أوبرا ماهاجوني
١
(منطقة موحشة. تتوقف سيارة تحميل — لوري — ضخمة
ومستهلَكة.)
فيللي ممثل الاتهام
:
هاللو. لا بد أن نسير للأمام.
موسى ذو الأقانيم الثلاثة
:
(صمت.)
(صمت.)
فيللي
:
الآن لا مفر.
رجوعنا حتمي.
موسى
:
وخلفنا «المرور»
كأنهم نسور
قد عرفوا وجوهنا،
وحددوا المصير.
فيللي
:
إذن فلن يكون في إمكاننا الرجوع.
(يجلسون على الرصيف ويدخنون.)
موسى
:
هناك عند الشط يعثرون على الذهب.
فيللي
:
أجل! كما تقول.
لكنه طويل.
موسى
:
وليس من سبيل،
تعذَّر الوصول.
فيللي
:
لكنهم هناك
في الشط يعثرون …
موسى
:
قد قلت مستحيل؛
لأنه طويل.
السيدة ليوكاديا بيجبيك
(تُطل من نافذة السيارة)
:
توقَّف المسير؟
أليس من أمل؟
بيجبيك
:
إذن نبقى هنا. خطر الآن على بالي إذا كنا لا نستطيع
الصعود، فعلينا أن نبقى هنا. كل الذين جاءوا من هناك قالوا
الأنهار تضن بالذهب. إنه عمل مرهق، ونحن لا نطيق العمل.
لكنني رأيت هؤلاء الناس، ويمكنني أن أقول لكم إنهم ينفقون
الذهب! والحصول على الذهب من الرجال، أسهل عليكم من الحصول
عليه من الأنهار!
لذا فهيا نُقيم
هنا أساس مدينة،
لندْعُها مدينَة الشِّباك
تصيد كل طائر يمر
ولحمه اللذيذ لا يضر!
•••
إن كان حظ الجميع
هو الضنا والكفاح
فعندنا الأفراح،
وكل شيء مباح.
وكل شيء متاح
بالذهب الرنان،
والجن والويسكي،
والحظ والحسان.
•••
وعندنا الأسبوع
يمضي بلا عمل،
وتنقضي الأيام
في الحب والأحلام،
ويعبر الطِّيفون
عنا بلا وجل!
ويجلس الرجال هادئين في صفاء
وهم يدخنون حين يقبل المساء.
•••
وكل ثالث يوم
سيلتقي الأبطال
في حلبة الأهوال،
وتُطلق الصيحات،
وتُسمع الآهات
لَكْم وضرب عنيف
لكن صراع شريف!
والآن حطُّوا الرحال
في هذه الأرض،
وثبِّتوا الأعلام
علياء كالشهب؛
يلمحنا الرجال
من شاطئ الذهب،
ويهتف الأبطال
مرحى ماهاجوني.
ويُقبل الزوار
بالشوق والدولار
على ماهاجوني.
•••
وضَعُوا «البارَ» تحت تلك الشجرة،
وافتحوا «فندق النزيل الغنيِّ»،
وليكن ها هنا بقلب المدينة
ساحة الأنس والهوى المجنونة!
(يرتفع علم ماهاجوني الأحمر فوق صارٍ
طويل.)
فيللي وموسى
:
على مدى الأيام
إلا لأن الخطايا،
والغدر والإجرام،
هبَّت على المدينة
رياحها اللعينة
فماتت السكينة،
وفقد الإنسان
الأمن والأمان.
٢
في الأسابيع التالية نمت هنا مدينة على وجه
السرعة، وأقامت فيها «الحيتان» الأولى.
(تظهر جيني ومعها ست فتيات في أيديهن حقائب
كبيرة، يجلسن على الحقائب وينشدن أغنية ألاباما):
آه أرشدْنا إلى أقرب بار!
آه لا تسأل لماذا!
آه لا تسأل لماذا!
•••
لأننا إن لم نجد أقرب بار.
لأننا إن لم نجد أقرب بار.
لا بد أن نموت!
لا بد أن نموت!
يا قمرًا يُضيء ألاباما.
الآن حان الوقت كي نقول باي باي.
نحن فقدنا أمَّنا العجوز ماما
فكيف نحيا بعدها وكيف نقرأ السلام
على تراب قبرها
ولا نعاقر المدام؟
آه لا تسأل لماذا،
أنت أدرى بالجواب!
•••
آه أرشدنا إلى أقرب بار!
آه لا تسأل لماذا!
آه لا تسأل لماذا؛
لأننا إن لم نجد أقرب دولار صغير
لا بد أن نموت!
لا بد أن نموت!
•••
يا قمرًا يضيء ألاباما
لا بد أن نقول بايْ بايْ.
نحن فقدنا أمنا العجوز ماما،
والآن لا بدَّ من الدولار.
آه لا تسأل لماذا
أنت أدرى بالجواب!
(تنصرف الفتيات ومعهن حقائبهن.)
٣
(يصل خبر تأسيس مدينة الفردوس إلى المدن
الكبرى.)
(صور على شاشة العرض في قاع المسرح تبيِّن
منظرًا لإحدى المدن الكبرى التي يسكنها الملايين من الناس مع صور
مختلفة لرجال عديدين.)
الرجال
:
في المدن اللعينة
يُعذَّب الإنسان
بالحقد والضغينة،
والموت والهوان.
•••
نعيش لم نزل
فيها كما الديدان
من تحتها المجاري،
وفوقها الدخان.
•••
نحيا ولم نزل
في وحلها نسير.
في نيْرها ندور.
نسعى بلا أمل،
ونعرف المصير،
وسوف ننتهي
وينتهي الزمن
بهذه المدن
للموت والعفن.
(يدخل فيللي ممثل الاتهام وموسى ذو
الأقانيم الثلاثة ومعهما لافتات.)
موسى
:
القطارات الكبيرة لا تمر بنا.
فيللي
:
في عصرنا كثيرون لا تعجبهم الأحوال في المدن الكبرى، وهم
يتوجهون إلى مدينة الذهب ماهاجوني.
فيللي
:
في المدن الكبيرة،
وضجة الزحام،
والقتل في الظهيرة،
والغدر والخصام
لا أمن لا سلام.
لا شيء يُرتجى،
وتركض الأيام.
لا أمل أو حب.
موسى
:
لأن فيها الشر،
لأن فيها الغدر،
وكلها آلام!
فيللي وموسى
:
مع ذلك تجلس أنت مع الخِلان
تسامر أهل ماهاجوني.
تتصاعد سُحب دخان
من جلدكم المصفر.
يلوح الأفق هناك كلوح الرق الباهت،
أو كطباق ذهبي!
وغدًا تحترق مدينة سان-فرانسيسكو،
فانظر هذا هو كل المجد،
وهذا ما كنت تسمِّيه الخير،
يوضع في كيس أسود،
أو كيس بنيٍّ؛
كي يحمله الزبال البائس،
أو يحمله السجَّان
للجبانة أو للحان!
الرجال
:
في المدن اللعينة
يُعذَّب الإنسان
بالحقد والضغينة،
والموت والهوان.
•••
نعيش لم نزلْ
فيها كما الديدان،
وتحتها المجاري،
وفوقها الدخان.
•••
نحيا ولم نزل
في وحلها نسير،
في نَيْرها ندور.
نسعى بلا أمل،
ونعرف المصير.
•••
وسوف ننتهي،
وينتهي الزمن
بهذه المدن
للموت والعفن.
فيللي
:
لهذه الأسباب
هيا لماهاجوني!
موسى
:
لأنهم هناك يسألون
عنكمو، ينتظرون.
٤
وفي السنوات التالية توجَّه الساخطون من جميع القارات نحو مدينة
الذهب ماهاجوني.
(يدخل أربعة رجال ومعهم حقائبهم، وهم باول
وياكوب وهينريش ويوزيف.)
هيَّا إلى الأمام
إلى ماهاجوني!
•••
رطب هو الهواء
في الصبح والمساء.
•••
لحم الخيول وافر.
لحم النساء فائر.
وتشربون الويسكي،
وتلعبون البوكر.
•••
يا قمرًا يضيء ألاباما.
يا أخضر، يا أيها الجميل،
أنر لنا السبيل!
•••
فها هنا في
الجيب
وطيَّ هذا الثوب
أوراق بنكنوت
لضحكة كبيرة
من فمك الغبي،
من فمك الكبير.
هيا إلى الأمام
إلى ماهاجوني!
فها هي الرياح
هبَّتْ من الشرق
تزفُّ للأرواح
روائح اللحم،
والخمر والعشق.
•••
وليس من مدير،
وليس من رقيب
يحكم في القلوب،
ويطلق النفير
بالويل والثبور.
•••
يا قمرًا يُضيء ألاباما،
يا أخضر جميل،
أنرْ لنا السبيل.
•••
فها هنا في الجيب
وطيَّ هذا الثوب
أوراق بنكنوت
لضحكة كبيرة
من فمك الغبيِّ،
من فمك الكبير.
•••
هيا إلى الأمام
لجنة الأحلام
إلى ماهاجوني!
•••
قد أقلع الشراع،
وانطلق السفين،
والزُّهَري اللعين
يُشْفَى من الغرام،
والحب والمدام،
في جنة الأحلام
هنا في ماهاجون.
•••
يا قمرًا صغير
يُطل كالقنديل
الأخضر الجميل
على ألاباما
أنرْ لنا السبيل.
•••
فتحتَ هذا الثوبِ
وطيَّ هذا الجيب،
أوراق بنكنوت
لضحكة كبيرة
من فمك الغبيِّ
من فمك الكبير.
٥
وكان باول أكرمان من بين الذين وفدوا على مدينة ماهاجوني، وهذه
هي حكايته التي سنرويها لكم.
(مرفأ مدينة ماهاجوني الرجال الأربعة واقفون
أمام إحدى علامات الطريق التي كتب عليها «ماهاجوني» كما عُلِّقت
معها لوحة بالأسعار.)
باول
:
عندما يصل الإنسان إلى شاطئ غريب، فلا بد أن
يشعر بشيء من الارتباك.
هينريش
:
ولا يعرف أحدًا يمكنه أن يزعق في وجهه!
باول
:
هذا هو عيب الوصول إلى شاطئ غريب.
(تدخل السيدة ليوكاديا بيجبيك ومعها قائمة
طويلة.)
بيجبيك
:
آه يا سادة. مرحبًا بكم في بيتكم
(تُراجع القائمة.)
أليس هذا هو السيد باول أكرمان المشهور بسنِّ
السكين؟ في كل مساء قبل النوم، يطلب الجبن مع
الفلفل؟
بيجبيك
:
(يتبادلان التحية.)
واحتفاء بوصولك يا سيد ياكوب شميت
فقد سوَّينا الزلط.
بيجبيك
:
وأنت؟ ألست السيد يوزيف ليتنر؟
باول
(وهو يقدمه لها أيضًا)
:
بيجبيك
:
إكرامًا لكم سنخفِّض الأسعار.
(تغيِّر الألواح التي كتبت عليها
الأسعار.)
(يتبادلون التحايا.)
