الأبد في دقيقة
آهِ لو أمكن أن أعيش الأبد في دقيقة واحدة، فأحس كل إحساس، وأفكر كل تفكير، وتخطر على ذهني كل الخواطر، وأجتبي كل المعاني، وألتذ كل اللذات، وأتألم كل الآلام، وأحب كل الحب، وأحسو كئوس العواطف، فلا أترك بها سؤرًا، وأتخيل كل تخيل، وأجني ثمار الحياة في دقيقة واحدة تكون أجلَّ من الأبد، وأعظم من الخلد. لا أحسب أن نفسي ترضى بلذة غير هذه اللذة، التي تجمع بين لذات الأبد وآلامه في دقيقة واحدة.
إن نفسي لتحس قيود الضرورة وتتألم منها كما يتألم الأسد المكبل، وتريد أن تصدع عنها أغلالها وأن تعيش حرة، ولكنها بالرغم من ذلك، تعرف أن ذلك أمر لا يكون؛ فإنه لا يصدع عن النفس قيود الطبيعة إلا الموت.
ما أروع أن تكون حياة المرء عاصفة تُجتلى فيها لذات التفكير والتخيل! عاصفة تهيج ساعة ملؤها اللذة والجنون، ساعة ينال المرء فيها كل ما خطر بباله، أو حن إليه قلبه أو جن به لبه، ساعة تكبر فيها النفس حتى تملأ الفضاء، ساعة تفني فيها النفس لذات هذا الوجود، ثم لا تشبع فتخلس لذات كل وجود، إن كان هناك وجود غير هذا الوجود. ثم لا تشبع فتخلس لذات كل وجود يمكن وجوده فيما يستقبل من الزمن، ثم لا يشبعها ما تناله فتخلس لذات الفردوس، وكل فردوس يتصوره الخيال. ساعة تعظم فيها النفس حتى تملأ الأبد. ساعة لا يبالي فيها المرء الأقدار والأخطار، ولا الموت والفناء. ساعة تصعد فيها النفس حتى تسامر الأفلاك. ساعة يعظم فيها المرء حتى يكاد يلمس النجوم قاعدًا.