شعر الألوان والروائح
الشباب كثير الألوان، جم الروائح، فهو حديقة من حدائق الربيع، ورَوح من أرواح الفردوس، وهو الحياة ولا حياة بعده. والألوان والروائح من أشد الأشياء إثارة للعواطف، وإني لأجد لذة في النظر إلى الألوان المختلفة؛ من الحمرة أو الزرقة أو البياض أو الصفرة أو البنفسج أو الخضرة، وأجد في كل لون معنًى ولحنًا من معاني العواطف وألحانها، فالألوان والروائح تبعث الذكر والأماني، ألم ترَ قط لونًا بديعًا، أو رائحة ذكية فأذكرتك حبيبًا مضى، وعهدًا تقضى؟ أم لم توقظ ذكرى الساعات اللذيذة، والأماني والأحلام الحلوة، التي هي جمال الحياة، حتى كأنك تسمع تغريد العصافير في صدرك، وتجد لذة ليس بعدها لذة في النظر إلى الأشياء، حتى كأن الله قد كسا وجوه الحياة بنور من نوره؟!
ولقد تنقلب الألوان في أيام الشقاء والتعاسة، فتصير جمرات مختلفة الألوان؛ فتحس لهيبها في العين والقلب. وكذلك في الروائح لذة وألم، فإني أحيانًا أشم الروائح العطرية بعنف، كما يلتهم الجوعان طعامه. ولكني تؤلمني الرائحة الكريهة مهما خفيت، وأتأذى بها كما أتأذى بالخطب الجلل، وأتمنى أحيانًا لو تكون الحياة في يدي خرقة أريق عليها ما أشاء من الروائح العطرية. آهٍ، ما أجمل الحياة التي يشم صاحبها منها رائحة الفل أو الياسمين أو البنفسج!
إن لذات الحس قد تبلغ بالمرء جنون اللذة، ولكنها تبلغ به أيضًا جنون الألم، ومن كان كذلك لم ترجَ له سعادة؛ فإن السعادة أن لا يكون إحساسك شديدًا.
آهٍ، ليتني أمد يدي إلى السماء فأختطف بها الضوء، وأخط به على القرطاس خدودًا مثل خدود الحسان، وعيونًا مثل عيون الملاح؛ تلك العيون التي تضيء وجه النهار، وتلك الخدود التي تنير وجه الحياة!