الفصل الثاني عشر

حدود الاجتهاد (مناظرة تليفزيونية ١)١

المقدم : مساء الخير، واضح أن قضية الأمس والحوار الذي دار بالأمس مع المفكر الأستاذ نصر حامد أبو زيد كان بالفعل قضية خطيرة جدًّا، نصر حامد أبو زيد الذي أثاره من جدل ومن نقاش حتى الآن لم يهدأ، وما زالت المكالمات وما زالت الفاكسات تتوالى علينا من أجل مناقشة ما قال؛ ما بين مؤيد وما بين معارض وبين مستفسر، أنا وصلني منه اليوم فاكس من حيث هو موجود في أوروبا، أحب أقرؤه عليكم، ومن حقه علينا أن نعطيه فرصته كي يقول كلمته الأخيرة في هذا الأمر.

يقول: الأستاذ فلان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في نهاية البرنامج وبالأمس طلبتم مني أن أرد في ثلاثين ثانية إن كنت أقبل مناقشة من أخرج القضية من إطار البحث العلمي في الجامعة، حيث واجه الفكر بالفكر والاجتهاد باجتهاد مقابل إلى ساحات المحاكم؛ حيث لا يمكن حسم الخلافات الفكرية إلا بإجبار الرأي على الخضوع للرأي الآخر، وفي مدة الثلاثين ثانية المتاحة قلت إني لا أقبل مناقشة شخص أعتبره عدوًّا، وحتى لا يُساء فهمي أود أن أوضح للمشاهدين أنى قصدت بالعدو من اتخذ مني ومن اجتهاداتي موقفًا مسبقًا دون مناقشة علمية موضوعية، بل وحتى في كثير من الأحيان دون قراءة مؤلفاتي، وأكثر من ذلك نقل الأمر كله من خلاف الفكر إلى منازعة قضائية انتُهك من خلالها حرمة حياتي العائلية، واتُّخذ التفريق بيني وبين زوجتي وسيلة للإرهاب الفكري.

وهو ما يفضي دائمًا إلى غلق باب الاجتهاد نهائيًّا. أما غير ذلك فإنني مستعد لمناقشة كل من يخالفني في الرأي مناقشة علمية موضوعية هادئة؛ فأنا من أشد المتمسكين بالمبدأ الفقهي العظيم: رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي خصمي خطأ يحتمل الصواب. وأنا في النهاية لا أبغي من اجتهاداتي الفكرية سوى وجه الله سبحانه وتعالى والدفاع عن نصرة وجه الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نصر حامد أبو زيد
إذن الأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد على استعداد لمناقشة فكرية والدخول في أي مناقشة مع من يريد الدخول في هذه المناظرة معه، وأوربت كالعادة تؤمن بالرأي والرأي الآخر، وهي ستفعل كل ما في جهدها من خلال هذا البرنامج أن تُتاح فرصة هذه المناقشة.
تحقيقًا لهذا المبدأ، الرأي والرأي الآخر، اليوم يستمر النقاش في هذا الموضوع ولكن ننقله إلى درجة أخرى، وهي حق الاجتهاد وحدود الاجتهاد. نحن نسأل: هل أُغلق باب الاجتهاد؟ ما هو الاجتهاد؟ وما هي حدوده؟ هل هناك قضايا مسلَّمة لا يمكن الاجتهاد فيها؟ وهذه القضايا التي تعتبر مسلَّمة واجتُهد فيها، فهل يحق للآخر إذا كان ذلك خطأً أن يعيد فتح باب النقاش فيها؟ الإسلام دين الحرية وأيضًا دين العقل، ولكن هل هناك حدود لهذه الحرية وضوابط لهذا العقل؟ القضية بالفعل معقدة وليست بسيطة. وتحتاج منا إلى طرح الرأي والرأي الآخر.

