الفصل الحادي والثلاثون
إن المسيحيين — رغم بساطتهم وجهالتهم وفقرهم — هم خير الشعوب التي تسكن لبنان وأودعها، وأكثرها أهلية لاقتباس العلم والثقافة، وأشدها خضوعًا للكنيسة الرومانية، وتعلقًا بفرنسا. إنهم يفاخرون بعناية ملوكنا بهم واهتمامهم، ولا يزالون يطالبون بالحماية القديمة التي سبق أن منحوههم إياها.
إن الموارنة حسنو الخلق، وهم لم يُحرَموا بعض التفكير، وتصرفاتهم على جانب كبير من اللين، بَيْدَ أن الرياء والمداجاة، وبوجهٍ خاص روح الانتقام ترافق عادةً هذا المظهر الجذاب.
إن نيبور — السائح المدقق — أدرك مثلي ما أتيت على ذكره ها هنا. ولقد أُتيحت لي الفرصة فتأكدت أن بساطة العادات لم تكن تَحُول دائمًا دون فساد الأخلاق. وقد يكون تسرب إلى النساء المارونيات ما تسرب إلى غيرهن من الفساد. والأهالي المتصفون بالمداجاة واللياقة لا يحجمون متى سنحت لهم الفرصة عن أن يثأروا لأنفسهم ممن أساء إليهم ولو بعض الإساءة، أو عاقبهم وإن كانوا يستحقون ذلك العقاب.
إن الموارنة — مثل سكان سوريا الآخرين — قصيرو الأعمار، ولا يعرفون إلا التباهيَ المفرط بالملبوسات والأسلحة والخيول. بَيْدَ أن ذوقهم هذا محدود جدًّا لا تفنُّن فيه، وجميع ثرواتهم تنحصر فيما يرتدونه؛ نرى نساءهم يتحلَّيْن بخواتم ضخمة، وأساور فضية حول الزندين، وخلاخل في الساقين، ويتقلدن عقودًا ثمينة، ويضعن في آذانهن أقراطًا من الذهب، ويتعصبن بعصابات تشكُّ فيها الدنانير الذهبية، ويعلقن في ذوائبهن عددًا غير قليل من هذه الدنانير. إن غنى الأزواج في هذه البلاد يُعرف من المجوهرات التي يتحلى بها نساؤهم في النهار وفي الليل؛ إذ إنهن ينمن متحليات بها.
وإذا كانت الحياة القاسية البائسة دليلًا على قناعة ودماثة أخلاق البشر، فهذا البلد لا يفضله بلد في الإقليم الشامي؛ فخاصة الضيافة التي اشتُهر بها لبنان هي أحد الدواعي التي تزيد تعلُّق الأجانب بهذه البقعة، مع أن تكاليف الحياة فيها أغلى كثيرًا مما هي عليه في المناطق الأخرى؛ حيث تتيسر لنا حاجيات أكثر ملاءمةً لأذواقنا، وأخف وطأةً على جيوبنا.
وبعدُ، فما عساه أن يقدم لضيفه الرجل المرموق، بل أكثر الناس ثراء في الجبل؟ في العشاء أرز مفلفل ولبن وبيض، وعند النوم فراش رقيق مبسوط على حصير مع تمنِّي الراحة للضيف العزيز …
إن الصعوبات الناشئة عن أشباه هذه الفنادق تزداد وتنقص تبعًا لحالة أصحابها؛ فإذا كان صاحب المنزل فلاحًا بسيطًا — وأغلب الأحيان ينزل السائحون عند هذا الفلاح — فغرفة نومه هي بالوقت نفسه زريبة مواشيه، وهكذا تؤنس مساكنة البقر، والحمير، والدجاج، والأولاد الصغار، السائح المسكين إلى حدٍّ بعيد …
أما بيوت الأغنياء فتتألف من ثلاث حجر أو أربعٍ غير مرتفعة الأبواب، لا يستطيع رجل معتدل القامة أن يَعبُر منها دون أن يحنيَ رأسه. أما مفروشات البيت فتتألف من حصير وفراش ووسادة أو وسادتين، وصندوقين أو ثلاثة دُهنت بالأخضر أو الأحمر، ومرآة يبلغ حجمها عشرين سنتيمترًا. وهنالك بعض الأواني الغليظة من الفخار أو النحاس تُستخدم في قضاء بعض حاجات المنزل، ثم تُصف على رفوفٍ في انتظار ساعة العمل، فتكون في هذه الفترة من أدوات الزينة والتجميل. إن النوافذ الصغيرة الضيقة لا إطار لها ولا زجاج، وهي تُغلَق في الشتاء بمصاريع خارجية، ولا توفر الراحة التي تعوَّد عليها عندنا أبناء الطبقة العادية.
