الفصل الأول
خطة الكتاب – ملخص تاريخ بيروت.
***
يُطلب عادةً من الرحالة أن يصف — ببعض التفصيل — البلد الذي يتناول الحديث عنه، لكي يعرِّف النقاط المهمة في تاريخه. وهذه الطريقة يتوجب عليه اتباعها، ولا سيما حين يُضطر — لأنه لا يريد، أو لا يستطيع أن يطوف كثيرًا — أن يقيم في مكان معلوم ليراقب من محل مشرف جميعَ الأشياء التي يدور عليها موضوعه، فيعطي كلًّا منها على حدة لونه الخاص.
وأعتقد أنه يجب الإكثار من الإلمام ببعض المعلومات المختلفة؛ لأنها تحتوي كل ما هو ضروري لمعرفة مكانٍ أو ناحيةٍ في مختلِف الوجوه التي تعوَّد أن ينظر إليها من خلالها.
وإذا اقتُفي أثري، فإن معرفة البلدان النائية تصبح سهلة، والذين يرودون البلدان — وعندهم هذه الصورة التي تتكون من مجموعة هذه الإلمامات الجزئية — يستطيعون أن يقوموا برحلة مجدية، فينتقلوا إلى المكان الذي يريدون أن يرَوْا فيه شيئًا معيَّنًا، كلٌّ حسب ذوقه وهدفه الذي يحدوه إلى السفر.
أفلا يُصنع هكذا عندما يراد تنظيم خريطة بلادٍ ما؟ لا بد من رسم الخطوط الأولية أولًا لتصلح فيما بعد أن تكون صورة كاملة؛ وبهذه الطريقة تكون — على قدر الإمكان — صحيحة كاملة.
شاهدت علماء وهواة يطوفون جميع أنحاء سوريا؛ لأنهم يريدون رؤيتها في خمسة عشر يومًا، ثم ينشرون «مشاهداتهم» حسب آرائهم المستقاة من المكاتب، أو مأخوذة من محادثات أهل البلاد الذين صادفوهم في طريقهم. تلك هي الخطة التي سلكها من تقدَّمهم، بعد أن مرُّوا عن يمينٍ وشمالٍ بالآثار والأمكنة والمدن التي كان لهم بعض اللذة في مشاهدتها.
وهذا هو السبب الذي حملني — في أثناء إقامتي عدة سنوات في سوريا — على أن أسدد في مناحيَ شتى خطوات السائح العادي. لقد نبَّهتهم إلى أشياء طريفة كان وجودها عندهم مجهولًا، إلا أنهم لم يحاولوا معرفة الذي دللتهم عليه، بل إن كثيرين منهم تحدثوا عن أشياء لم يعرفوها إلا بالسماع.
كان يمكنني أن أسجل لهم عدة أخطاء؛ لأني رأيت سوريا بعيني، وقرأت الكتب التي نُشرت عن هذا البلد، إلا أني لما كنت لا أكتب إلا لأُرضيَ رغبة أصدقائي المُلحَّة، طامعًا بإمتاع الجمهور وتفكِهته، فسوف لا أدل على أخطاء غيري؛ لأن ذلك يقتضيني الكثير من اللباقة.
وسوف يلاحظ القارئ أنني على طرفَي نقيض وبعض الرحالة الذين حكموا — على ذمة غيرهم — على أشياء كثيرة حكمًا سطحيًّا.
أما أنا فسوف لا أذكر شيئًا لم أرَه بأم عيني، أو أنه لم يكن من قبلُ قيد ملاحظة دقيقة ناضجة.
وعام ٤٤٨ دُعي إلى عقد مجمع ثانٍ فيها.
وفي ١١١٠ احتلها المحاربون الصليبيون.
إن الأبراج التي كانت لا تزال قائمة بحالة حسنة، قبل هجوم الإنكليز والنمساويين، هي أيضًا — ولا شك — مأثرة من مآثر الصليبيين.
إن تاريخ بيروت الحديث معلوم ومعروف؛ ولهذا أرى أنَّ ذكر الحوادث التي قام بها الأمير فخر الدين، وضاهر العمر، والجزَّار هي عديمة المنفعة.
فلنكتفِ إذنْ بالقول إن هذا الباشا الأخير — ذا التاريخ الدامي (الجزَّار) — هو الذي انتزعها إلى الأبد من الأمراء الدروز، وحين لم تبقَ مقرًا لأمراء لبنان وإقطاعة لهم، أمستْ ذات أهمية ضئيلة جدًّا.
ثم حدث أن احتمى أحمد الجزار عند الأمير يوسف شهاب لمَّا هرب من مصر. وعلى الرغم من أن الأمير يوسف قد استقبله استقبالًا حفيًّا وجعله — فيما بعد — «متسلمًا» في بيروت، فقد نوى على أن يحتل المدينة، وشرع يحصنها.
وعندما أصبح الجزَّار باشا عكا — وهذا ما نراه فيما بعد — دعا المحسن إليه الأميرَ يوسف، حتى إذا ما أصبح في قبضة يده أمر بذبحه.
نظر الباب العالي — بعين الحسد — إلى المركز الهام الذي حازته بيروت بفضل موانئها ومنتجاتها ورفاهية شعوبها، فأبى أن يُعفيَها من رسوم الجمارك؛ وهكذا اضطُرت السفن إلى أن ترسوَ أكثر الأحيان في مرافئ صيدا وطرابلس التي كانت قاعدة أهم المؤسسات التجارية على الشاطئ، ولكن لمَّا كانت أعمال التجارة حرة، كانت بيروت تتمتع بأفضلية على الأساكل الأخرى، ويجب أن نعتبر أن هذه المدينة هي أكثر أهمية من غيرها بالنسبة للمراكز الدبلوماسية، ومكاتب سوريا التجارية.
أما إخضاعها ثانيةً لسلطة السلطان مباشرة، فكان عام ١٧٨٧.