معي في الاستوديو اليوم طرفان يعبر كلٌّ منهما عن وجهة نظر وعن مدرسة من التفكير … معنا في الاستوديو الدكتور عبد الصبور مرزوق رئيس رابطة العالم الإسلامي سابقًا والمفكر الإسلامي المعروف ورئيس المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية، وهو رجل له آراؤه الواضحة والمعروفة، وأحد الذين يؤمنون بالحوار، الحوار على كل اتجاهاته، لكن هناك أيضًا نقاطًا له فيها وجهة نظر، وأيضًا معنا في الاستوديو صاحب هذا الكتاب (يرفع الكتاب أمام الكاميرا) الدكتور سيد القمني صاحب كتاب الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية، وهذا هو أكثر الكتب التي أثارت جدلًا في مصر في الآونة الأخيرة بالنسبة للفكر الإسلامي، وهذا الكتاب أثار جدلًا يكاد يكون أكثر من كتب الدكتور نصر أبو زيد، وصف الأستاذ المفكر فهمي هويدي، وصف الأستاذ الدكتور سيد محمود القمني بأنه أسوأ من سلمان رشدي وأكثر خطرًا. إذن نحن معنا في الاستوديو رجل يعبر عن مدرسة من التفكير الإسلامي التقليدي المتعارف عليه، وآخر يعتبر من الذين يجتهدون في التفكير، وهذا الاجتهاد وصف من بعض المفكرين الإسلاميين بأنه أخطر من سلمان رشدي. إذن علينا أن نعمل الجدل والحوار في هذه الحلقة حتى نجيب عن الأسئلة: هل أُغلق باب الاجتهاد؟ ما هو الاجتهاد؟ ما هي حدوده؟ تسمحون لي نبدأ هذا الحوار … أبدأ مع أستاذنا الدكتور عبد الصبور، أستاذ عبد الصبور: ما هو الاجتهاد؟
د. عبد الصبور مرزوق : بسم الله الرحمن الرحيم. الاجتهاد في مفهومه العميق والصحيح؛ هو إعمال العقل للوصول إلى الحقيقة فيما ليس فيه نص لا يقبل التأويل، هذا الاجتهاد يعتبر إحدى القسمات الأساسية في الفكر الإسلامي منذ نزول القرآن حتى هذه اللحظة؛ لأن القرآن ليس كتاب تشريع فقط وليس كتاب هداية فقط، ولكنه دستور الأساس بالنسبة للإسلام ككل وللدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.
القرآن كما نعلم يحترم العقل احترامًا كاملًا، ويدعو إلى إعماله في كل الاتجاهات، يدعو الإنسان إلى التفكير وإلى النظر وإلى السير في الأرض … كما هو معروف؛ ومن ثَم يعتبر إعمال العقل، الذي هو الاجتهاد فيما لا نص له، قسمة من قسمات الإسلام الحضارية التي تُحسب دائمًا لهذا الفكر الإسلامي، وحدد هذا الاجتهاد؛ أولًا: هذا الاجتهاد يبدأ منذ التعامل مع النص، فيه مقولة بتقول إنه لا اجتهاد مع النص، أنا باعتقد أن هناك اجتهادًا مع النص في فهم النص، وفي محاولة الوقوف على مرامي وأهداف وأغراض النص التي تنتهي أو تصل في النهاية بالمجتهد، إلى أن يلتمس أو يتلمس جوهر الإسلام، والتي قد لا يكفي النص في عرضها أو في توضيحها للقارئ.

الحدود التي يتحرك فيها الاجتهاد نأخذها ببساطة شديدة من مقولة سيدنا رسول الله لما أراد أن يرسل القاضي المعروف إلى اليمن، لا أتذكر الاسم الآن غاب عني، هو معروف، فقال له: بماذا تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. فقال: إن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. فربَّت الرسول على كتفه، وهنا حمد الله أن يكون في الأمة المسلمة من يسلك مثل هذا السلوك. إذن فتح باب الاجتهاد.
مقدم البرنامج : إذن فتح باب الاجتهاد، لكن فعلًا هل كان من الممكن أن يذهب هذا القاضي إلى اليمن ويقول إن الخمر حلال؟
د. عبد الصبور مرزوق : اسمه معاذ بن جبل.
مقدم البرنامج : هل كان من حق معاذ بن جبل أن يحلل الخمر؛ يحلل ما حرم الله ويحرم ما حلل الله؟ والاثنتان قضيتان، مشكلة كبيرة.
د. عبد الصبور : لهذا السبب أنا قلت في البداية إن إعمال العقل فيما ليس فيه نص قاطع لا يجوز تجاوزه، واحنا لما نقول نص لا يجوز تجاوزه لا يعني هذا الحجر على العقل أو التفكير؛ لأني قلت أيضًا إن هناك مساحة لإعمال العقل حتى في النص نفسه. في محاولة فهم النص الفهمَ الصحيح بما يتفق مع روح الإسلام.