وعندما ندخل على أمير أو شيخ أو رجل وجيه يجب علينا أن نتقيَّد ببعض عاداتٍ فرضتها التقاليد؛ يأتي الخدم فيخلعون حذاء الغريب الداخل وينزعون سلاحه، ثم بعد أن يُجلسوه على ديوان يأتون بطست ماء ليغسلوا يديه ووجهه إذا شاء، وبعد الغسل ينشفون يديه ووجهه بمنديل مُوَشًّي بالحرير والقصب، ثم يبخرونه بالند الذي يحرقونه في حُقٍّ، وبعد أن ينزع المنديل يخففون من حدة دخان العنبر والند برشِّ قطرات خفيفة من ماء الورد ينضحون بها الضيف الكريم بواسطة منفخ. وبعد الفراغ من هذه العملية يقدِّمون له الغليون، فالشراب، وأخيرًا القهوة التي لا بد منها.
القهوة عندهم أمُّ جميع التشريفات، وهي علامة احترام الناس … ولكني أراني هنا معيدًا ما سبق لي أن قلته في فصلٍ مضى.
وعندما تحل ساعة الفطور أو الغداء يُفرش على الأرض شبه شرشف فوق الحصير أو السجادة التي تؤلِّف جزءًا من الديوان، ثم يؤتي بالطاولة وهي عبارة عن إسكملة مدوَّرة توضع فوق الشرشف. ثم يجيئون بكمية ضخمة من أرغفة الخبز يوازي حجم كل رغيف منها حجم صحن صغير، وهي رقيقة جدًّا، وهذا ما حدا أحد أصدقائي الذي لم تُرُقْه عادات الشرق إلى أن يُطلِق عليها اسم القشرة. إن ألوان الطعام تُقدَّم في صحف من النحاس دفعة واحدة، إلا اللحم المشوي إذا قدم منه، والسلطة إذا كان سيد الدار عارفًا بذوق الأوروبيين.
إن بلوغنا غرفة الطعام لا يقتضينا عناء الانتقال من مكانٍ إلى آخر، فما علينا إلا أن نحنيَ جسمنا ونلتويَ يمينًا وشمالًا حتى نبلغها.
يدعوك صاحب الدار إلى الابتداء بالأكل، ثم يعلمك بالمثل كيف تأكل. فلا خادم ينقل إليك الصحفة! فعلى المدعوِّ أن يدس ملعقته في صحن الأرز المفلفل، ثم يغترف شيئًا من طعام سائل يرطبه به؛ إذ لا يمكن أن يدخل البطن بدون المركبة التي تجرُّه؛ وهكذا تظل الملاعق متنقلة من صحن إلى صحن حتى تنتهيَ هذه النزهة بشبعك. إن هذه الطريقة تمكِّننا من أكل ما نستسيغه أكثر من غيره دون أن نضايق في شيء.
الشوكات والسكاكين لا يزال استعمالها مجهولًا عندهم. أما ما يحتاج إلى تقطيع من ألون الطعام كالطيور واللحم فيفسخ بالأصابع، وهذا عمل يقوم به صاحب البيت عن ضيفه.
والعرف العربي يقضي أن لا يوضع الشراب الذي يترطب به المؤاكلون على المائدة، فالخدم يحملون الأباريق والكاسات ليصبوا الماء لمن يطلبه. وإذا كان الضيف ممن تعودوا شرب الخمرة، فإنه لا يُحرم منها إذا كانت موجودة في بيت نزل عليه ضيفًا. أما أبناء البلاد فهم لا يشربونها عادةً إلا في المرافع، وفي بعض الأعياد. وفي مثل هذه المناسبات يقومون بما يجب لها على حقه؛ إنهم لا يمزجونها بالماء، ويرَوْن أنها تفسد إذا خُفف من حدتها.