بيجبيك
:
أتحبون أن تنعشوا أنفسكم في البداية بالبنات
الطازجات؟
موسى
(يعرض عليهم بعض صور البنات ويقدمها
كما لو كانت صور مجرمين أو مشبوهين)
:
يا حضرات السادة. كل رجل يحمل صورة حبيبته في قلبه؛
فالتي تبدو لرجل سمينة، يراها الآخر نحيفة. مثل هذه
الأفخاذ المدملجة شيء يناسبكم يا سيد جو.
جو
:
أنا على كل حال فكرت في شيء لونه أغمق.
باول
:
لا، أنا لا أعتمد على الصور. من عادتي أن أنتظر حتى أعرف
إن كان ما أشعر به هو الحب.
ابرزن يا حِسان ماهاجون
فعندنا الذهب، وماذا عندكن؟
ياكوب وهينرش وجو
:
في غابات ألاسكا
عشنا سبع سنين
نقاسي البرد،
نعدُّ النقد،
ونحصي المال،
فاظهرن يا حسان
بالظرف والحنان،
وسوف ندفع فورًا
إن أعجبتنا الحال!
جيني ومعها الفتيات الست
:
صباح الخير عليكم
يا زهر شباب ألاسكا!
هل كان البرد شديدًا.
ألديكم مالٌ كافٍ؟
باول
:
صباح الخير يا حِسان ماهاجون!
جيني والفتيات الست
:
نحن الحسان الفاتنات
من بنات ماهاجون
إذا دفعتم يا شباب
نلتمو ما تشتهون!
بيجبيك
(مشيرة إلى جيني)
:
هذه هي فتاتك، يا سيد ياكوب شميت، وإذا لم يعجبك فخذاها
الممتلئان فلا بدَّ أن تكون الخمسون دولارًا التي ستدفعها
من الصفيح.
بيجبيك
(لجيني وهي تهز كفيها)
:
جيني
:
آه!
فكِّر يا سيد ياكوب شميت،
فكر يا سيد ياكوب شميت،
ماذا تنفعنا اليوم
ثلاثون دولارًا؟
هل تكفي لشراء جوارب
— عشرة لا غير —
ولا شيء سواها؟
فكِّر يا سيد ياكوب شميت،
فكِّر في البنت المسكينة
وُلدت وتربت ﺑ «هافانا».
•••
كانت
أمي
امرأة بيضاء حزينة،
كم نصحتني
وأسرَّت في أذني!
يا طفلتي حذارِ
لا تبيعي جسدك
من أجل دولارَين،
وصدقيني يا ابنتي
وإن شككت في الكلام
فانظري إليَّ
كيف صار حالي
فكِّر يا سيد ياكوب شميت،
فكِّر يا سيد ياكوب شميت.
باول
:
ربما آخذها أنا. (لجيني) ما اسمك إذن؟
جيني
:
جيني سميث.
أنا التي يدعونها جيني،
جئت إلى هنا من أوكلاهوما.
من فترة تربو على الشهرَين
هناك من المدائن الواسعة الكبيرة،
لقيت ما يلقاه كل حي،
وإنني يا سيدي الغني
أفعل ما يرضيك، كل شيء.
•••
أعرفكم، أعرف كل باولي
قد عاد من هناك، من ألاسكا
وحالهم في البرد حال الموتى،
بل إنها لأقسى.
•••
قد جمَّعوا الدولار للدولار،
ورجعوا يقلُّهم قطار،
جيوبهم تكاد تنفجر،
والنار في القلوب تستعر،
ليسعدوا هنا في ماهاجون.
•••
يا باولي الحبيب،
يا باولي الفتي،
أواه يا صغيري القوي!
فدائمًا يحدِّق الرجال في رجليَّ.
تعال خذ يديَّ،
تعال يا صغيري الحييَّ،
واجلس هنا لدي،
وفوق ركبتيَّ.
قد عشت طول العمر لا أحب،
فذُق رحيق الكاس من يديَّ
وضُمَّني، واسمع وجيب القلب!
(يهم الجميع بالذهاب إلى ماهاجوني،
فتقابلهم مجموعة من الناس وفي أيديهم حقائب السفر.)
جو
:
(يلمُّون الحقائب وهم يمرُّون
مسرعين.)
أقلعت السفينة؟
نحمدك اللهمَّ
فلم تزل هناك.
(يتدافع حاملو الحقائب هابطين صوب
المرفأ.)
بيجبيك
(تلاحقهم بالشتائم)
:
أغبياء! جماجم مضلعة! يجرون إلى السفينة وجيوبهم مليئة
بالذهب.
سلالة ملعونة! ناس لا تعرف المرح!
ياكوب
:
غريب أن يهرب هؤلاء! فالإنسان يبقى حيث يكون الجمال إلا
إذا كان هناك خلل ما.
بيجبيك
:
أما أنتم يا حضرات، فتأتون معي إلى ماهاجوني، لا يهمني
أن أخفض سعر الويسكي مرة أخرى.
(تضع لافتة ثالثة عليها أسعار مخفضة فوق
اللوحة الثانية.)
يوزيف
:
هذه الماهاجوني التي مدحوها لنا، تبدو في غاية الرخص،
وهذا شيء لا يعجبني.
هينريش
:
وأنا أجد كل شيء فيها شديد الغلاء.
ياكوب
:
وأنت يا باولي، هل ترى الحال هناك على ما يرام؟
باول
:
حيثما أكون وتكون قطتي،
تكون جنَّتي،
تحس بالهناء والسرور مهجتي.
جيني
:
أواه يا باولي
اجلس على رجلي.
الفتيات الست
:
أواه يا باولي
اجلس على رجلي.
جيني والفتيات الست
:
قد عشت طول العمر لا أحب
فذُق رحيق الكاس من يديَّ
وضُمَّني واسمع وجيب القلب!
باول وياكوب وهينريش وبيجبيك
:
قد عاد من هناك، من ألاسكا.
جيني والفتيات الست
:
وحالهم في البرد حال الموتى،
بل إنها لأقسى.
باول وياكوب وهينريش ويوزيف
:
كم تعبوا وجربوا الأهوال،
لكنهم قد جمعوا الأموال.
جيني والفتيات الست
:
قد جمَّعوا الدولار للدولار،
ورجعوا يقلُّهم قطار.
جيوبهم تكاد تنفجر،
والنار في القلوب تستعر،
ليسعدوا هنا في ماهاجون.
(ينصرف الجميع في اتجاه ماهاجوني.)
٦
إرشادات
(خريطة مدينة ماهاجوني. باول وجيني يتحدثان في
الطريق.)
جيني
:
علمتني الأيام، عندما أتعرَّف على رجل، أن أسأله عما
يُرضيه.
قل لي إذن، كيف تحب حضرتك أن أكون؟
باول
:
أنت تعجبينني كما أنت، لو قلتِ «يا عزيزي» فسوف أتصوَّر
أنني أُعجبكِ.
جيني
:
أرجوك، يا باول، كيف تحب منظر شعري؟ للأمام أو
للوراء؟
باول
:
الأمر يختلف حسب الأحوال.
جيني
:
وما رأيك في الملابس الداخلية يا صديقي؟ هل تحب أن
أرتديها أم أبقى بغيرها؟
باول
:
بغيرها.
جيني
:
كما تحب يا باولي.
باول
:
وطلباتك؟
جيني
:
ربما لم يأتِ أوان الكلام عنها.
٧
كل المشروعات الكبرى تمر بأزمات
(صور على شاشة العرض في عمق المسرح تبيِّن
إحصاءات بالجرائم وحوادث الغش والاختلاس في ماهاجوني. تظهر سبع
لوحات عليها أسعار مختلفة. داخل «فندق الرجل الغني» يجلس على مائدة
البار فيللي ممثل الاتهام وموسى ذو الأقانيم الثلاثة. تدخل السيدة
بيجبيك فجأة ووجهها ملطخ بالمساحيق البيضاء.)
بيجبيك
:
فيللي وموسى! أنت يا فيللي وأنت يا موسى! هل عرفتما أن
الناس بدءوا يرحلون؟
إنهم بالفعل هناك على الشاطئ. رأيتهم بنفسي.
فيللي
:
وما الذي يدعوهم للبقاء؟ بضع حانات وأكوام من الصمت
والملل.
موسى
:
ثم أي رجال هؤلاء؟ إنهم يصطادون سمكة ويتصورون أنهم
سعداء. ويدخنون أمام بيوتهم وهم قانعون راضون.
بيجبيك
:
فيللي وموسى! آه! هذه الماهاجوني مشروع
فاشل.
بيجبيك
:
ثمن الويسكي اليوم اثنا عشر دولارًا.
فيللي
:
وغدًا ينزل حتمًا إلى ثمانية.
بيجبيك وفيللي وموسى
:
آه. هذه الماهاجوني مشروع فاشل.
بيجبيك
:
لا أدري ماذا أفعل! الجميع يريدون شيئًا مني،
وأنا لا أملك شيئًا.
ماذا أعطيهم حتى يبقوا ويتركوني أعيش؟
بيجبيك وفيللي وموسى
:
آه هذه الماهاجوني مشروع فاشل.
بيجبيك
:
أنا أيضًا أيام شبابي
جربتُ الحب،
أويت لظل جدار يمتد عليًّا،
ووقفت هناك،
وهزتني رعشات القلب،
مع رجل كان بعيني
زينة كل رجال الدنيا.
وتبادلنا الكلمات طويلًا،
وتحدثنا بحديث الحب.
لكن المال تبدَّد.
ومع المال اختفت الرغبة والميل،
وانقشع الظل.
فيللي وموسى
:
المال يثير الشهوة.
المال يثير الشهوة.
بيجبيك
:
قبل تسعة عشر عامًا عصف بي البؤس، وخرَّبني الصراع في
سبيل الحياة. كان هذا هو آخر مشروع كبير أفكِّر
فيه.
كان اسمه ماهاجوني،
مدينة الشبكة،
لكنما الشبكة
لم تقتنص سمكة!
بيجبيك وفيللي وموسى
:
آه إن ماهاجوني مشروع فاشل.
بيجبيك
:
والآن سنرجع من حيث بدأنا،
ونجوب المدن الألف،
ونعود لعدِّ الأعوام التسعة عشر
فلمُّوا الأمتعة،
قفوا في الصف.
سنرجع من حيث بدأنا.
فيللي
:
أجل يا أرملة بيجبيك. أجل يا أرملة بيجبيك. فهم ينتظرونك
بالفعل هناك. (يقرأ من
صحيفة) وصل إلى بنساكولا ضباط مرور يبحثون عن
امرأة اسمها ليوكاديا بيجبيك، وقد فتشوا جميع البيوت ثم
واصلوا سيرهم.
فيللي وموسى
:
صدقت يا أرملتي،
والحق ما نطقتِ؛
فالظلم ليس يُجدي،
والشر لو علمت
مآله للشر،
ولن يُطيل العمر!
