الحياة والرحمة
ولكن أي الناس في غنًى عن الرحمة، إنها مصدر قوة لمن أحسها، ولمن وقعت عليه؛ فإنها تزيد المرء ثقة بنوع الإنسان، وتُعِدُّه لاستئناف مكافحة الحوادث ومناجزتها. وليس القوي العظيم، ولا الملك صاحب الجند والحرس، ولا المصارع الجليد، ولا السري المُنعَّم، ولا الوارث المترف، ولا صاحب الدهاء والقدرة، بأقل حاجة إليها من الأرمل المريضة، أو الطفل الرضيع، أو الشيخ الضعيف. وهي أساس كثير من أنواع الحب. وقد يصدر عنها من الأعمال ما يدل على أنها مظهر من مظاهر القوة.
والناس في حاجة إلى الرحمة حتى ولو كانت رحمة عاقر، لا يصدر عنها عمل جليل، فإن إحساسها يولد التفاهم الذي يوقظ قوى النفس وينعشها، يقول نيتشه: إن الرحمة تضر نوع الإنسان … إلا أنه لأحوج الناس إلى الرحمة. وأي الناس يقدر أن يمحو من قلبه عاطفة الرحمة إذا زار مستشفًى ورأى الأمراض والأدواء، وكأن المرضى تماثيلها؟! أليست هذه الدنيا أيضًا مستشفًى كبير ونحن فيه تماثيل الأمراض والمعائب والنقائض والحماقات والخرافات والجرائم؟ وإن من كانوا كذلك لخليقون بالرحمة.