مقدم البرنامج : د. عبد الصبور، تسمح لي أسأل الدكتور سيد القمني: ما هو تعريفك للاجتهاد من وجهة نظرك؟
سيد القمني : أخي الكريم، ليس هناك خلاف على ما قاله الأستاذ الدكتور عبد الصبور مرزوق، هو إعمال العقل للوصول إلى الحقيقة «فيما ليس فيه نص يقبل التأويل» تحتاج إلى وقفة؛ بمعنى أن الأستاذ الدكتور عبد الصبور مرزوق قال إنه يجوز الاجتهاد مع النص للوقوف على مراجعه لتلمس جوهر الإسلام. حين لا يكفي النص أن يكون شارحًا موضحًا شاملًا في وقائعه وتفاصيله، بمعنى أنه قد أعطى عمومات كلية، ولنا أن نجتهد في الجزئيات، هذا إذا كان فهمي موافقًا لما قاله الدكتور مرزوق.
الدكتور مرزوق : تمام الموافقة.
سيد القمني : لكن ربما أخالف السياق العام للدكتور مرزوق؛ لأني فهمت من حديثه الطيب أن باب الاجتهاد لم يغلق أبدًا حتى الآن، وأنه منذ البدء وُضعت حدود الاجتهاد منذ زمن صاحب الدعوة نفسه عندما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن في القصة التي سمعناها الآن. لكن من وجهة نظري باعتباري أعايش هذا العصر، وأقرأ أيضًا في نصوص ديني والاجتهادات السابقة وكتب السير والأخبار، أجد هناك ما تمكَّن الإنسان من الوصول إليه بعد كفاح ونضال طويل، حتى وصل إلى تأسيس مبادئ لحرياته، فهل هذه الحريات اليوم مسموح بها في ضوء مسألة حدود الاجتهاد أن له حدودًا بعينها؟ مثلًا «لا اجتهاد مع النص» … الخليفة عمر اجتهد مع النص.
د. مرزوق : نعم.
سيد القمني : واجتهد إلى حد أتصور أنه لو أن أحدًا منا حاوله اليوم لحوكم وطُورِد وفُرِّق عن زوجته وربما عن مجتمعه وبنيه بالنفي، أي إن هناك مجموعة من التحريمات تلحق هذا الاجتهاد وتكبحه عن ممارسة البحث الحقيقي من أجل صالح البلاد والعباد والدين.
ونموذجًا لذلك شرط أو قيد الاجتهاد مع النص، هناك قاعدة أخرى قُننت تكبح الحريات فيما يتعلق بالتعامل مع النص الديني أيضًا، مثل القاعدة التي تقول: العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
مقدم البرنامج : ماذا تعني هذه القاعدة لبعض المشاهدين غير المثقفين، وأنا منهم، ماذا تعني هذه العبارة؟
سيد القمني : هذه تعني ببساطة أنك تستطيع في أي لحظة تصادفك إشكالية آنية الآن أن تجد لها في لفظ الكتاب الكريم ما يدعمها أو ينفيها، بغض النظر عن كون هذا اللفظ قد قيل في أي مناسبة، وماذا كان سعيه الحقيقي الذي حدث زمن صاحب الدعوة، وزمن تواتر الوحي.