بيجبيك
:
أجل! لو كان لدينا المال! لو أمكننا أن نكسب مالًا من
مدينة الشباك هذه التي خلت من الشِّبَاك، إذن لأمكن أن
يأتي ضباط المرور! ألم يحضر اليوم بعض الناس؟ لقد بدا من
منظرهم أن معهم المال. ربما يعطونه لنا.
٨
كل الذين يبحثون بصدق تخيب آمالهم
(مرفأ ماهاجوني، يظهر باول قادمًا من المدينة،
مثل الذين ظهروا من قبل ومعهم حقائبهم. أصحاب باول يحاولون منعه من
الرحيل.)
ياكوب
:
باولي، ما الذي يدعوك للرحيل؟
باول
:
وما الذي يحملني على البقاء؟
باول
:
لأنني رأيت لوحة كُتب عليها «ممنوع».
جو
:
ألم تشرب الجين والويسكي الرخيص؟
ياكوب
:
إذا أردت سمكة
فاذهب إلى النهر
وألقِ بالشبكة.
(باول لا يزال يهز كتفيه.)
ياكوب وهينريش وجو
:
ما أروع المساء والغروب يهبط.
ثرثرة الرجال حلوة واللغط!
ياكوب وهينريش وجو
:
ما أجمل الهدوء والسلام.
وأسعد الوفاق والوئام.
ياكوب وهينريش وجو
:
وتصبح الحياة
بسيطة وديعة،
وروعة الطبيعة
نادرة بديعة.
باول
:
مع ذلك ينقص شيء.
أحيانًا تخطر لي الفكرة
لمَ لا ألتهم قلنسوتي؟
ويُخيَّل لي أني متخم.
وأسائل نفسي أيحرَّم
أن يبلع رجل قبعته؟
إن ضقتُ وضاقت بي الدنيا.
وسئمت سئمت فلا ألقى
شيئًا أفعله بالمرَّة!
أحيانًا يفجأني الخاطر،
وتلحُّ الأفكار عليَّا
لا بدَّ من السفر لجورجيا؛
فهناك، ولا شك، مدينة،
لمَ لا نتَّجه إلى جورجيا
إن كنا لا نجد لدينا
شيئًا نفعله بالمرة؟
•••
أصحابي يا
أحباب،
في الحان عرفتم فن الشرب
من الألف إلى الياء،
ورأيتم ضوء القمر طوال الليل.
البار الكائن في «مانديلاي»
أغلقَ بابه،
لكن لم يحدث شيء،
لم يحدث شيء بعد.
لم يحدث يا أصحاب!
ياكوب وهينريش وجو
:
باولي، اضبط أعصابك،
هذا هو بارك في مانديلاي.
جو
:
باولي تدفعه الرغبة في أن يأكل قبعته.
هينريش
:
لمَ تدفعك الرغبة أن تأكل قبعتك؟
جو وهينريش وياكوب
:
باولي أنت جننت
وأصبحت دجاجة!
ياكوب
:
لا، لا يمكن أن تفعل هذا،
لا يا باولي.
ياكوب وجو وهينريش
:
لا ترهقنا بسخافاتك.
باولي حكِّم عقلك،
واخشَ أذانا.
خذ! هذا حبل يصلح لك!
(الثلاثة يزعقون في وجهه.)
حاذرِ فسننهال عليك،
ولن تأخذنا الشفقة بك
حتى ترتدَّ لوعيك
تصبح إنسانًا!
باول
(بهدوء)
:
أصحابي، يا أصحابي
يا خلَّان
من قال بأن لدي الرغبة
أن أصبح هذا الإنسان؟
ياكوب وجو وهينريش
:
الآن كشفت قناعك وتكلمت،
وسترجع معنا غصبًا عنك
إلى ماهاجوني.
(يسوقونه معهم عائدين إلى المدينة.)
٩
(أمام «فندق الرجل الغني» وتحت سماء رائعة
الجمال يجلس رجال ماهاجوني على كراسي هزازة وهم يدخنون ويشربون،
وبينهم أصحابنا الأربعة الذين سمعناهم قبل قليل. الرجال مستغرقون
في الاستماع للموسيقى والنظر بعيون حالمة إلى سحابة بيضاء تتحرك
على صفحة السماء من اليسار إلى اليمين ثم في الاتجاه المضاد … إلخ،
من حولهم وُضعت لافتات كُتب عليها: «حاسبوا من فضلكم على الكراسي»،
«لا تثيروا الإزعاج»، «تجنبوا الأغاني الخليعة».)
باول
:
في الغابات المكسوَّة بياض الثلج،
وفي أعمال ألاسكا
مع أحبابي وصحابي،
خشب الأشجار قطعت
إلى الأنهار حملت.
وأكلتُ اللحم النيِّئ وجمعتُ المال.
أنفقت السنوات السبع؛
لأحضر لماهاجوني.
في الكوخ هناك يطل على شط النهر،
والليل الشتوي القارص عبر السنوات السبع
رحنا نحفر بالسكين اللعنة
تِلْو اللعنة في المائدة على الدهر،
وتفكرنا أين سنذهب أين سنذهب
حين يكون المال وفيرًا، وتدبرنا الأمر.
آه وتحملت شقاء العمر
إلى أن جئت
إلى ماهاجوني.
•••
لما أن مرَّ الوقت
جمعنا المال الحر
من العرق المرِّ،
وخبَّأناه تحت الجلد،
وفي ظلمات الصدر،
واخترنا من بين المدن جميعًا
ماهاجوني.
جئنا من كل سبيل،
وقطعنا الدرب الوعر
لم نتردد، لم نتوقف.
جئنا ورأينا رأي العين
وعرفنا
أن ليس هنالك ما هو أسوأ،
ما هو أغبى،
من أن نُدفن
في هذا القبر
المدعو ماهاجوني!
(يهب واقفًا على قدميه.)
ما هذا؟ ما خطبكم؟
ماذا قد خطر ببالك؟
ما هذا الغدر؟
لن يأكل أحد من لحمي المرِّ.
أبرز إن كنت شجاعًا يا سبع البر.
فأنا باولي ذئب ألاسكا
لا يعجبني الحال،
ولا أسلم ظهري لسياط القهر.
بجيبيك
:
أنا أفهم أمثالك دومًا
أو لم تقل القاذورات؟
باول
:
طبعًا. هذا هو ما قلت.
أنا باولي أكرمان.
(السحابة ترتعش وتختفي بسرعة.)
باول
:
سبع سنين،
سبع سنين،
بغابات ألاسكا
كم قطَّعت الشجر بسكين!
الفتيات الست وياكوب وهينريش وجو
:
باول
:
والماء، الماء البارد
تحت الصفر بأربع درجات.
الفتيات الست وياكوب وهينريش وجو
:
باول
:
تعبتُ، تعبت كثيرًا،
وتحملتُ شقاء العمر؛
لأصل إلى ماهاجوني،
والآن مللتُ ولا يعجبني الحال،
ولن أُخفي السر،
في ماهاجوني لا يحدث شيء،
لا يحدث شيء،
هذا هو كل الأمر!
جيني
:
عزيزي وحبيبي باولي،
اسمعنا،
ألقِ السكين بعيدًا.
ألقِ السكين!
ياكوب وهينريش وجو
:
قلت اسمعنا
وتعقَّل،
ألقِ السكين!
جيني
:
باولي هيا اذهب معنا،
كن جنتلمان!
ياكوب وهينريش وجو
:
تعالَ، تعالَ
وكن جنتلمان!
باول
:
تحملَّت سبع سنين
أُقطِّع فيها الشجر،
وعانيت سبع سنين
من البرد لسْعَ الإبر،
تحملتُ عانيتُ كل الألم
لألقى هنا كل هذا العدم!
بيجبيك وفيللي وموسى
:
لقيت ها هنا الهدوء والوئام والسلام،
وذقت لذة المدام،
والعناق والغرام.
باول
:
يا للهدوء، والوئام والمدام والغرام!
جيني وياكوب وهينريش وجو
:
بيجبيك وفيللي وموسى
:
لك أن تغرق في النوم، تدخن، تسرح
تصطاد السمك إذا شئت وتسبح.
باول
:
أغرق في النوم أدخِّن أسرح،
أصطاد السمك وأسبح.
جيني والفتيات الست وياكوب وهينريش وجو
:
باولي. دَعْ سكينك في جيبك.
بيجبيك وفيللي وموسى
:
هكذا شأن الذي يرجع من برد ألاسكا.
هكذا شأنك يا باولي وأمثالك
ممن حملوا في عظمهم برد ألاسكا.
باول
:
أوقفوني وامنعوني من حدوث الكارثة،
فهنا لا شيء، لا شيء جديد!
وهنا لا شيء، لا شيء جديد!
(يقف فوق إحدى الموائد.)
ويلكمو، ويل مدينتكم ماهاجوني
لن يسعد فيها إنسان.
لن يسعد أبدًا!
لأن فيها راحة الهدوء سائدة؛
لأن فيها جرعة السلام زائدة.
وفي الحياة راحة ليس اسمها الملال
والسأم!
وفي الوجود جنة ليس اسمها الفراغ والعدم!
١٠
(تظهر على اللوحات في خلفية المسرح كتابة ضخمة:
«الطيفون» تعقبها كتابة أخرى «إعصار يتحرك نحو ماهاجوني».)
الجميع
:
أواه للحدث الخطير!
أواه من هذا المُصاب!
مدينة الأفراح والسرور
تسير للخراب.
•••
على الجبال يقف «الطيفون» يعصف الإعصار
والموت في اليم يطل بالفناء والدمار.
أواه للحدث الخطير!
أواه من هول المصير!
•••
أي جدار ها هنا يحميني؟
وأي كهف ها هنا يئويني؟
أواه للحدث الخطير!
أواه من هول المصير!
١١
في هذه الليلة المرعبة عثر حطاب بسيط يُدْعَى باول أكرمان على
قوانين السعادة البشرية.
(ليلة الإعصار، جيني، والأرملة بيجبيك، وباول،
وياكوب وهنريش وجو يجلسون على الأرض مستندين إلى جدار.
الجميع يائسون باستثناء باول الذي يضحك
وحده.
تُسمع في الخلفية أصوات المراكب التي تمر وراء
الجدار.)
رجال ماهاجوني
(من خارج المسرح)
:
تماسكوا، تماسكوا.
لا تقلقوا من نُذر الدمار.
يا إخوتي، إذا انطفت من أرضنا الأنوار
لا تيأسوا، وكونوا أقوياء.
هل ينفع البكاء
من ينازل الإعصار؟
جيني
(في همس حزين)
:
يا قمرًا يُضيء ألاباما
لا بدَّ أن نقول جودباي.
نحن فقدنا أمنا الطيبة العجوز ماما،
والآن حان الوقت كي نعاقر المداما؛
فأنت أدرى بهذا
وأنت تدري لماذا!
•••
وأينما
ذهبت
لا أمل هناك،
وحيثما وجدت
مصيرك الهلاك
وخير ما تفعله
أن تنزوي في صمت
حتى يجيء الموت.
رجال ماهاجوني
(من خارج المسرح)
:
تماسكوا. تماسكوا.
