأبد، أمد يدي إليك كما يمد الأعمى يده إلى قائده، وأقول لك: أين أنت؟ فيجيب الصدى قائلًا: أين أنت؟