عبث الفكر
إن بعض التفكير داء عياء، ففي بعض الأحايين أفكر في كل شيء وفي غير شيء، فأفكر في الطعام الذي آكله، وفيما تقع عيني عليه من الأشياء، وفي الأرض التي أمشي عليها، وفي السماء التي تظللني، وفي الهواء الذي أنشقه، وفي الناس الذين أراهم، وفي غير ذلك من أمور الحياة.
وكلما فكرت في شيء قادني التفكير فيه إلى التفكير في شيء غيره، حتى إذا أردت بالليل عند النوم أن أوقف تيار هذا التفكير الذي ليس له جدوى ما قدرت، فيخيل لي كأن عقلي آلة فسد تركيبها، وأسمع ضجيج روافعها وعجلاتها، ثم أريد أن أضع يدي على الرافعة التي توقف حركتها فلا أجدها، فأتركها حتى تقف من نفسها بعد عذاب شديد. ومن أجل ذلك أحس أحيانًا كأن عقلي طائر يهم بالطيران فأرتاع ارتياعًا شديدًا. وأحيانًا أحس كأنه طاحون تدور، ولكن ليس بها طحين.
إن في عقلي شرهًا إلى التفكير، مثل شره الإنسان إلى الطعام؛ فأتمنى أن أجتني كل معنى، وأن أتخيل كل خيال، وأن أفكر كل فكر، وأن أعرف كل شيء، وأن أقرأ كل كتاب في العلوم والآداب. ولا تحسب أن هذا الشره يعين على الاطلاع، إنه يعوق؛ لأن الحيرة تتملكني، فلا أعرف بأي الكتب أبدأ. ومن أجل هذا الشره أسرع في قراءة ما أقرؤه حتى يألم ذهني. وفي بعض الأحايين أَعُدُّ كل تفكير عبثًا وباطلًا، وأتمنى أن تكون الحياة مثل خواطر الشعراء، وما يتخيلونه من الصور البديعة.