لا تقلقوا من نُذر الدمار
يا إخوتي، إذا انطفت من أرضنا الأنوار
لا تيأسوا وكونوا أقوياء،
هل ينفع البكاء
من ينازل الإعصار؟
(باول يضحك.)
باول
:
ألا ترين الحال أم دهاك النوم؟
كيف تدور الأرض كل يوم؟
الأمن والسلام،
والحب والوئام
خرافة ووهم.
وإنما الإعصار
والموت والطوفان
حقيقة لا حلم.
•••
وهكذا الإنسان
من دأبه العدوان،
وأين منه النار
والريح والإعصار
إذا انتشى بالدم؟
(من بعيد تُسمع أصوات تردد.)
تماسكوا، تماسكوا.
لا تقلقوا من نُذر الدمار.
يا إخوتي، إذا انطفت من أرضنا الأنوار
لا تيأسوا، هل ينفع البكاء
من ينازل الإعصار؟
باول
:
لم نبنِ الأبراج لتصبح كجبال الهملايا.
إن لم نقدر أن نهدمها فتكون شظايا،
وتدوِّي الضحكات دويًّا.
•••
المستوِي لا بد أن يعوج،
وكل برج شاهق لا بدَّ أن يرتج؛
ليلعق الغبار والتراب!
ونحن لا نحتاج للإعصار،
ونحن لا نحتاج للطيفون؛
فكل ما يجلبه الإعصار من دمار،
وكل ما يحدثه الطيفون من جنون
فنحن نجلبه،
نحن نسبِّبه،
ونحن قادرون أن نخرب الخراب!
•••
شر هو الإعصار،
والطيفون شر منه،
وأسوأ الشرور كلها الإنسان!
(من بعيد تُسمع أصوات تُردد):
تماسكوا. تماسكوا.
لا تقلقوا من نُذر الدمار.
يا إخوتي، إذا انطفت من أرضنا الأنوار
لا تيأسوا.
لا تيأسوا.
هل ينفع البكاء
من ينازل الإعصار؟
باول
(للأرملة بيجبيك)
:
انظري، لقد علقت لوحات كتبت عليها: ممنوع، وهذا ليس من
حقك. لذلك لم يعرف أحد طعم السعادة. هذه يا أصحابي لوحة
كُتب عليها: الغناء المرِح ممنوع الليلة، ولكن قبل أن تدق
الساعة الثانية، سوف أرفع عقيرتي، أنا باول أكرمان،
بالغناء المرح؛ لكي تروا أن ليس هناك شيء ممنوع!
ياكوب
:
ونحن لا نحتاج للإعصار.
ونحن لا نحتاج للطيفون؛
فكل ما يجلبه الإعصار من دمار،
وكل ما يحدثه الطيفون من جنون
فنحن نجلبه،
نحن نسبِّبه،
ورعبه والهول
نحدِّثه بالفعل.
جيني
:
اهدأ يا باولي. لمَ تتكلم؟
هيا نخرج ونجرب طعم الحب!
باول
:
لا، لن أخرج
بل أتكلم، والآن!
لا تُسلموا أنفسكم لهذه الغواية؛
فليس من رجوع
وها هو النهار واقف، منتظر بالباب،
والريح في المساء رطبة وترسل العتاب،
أتسمعون صوتها الحنون يا صحاب؟
لا تحلموا أن يرجع الصباح من جديد؟
فكل من مضى على الطريق لا يعود؛
لأنها النهاية.
ويُسدل الستار.
•••
حذارِ أن تُصدِّقوا التضليل والخداع،
ونافث السموم في القلوب والأسماع،
لو قال ويحكم حياتكم قليلة المتاع؛
فاغترفوا من نبعها واستنفدوا المتاح؛
لأنكم لن ترتووا، لن تسكت الجراح.
•••
وحينما يدعوكم النذير بالبوار
ستعرفون أنها نهاية الطريق،
وأنكم لا زلتم العِطاش والجياع،
والنار في قلوبكم تئزُّ كالحريق.
لا تُسلموا رقابكم للنيْر والسخرة
ليدِ مَن يسومكم تعذيبه وقهره.
•••
حذارِ أن تغتروا
به وأن تخافوا،
فما الذي يقلقكم
سينتهي المطاف،
وتَنفَقون مثلما يَنفق كل حيٍّ
يعود للتراب، للظلام الأبديِّ،
ولن ترى عيونه
أشعة النهار.
(يتقدم لمواجهة الجمهور.)
إذا وجدت شيئًا
يُؤخذ بالمال
فاغتصب المالا.
•••
إن مرَّ بك أحد
والمال في جيوبه
فاضربه فوق الرأس،
ثم اغتصب نقوده
فذاك من حقك!
•••
إذا أردت
سكنًا
فاذهب لأي بيت،
وارقد على السرير.
•••
لو دخلتْ عليك
صاحبة البيت
فضمها إليك،
ولو تداعى السقف
فاتركه وانصرف
فذاك من حقك!
•••
إذا وجدت فكرةً
جديدة عليك
ففكر الفكرة!
إن كلفتك مالك،
إن كلفتك دارك
ففكر الفكرة!
فذاك من حقك!
لصالح النظام،
وصالح البشر،
وخدمة لنفسك،
فذاك من حقك!
(يهبُّ الجميع واقفين، عُراة الرءوس بعد
خلع قبعاتهم، يستدير باول راجعًا إلى الخلف ويتلقَّى تهانيهم
الحارة.)
رجال ماهاجوني
(من خارج المسرح)
:
تماسكوا. تماسكوا.
حذارِ أن تخافوا،
لا تقلقوا من نُذر الدمار؛
هل ينفع البكاء
من ينازل الإعصار؟
بيجبيك
(تشير لباول وتتجه معه إلى أحد أركان
المسرح)
:
هل تقصد أنني كنت مخطئة عندما منعت بعض الأمور؟
باول
:
أجل. لأنني رجل يحب المرح والانبساط والسرور، ولن أتردد
عن تحطيم لوحاتك وقوانينك وهدم جميع أسوارك، سأفعل ما
يفعله الإعصار، وستحصلين على المال مقابل ذلك. خذي! ها هو
ذا!
بيجبيك
(مخاطبة الجميع)
:
افعلوا ما تشتهون
كل ما يحلو لكم؛
فغدا يأتي «الطيفون»
يتولى أمركم.
•••
طالما الإعصار آتٍ بالخراب،
كل شيء مستباح يا صحاب.
كل ما يحلو لنا.
كل ما يحلو لنا.
من حقنا.
باول وياكوب وهينريش وجو
:
وهكذا نريد أن نعيش يا صحاب،
نفعل ما نحب.
نحيا كما نحب.
كأنما الإعصار،
والموت والدمار
منتظر بالباب.
•••
إن زارنا فإننا نلقاه بالترحاب،
نعانق المصير ثم نشرب الأنخاب،
وعندما نلقاه
نودِّع الحياة،
وتنطفي الشموع
لن نحني الجباه.
لن نذرف الدموع،
فلتعصف الرياح،
وتهدر الأمطار،
عِشنا كما الإعصار!
عشنا كما الإعصار!
١٢
(يدخل فيللي ممثل الاتهام وموسى ذو الأقانيم
الثلاثة مندفعين في حالة شديدة من الهياج والانفعال.)
فيللي وموسى
:
قد دُمِّرتْ بنساكولا،
وخُرِّبتْ بنساكولا.
•••
وها هو الإعصار
يزحف بالدمار،
والنار والخراب للديار
نحو ماهاجوني!
بيجبيك
(تصيح منتصرة)
:
بنساكولا!
بنساكولا!
ها هم رجال الأمن والمرور
صرعى مجَنْدلون،
والعادلون كلهم والظالمون
قد سقطوا في الطين،
وللمصير نفسه ستنتهون.
نفس المصير.
باول
:
ولهذا فأنا أطلب منكم
افعلوا الليلة ما يعجبكم،
كل ممنوع مباح!
كل ممنوع مباح!
•••
وعندما يفجأنا الإعصار بالفناء
سيختفي الجميع؛
فبادروا بالعزف يا صحاب والغناء؛
لأنه ممنوع!
رجال ماهاجوني
(يُسمَع صوتهم القريب من وراء
الجدار)
:
باول مع جيني وجو
:
هيا نغني سويًّا
أغاني البهجة؛
لأنهم منعوها
وحرَّموها عليَّا.
•••
هيا نغني سويًّا
أغاني البهجة؛
حتى تدوي دويًّا،
وننعش المهجة!
(باول يقفز فوق الجدار.)
باول
:
كما يوسِّد الإنسان نفسه ينام.
ولن يغطيك سواك، لن يقيك البردَ والظلام.
•••
كلما داس أحد
فأنا ذاك الهمام،
وإذا ديس أحد
فهو أنت في الرَّغام.
الجميع
:
كما يُوسِّد الإنسان نفسه ينام،
ولن يغطيك سواك، لن يقيك لفَح البرد
والظلام.
•••
وإذا داس أحد
فأنا ذاك الهمام،
وإذا ديس أحد
فهو أنت في الرغام!
(تنطفئ الأنوار، ولا يظهر على ألواح الشاشة
في عمق المسرح سوى رسم جغرافي مع سهم يتحرك ببطء نحو مدينة
ماهاجوني، ويبيِّن اتجاه الإعصار الزاحف.)
الجوقة
(من بعيد)
:
تماسكوا! تماسكوا!
حذارِ أن تخافوا!
•••
لا تجبنوا! لا تقلقوا من نُذر الدمار؛
هل ينفع البكاء من ينازل الإعصار؟
(في الضوء الخافت ينتظر رجال وفتيات على
الطريق الممتد أمام مدينة ماهاجوني. ولوحات العرض في عمق
المسرح تُبين السهم الزاحف ببطء نحو ماهاجوني، على نحوِ ما
رأينا في ختام الفصل السابق. ومُكبِّر الصوت يعلن الأنباء
التالية على فترات متقطعة تتخللها الموسيقى وغناء
الجوقة.)
النبأ الأول
:
الإعصار يتحرك في اتجاه «أتسينا» بسرعة مائة وعشرين
ميلًا في الساعة.
النبأ الثاني
:
تدمير «أتيسنا» تدميرًا شاملًا. لا أخبار. والاتصالات
مقطوعة.
النبأ الثالث
:
تزايد سرعة الإعصار، وتحركه في خطٍّ مستقيم نحو
ماهاجوني. انقطع الاتصال السلكي مع ماهاجوني. وبلغ عدد
ضحايا الإعصار في بنساكولا أحد عشر ألف ضحية.
(الجميع يحملقون في السهم وقد تملَّكهم
الهلع. يتوقف السهم لمدة دقيقة عند وصوله إلى مشارف ماهاجوني.
صمت مميت. وفجأة يدور السهم في نصف دائرة حول ماهاجوني ثم
يواصل سيره. مكبِّر الصوت يعلن أن الإعصار قد دار في منحنًى
حول ماهاجوني ثم استأنف مساره.)
أصوات الجوقة والفتيات والرجال
:
أي حل رائع!
