أمواج النفس
إني لأجد من نفسي في بعض الأحايين ارتياحًا إلى السكوت التام، فيزعجني الكلام مهما قلَّ، سواء مني أو من جليس. ومن أجل نوبات السكوت التي تعتادني أكره مجالسة الناس؛ لأنهم يريدون مني أن أتكلم متى شاءوا، فإذا خالفت مشيئتهم عُدَّ ذلك ذنبًا لديهم. ولكنَّ في النفس مدًّا وجزرًا؛ ومن أجل ذلك أجد ذهني في بعض الأحايين يجود بالمعاني، كما تجود الأشجار بأزهارها وثمارها. وأحيانًا يكون كالشجرة العاقر التي ليس لها ثمر ولا زهر، أو كالبئر التي نضب ماؤها، أو كالصحراء المجدبة، فطَورًا يرقى بي إلى منزلة الآلهة، وطورًا ينزل بي إلى منزلة البهم.
ولا غرابة في ذلك، فإن المرء لا بد أن يعدل في عمره ساعات الإلهام النادرة الثمينة، بأيام طويلة من أيام البلادة والغباء، فإن محامد المرء ومواهبه محسوبة عليه في حياته. ومن أجل هذا المد والجزر الذي أراه في النفس؛ يخيل لي أن روح الإنسان آلة تمر عليها من الطبيعة روح تحركها فتجود تلك الآلة بأنغام المعاني، ثم تركد هذه الروح فتبقى الآلة خرساء لا تجود بالنغم، كذلك الأغصان تهب عليها الرياح فتئن فيها أنينها، وتطلق فيها من أنغام الحفيف ما يستهوي السمع، فإذا ركدت الريح بقيت الغصون خرساء ليس بها من نغم.