الخوف والوهم
إن للخيال تأثيرًا كبيرًا في الحياة، سواء النوم واليقظة، فالإنسان محكوم بخياله في آرائه وخواطر باله ومساعيه وآماله، وما يزعم من الحقائق وفي معاملته الناس. ومن أجل ذلك كنت أتهم رأيي فيعود اتهامه بالوبال؛ إذ يدعو إلى التردد والإحجام عن المضي فيما يحاول الإنسان عمله. والخيال يشرك المرء في عواطف الناس وحالاتهم؛ مما يدعو إلى التعاطف والتفاهم، ولكنه يخلق من الصغيرة كبيرة ومن الكبيرة صغيرة. والخيال جَنة الأحلام وجحيمها، ألسنا نمضي الحياة بين أحلام النوم وأحلام اليقظة، بين أزاهير الأحلام وأشواكها، وبين ملائكة الأحلام وشياطينها؟ فتارة أحس كأني نُقلت إلى وجود غير هذا الوجود، إلى حيث الهواء شذًا والماء عطر، والناس من الحسن والفضل في الكمال، فيخيل لي كأني:
ففي بعض الأحايين أرى في اليقظة أحلامًا لا أقدر على وصفها من فرط جمالها، ولكني في بعض الأحايين أرى أحلامًا سوداء من أحلام اليأس والأسى، فأخشى كل مصائب الحياة التي يمكن أن يصورها الخيال في صحائفه ذات الألوان الكثيرة المختلفة، وأتوقعها وأحسها وأتألم منها مثلما أتألم منها لو أنها وقعت بي. فأخشى الكهرباء في السحاب، وفي عرباتها، وما ركبت عربة منها إلا خشيت انكسارها. وأخشى أخطار السكك الحديدية في الأسفار، وأخشى الحريق كل ليلة أو نهار، وأخشى وقوع المنازل أو سقوط شيء من نوافذها إذا كنت بين المارة. وأخشى الكلْبَ الكلِب، وأخشى الحشرات مثل الثعابين والعقارب، وأخشى الفئران والصراصير. وأخشى البرق أن يصيب عيني بأذى، وأخشى اللصوص على عدمي، وأخشى الحاجة والفقر المترب، وأخشى العمى، وأخشى الجنون، وأخشى الأوجاع والأمراض. وأخشى الموت ولا سيما الموت المؤلم، وأخشى الحياة وما قد تأتي به من الأحزان والمصائب، وأخشى البرص، وأخشى الطاعون. وأتوقع كل المصائب والأضرار وأتألم منها كأنها قد حلت بي جميعها. وهذا التألم من جنون الخوف الذي سببه الخيال. ومن أجل ذلك كان من رحمة الله أن الخيال في الجمهور من الناس كالنسر الحبيس لا يبلغ الشمس ولا يفترس الطير.