مدينة الأفراح قد نجت من الدمار،
وعاليًا من فوقها قد عبر الإعصار.
والموت للحياة قد تراجع.
فأي حل رائع!
وأي حل رائع!
(وأصبح شعار سكان ماهاجوني من الآن فصاعدًا
هو كلمة «مباح» التي تعلَّموها في ليلة الرعب والفزع.)
١٣
«بعد مرور عام على انحراف الإعصار العظيم. حركة كبيرة في
ماهاجوني تدل على الازدهار ورواج الأحوال.»
(يتقدم الرجال ويخاطبون جمهور النظارة وهم يغنُّون):
الجوقة
:
تذكَّروا.
تذكَّروا.
في البدء يأتي الأكل والطعام؛
فانتبهوا للكلمة.
وثانيًا العشق والغرام،
تتلوهما الملاكمة!
والشرب — طِبق العقد — والمنادمة.
وقبل كل شيءٍ والمهم يا رجال
تذكَّروا.
تأكدوا على الدوام.
واذكروا في كل حال،
هنا يباح كل شيء
للجميع.
كل شيء،
كل شيء ها هنا حلال!
(يدخل الرجال إلى المسرح ويشاركون في
الأحداث. على اللوحات الموضوعة في عمق المسرح تظهر كلمة
«الأكل» بحروف ضخمة. مجموعة من الرجال يجلس كل منهم إلى إحدى
الموائد التي تكدست عليها كميات كبيرة من اللحوم. نرى باول
بينهم، أما ياكوب، الذي يُطلق عليه الآن اسم «النَّهِم»، فيجلس
على مائدة تتوسط بقية الموائد وهو منهمك في التهام الطعام بغير
انقطاع. على الجانبين يظهر العازفان الموسيقيان.)
ياكوب النَّهِم
:
الآن أكلت العِجْلين.
والآن إلى العِجْل الثالث!
مع ذلك لا يكفي هذا
لو أمكن فسآكل نفسي!
باول وياكوب
:
يا أخي! إن كان هذا يسعدك
فتفضل يا أخي أكمل جميلك!
بعض الرجال
:
يا من سُمِّيت النَّهِم شميت
أنت سمين يا سيد جدًّا،
فتفضل عجلًا آخر!
ياكوب
:
إخوتي! يا أصدقاء!
انظروا ليَّ، لو سمحتم
انظروا لي كيف آكل،
فإذا الأكل تلاشى
هدأت نفسي تمامًا،
وتطلَّعت إلى شيءٍ جديدٍ.
إخوتي! هاتوا المزيد!
(يسقط ميتًا.)
الرجال
(يصطفون خلفه في نصف دائرة وقد خلعوا
قبعاتهم)
:
انظروا! مات شميت!
انظروا! يا للسعيد!
لاحِظوا تعبير وجهه،
نَهِمٌ يرجو المزيد!
متخمٌ عبَّأ كرشه
وله للأكل وحشة،
وشجاع لا يُبارى
كيف بالله توارى
وهو صنديد حديد؟!
(يضعون القبعات على رءوسهم.)
الرجال
(وهم يعبرون على مقدمة المسرح)
:
١٤
(على لوحات العرض في عمق المسرح تظهر كلمة
«العشق» مكتوبة بحروف ضخمة. حجرة بسيطة مشيَّدة فوق المنصة. في وسط
الحجرة تجلس الأرملة بيجبيك، على يسارها فتاة، وعلى يمينها رجل.
رجال ماهاجوني يصطفون تحت المنصة. تُسمع موسيقى في
الخلفية.)
بيجبيك
(ملتفتة للرجل الجالس بجوارها)
:
ارْمِ اللبان من فمك.
واغسل يديك أولًا،
واترك لها فرصة،
وقل لها كِلْمتَين.
الرجال
(بغير أن يرفعوا رءوسهم)
:
ارمِ اللبان من فمك،
واغسل يديك أولًا،
•••
واترك لها فرصة،
وقل لها كِلْمتَين.
(ينتشر الظلام ببطء في الحجرة.)
هلمَّ يا شباب! أسرعوا!
غنُّوا لنا نشيد مانديلاي؛
فالحب لا يحدُّه الزمان.
هلمَّ يا شباب أسرعوا
•••
فالأمر ها هنا أمر ثوان
والبدر لن يطلَّ في سماء مانديلاي
لآخر الزمان!
(ينتشر الضوء في الحجرة بالتدريج. الكرسي
الذي كان يجلس عليه الرجال خالٍ. تلتفت الأرملة بيجبيك للفتاة
الجالسة بجوارها.)
بيجبيك
:
المال وحده لا يستثير الحب،
ولا يهز القلب.
الرجال
(بغير أن يرفعوا رءوسهم)
:
المال وحده لا يستثير الحب،
ولا يهز القلب.
(تظلم الحجرة مرة أخرى.)
هلمَّ يا شباب! أسرعوا!
غنُّوا لنا نشيد مانديلاي.
الحب لا يحده الزمان.
هلمَّ يا شباب أسرعوا؛
فالأمر ها هنا أمر ثوان
والبدر في سماء مانديلاي
لن يطل فوقنا
لآخر الزمان!
(تنتشر الإضاءة في الحجرة من جديد. يدخل
رجل آخر، يعلِّق قبعته على الحائط ويجلس على الكرسي
الخالي.)
(تخفت الإضاءة في الحجرة بالتدريج.)
الرجال
:
والبدر لن يطل في سماء مانديلاي.
لن يطل فوقنا
لآخر الزمان!
(عندما يُسلَّط الضوء من جديد، نرى باول
وجيني جالسين على كرسيين متباعدين. باول يُدخن، بينما تضع جيني
زينتها.)
جيني
:
انظر إلى زوج اليمام رفَّ في الأعالي،
١
باول
:
والسُّحب تحدو الموكب الصغير كالظلال.
جيني
:
يلتصق الجناح بالجناح
في الهبوط والصعود.
جيني وباول معًا
:
مجاورَين للسحاب لحظة ومبعدَين،
يقسمان صفحة السماء بين بين.
جيني
:
ويمضيان مسرعَين
عاشقَين ذاهلَين.
باول
:
عن الوجود أسلما الزمام للمغامرة.
جيني
:
ما شعرا إلا بخفق الريح
في الأجنحة المهاجرة
تُهدهد التوءم في المهد وتحنو في حذر،
فما درى بغير صحبة الحبيب في السَّفَرْ.
باول
:
ولو رمته الريح في اللجة
أو في هوة من العدم
ماذا يهم، والأليف صُنوه
في فرحه وفي الألم؟
جيني
:
وهل يصيبه أذًى
مادام يرعى عهده ويفتدي؟
باول
:
وهكذا يُحلِّقان فوق كل معتدٍ،
وينجوان من رصاص الغدر أو زخ المطر.
جيني
:
يرفرفان تحت قرص الشمس أو قرص القمر
مستسلمَين زاهدَين في الحياة والبشر.
باول
:
وتسألون
كم مضى عليهما.
منذ تعارفت روحاهما وائتلفا؟
باول
:
وتسألونني عن ساعة الفراق
هل دنت؟
جيني وباول معًا
:
وهكذا الحب العظيم
سَنَدٌ للعاشقين
الطيبين واليمام!
الرجال
:
تذكَّروا.
تذكَّروا.
في البدء يأتي الأكل والطعام؛
فانتبهوا للكلمة!
وثانيًا العشق والغرام،
تتلوهما الملاكمة!
والشرب — طِبق العقد — والمنادمة.
وقبل كل شيء والمهم يا رجال
تذكروا
تأكدوا على الدوام
واذكروا في كل حال،
هنا يباح كل شيء
للجميع.
كل شيء.
كل شيء ها هنا حلال!
١٥
(يظهر الرجال مرةً أخرى على المسرح، حيث يجري إعداد حلبة
الملاكمة أمام خلفية كُتبت عليها كلمة «الصراع». على منصة جانبية
تُعزف موسيقى آلات نحاسية.)
جو
(واقفًا على كرسي)
:
سنقيم الآن يا سادتي حفلة كبرى للملاكمة، ولن ينتهي
اللعب إلا بالضربة القاضية. وسيكون الصراع على البطولة بين
موسى صاحب الأقانيم الثلاثة وبيني أنا ذئب
ألاسكا-جو.
فيللي
:
ماذا؟ أنت تصارع موسى صاحب الأقانيم الثلاثة؟ أحسن لك يا
بُني أن تهرب بجلدك. فليست هذه ملاكمة عادية، بل جريمة قتل
مؤكدة.
جو
:
على كل حال أنا لم أمت حتى الآن. وكل ما جمعت آخر قرش.
لهذا أرجوكم جميعًا أن تراهنوا عليَّ، أنتم يا من تعرفونني
وتقدرونني منذ الطفولة، أنت يا جيم، لقد حسبت حسابك أنت
بالذات. كل إنسان عاقل يغلِّب الرأس على قبضة اليد، ويضع
الدهاء فوق القوة، والذكاء فوق الغلظة، فهو مدعو للمراهنة
بماله على ذئب ألاسكا-جو. (جو
يتجه إلى هينريش.)
هينريش
:
جو، أنت غالٍ عندي. أما أن أرمي نقودي في الهواء، فهذا
شيء لم تحتمله أعصابي بعد أن رأيت موسى صاحب الأقانيم
الثلاثة.
(جو يتجه إلى باول.)
باول
:
جو، أنا قدَّرتك على الدوام، وسوف أُقدِّرك منذ المهد
إلى اللحد. ولهذا سأراهن عليك اليوم وبكل ما أملك.
جو
:
باول، عندما أسمع هذا منك، تقفز صورة ألاسكا أمام عيني.
شتاء السنوات السبع، والبرد القارص، كيف قطعنا الأشجار
سويًّا.
باول
:
جو، يا صديقي القديم، أُقسم لك أنني على استعداد للتضحية
بكل شيء.
بشتاء السنوات السبع، بالبرد القارص، وبقطع
الأشجار سويًّا. حين أسمع سيرة ألاسكا تقفز صورتك أمامي يا
جو.
جو
:
مالك مضمون، أُقسم لك. وأُفضِّل أن أخسر نفسي ولا
تخسر.
(في هذه الأثناء يتم إعداد حلبة الملاكمة
التي يدخلها موسى ذو الأقانيم الثلاثة.)
الرجال
:
سلام مثلَّث لموسى! صباح الخير يا موسى! أرهِ كيف يكون
الضرب الموجع!
الحكم
(يقدِّم اللاعبين)
:
موسى مائتا رطل. ذئب ألاسكا-جو مائة وسبعون.
(تتم الاستعدادات الأخيرة لبدء
الملاكمة.)
(تبدأ الملاكمة.)
الرجال
(بالتناوب)
:
انطلقا الآن! أوقعه أرضًا!
هراء. ها هو يضرب.
خُذ بالك! تقع على وجهك.
لا تتوقف!
لا بأس! شُقَّتْ شفته!
اهجم يا جو! ضربة بطل ومعلم!
معلوم! يسبح في عرقه!
(موسى وجو يتبارزان في إيقاع
منتظم.)
