الفزع من التهم
الفزع من التهم ضرب من سوء الظن والجبن، لقد رأيت في الحلم البارحة أني اتهمت كذبًا بإتيان جريمة، ولم يكن عندي ما أدفع به التهمة من الأدلة والشواهد، وصرت أصيح أمام القاضي وأقول: أنا بريء، والقاضي يهز رأسه ولا يصدقني، والشاهد الكاذب يبتسم ابتسامًا خبيثًا، ثم رأيت بعد ذلك، أني أُساق للسجن والإعدام. إنه لحلم يفزع ذكره فلا أقدر أن أصفه، غير أني قد استفدت منه أني أحسست ما يكون عليه المتهم البريء المحكوم عليه بالإعدام من اليأس، فيرى أن العدل حلم يغر ويخدع، وأنه خيال جميل تلتمسه اليد فلا تناله. وأحيانًا أحس في اليقظة أيضًا ما يحسه المتهم البريء، فأحسب أن العدل حلم يغر، وأن الفضيلة خيال جميل.
أي الناس لم يُتهم وهو بريء في زمن من أزمان الحياة! إني لأذكر أني اتُّهمتُ زورًا وبهتانًا في أيام صغري بسرقة علبة من علب الحلوى، ولا أزال أذكر ما نالني من الفزع أن تكون الحياة كلها تهم باطلة. ثم سهرت ليلي أبكي وأنتحب من كذب الناس وتهمهم. ألم تتَّهم أيها القارئ «باطلًا» في أيام صغرك بسرقة قطعة من السكر، أو بكسر إناء زخرف، أو بأمثال ذلك من التهم؟ إذن فكيف تتقي أن تتهم غدًا باطلًا بإتيان أفظع الجرائم وأعظمها؟!
على أنه من جنون اليأس والفزع والجبن توقع ما لم يحدث بعد من المصائب، وقتل النفس بهذا التوقع. فكن كأنك قد ألفت من الناس الكذب والاتهام بالباطل، فلا تعبأ به إذا استطعت إلى ذلك سبيلًا، واجعل لك من صبرك جُنَّةً تتقي بها الناس، وخذ بقول ابن الرومي:
فإن قلة الصبر وكثرة الضجر تنأى بالمرء عن كثير من عظائم الأمور وجليلاتها؛ لأن المطلب الجليل والحياة العظيمة تستلزم الصبر، وليس الصبر أن يجهل المرء ما هو فيه أو ما يتوقعه من الضر وأن لا يحسه، بل الصبر أن يعرفه ويحسه، ثم يجد من عِظَم نفسه ورجولته ما يغريه بالطمأنينة والسكينة، فما أحقر من لا صبر له وما أذله!
قال صديق: عرفت حلاقًا بطيئًا، فكنت أذهب إليه إذا طال شعري كي أتعلم على يديه الصبر، ولكني وجدت أنه يزيدني من قلة الصبر.
إنه لمن سخر القضاء أن يعرف المرء الداء، ولكن لا يجد إلى الدواء سبيلًا.