مقدم البرنامج : هنا يمكن الرد عليك من العامة بأن القرآن الكريم صالح لكل مكان وزمان. ما رأيك يا دكتور عبد الصبور؟
د. عبد الصبور : أنا سعيد أنك قلت القرآن لكل زمان ومكان؛ لأن هذا جوهر الموضوع الذي تفضل به الأخ الأستاذ الدكتور سيد، وهو قضية أسباب النزول: هل النصوص القرآنية التي نزلت في مناسبات معينة يتوقف الحكم على زمنها ولا يصلح أن يستمر في مجتمعنا المعاصر أم لا؟ والأصوليون قالوا هذه القاعدة: العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب. أيًّا كان السبب الذي نزلت معه الآية، لكن الحكم قابل للاستمرار والصلاحية عبر الزمان والمكان، وهذا موضوع يحتاج توضيحًا. هناك مبدأ لا يمكن إغفاله فيما يتعلق برسالة محمد وهل هي كغيرها من الرسالات السابقة؟ خاصة ببيئة معينة، بناس معينين أو قبيلة معينة؟ مثلما قال القرآن: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا  وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا وهكذا يعني هنا الرسالة مختصة بقضية فلان أو علان، لكن لما جاء الإسلام خاطب الرسول قائلًا: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، خرج بالرسالة من الإطار المحدود، لا عرب ولا عجم ولا قرشيين، إلى العالمية. ومعنى الخروج إلى العالمية أن الرسالة بتشريعها وجوهرها وفلسفتها مستمرة عبر الزمان والمكان، إذن هي قابلة للتطور، ويجب أن تكون قابلة للتطور والتغيير عبر الزمان والمكان، وتلائم المتغيرات التي تحدث في الأزمة المختلفة والأمكنة المتغيرة؛ لذلك سنجد أن الوقوف عند سبب النزول لأن الحكم ينبغي أن يمتد، ولا سيما في عموم الرسالة، وهذا ما دفع الإمام الشافعي لكي يغير حكمه بتغير المكان الذي يعيش فيه؛ فعندما جاء إلى مصر غيَّر أحكامه وآراءه بتغير المجتمع الذي يعيش فيه. وهكذا، فإن ما تفضل الدكتور سيد وأشار إليه في هذه القضية، فإن ربط الحكم بسبب النزول يلغي عموم الرسالة وعالميتها وتجددها، ثم هناك أمر مهم في هذا الجانب؛ أن التعلق بهذا تعلق ضعيف، لماذا؟ لأن حصر الآيات وأسباب النزول كما عند الواحدي أو فيما كتبه السيوطي في اللباب، ستجد النسبة كلها عند الاثنين لا تزيد على ٧٪ عند كليهما، فالنسبة بالفرض ١٤٪ إذن بذلك أنا أهدر ٨٦٪ من الآيات وأكاد أنحيها عن التأثير في حياة الناس، فهذا الكلام يحتاج إلى وقفة جيدة ومراجعة مقولة: النص هو الحكم.
مقدم البرنامج : بدون لف بدون دوران، دكتور سيد، من الذي يقف ضد الاجتهاد من وجهة نظرك؟ الآن!
سيد القمني : كل المنتفعين والانتهازيين الذين يلعبون بحياتنا وبمصيرنا وبمستقبل أولادنا وبالدين نفسه. كيف؟ لماذا أقول إننا علينا أن نعرف الأسباب الحقيقية للنص القرآني الكريم وللسنة النبوية المطهرة؟ نحن عانينا من انتهازية «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» طويلًا، عندما نريد أن نبني مجتمعًا اشتراكيًّا نقول إن النص نص اشتراكي؟! ونقتطع منه ومن سياقه الداخلي ومن سياقه التاريخي ومن سببه الحقيقي؛ لنأخذ به لنرضي الجالسين على كراسي الحكم في هذه اللحظة. ويتغير الرجال الكبار وتتغير مؤسسة الدولة وشكلها ودستورها، فيأتي نظام الاقتصاد المفتوح والحر فنجد … (مقاطعة من الاستوديو.)
استراحة ثلاث دقائق
مقدم البرنامج : قبل أن نبدأ برنامجنا بقليل كان على إحدى القنوات الفضائية الشيخ يوسف القرضاوي، وهو عالم إسلامي جليل، وقال إنه كان يتمنى أن يكون مشاركًا في حلقة الأمس التي أجريناها مع نصر حامد أبو زيد. وها هو مفكر إسلامي موجود، والدكتور نصر حامد أبو زيد قال لنا بالفاكس إنه مستعد لهذه المبارزة الفكرية مع هؤلاء الذين يمثلون الفكر الآخر.
