الضاحك الباكي
إن الحياة عندي ضحكة وبكاء، فأنا كثير الضحك كثير البكاء. فتارة أضحك وأنا أبكي، وتارة أبكي وأنا أضحك، وتارة أضحك وأنا حزين، يكاد ينفطر قلبي من الجوى، وتارة أبكي وأنا جذلان مسرور. تارة أحس قلبي يتقطع من الحزن، فأذكر قصة مضحكة أو فكاهة لطيفة، فأضحك حتى أقهقه، فإذا فرغت من القهقهة رجعت إلى ما كنت فيه من الحزن والبكاء. وتارة أكاد أطير وأرقص من الجذل والفرح، فأذكر حادثًا مؤلمًا أو قصة محزنة أو منظرًا من مناظر الشقاء فأبكي بكاءً مُرًّا.
إني لأبكي عند رؤية غروب الشمس، وعند شروقها، وعند رؤية الجمال المفرط. وأبكي عند قراءة قصيدة مؤثرة، وعند رؤية الرسم الجميل والألحان الرقيقة. وأبكي عند الغضب، وأبكي عند الرضا، وأبكي عند الفرح، وأبكي عند الحزن. وأبكي عند سماع قصة مؤثرة، أو رؤية منظر من مناظر الشقاء، أو منظر من مناظر الجلال والروعة.
غير أني أجتهد أن أخفي دموعي بالضحك أو السخر أو الهزل والفكاهة. إن بي شيئًا كثيرًا من الحزن الطبيعي، لحقني من طريق الوراثة، وزادته القراءة والتفكير. وإنه ليخيل لي أن كل أمة لها روح ذات إحساس مثل أرواح الأفراد، وإن روح الأمة تلج إلى أرواح الأفراد وتبث فيها أطوارها وأحوالها، فإذا صح هذا التخيل لم يكن غريبًا أن في نفسي شيئًا كثيرًا من القلق، وغيره من الصفات التي تكتسبها أرواح الأمم في حالة التغير والانتقال من أخلاق إلى أخلاق، ومن صفات إلى صفات.