العجب واليأس
لا تطلب من الناس الكمال فتيأس منهم، وتضيع ثقتك بهم، وتَملَّ من أجل ذلك الحياة، فإن طلبك الكمال من الناس ضرب من الغرور وحب النفس والعجب، فإنما تطلب منهم ذلك الكمال لتنتفع به.
لقد كنت في صغري كثير الثقة بالناس، كثير المودة لهم؛ ولربما كان ذلك سبب قلة ثقتي بهم الآن. كنت آتي إليهم وأظهر لهم الثقة بهم فيظهرون الحذر مني. كنت أدور على بيوتهم أستجدي قليلًا من الإخاء فلا أجده لديهم. كنت «دون كيشوت» صغيرًا يطلب من الناس الكمال، ولكني لم يكن عندي صبر «دون كيشوت» وأمله وعزمه. ولا غرابة في جزعي حين رأيت أن الناس ليسوا عند ما ظننت فيهم من الكمال، فإن من أعمته ثقته بالناس عن عيوبهم، لا بد أن تعميه التجارب عن حسناتهم. ومن أجل ذلك صرت إذا رأيت من إخواني مللًا حسبته غاية الغدر، وإذا رأيت منهم خدعة حسبتها غاية النفاق واللؤم، وإذا رأيت منهم جفوة حسبتها غاية البغض. ومما زاد امتعاضي منهم أني لم أفطن إلى ما في نفسي من الغرور والأنانية، ولم أعرف أن في غروري وأنانيتي عذرًا للناس على ما في نفوسهم من أمثال هذه الصفات.
إن إعجاب المرء بنفسه لا بأس به إذا أغراه بالمحامد وزجره عن المقابح، ولكنه إذا عظم واشتد كان سبب شقائه؛ لأنه يريد أن يحمل الناس على أن يكون في كل كلمة يقولونها أو عمل يعملونه ما يرضي إعجابه بنفسه، وهذا لا يستقيم له؛ فيحزن وييأس، ولا ينتفع به طول حياته ولا ينتفع هو بحياته.