موسى
:
افرمه!
فَتِّتْ عظمه!
موسى! اضربْ في المليان! الضرب الموجع!
(جو يسقط على الأرض.)
(ضحك متواصل. ينصرف الجمهور.)
الرجال
(وهم ينصرفون)
:
الضربة القاضية هي الضربة القاضية،
لم يتحمل الضرب في المليان.
الحَكم
:
الفائز موسى ذو الأقانيم الثلاثة.
(ينصرف.)
هينريش
(لباول. وحدهما داخل الحلبة)
:
تنبَّأت بهذا. وهو الآن صريع بالضربة القاضية.
(يخرج الرجال من مقدمة المسرح.)
الرجال
:
تذكروا. في البدء يأتي الأكل والطعام.
وثانيًا العشق والغرام.
تتلوهما الملاكمة،
والشرب — طِبق العقد — والمنادمة.
وقبل كل شيء والمهم يا رجال
تذكَّروا تأكدوا على الدوام،
واذكروا في كل حال
هنا يباح كل شيء.
كل شيء للجميع.
ها هنا حلال.
١٦
(يرجع الرجال للظهور على خشبة المسرح، على
اللوحات في الخلفية كتابة بخط كبير «الشُّرب». الرجال يجلسون
ويمدون أرجلهم على المائدة ويشربون. في المقدمة ينهمك باول وجيني
وهينريش في لعب البلياردو.)
باول
:
أيها الأصدقاء، تعالوا. أنتم مدعوون على الشرب؛ فقد
رأيتم كيف يسقط الإنسان في لحظة مثل جو. يا أرملة بيجبيك.
كأس للسادة على حسابي!
الرجال
:
برافو يا باول. مقبول منك. ولمَ لا؟ بكل سرور. كل من بقي
في ماهاجوني، احتاج كل يوم إلى خمسة دولارات. وربما احتاج
للمزيد لو أنفق على الملذات والمسرَّات. لكنهم في ذلك
الزمان اللعين تجمَّعوا للشرب واللعب في صالون
ماهاجوني:
خسروا في كل الأحوال المال،
لكن كسبوا المتعة وهدوء البال.
في البر والبحر
يُسْلخ جلد الناس
يعرضه النخَّاس
بباهظ السِّعْر؛
لأجل هذا يجلسون طول الليل والنهار،
ويعرضون جلدهم لعابري السبيل والتجار؛
لأن جلدهم بضاعة توزن بالدولار!
باول
:
يا أرملة بيجبيك. كأس أخرى للسادة!
الرجال
:
برافوا باولي! ممنونون!
في البر والبحر
يُسلخ جلد الناس؛
لأجل هذا يجلسون طول الليل والنهار
ويعرضون جلدهم لعابري السبيل والتجار؛
لأن جلدهم بضاعة توزن بالدولار!
•••
ويزيد الطلب يزيد على جلْد الناس،
وتعض الشوكة لحمكمو بالألم القاسي،
لكن من يقدر أن يدفع ثمن الكأس؟
فالخمر بالدولار،
وجلدكم بالعار.
كل من بقي في ماهاجوني احتاج كل يوم إلى خمسة
دولارات، وربما احتاج للمزيد لو أنفق على الملذات
والمسرَّات. لكنهم في ذلك الزمان اللعين، تجمعوا
للشرب في صالون ماهاجون.
لعبوا خسروا في كلِّ الأحوال المال
مع ذلك خرجوا بالمتعة وهدوء البال.
باول
:
جيني تعالي، ساعديني!
نفدت نقودي، أدركيني!
أفضل شيءٍ أنْ نهرب في طرفة عين.
فلنذهب هيا نذهب، ليس يهم إلى أين!
(بصوت عالٍ للجميع، وهو يشير لمائدة
البلياردو):
يا سادتي الكرام!
•••
تركبوا في قاربي المطاط
في نزهة تجدد النشاط!
نعبر فيها البحر والمحيط!
(ثم بصوت هامس لجيني):
ابقي معي، لا تتركيني يا جيني؛
فالأرض تحتي زُلْزِلَت زلزالها.
(ولصاحبه هينريش):
وأنت يا هنري،
يا رفقة العمر،
ابقَ معي الآنا.
•••
لقد سئمت عيشتي في هذه المدينة؛
لأنها … لأنها كئيبة حزينة.
كما عزمت أن أعود من جديد
إلى ألاسكا كي أجدد العهود.
(بصوت مرتفع):
الليلة أرحل لألاسكا بطريق البحر.
(في هذه الأثناء يكون الجميع قد فرغوا من
بناء «سفينة» يصعد إليها باول وهينريش وجيني، مستعينين على ذلك
بمائدة البليارد وعمود من المخزن وما شابه ذلك من أدوات، جيني
وباول وهينريش يتصرفون فوق المائدة تصرف البحارة.)
باول
:
دلقنا الخمرة في بيت الراحة،
وسحبنا الشيش الورديا،
ونفثنا أنفاس دخان،
ونعمنا بالعيش سويًّا،
واليوم سنرجع لألاسكا.
(الرجال في أماكنهم يتابعونهم باستمتاع
شديد.)
الرجال
:
اضربوا لباولي سلامًا
يا له من قبطان.
وانظروا كيف يقود المركب النشوان مثل
البهلوان!
•••
أنتِ يا جيني، اخلعي ثوبك؛
فالحر شديد عند خط الاستواء.
أنت يا هينريش خذ بالك من ريح الخليج،
واحترس كي لا تطير القبعة.
جيني
:
يا إلهي!
هل أرى الطوفان يأتي من هناك؟
أم هو الإعصار آتٍ بالهلاك؟
الرجال
(بطريقة استعراضية كأنهم من فرق
الإنشاد.)
:
انظروا كيف تدلهمُّ السماء
وتغير السحائب السوداء!
(يصفر الرجال ويعولون كأنهم يحسون بعاصفة
تقترب منهم.)
جيني وباول
(يجأران بالشكوى)
:
المركب ليست كالكنبة.
فالريح تدمدم غاضبةً،
والبحر يدوي مضطربًا،
والمركب يتحسس دربه،
والظلمة تهوي مكتئبة،
ودوار البحر يداهمنا
ويقلب في دمنا رعبه.
الرجال
:
انظروا كيف تدلهمُّ السماء،
وتغير السحائب السوداء!
جيني
(وهي تتشبث بالشراع في خوف)
:
أفضل شيء ننشد أغنية «الليل العاصف».
هينريش
:
أفضل شيء للقلب الخائف
أغنية الليل العاصف!
جيني وباول وهينريش
:
الليل داجٍ عاصف،
والبحر عالٍ كالجبال،
والموج مصطخب ومركبنا،
يناضل لا يزال.
•••
اسمعوا الأجراس دوت كالنذير،
واحذروا أن تقربوا هذي الصخور.
جيني
:
أسرعوا في السير كونوا حذرين.
سيركم عكس اتجاه الريح طيش وجنون!
الرجال
:
اسمعوا!
اسمعوا الريح تدوي في الصواري!
وانظروا!
يدلهمُّ الأفق في عزِّ النهار!
هينريش
:
نتشبَّث بعمود الصاري.
لو جُنَّ جنون الإعصار.
باول
:
أبدًا لا داعي يا صحبي؛
فاللون الأسود عن بُعد
غابات ألاسكا في القطب.
والآن يا صحاب،
هيا اتركوا السفينة،
واستشعروا السكينة،
(ينزل من السفينة وينادي):
موسى
(يظهر فجأة إلى جواره)
:
باول
(بخيبة أمل شديدة)
:
أواه ثم آه! قد وصلنا ماهاجون!
(يتقدم الرجال للأمام ومعهم
كئوسهم.)
الرجال
:
باولي،
لقد سقيتنا.
أطعمتنا.
رويتنا.
ندعوك يا إلهنا
باركْ له في عمره،
ولتبقهِ لنا.
باول
:
طبعًا طبعًا.
أرملتي بيجبيك
هذا حقكِ.
والحق معكِ.
لكني اللحظة أدرك
وا أسفا لن أقدر أن أدفع لك؛
إذ يظهر أني أنفقت نقودي.
جيني
:
باولي، فتِّش جيبك؛
لا شك ستجد نقودًا.
فتِّش ثوبك.
باول
:
وأنا أتحدث معكم
قبل قليل.
موسى
:
ماذا؟
السيد ليس لديه نقود؟
ماذا؟
السيد يرفض أن يدفع؟
هل تعرف ما معنى هذا؟
فيللي
:
معناه ضِعْتَ،
ويرحمك المولى.
(يبتعد الجميع، باستثناء هينريش
وجيني.)
بيجبيك
(لهينريش وجيني)
:
هل يتكرَّم أحدكما
فيمدُّ يديه
ويقرضه شيئًا؟
(هينريش ينصرف صامتًا.)
جيني
:
شيء مضحك!
كم نتحمل نحن الفتيات!
جيني
:
لا، لا،
ما دمت مصممة
قطعًا لا!
(تقطع جيني مقدمة المسرح ذهابًا وإيابًا
وهي تغني، بينما يتم ربط باول وتقييده.)
١
جيني
:
حسنًا يا سادة،
أمي نصحتني يومًا،
قالت كلمة،
والكلمة قد صارت لعنة
سيكون مصيرك للمبغى،
أو ما هو أسوأ منه وأدهى.
ما أسهل الكلام عندما يُقال،
لكنني أقول مستحيل،
لن يكون مما تقصدون شيء!
•••
لن تفعلوا هذا معي،
وفي غد سوف نرى!
إن الإنسان العاقل يختلف عن الحيوان؛
لأنه كما يوسِّد الإنسان نفسه ينام
ولن يغطيك سواك،
لن يقيك لسع البرد والظلام.
•••
وإذا داس أحد،
فأنا هذا الهمام
وإذا دِيسَ أحدْ،
فهو أنتَ في الرغام.
٢
:
موسى
:
مرحى يا ناس!
رجل لا يملك أن يدفع ثمن الكاس!
قحة وغباء ورذيلة
والأسوأ منها الإفلاس!
(يُساق باول إلى خارج
المسرح.)
بالطبع جزاء الرجل الشنق،
وحكم القانون الموت،
مع ذلك عفوًا يا سادة،
لا تقفوا، وامضوا في صمت.
(يرجع الجميع إلى أماكنهم ويواصلون
الشرب ولعب البلياردو.)
الرجال
:
عذرًا يا سادة،
في العادة،
من يلزم مأواه البائس
لا ينفق في اليوم الواحد
دولارًا أو دولارين،
لو أسرف دولارًا خامس.
أما إن كان له زوجة
فالخمسة تكفي وزيادة.
•••
في أرخص نادٍ قد جلسوا،
والحظ مواتٍ والأُنس،
والمكسب شيء مضمون.
(يخبطون بأقدامهم على
الإيقاع.)
(يتوقفون عن الخبط بأقدامهم ويمدون
أرجلهم على الموائد. يعبر بعض الرجال مقدمة المسرح
متجهين إلى خلفيته وهم ينشدون):
تذكروا،
تذكروا الكلام.
