الغرور
إني إذا قلت كلمة أو فعلت فعلًا يبعث سخر الناس؛ أعاني من توبيخ الضمير من أجله أكثر مما أعاني إذا أتيت جريمة، فإن المرء مهما عظم احتقاره الناسَ يتألم من سخر الناس أكثر مما يتألم لهم إذا أصابهم بسوء، فليس الذي يصيبه بِشرٍّ أعز عليه من نفسه حتى يتألم له. ولو كان تألم المرء إذا أتى جريمة لمن وقعت عليه الجريمة، لما تألم كثير من الناس من جرائمهم. وإنما تألم المرء إذا أتى جريمة أن إتيانها يفسد أعصابه، مثل إدمان الزنى أو إدمان معاقرة الخمر، فهذا التألم ناشئ من تأثير الجريمة في أعصابه ونفسه.
فإذا سخر الناس من رجل من أجل كلمة قالها، أو فعل فعله؛ عانى هذا الرجل من ضميره تأنيبًا على ما قال أو فعل، لا سيما إذا كان كثير الإحساس. فإن المرء ليس عنده شيء أعز عليه من نفسه، فإعجاب المرء بنفسه أعز عليه من فضائله ومن رذائله — وبعض الرذائل عزيز — ومن حسناته ومن سيئاته. فإعجاب كل امرئ بنفسه جزء من حياته، لا تستقيم الحياة إلا به، والناس أشباه سواسية في هذا الإعجاب، سواء الأمير وسائق الحمير، فإن كل الناس مغرور، ولكن على حسب طبائعهم تختلف أنواع غرورهم. والغرور من أسباب سوء الظن، فإن من كان مغرورًا خشي أن يهينه أو يؤلمه الناس، وهذا الخوف قد يزداد بالمرء حتى يجعل إحساسه مثل جلد اللديغ الذي إذا احتك به الحرير آلمه.
وما يدريني! ربما كانت معائب الإنسان في الإنسان مثل الملح في الطعام، أليس غرور الناس من التوابل التي تسيغ بها الناس؟ ولا أنكر أن التوابل والأملاح إذا أكثرت منها أتلفت عليك الطعام. وكذلك الغرور، إذا أكثرت منه لم تسغك الناس، ولكن هذا الإكثار لا يقلل من فضل التوابل ولا من مزايا الغرور. والغرور شيء يصح أن تصرف به الضمائر، فتقول: أنا مغرور، وأنت مغرور … إلى آخر ما ذكر النحويون من الضمائر.
استعرض على خيالك جماعة من الناس ليس عندهم شيء من الغرور، إنك لتكلف نفسك شططًا؛ لأن المرء إذا لم يكن فيه نوع من الغرور؛ فإنما سبب ذلك أن فيه نوعًا آخر من أنواعه. فالضاحك مغرور، والباكي مغرور، والفقير مثل الغني مغرور بما يجده في العيش من اللذات والآلام، فهو في ذلك مثل الغني حذوك النعل بالنعل، لا يختلفان إلا بمقدار ما تختلف القدم اليمنى والقدم اليسرى، والجواد مغرور بماله مثل البخيل، والغبي مغرور بعقله مثل غرور صاحب الذكاء بذكائه، وصاحب التقوى مغرور بتقواه، مثل غرور صاحب العهر بعهره.