معنا في الاستوديو اليوم الدكتور عبد الصبور مرزوق والدكتور سيد القمني، والمناقشة الآن حول سؤال كنت أسأله للدكتور سيد سؤالًا واضحًا: من الذي يقف ضد فتح باب الاجتهاد؟ فقال: المنتفعون. ووصف منهم بعض الحكام … اتفضل أكمل …
سيد القمني : ليس بهذا الشكل الذي تقول، نحن نقول: القاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» يتم بواسطتها استخدام كلام الله في غير موضعه أحيانًا ولأغراض انتهازية دائمًا، فنبني الاشتراكية بآيات، ونفتح البلد على الاقتصاد الحر بآيات أخرى، وإنك لتجد أن بعض الذين أدلوا هنا وأدلوا هناك من رجال الدين بالمؤيدات الشرعية من الكتاب ومن السنة، يكادون يكونوا هم هم نفس الأشخاص، وفي هذا ضرر بليغ بالدنيا وبالدين. والأمثلة كثيرة على هذا، صدام حسين احتل بلدًا شقيقًا هو الكويت، واستقطب في عاصمته بغداد عددًا لا حصر له من المشايخ المشهود لهم بالكفاءة من العالم الإسلامي، قاموا يؤيدون احتلاله للكويت بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. في الوقت نفسه عُقد مؤتمر في مكة ليرد على ذلك. فكيف يمكن أن نمتهن النص القرآني إلى هذا الحد ونعامله بهذه الانتهازية؟
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : هناك مُشاهد هو الأستاذ عبد العزيز النفيسي بيقول، وكان الأستاذ صلاح منتصر قد أشار إلى ذلك، بيقول: كيف تتم المقارنة ما بين مؤتمر يُعقد في مكة منبع الوحي بحضور كبار العلماء من العالم الإسلامي، وبين مؤتمر إسلامي، إذا صح التعبير، أقيم في بغداد يحلل ما قام به صدام ضد الكويت بدعوة من صدام حسين، الذي يتبنى وينتمي إلى حزب البعث الاشتراكي، الذي تنص فيه التوصية الرابعة من مقررات المؤتمر القومي لحزب البعث: يعتبر المؤتمر القومي الرجعية الدينية أحد المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية … إلى آخره.
سيد القمني : نحن يا أخي لسنا في مقام تقييم؛ هذا رجل وطني، هذا حاكم عميل، هذا ليس مجال الكلام، نحن نتحدث عن علاقة حرية التفكير بالعقيدة والحدود المسموح بها، وعلى أي درجة يجب أن نجتهد … وعند أي درجة يجب أن نتوقف؟ هذا هو موضوعنا، فنحن نضرب مثلًا. والمكان ليس شرطًا يا سيدي الكريم لعقد مؤتمر كي يكون هذا المؤتمر مبروكًا أم لا؟! إطلاقًا (يوافق د. مرزوق بقول: نعم، نعم) وإنما صيغة العمل والأهداف المرجوة منه هي التي تحدد مدى نفعه وقيمته وماذا سيقدم للناس.
ما أريد أن أصل إليه هو أننا نستخدم بهذه القاعدة نصوص الدين استخدامًا انتهازيًّا يضرُّ بنا ويضر بديننا، وبخصوص الاجتهاد علينا أن نتذكر أن الخليفة عمر بن الخطاب قد اجتهد مع النص. نحن نريد أن نطمئن إلى طوية الفؤاد، يجتهد نصر أبو زيد فيفرَّق عن زوجته ويكفَّر، يُقتل فرج فودة، يُضرب نجيب محفوظ بسكين، أنا أصبح مثل سلمان رشدي أو أسوأ منه … إلى آخره. مثل هذا …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : أنصار المدرسة الأخرى يقولون إنكم تعديتم المسموح والممكن في التفكير الإسلامي. وإنكم اتخذتم هذه المواقف بغرض الربح التجاري، بمواقف متشددة، مواقف خارجة على المنطق، من أجل إثارة أكبر قدر من الجدل، وذلك مثل الاتهام الموجه إليك بأنك في كتاب الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية، تتحدث عن أن ما حدث في بداية عهد الرسول أنه كان صراع السلطة، وأن عمه أراد أن يوصله إلى الحكم من أجل ثأر قديم بينه وبين القبائل الأخرى.
سيد القمني : هذا تفسير أُسقط على كتابي.