في البدء يأتي الأكل والطعام،
وثانيًا العشق والغرام،
تتلوهما الملاكمة!
والشرب — طِبق العقد — والمنادمة.
لكنما المهم والأهم يا رجال
تذكروا على الدوام
واذكروا في كلِّ حال
هنا يُباح كل شيءٍ للجميع،
كل شيءٍ عندنا حلال.
١٧
(باول أكرمان في الأغلال. الوقت ليلًا.)
باول
:
عندما تصفو السماء
يبتدي يوم لعين،
والسماء الآن ما زالت
ظلامًا في ظلام.
•••
يا ليت ليلي يدوم،
والصبح لا يطلع؛
أخشى أن يصلوا الآن؛
الحارس والسجَّان،
ويحيط بي الأوغاد،
وأُسلَّم للجلَّاد.
•••
يا ليت ليلي يدوم،
•••
يا أيها المسكين،
يا كهلي الحزين،
قد ضاعت السنين
والعمر في ثوان.
•••
فاحشُ به الغليون
وانفثه كالدخان؛
فكل ما قد فات
قد انقضى ومات،
وما تبقَّى الآن
سيختم الأحزان؛
فَاحْشُ به الغليون
وانفخه كالدخان.
•••
يا ليت ليلي يدوم،
والصبح لا يطلع.
•••
والسماء الآن مازالت ظلامًا في ظلام.
(ينتشر الضوء.)
ليته لا ينجلي كي لا أرى اليوم اللعين.
١٨
لم تكن المحاكم في ماهاجوني بأسوأ منها في غيرها.
(خيمة المحاكمة. مائدة وثلاثة كراسي، وهيكل
حديدي صغير على شكل مسرح دائري — يشبه قاعات العيادات الجراحية —
يجلس فيه جمهور النظارة الذين يقرءون الصحف، ويمضغون اللبان
ويدخِّنون. الأرملة بيجبيك تقوم بدور القاضي، بينما يتولَّى فيللي
مهمة الدفاع. رجل يُدعى توبي هيجنز يجلس في جانب على الأريكة
المخصصة للمتهمين.)
موسى
(الذي يتولى الادعاء، في مدخل
الخيمة)
:
هل حصل كل المتفرجين على التذاكر؟ بقيت ثلاثة أماكن
خالية، الواحدة بخمسة دولارات. ثلاث قضايا مهمة، والتذكرة
بخمسة دولارات. خمسة فقط يا حضرات، لنسمع كلمة العدالة.
(لا يأتي أحد، فيرجع لمكانه أمام منصة
الادِّعاء.)
:
(وأثناء الخطبة السابقة لممثل الادِّعاء
يدور صراع صامت ويائس بين المتهم والأرملة بيجبيك. وقد أفهم
المتهم هيئة المحكمة عن طريق رفع أصابعه إلى أعلى بمقدار
المبلغ الذي يعلن عن استعداده لدفعه؛ بينما تحاول الأرملة بنفس
الطريقة أن ترفع المبلغ الذي يعرضه، وقد عبَّر التردد الذي
أبداه ممثل الادعاء مع نهاية خطبته السابقة عن أقصى حدٍّ وصل
إليه عرض المتهم بعد المفاوضات الصامتة مع المحكمة.)
(صمت.)
الرجال
(وهم المتفرجون في المكان الذي
وصفناه)
:
بيجبيك
:
طالما أن المتضرر لم يعلن عن نفسه، فنحن مضطرون
للحكم ببراءته.
(ينتقل المتهم إلى مكان المتفرجين.)
موسى
(يستأنف القراءة من ملف
الاتِّهام)
:
ونصل إلى قضية باول أكرمان المتهم بالسرقة
والابتزاز.
(يظهر باول مقيدًا بالأغلال ويقوده
هينريش.)
باول
(قبل الجلوس على أريكة
المتهمين)
:
هَيْني، أرجوك!
هَبْني، من فضلك
مائة دولار؛
كي يُنظَر في أمري الآن
كإنسان.
هينريش
:
باولي
أنت قريب مني،
لكن نقودي شيء آخر
مختلف عني.
باول
:
هيني، أولًا تتذكر
صحبتنا
في غابات ألاسكا؟
وشتاء السنوات السبع
ونوبات البرد؟
كيف قطعنا الأشجار سويًّا؟
هَيْني،
اذكر تلك الأيام
وهَبْني مائة دولار.
هينريش
:
باولي،
أيام ألاسكا
في ذاكرتي
وشتاء السنوات السبع
ونوبات البرد.
قطع الأشجار سويًّا،
والكد لجمع الأموال.
ولهذي الأسباب جميعًا
لن أعطيك المال.
موسى
(لباول)
:
أنت متهم بالامتناع عن دفع ثمن الويسكي والعمود الذي
استوليت عليه من المخزن.
لم يسبق أن ارتكب إنسان مثل هذا الفعل البشع الفظ لقد
جرحت كل الأحاسيس البشرية بغير حياء، فارتفعت من العدالة
المهانة صرخة القصاص. لهذا أطالب، أنا مرافع الاتهام، بأن
تأخذ العدالة مجراها.
(لم ينتبه باول — أثناء خطبة الاتهام — إلى
الإشارات التي ترسلها الأرملة بيجبيك بإصبعها.)
(بيجبيك وفيللي وموسى يتبادلون نظرات لها
مغزاها.)
بيجبيك
:
حسن. فلنبدأ فورًا،
أفتتح التحقيق العام
ضدك يا باولي أكرمان؟
التهمة أنك أغويت فتاة
باسم جيني سميث
بعد وصولك لماهاجوني،
أنك أجبرت المسكينة كرْهًا
أن تستسلم لك
من أجل المال.
جيني
(تتقدم لهيئة المحكمة)
:
(همس بين صفوف النظارة.)
بيجبيك
:
وقت الشدة في ماهاجون
ليلة زحف الطيفون،
وعَّد الناس الأنفاس
غنيت أغاني فاحشة
وانعدم لديك الإحساس.
الرجال
:
لم يعلن أحد عن نفسه
لم يشكُ إليكم إنسان.
معناه بصيص من أمل
في العدل يا باولي أكرمان.
موسى
(مقاطعًا كلامهم)
:
مع ذلك في نفس الليلة
يتعمد هذا المأفون
أن يلعب دور الإعصار
ويروِّع أمن ماهاجون.
هينريش
(يهبُّ واقفًا على المنصة)
:
هذا الحطاب الطيب
من غابات ألاسكا
سنَّ قوانين اللذة والحرية،
كشف الدستور الخالد
لسعادة جنس البشرية،
وسعادتكم أنتم
أهل ماهاجوني.
الرجال
:
ولذلك نرفع صوت الحق
نطالب ببراءة باولي أكرمان،
هذا الحطاب الطيب من غابات ألاسكا
من غابات ألاسكا
رمز النخوة والصدق.
هينريش
:
باولي،
من أجلك أفعل هذا
ولأني أذكر أيام صبانا
في غابات ألاسكا،
وشتاء السنوات السبع،
ولذع البرد القارص
إذ نقتطع الأشجار سويًّا.
باول
:
هَيْني، هَيْني،
صاحبي وقرة عيني
ما قد قدمتَ لأجلي
قد ذكَّرني بألاسكا
بشتاء السنوات السبع،
وبالبرد القارص
وبقطع الأشجار سويًّا.
موسى
(يضرب المنضدة بيده)
:
من غابات ألاسكا
وحضيض البؤس
سلَّم للموت صديقًا
في لعب البوكس؛
كي يكسب مالًا جمًّا.
هينريش
(ينتفض واقفًا)
:
أنا أسألكم يا محكمة العدل
مَن قتل صديقه؟
الأرملة بيجبيك
:
مَن قتل المدعو
ذئب ألاسكا-جو؟
موسى
(بعد فترة صمت)
:
شيء مجهول
لا تعرفه محكمة العدل.
هينريش
:
لم يتطوَّع أحد
ممن وقفوا حوله
كي يفديه بماله،
لما رهن حياته
في وسط الحلبة
إلا الواقف في القفص الآن
باولي أكرمان.
الرجال
(بالتبادل)
:
ولذلك نطلب أن يُشنق باولي أكرمان.
– بل يتحتم تبرئته.
– هذا الحطاب الطيب
من غابات ألاسكا.
(الرجال يصفقون ويصفِّرون.)
موسى
:
والآن إلى صُلب التهمة:
طلبتَ ثلاث زجاجات «ويسكي»
وأخذت عمودًا من خشب البار
وكأنك في غمرة سكرك
تعبث بعمودٍ كالصاري.
أسألك فأخبرني حالًا
أنت المتهم أكرمان:
كيف سمحت لنفسك
ألا تدفع كشف حسابك؟
الرجال
(بالتبادل)
:
لا مال لديه.
– يرفض أن يدفع كشف حسابه.
يسقط باولي أكرمان!
– يسقط باولي!
الأرملة بيجبيك
:
لكن من وقع عليه الضَّرَرُ
من المجني عليه؟
(الأرملة بيجبيك وفيللي وموسى ينهضون
واقفين.)
الرجال
:
ها هم يقفون هناك
من وقع الضرر عليهم.
فيللي
:
محكمة العدل!
ننتظر الحُكم!
الأرملة بيجبيك
:
بالنظر لحالتك الضنك
لا مانع عند المحكمة
من الشفقة بك.
ثبتت تهمتك،
ونُصدر هذا الحكم عليك
يا باولي أكرمان.
موسى
:
فبسبب القتل بلا إصرار أو عَمدْ
لصديقك ذئب ألاسكا-جو.
موسى
:
ولأنك أزعجت الأمن
وعكَّرت الصفو.
الأرملة بيجبيك
:
صدر الحكم بتجريدك من شرفك
ولمدة عامين.
موسى
:
ولأنك أغويت فتاة تُدعى جيني سميث.
الأرملة بيجبيك
:
قضت المحكمة بحبسك أربع سنوات
مع وقف نفاذ الحكم.
موسى
:
وبسبب صياحك ليلة زحف الإعصار
بأغاني الفحش الممنوعة.
الأرملة بيجبيك
:
قضت المحكمة بسجنك عشر سنين
لكن يا باولي أكرمان
ولأنك ترفض أن تدفع
ثمن ثلاث زجاجات
وعمود الصاري
من خشب البار
حُكم عليك حضوريًّا بالإعدام.
الأرملة بيجبيك وفيللي وموسى
:
بسبب الفقر!
أعظم جرم يُرتكب
على ظهر الأرض
وفي البر أو البحر.
(عاصفة من التصفيق.)
١٩
إعدام باول أكرمان وموته. قد يستنكر القُرَّاء أو المشاهدون
إعدام باول أكرمان في المنظر التالي. ولكنهم في رأينا لم يكونوا
ليتبرعوا بدفع الحساب عنه. هكذا بلغ احترام المال في عصرنا.