إن أجمل الأناشيد التي تُغنَّى في مثل هذه المناسبة مأخوذة عن المسلمين وشعرهم النبوي؛ ذلك لأن المقام يستدعي الرصانة والوقار، فلا يمكن أن يُنتقى أحسن من تلك لمثل هذا المقام. فالأسلوب الصوفي الذي يسود هذه المقاطع المنتقاة التعابير، يخلب لُب الرجل العادي. إنه يجد فيها موضوعًا جليلًا لأنها تتعدَّى قوة إدراكه، وهذا ما يجعله يُسرُّ لدى سماعه هذا اللحن الأخنَّ الناعم الذي يجلب إلى جفنيه نعاس القيلولة.
ونسيت أن أقول إنه يتوجب عند العرب دعوة الضيوف والإلحاح عليهم ليأكلوا. وإذا ما لوحظ تمنُّعهم بعد استحلافهم بأقدس شيء في العالم، يمسك سيد الدار لقمة بيده يجمع فيها بين ألوان الطعام المختلفة ويقدمها لمن يريد أن يخصه بها، فيتلقاها هذا الأخير بفمه. ما أسعدَ الضيفَ إذا كُرر هذا الضرب من اللياقة عدة مرات! إن العرب يتطلبون من الضيوف أن يُكثروا من الأكل عندهم؛ ولهذا يعبرون عن الأكلة الطيبة بقولهم: إنها كادت تخرج من أنوفهم. لكثرة ما استطيبوها وأكلوا منها.
أما كيفية ترك الخوان فعلامتها هزة إلى الوراء، وهي الحركة نفسها التي تُفعل — ولكن إلى الأمام — عندما يجلسون إليه، فحينذاك يباشر الغسل، فيأتي الخادم بالطست والصابون والإبريق ليناول على إثرها المنشفة بكتفه؛ لأن يديه تكونان مشغولتين بصب الماء وغيره؛ ولهذا السبب توضع المنشفة على كتف الخادم ليقدمها في حينها بإمالة الكتف صوب الضيف.
إن تدخين الغليون وشرب القهوة يُعلنان نهاية الوليمة الممتعة. وصاحب الدار يحاول جهده تفكهة ضيفه، فيروي له ما ادَّخرته ذاكرته من أقاصيص فضولية؛ فالعرب هم بوجهٍ عام قصاصون ماهرون.
إن الذين يحافظون على الروح الجبلية الحق شديدو الانفعال بطبيعتهم، ويكرهون التصرفات التي تدل على أُلفة مفرطة ورفع الكلفة.
إن الجبليين وعددًا كبيرًا من سكان المدن يحبون — إلى حدٍّ بعيد — الزعتر فيأكلونه عند الصباح وينشطون به معدتهم ويفتحون قابليتهم لتناول طعام النهار. إنهم يجففون هذه النبتة المعطرة ويحفظونها بعد أن تُدق فتصبح ناعمة. ثم يضيفون إليها السماق وبعض الملح لكي تكتسب الحموضة التي يستطيبها العرب، وعلى الأخص نساؤهم. والزعتر أكبر هدية يقدمها السوريون للمصريين الشاميي الأصل، حتى إني رأيت منه ما يصدر إلى لاجئينا في فرنسا نظرًا لهذه العادة المستحكمة عند بعد الأشخاص. إننا نقول إنها طبيعة ثانية، أما العرب فيقولون إنها طبيعة سادسة.
النساء في الجبل قويات البنية حتى إنهن يلدن وهن يقمن بأشغال المنزل كما لو لم يكن شيء. واللواتي يهتممن منهن بالولادة ويخفن عواقبها ينمن مدة في فراشهن ويطلَق عليهن اسم الستات.
وفي المدن والجبال، عندما تعود النساءُ امرأةً نفساء، يجب عليهن — إذا كن مرضعات — أن يرضعن الطفل الصغير. وهذه العادة تضر أكثر ما يكون بأولاد الرجالات العظام؛ إذ إنهم يرضعون — على إثر ولادهم التي تفرح بها الضيعة والجوار — أشكالًا مختلفة من الحليب يعرفون مضارها، ولكنهم لا يفكرون بإلغائها.