… سيدي الكريم أنا قدمت في هذا الكتاب قراءة للواقع الموضوعي في جزيرة العرب، للمجتمع وهو يتحرك للاقتصاد وهو يفعل، للسياسي … لكذا وكذا، وقدمت قراءة لصاحب الدعوة الإنسان. قيل إن هذا محاولة للقول إن الدعوة الإسلامية مجرد حركة سياسية ابتغت بها القبيلة أو العشيرة الهاشمية الاستيلاء على مقدرات الحجاز وحكمه. يا أخي الكريم أنا قلت ما حدث لأن هذا ما حدث بالفعل، وفي الواقع نحن طول الوقت نقرأ القراءات المعتادة، فلنفتح نوافذ على الواقع الموضوعي في قراءتنا، ثم إن ذلك لا يتعارض ولا يتناقض ولا يتضارب مع الناموس الإلهي. الله سبحانه وتعالى بكماله لا يتناقض ونفسه. إذن في هذه الحالة عندما يرسل رسولًا محملًا برسالة، لا بد أن يهيئ له الواقع الأرضي، ويضبط حركات هذا الواقع وسكناته كي تلتقي مع الرسالة المرجوة كي نفهمها وكي نستقبلها وكي نتفاعل معها، فهذا أمر لا يتعارض.
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : يا د. عبد الصبور مرزوق … الدكتور سيد القمني تعامل في كتابه مع الرسول كإنسان كما ذكر وتفضل. هل حينما يتحدث عنه كإنسان فقط فهل هو يجرِّده من نبوته، ويجرده من كونه شخصًا غير عاديٍّ تلقَّى رسالة من السماء؟
د. عبد الصبور مرزوق : هناك مسألة حول ما قاله الدكتور سيد عن المنتفعين والانتهازيين، وعن أولئك الذين يطوِّعون أي نص للحكام، وأشار إلى مؤتمر بغداد وما يتصل به. الحقيقة أنا عشت هذه التجربة وكنت أحد المشاركين في المؤتمر الذي أشار إليه الدكتور سيد، وفي لحظة كنت أقول كلمتي بالمؤتمر، فإذا بصدام حسين يدخل، تصفيق في القاعة، وتوقفت إلى أن دخل … قلت ننتهز فرصة وجودك معنا هنا (الكلام ده مثبت ومسجل وظل تليفزيون وإذاعة بغداد يذيعانه) لكن أحب أقولك على حاجات (الكلام موجه من فضيلة الدكتور الشيخ لصدام حسين) لقد قلت إنك ستحرق نصف إسرائيل إذا اعتدت على أي بلد عربي، وأتمنى لو تحرقها كلها إن استطعت، لكن في تقديري، إن الأيديولوجيا التي ينتهجها حزب البعث لا يمكن أن تفي بهذا. وإذا أردت أن تصل إلى قوة تساعدك على إسرائيل لا بد أن تنفتح على الإسلام، وأن يتغير فكرك كرئيس. والأمر الثاني أن العمق البشري للعراق جميعًا لا يفي أبدًا بهذه الطموحات؛ لأن إسرائيل قوة ضخمة، ولا يمكن أن يقف كفؤًا لها سوى القوة الإسلامية. وقلت له: أنا مش عايز أتكلم اتفضل أنت؛ فالناس بتحب تسمعك.
ونزلت وجلست في مكاني بين الشيخ الغزالي رحمة الله عليه وأخينا الدكتور سيد طنطاوي الذي أصبح فيما بعد شيخًا للأزهر، وإذا بصدام حسين يقول: أنا سعيد أني باسمع هذا الكلام، وأحب أقول لأخونا اللي اتكلم إني أنا منذ بدأت أغير اتجاهاتي وبدأت أتجه للتعبير عن القومية كانت لي متغيرات، وإني أصبحت أتجه الاتجاه الإسلامي، وأصبحت أتعامل مع الرؤية اللي أنت اتكلمت عنها تعامل آخر باعتبارها هي طريق الخلاص، والدليل على هذا، كما قال صدام حسين، إن أنا بدأت أفرج عن الأسرى الإيرانيين وبافتح الباب الآن لنوع من التسوية … وأثناء كلامه قام من خلفي شخص عراقي وقال له: يا سيادة الرفيق … كذا وكذا … فإذا بصدام حسين يرفضها ويقول له: كلمة رفيق دي كانت زمان، نحن الآن نتكلم باسم الإسلام، وأنت ما سمعتش أخونا بيقول إيه؟ يقصد الكلام الذي قلته.
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : هل الإسلام هو تغيير مسميات، ويكتب على العلم …؟
سيد القمني : الله أكبر.
مقدم البرنامج : يكتب على العلم: الله أكبر. وهذه كلها شكليات.