(في الخلفية تظهر على شاشة العرض صورة لمدينة
ماهاجوني التي تغمرها الإضاءة الناعمة. يتجمع حشد كبير من الناس في
مجموعات. يرفع الرجال قبعاتهم عندما يمر باول عليهم ومعه موسى
وجيني وهينريش. إلى اليمين ينشغل العمال بإعداد الكرسي
الكهربائي.)
موسى
(لباول)
:
رد السلام!
ألست ترى أنهم أقرءوك السلام؟
(باول يحيى الناس.)
أنهِ مشاغل دنياك الآن
وعلى الفور
فالسادة ممن قد حضروا
لوداعك ومشاهدة سقوطك
لم يُبدوا الرغبة في معرفة خصوصياتك.
باول
:
جيني
وحبيبة قلبي
الآن سأمضي،
كانت أيامي معك جميلة،
والخاتمة جميلة.
جيني
:
باولي حبيبي،
أنا أيضًا عشت بقربك
أجمل أيام حياتي،
لا أعرف كيف يكون
مصيري بعدك.
باول
:
صدقيني
إن أمثالي في الدنيا كثير.
جيني
:
ليس هذا بصحيح.
ضاع عمري وانطوت تلك السنين
ذاك ما أعلمه علم اليقين.
باول
:
أو لم تضعي الثوب الأبيض
مثل الأرملة الثكلى؟
جيني
:
حقًّا. أنا أرملتك.
أبدًا لن أنسى حبك
حين أعود لفتياتي.
باول
:
والآن سأعهد بك
لصديقي هيني
آخر وأعز صحابي
من غابات ألاسكا.
(يتجهون إلى مكان الإعدام.)
بعض الرجال
(يمرون بهم وهم يقولون بعضهم
لبعض)
:
تذكَّروا،
تذكروا الكلام.
فأولًا يجيء الأكل والطعام،
وثانيًا العشق والغرام،
تتلوهما الملاكمة.
ورابعًا — وطِبق العقد —
يأتي الشُّرب والمنادمة!
(باول يتوقف في مكانه ويتابعهم
بنظراته.)
بيجبيك
:
آه! لم آخذ بالي!
ولدينا رد لسؤالك
سنعيد أمامك
عرض إله أسطوري
هبط مدينة ماهاجوني،
أما أنت فتجلس فوق الكرسي!
(يتقدم أربعة رجال مع جيني ويعرضون أمام
باول أكرمان قصة الإله الأسطوري في ماهاجوني.)
الرجال الأربعة
:
في صبح يوم كئيب
ونحن نشرب «جين»
أتى إله عجيب
يزور ماهاجون.
•••
ونحن نشرب «جين»
شُفناه في ماهاجون.
موسى
(الذي يُمثل دور الإله الخرافي، ينفصل
عن الباقين ويتقدمهم إلى الأمام وقد غطى وجهه
بالقبعة)
:
أتطفحون جميعًا
من غلتي وشعيري،
وما حسبتم حسابي
ولا انتظرتم حضوري،
فهل تُرى للقائي
أنتم على استعداد؟
جيني
:
رجال ماهاجون
تبادلوا النظرات
قالوا له آمين
رجال ماهاجون.
الرجال الأربعة
:
في صبح يوم كئيب
ونحن نشرب «جين»
أتى إله عجيب
يزور ماهاجون
•••
ونحن نشرب «جين»
شُفْناه في ماهاجون.
موسى
:
ويوم عطلتكم
لعبتمو وضحكتم
رأيت «ماري ويمان»
هناك كالعادة
تعوم في البركة
كأنها سمكة
خرساء مرتبكة
ولن تجفَّ بتاتًا
يا أيها السادة.
جيني
:
تبادلوا النظرات
رجال ماهاجون
قالوا له آمين
رجال ماهاجون.
الرجال الأربعة
(كأنهم لم يسمعوا شيئًا)
:
في صبح يوم كئيب
ونحن نشرب «جين»
أتى إله عجيب
يزور ماهاجون.
•••
ونحن نشرب «جين»
شُفناه في ماهاجون.
موسى
:
أتنكرون الصادقين
من دعاتي المخلصين؟
أتقتلون بالرصاص أفضل المبشِّرين؟
وتطلبون أن أراكم
تشربون، تسكرون
وتحلمون بالدخول
في جِنان الصالحين؟
جيني
:
تبادلوا النظرات
رجال ماهاجون
قالوا له آمين
رجال ماهاجون.
الرجال الأربعة
:
في صبح يوم كئيب
ونحن نشرب «جين»
أتى إله عجيب
يزور ماهاجون
ونحن نشرب «جين»
شُفناه في ماهاجون.
موسى
:
هيَّا إلى الجحيم
للنار أجمعين،
وأطفئوا السيجار،
وظهركم للبار،
وامشوا إلى الجحيم،
يا أيها الأولاد
للنار والغِسلين
يا أيها الأوغاد.
جيني
:
تبادلوا النظرات
رجال ماهاجون
قالوا له: لا، لا.
رجال ماهاجون.
الرجال الأربعة
:
في صبح يوم كئيب
ونحن نشرب «جين»
تأتي إلى ماهاجون
ونحن نشرب «جين»
حذارِ يا أصحاب
لا تنقلوا قدمًا
وغلِّقوا الأبواب،
وأعلنوا الإضراب،
والثورة العظمى،
لا لن تجرَّ واحدًا من شعره إلى الجحيم؛
لأننا عشنا الحياة في العذاب والجحيم.
جيني
(تنادي من مكبر للصوت)
:
تبادلوا النظرات
رجال ماهاجون
قالوا له لا، لا.
رجال ماهاجون.
باول أكرمان
:
ها أنا ذا أكتشف الحقيقة عندما وطئت قدماي أرض هذه
المدينة لأشتري السعادة بالمال، كنت قد أصدرت قرار سقوطي
وختمته بخاتمي. وها أنا أجلس هنا ولم أجنِ شيئًا. أنا الذي
كنت أقول على كل إنسانٍ أن يقتطع لنفسه شريحة من اللحم بأي
سكين يتوصَّل إليها. لكن اللحم كان فاسدًا، والسعادة التي
اشترتيها أبعد ما تكون عن السعادة، والحرية من أجل الربح
والمال لم تكن من الحرية في شيء. أكلت ولم أشبع، شربت
وازددت عطشًا. أتوسل إليكم. أعطوني كوبًا من الماء.
موسى
(وهو يطرق رأسه بالخوذة فجأة)
:
انتهى كل شيء.
٢٠
ووسط الاضطراب المتزايد والغلاء وعدوان الجميع على الجميع، تظاهر
الباقون على الحياة في مدينة الشباك في الأسابيع الأخيرة دفاعًا عن
مُثُلهم العليا — كأنهم لم يتعلموا شيئًا.
(تُشاهد على شاشة العرض في عمق المسرح صورة
ماهاجوني التي تشتعل فيها النيران. ثم تبدأ مواكب المظاهرات التي
تتدافع وتختلط بعضها ببعض حتى النهاية.)
الموكب الأول
الأرملة بيجبيك، فيللي ممثل الاتهام وموسى ذو الأقانيم
الثلاثة وتابعوهم. المتظاهرون.
يحملون لافتات كتبت عليها هذه الشعارات والعناوين:
لأجل الغلاء
لصراع الكل مع الكل،
لحالة الفوضى في مدننا،
لاستمرار العصر الذهبي
فهذه مدينة الجمال
ماهاجون.
وكل ما صوَّره الخيال
من جنون
من زينة الحياة والمتاع،
ما دام في جيوبكم أموال
فكل شيءٍ كل شيءٍ يُشترى بالمال
وكل شيءٍ سلعة تُباع.
الموكب الثاني
المتظاهرون يحملون لافتات كُتِبت عليها هذه العناوين:
لأجل الملكية،
ولتجريد الغير من الملكية،
للتوزيع العادل للخيرات العلوية،
والتوزيع الظالم للخيرات الأرضية
للحب
لأجل شراء الحب وبَيْعه،
للفوضى الفطرية للأشياء
لاستمرار العصر الذهبي.
•••
ونحن لا نحتاج للإعصار،
ونحن لا نحتاج للطيفون؛
فكل ما يجلبه الإعصار من دمار،
وكل ما يُحدثه الطيفون من جنون،
ورعبه والهَوْل
نحدثه بالفعل!
الموكب الثالث
المتظاهرون يحملون لافتات كُتب عليها:
لأجل حرية الأغنياء،
للشجاعة ضد العزَّل،
لشرف القتلة،
لمجد القذارة،
لخلود الحقارة،
لاستمرار العصر الذهبي؛
•••
لأنه كما يوسِّد الإنسانُ نفسَه ينام،
ولن يغطيك سواك أو يقيك لفح البرد والظلام.
وإذا داس أحد
فأنا هذا الهمام،
وإذا ديس أحد
فهو أنت في الرغام.
الموكب الأول
يرجع بلافتاته السابقة:
وهذه المدينة اللعوب
مقفرة تكون أو خراب
إن أقفرت من مالها الجيوب.
•••
فكل شيءٍ يُشترى بالمال أو يُباع،
وليس للفقير غير الذل والضياع،
ولذاك كان المال وحده
للمرء عِدته وسنده.
الموكب الرابع
(فتيات يحملن مخدات صغيرة عليها ساعة يد
ومسدس ودفتر شيكات باول أكرمان، وعمودًا خشبيًّا رُبط فيه
قميصه.)
يا قمرًا يُضيء ألاباما
لا بد أن نقول جود باي.
•••
نحن فقدنا أمنا العجوز ماما،
والآن لا بدَّ من الدولار.
•••
آه لا تسأل لماذا
أنت أدرى بالجواب!
الموكب الخامس
(المتظاهرون يحملون جثة باول أكرمان. ترتفع
وراءهم لافتة كُتب عليها: «لأجل العدالة».)
يمكننا أن نحضر خلًّا؛
كي نمسح وجهه،
أو نحضر أيضًا كمَّاشة؛
كي ننزع منه لسانه،
لن يمكننا أن نصنع للميت شيئًا.
الموكب السادس
(المتظاهرون يحملون لافتة صغيرة كُتب
عليها: «لأجل الغباء».)
قد يمكن أن نتحدث معه
أو نزعق فيه،
يمكن أن نتركه فوق فراش الموت،
أو نأخذه معنا للبيت،
لن يمكننا أن نصدر للميت أمرًا.
•••
يمكن أن نضع المال بكفه،
أو يمكننا أن نحفر حفرة
نحشره فيها ونُهيل ترابًا،
أو بالجاروف نحطم رأسه.
لن نقدر أن نصنع للميت شيئًا
أو نقف بصفِّ الموتى.
الموكب السابع
(لافتة هائلة الحجم كُتب عليها: «لاستمرار
العصر الذهبي».)
يمكننا الحديث عن عصوره العظيمة.
يمكننا نسيانه وعصره العظيم.
لن نقدر أن نصنع للميت شيئًا،
أو نصبح في عون الموتى.
(مواكب لا آخر لها في حركة مستمرة.)
جميع المواكب
لكن
لن يمكننا أبدًا
أن ننقذ أنفسنا
أو ننقذكم
أو ننقذ أحدًا!