ولم يرَ الرجل قدمه!
هذا محال، في غاية الاستحالة والشناعة.
عندما سُجن ابن الهيثم (٩٦٥–١٠٤٠م) في مصر بسبب عدم صلاحيَّة أفكاره — أو عدم تطبيقها بشكل جيد — فيما يخص بالتحكم في تدفق المياه في نهر النيل، قرر الابتعادَ عن التفكير في المياه، واتجه للتفكير في الضوء والبصريات. فكان السؤال الأبرز الذي واجهه: كيف نرى؟ هل تخرج أشعَّة ما من أعيننا إلى الجسم فنراه كما قال فيثاغورث؟ أم أن الضوء يسقط على الأجسام ثم ينعكس منها متجهًا إلى أعيننا، فنرى الأجسام كما قال أبيقور؟
مبصر في مدينة العميان
عندما نزلتُ من الدَّرَج كانت هناك مشكلة غير متوقَّعة؛ لأنني لم أرَ قدمي أثناء النزول، برغم هذا كنت أشعر بإثارة كأنني مبصر في مدينة عميان، أردت أن أضرب الناس على ظهورهم وأجعل قبعاتهم تطير، عمومًا كنت أستمتع بهذا التفوق الاستثنائي.
حاول العلماء، ربما قبل ويلز حتى، إنتاج موادَّ أو عباءات يمكن للبشر التخفي بها، وصولًا إلى العصر الحديث والذي بالتأكيد سيكون لعلمائه كلمةٌ في هذا الموضوع، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم وتسير محاولاتٌ حثيثة من العلماء من بلدان العالم المختلفة والتي سنسرد بعضًا منها، لإنتاج مثل تلك العباءات أو المواد، لكن قبل ذلك أود منك أن تتأمَّل النظرية التي استخدمها ويلز في التخفِّي، ولتعلم أن الخيال دائما كان منطلَقَ ومهدَ الكثير من الحقائق والابتكارات التي ربما تُحول مجرى حياتنا.
إمكانية التحقق ليست بالبعيدة
ومن تلك المحاولات والتي أُجرِيَت بهذا الصدد تلك المادة التي ابتكرها علماء من جامعة بروكلي بالولايات المتحدة الأمريكية، هذه المادة يُمكنها أن تُحوِّل الضوء عن الأشياء ثلاثية الأبعاد مما «يُخفيها عن الأنظار»، وفقًا لما يُسمَّى بالانعكاس المقلوب أو السالب، وهو نفس مبدأ الفيزياء البصرية الذي يُعطي الانطباع بأن قشة وُضِعت في كوب من الماء تبدو كما لو كانت منكسرة.
لكن لسوء الحظ لا توجد هذه المادة في شكل عادي؛ فقد أُنتِجت على قياس متناهي الصغر يُناهز جزءًا من مليار جزء من المتر، وقد استُخدِمت مقاربتان؛ إحداهما استَخدمت كمية متناهية الصغر من الفِضة وفلورايد المجنيزيوم، والأخرى استُخدِمت فيها حبال متناهية الصغر من الفضة، ولم تمتصَّ هذه الأشياء الضوء كما لم تعكسه، «مثل ماء ينساب حول صخرة» حسَب تعبير أحد أعضاء الفريق العلمي، وكانت النتيجة أن الضوء الوحيد الذي يمكن رؤيته هو ضوء الخلفية، ويقول العلماء إن المبادئ التي يستند عليها الاكتشاف قد تُمكِّن في المستقبل من صنع عباءة «إخفاء»!
المشكلة والحل
لطالما كانت مشكلة الضوء العادي المنظور هي في قِصَر موجاته والتي تحتاج إلى موادَّ ذراتها صغيرة جدًّا كي تستطيع التلاعب بها، وإذا تم استخدام ذرات صغيرة سيكون هذا على الأسطح الصلبة غير القابلة للانحناء والتي تفتقد المرونة اللازمة لاستخدامها في التطبيقات المختلفة.
ومن التطبيقات التي يُمكِن أن تُنتجها الميتافليكس «عباءة إخفاء» مثل تلك التي توجد في الفيلم الشهير «هاري بوتر».
أقمشة فوتوغرافية Photographic Screen
ولا يَخْفى عليك أن هذه التقنية لها تطبيقات عديدة؛ فعلى سبيل المثال يمكن استخدامها في الديكورات بحيث توضع الكاميرات على الحوائط الخارجية، وعندما تكون بالداخل سيبدو لك أنك تنام في العَراء!
الاختفاء الكلي
ويبدو لنا مما سبق من محاولات أن معظمها لا يُحقق الاختفاء الكامل، أو قد يُحققه تحت ظروف معينة.
ماذا بعد؟
بعد كل تلك المحاولات من شتى بقاع المعمورة، والتي تُجلِّي إصرار الإنسان على تحقيق مبتغاه، هل لاحظت أن منبع (أو منبع من منابع) كلِّ هذه الأفكار وملهمها كانت فكرة خيالية؟ — وإن كان لها أصل علمي — مِن كاتب يعيش في القرن التاسع عشر، أخرج ما في رأسه على وُرَيقات وصلَتنا، فألهبت عقول العلماء، وحثَّتهم على أن يُجاروها عِلميًّا؟
لقد قرر الإنسان منذ زمن أن المستحيل أصبح غريبًا على قاموسه، ووضع في عقله أنه لا بد أن يأتيَ اليوم الذي يُمسك فيه بلجام الكون ويسوقه كيف يشاء! هذا إن ظل الكون مسالمًا ولم يَفِضْ به الكيلُ منا ومن فضولنا اللامتناهي!
د. عبد الحليم منتصر، تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدُّمه، مكتبة الأسرة ٢٠١٢م، ص٩٦، ١٠٢.