د. عبد الصبور : أصل الأخ الدكتور سيد قال إن هناك بعض الانتهازيين، وإذا كان من يصفهم بالانتهازيين فلا يجب أن يتم تحميل الإسلام وزرهم على الإطلاق … وهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنا بعد أزمة الخليج كان لي كتاب عنها «الحقيقة الغائبة في أزمة الخليج»، وأعطيته للشيخ الغزالي قبل أن أذهب إلى المغرب في ندوة، ووقفت فيه أمام ما أشار إليه الأخ الدكتور سيد، وقلت إن الإسلام هو الذي دفع الفاتورة في الحالتين؛ لأن كليهما، كما قال الدكتور سيد، يستخدم النص. إما مع صدام أو ضد صدام. لكن هذه ليست القضية …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : نحن الآن نناقش ما قاله الدكتور سيد، وأنه تحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام كإنسان، هل يعني هذا أنه سحب منه نبوته؟
د. عبد الصبور مرزوق : أنا لم أقرأ ما كتب الدكتور سيد، لكن إذا كان كما قيل عنه، وأنه يجعل النبوة والرسالة كلها انعكاسًا لواقع سياسي أو واقع اقتصادي أو قبَلي، فقطعًا يكون هناك شيء لا يمكن الموافقة عليه على الإطلاق؛ لأن الرسالة وحي غير مرتبطة بمتغيرات الواقع القبلي أو الجاهلي لأسرة الرسول .
مقدم البرنامج (موجهًا كلامه إلى د. سيد) : حضرتك عندما كتبت تحدثت عن الرسالة باعتبارها وحيًا؟
سيد القمني : يا سيدي الكريم، لا يستطيع أحد هنا أن يكتب كتابًا منشورًا ينكر فيه وحيًا أو نبوة، لسبب بسيط هو أننا في النهاية نريد أن نصل إلى غاية نتفق عليها في قراءة النصوص المقدسة؛ لأن سر تلك الخلافات يعود إلى أن هناك خلافًا تأسيسيًّا في قراءة لفظ القرآن الكريم وفهمه. نفس الأمر الذي يقع مع أي نص حتى مع النص الإنساني. مثلًا نصوص نصر حامد أبو زيد يُختلف عليها، أنا شخصيًّا أرى أنه رجل شديد الحرص على الإسلام مدافع عن وطنه وعن مستقبل هذه الأمة. هناك آخرون رأوه بشكل آخر. المشكلة أن كلام نصر شيء، وكلام المقدس أمر آخر … لماذا؟ هذا كلام بشر، كلام إنسان، أما ذلك فكلام قدسي، لذلك نتحرى الحذر والحيطة في التعامل معه؛ لذلك يشغلني أن أتحدث عن الحدود الموضوعة للاجتهاد التي أعتقد أنها تقف بيني وبين حرية التفكير والتعامل مع هذا النص؛ بحيث إن هؤلاء الانتهازيين، وأنا لا أقول إن الكل انتهازيون …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : ماهي شروط الذي يجتهد؟
د. عبد الصبور مرزوق : الكفاءة العلمية رقم واحد، وأن يكون المتقدم للاجتهاد دارسًا دراسة جيدة للقرآن ولتفسيراته ولكل ما كُتب حوله، ويمتلك المقدرة العلمية التي يستطيع بها أن يتعامل مع نصوص القرآن، مع المذكرات الشارحة كالسنة النبوية، بحيث يخرج منها في النهاية إلى فهم معطيات الرسالة، وأمر آخر شخصي أقترحه، أن يكون المجتهد لا يستخدم اجتهاده مطلقًا لغاية دنيوية، وكانت من ممارسات من تعرضوا للاجتهاد، وبذلك نضمن أن الاجتهاد غير موجه لأي غاية شخصية أو قبلية أو حزبية.
