الإنسان والكون
ما أحقر حياة الفرد من البشر في هذا الوجود الذي ليس له حد ولا نهاية! انظر إلى هذه الأرض التي تحملنا، أليست هي فَلكًا صغيرًا من أفلاك كثيرة لا تعد ولا تحصى؟ وهذا النظام الشمسي، أليس هو جزءًا صغيرًا من الوجود؟ أليس هو نظامًا واحدًا من أنظمة فلكية كثيرة؟
إني كلما فكرت في ذلك أحسست ضآلة الإنسان وحقارته، فيصغر الناس في عيني حتى يصيروا في حجم النمل أو أقل. فهب أن نملة تشكَّت وقع الأقدام، أليس ذلك مثل تشكي الإنسان ظلم الأقدار وامتعاضه منها؟ وماذا يهم الكون أنه يتألم ويشقى؟ ألسنا نهزأ ونسخر من شكاية النمل؟ وكأني بروح الوجود تهزأ بشكايتنا، وكأني بقوى الوجود تسخر منا. كلما فكرت في ذلك تملكني اليأس والملل، وصغر عندي كل عظيم جليل من الناس، أو من أمور الحياة، أو من العلوم والآراء والآداب، وأرى أن الحياة عبث، وأنها فكاهة غثة، فأود لو أريح نفسي من الاهتمام بما تستلزمه من الأشياء الحقيرة، والأعمال الحقيرة، والمساعي الحقيرة، والقيام والقعود، والكلام والسكوت، والنوم واليقظة، واليأس والأمل. فقد تمر بي ساعات أمقت فيها هذه الأشياء كلها، وغيرها من أمور الحياة مقتًا شديدًا. وسبب ذلك كله أني أحس الحياة إحساسًا شديدًا وأحس الأبد؛ فتصغر لديَّ الحياة. وأحس الأطماع الكبيرة؛ فأحتقر لها الحياة. وأرى أن المرء ينبغي أن يسعى وراء المطلب الأجلِّ الأكبر؛ فأجد كل مطالب الحياة صغيرة حقيرة. هذه تعاسة كل من فكر فيما شابه الأبد من عظيم الآمال والمطالب والأعمال والمساعي.
وقد تمر بي ساعات، أحسب فيها أن رأسي مثل خلايا النحل، وأحس لذع الآراء والخواطر، وأحس كأني أحمل بذور الشقاء في صدري، وأن له شجراتٍ مرةَ الثمرات، تنبت في القلب، وكأني أحس نموها فيه. وأحس كأن الشقاء كلب يعدو ورائي؛ فأتحفز للعدو هربًا منه، وأتلفت ورائي لأرى مسافة ما بيني وبينه.
هب أن للوجود رُوحًا تسعى به إلى الخير، أليس سعيها إلى الخير أبطأ من سعي السلحفاة؟ فإن هذه الروح تسير بالكون إلى الخير من الأزل إلى الأبد.