وإذا حافظت بضعة أعضاء أخرى من الجسم على شكلها الأَوَّلي، فإنها لا تلبث أن تصبح بدورها مروسة مثلها؛ فالأطفال يُمدَّدون في سرير يُربطون فيه ويُشدون كأنهم أجسام محنطة. ولكي يتمكَّنوا من قضاء حاجاتهم يضعون لهم إناءً يثقبون السرير لإدخاله فيه بالمحل المناسب.
تعلن الولادات — في الجبل والمدينة — بهتافات الفرح الصاخبة إذا كان المولد ذكرًا. أما إذا كان المولود فتاة فبالسكون الكئيب.
إن حفلات العماد عندهم تشبه تمامًا حفلاتنا. وجميع التشريفات والتبجيلات تخصص بالكهنة الذين يرافقون المعمد حديثًا إلى المنزل.
يذهب الأولاد إلى المدرسة بعد أن يبلغوا الرابعة أو الخامسة من العمر. والمدارس التي يتلقَّوْن فيها دروسهم يقوم بنفقاتها دخل عقارٍ ما اشتراه الأهلون، أو وقفه أحد الأتقياء، لينعم به المعلم الذي لا يكون دائمًا كاهن القرية. إنهم يُعلمون فيها اللغتين: العربية والسريانية، ولا يكاد يحسن الصبيان القراءة حتى يُحوِّلهم ذووهم إلى العمل، فلا يلبثون أن ينسَوْا كل شيء. وهذه المدارس تكون خلال سبعة أو ثمانية أشهر من السنة في الهواء الطلق، أما بقية أيام السنة ففي غرفة صغيرة تابعة للكنيسة. وهم لا يلقِّنون صغارهم فيها إلا مبادئ القراءة البسيطة، أما القواعد فلا يتعلمون منها شيئًا.
يتقاضى كهنة القرى حوالي مائة وخمسين فرنكًا كل عام، يضاف إليهم دخْلهم الخارجي وهو ضئيل جدًّا. إن الكهنة لا يمكنهم أن يتقاضَوْا أكثر من ٣٧ سنتيمًا حسنة قداسهم، كما أنه لا يجوز لهم أن يقبضوا سلفًا أكثر من حسنة خمسة قداسات.
والكاهن في لبنان هو الرجل السامي الكمال، فهو — في القرية التي يقيم فيها — قدرة الله الثانية. والفضل في هذا التأليه يعود كله إلى الصبغة الضعيفة التي يتميز بها في ثقافته عن العوام من الناس. إن صرامة الأساقفة؛ وبالتالي صرامة الكهنة، بعيدة إلى حد أن «الحرم» يلفظ عند أقل بادرة. لقد حرم كاهن ابنه لأنه حاول انتزاع العصا من يده إذ كان يضربه بها حتى كاد أن يقضيَ عليه.
وعلى أثر تأسيس المدارس لتثقيف الكهنة، لبَّى الدعوة عدد كبير من الطلاب ليكونوا كهنة غير متزوجين. إلا إنهم لم يستطيعوا خدمة النفوس إلا برِضَى الرعايا؛ لأن هؤلاء يفضلون، بل يطلبون أن يكون خوريهم متزوجًا.
إن غباوة فلاحي الجرود العالية لا حد لها ولا شبه. أما فلاحو القرى المجاورة للمدن فنجد بينهم أناسًا لبقين، دهاة، رغم أنهم لم ينالوا قسطًا من العلم.
إن اللبنانيين على جانب كبير من القناعة، وأمنيتهم الوحيدة تدخين الغليون. وهذه القناعة تُغتفر لهم لأنهم يحيون حياة قاسية.
قلما يطبخ الفلاح. وقوام فطوره الخبز والثمار المجففة إن لم تكن في أوانها. أما في المساء فيأكل البرغل والعدس المتبل بالزيت أو السمن بعد أن يُمزج باللبن، مستعينًا على إثارة قابليته بالتهام البصل. الزيتون نادر الوجود في بعض النواحي، وهكذا يصبح شيئًا نفيسًا إذا ما وُضع على المائدة. أما الأمكنة التي يكثر فيها فإنه يكون قوام الفطور.
