عشق أصحاب الفنون
إن ألذ شيء في الحياة هو قدرة المرء على أن يجعل إرادته غالبة لإرادة مخلوق جميل، وبواسطة ذلك التغليب يبحث عن روح ذلك المخلوق الجميل، ويعطيها من آرائه وعواطفه وخيالاته؛ فحينئذٍ يكون كأنه أعطى لآرائه وعواطفه جسمًا جميلًا هو جسم ذلك المخلوق الجميل، ويكون مثله مثل صانع التماثيل، الذي يودع آراءه وعواطفه في ذلك الرخام الذي يصنع منه حسان الدمى. ولكن الشاعر المحب أَجلُّ صنعة؛ لأنه يودع عواطفه وآراءه في روح حية وجسم جميل حي. وينظر الشاعر المحب إلى جسم حبيبه كأنه ينظر إلى تمثال آرائه وخيالاته وعواطفه.
آهٍ، ما ألذَّ تلك الساعة التي تشعر فيها أن حبيبك يجد لذة وسعادة في حبك إياه! إن حب الشاعر أو غيره من أصحاب الفنون الجميلة غير حب الفرد من أفراد جمهور الناس؛ لأن حب الأول وسيلة، ولكن حب الثاني غاية يسعى إليها. أما حب أصحاب الفنون الجميلة، فإنه وسيلة يريدون أن يوقظوا بها قواهم وملكاتهم الكامنة، ويشعلوا بها التخيل ويهيجوا بها العواطف، ويجعلوا حبيبهم تمثالًا لما ينشدونه في فنونهم من الجمال.
لقد مضى عليَّ زمن كنت أَعُدُّ الجمال فيه عقيدة، ولكني الآن أكاد أَعُدُّ هذه العقيدة خرافة مثل غيرها من الخرافات التي كنت أحسبها عقائد؛ لأني صرت أشك في الفنون وقيمتها في الحياة.