يأكل الفلاحون بعض أعشاب يقتلعونها من الحقول أو البساتين، ثم يقلونها بالزيت ويطبخونها بطرق مختلفة. وإذا ما أراد الفلاح أن يأكل ويشبع فإنه يرجع إلى مئونته، وتكون من لحم الخروف ذي الألية الضخمة، وتعلف واحدًا منه كلُّ عائلة وتذبحه في أوائل الشتاء. إن هذا اللحم يُقلى بعد أن يُقطع أجزاءً صغيرة ويُحفظ في دهنه ليؤكل في بحر السنة.
وأتساءل هنا عما يمكننا استنتاجه بعد أن عرفنا هذه الألوان من الطعام؛ لأن روسو يقول: «يمكننا أن نحكم على أخلاق الشعوب إذا عرفنا أنواع المأكولات التي تأكلها أكثر من غيرها.»
إن كسل الجبليين بالغ حده، وهو لا يتفق أبدًا وقوتهم التي تجعلهم أهلًا أن يقوموا بكثير من الأعمال. ولكن يكفي أن يكون آباؤهم لم يتعاطَوْا تلك الأعمال حتى يرَوْا أنفسهم غير ميَّالين إليها فلا يهتمون بها. ومع ذلك فالجبليون فضوليون جشعون، وهذا الأمر يصعب تعليله. إنهم يفضلون التماس الصدقات على أن يشتغلوا، ويعدون التسول ضربًا من الكيمياء.
تندر الأمراض الخطرة في الجرود العالية؛ فهنالك يعيشون حتى التسعين عامًا. وكثيرون هم الذين لا يموتون في هذا العمر لأنهم لم يلاقوا اعتناءً كافيًا، أو لأنهم حُرموا المآكل الجيدة.
إن سكان الجبل فقراء جدًّا، وأكثرهم لا يملكون غير قميص يُضطرون إلى غسله نهار السبت؛ ففي هذا النهار نرى الفلاحين والفلاحات يرتدون ثيابًا ممزقة، وقد أظهروا عريهم للمارة. أما في اليوم التالي فيرتدون ثياب الأحد.
ترتدي النساء فساطين زرقاء، ويشددن خصرهن بزنار تزينه بضع قطع من الفضة. والطنطور — الذي يُلف حوله برقع لا يمكن الاستغناء عنه — هو غطاء الرأس عندهن. أما الفلاحات الفتيات فيحل عندهن الساتان المقلَّم محل النسيج، ويرتدين جبة الجوخ (على الأخص) يحيط بها كشكش صغير. والنساء يزين أسفل سراويلهن بتطريزها بالخيوط الحريرية. أما باقي أعمال الزينة فتكون حسب البحبوحة التي هن فيها.
والجبليون يستعملون المنديل أداة للزينة أكثر منه للغاية المعلومة. ويعملونه من قطعة نسيج يبلغ عرضها ثلاثين سنتيمترًا. وهو يعلق حد كيس التبغ في الزنار، ويُستعمل لمسح أطراف الأصابع عندما تتلوث أثناء قيامها بوظيفة المنديل. إن النساء لا يستعملن المناديل إلا في حالات قليلة، اللهم إلا في حالات الرشح التي يكن فيها مضطرات — حسب قولهن — أن يحفظن — كنساء أوروبا — جميع أوساخ الرأس في جيوبهن.
إنه ليصعب — في مجتمعات الرجال — أن يحافظ المرء في حديثه على نبرات متوسطة الارتفاع؛ فالجميع يريدون أن يتكلموا في وقتٍ معًا. والذين وُهبوا رئتين قويتين يتغلبون على الآخرين بقوة بصوتهم؛ إذ يمكنهم أن يسمعوه ويتابعوه. فيا لَتعاسة من يريد أن يُبديَ رأيه في هذه الجلبة الجهنمية! يجب أن يصرخ لا أن يتكلم، وفي أكثر الأحيان تذهب أتعابه أدراج الرياح.