مقدم البرنامج : إذا اجتهد وأخطأ، ما هي العقوبات؟
د. عبد الصبور : المعروف شرعًا أن من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران، وهذا يعطي علامة وإعلانًا كبيرًا عن أن الاجتهاد في الإسلام مطلوب ومرغوب ودائم حتى لو أخطأ ماحدش له عنده حاجة، لكن في قضية نصر أبو زيد كانت القضية في البداية قضية ترقية جامعية ومراجعة بحوث ترقية، واللجنة قالت إن البحوث لا ترقى إلى مستوى الترقية ولا تؤهل الأستاذ الدكتور نصر أبو زيد للترقية. تبقى القضية بذلك قضية جانبية، لكن من نقل القضية إلى مستوًى آخر بعض الإخوة الذين هم في تقديري لا يملكون الرؤية السليمة ولا الحس السليم، وجعلوا منها قضية كفروا بموجبها نصر أبو زيد وفرقوا بينه وبين زوجته ونقلوها من الجامعة إلى المحاكم. أنا قرأت عن نصر أبو زيد في إحدى الصحف أنه يعلن إسلامه وتمسكه بكل أركانه ولا يقول إنه كافر، وأنا لم أقرأ كتبه، فقط أقرأ الآن نقد الخطاب الديني على حلقات بصحيفة العربي، لكن اجتهاد الدكتور نصر اجتهاد بشري، كما قال الدكتور سيد، ويمكن الرد عليه. والأمر يختلف مع النص المقدس.
استراحة ثلاث دقائق
مقدم البرنامج : قضية اليوم هي حدود الاجتهاد في الإسلام، وهذه القضية بالغة الخطورة والأهمية؛ لذلك معنا الآن في الاستوديو الدكتور عبد الصبور مرزوق، الباحث الإسلامي المعروف، والدكتور سيد القمني، وهو باحث في شئون الأديان وأصدر عدة كتب في تاريخ الأديان أثارت جدلًا واسعًا، منها سبعة كتب هي مثار جدل كبير حولها. لو تسمحون لي بتصحيح، فالمؤتمر الذي كان يتحدث عنه الشيخ مرزوق ليس هو ما تحدث عنه الدكتور القمني؛ لأن الذي تحدث عنه الدكتور مرزوق كان قبل غزو الكويت وليس المؤتمر الذي حدث بعد غزو الكويت؛ فالأول كان بخصوص حرب الخليج بين العراق وإيران، أما الثاني فكان بعد غزو صدام للكويت وكان في بغداد، ثم كان هناك آخر في مكة. تسمحون لي نأخذ الاتصالات الهاتفية.
مين معانا على الخط؟ ألو، الأستاذ فيصل المرزوقي، اتفضل يا أخ فيصل.
المشاهد (فيصل المرزوقي) : في الحقيقة عندي تعقيب على حلقة الأمس التي جرت مع نصر أبو زيد، فأنا أعتقد أن مقدم البرنامج يستغل البرنامج لمواضيع مثل الجنس وغيره للإثارة فقط. وفي الحقيقة، إن هذا البرنامج يُستغل لفرض وجهات نظر خاصة بمقدم البرنامج ولا يقدم معلومة تفيد الناس.
مقدم البرنامج : شكرًا، تحب تضيف حاجة ثانية؟
المشاهد (فيصل المرزوقي) : في حلقة الأمس التي خُصصت للدفاع عن المرتد نصر أبو زيد، وهو مرتد بحكم المحكمة وليست الصفة من عندي. حاولتم فيها جذب التعاطف مع هذا المرتد. يا أخي هل وصل بنا الأمر لنهون من حكم محكمة وندافع عن واحد حكم على نفسه بهذا الحكم؟
مقدم البرنامج : وإذا المحكمة طلعته براءة بعد كده؟ موقفك هيكون إيه؟!
المشاهد (فيصل المرزوقي) : أي محكمة تطلعه براءة؟ نحن نتكلم عن حكم صدر وانتهى.
مقدم البرنامج : لأ لم ينتهِ، هناك عرض آخر على القضاء.
المشاهد (فيصل المرزوقي) : نحن نتكلم عن …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : يعني حضرتك تريد محاكمته شرعيًّا ولا قانونيًّا.
المشاهد (فيصل المرزوقي) : يا أخي نحن لو حاكمناه شرعيًّا فأنت تعرف مصير أمثال هؤلاء، لكن نحن نتكلم عن القوانين الوضعية التي تلجئون لها أنتم، هي التي حكمت عليه بالكفر … إذا لجأ الناس للمحكمة اعتبرتموهم متآمرين، وإذا لجئوا للقوة اعتبرتموهم متطرفين.
وكمان الأخ الذي بجوارك هذا من شوية يخلط الأوراق بين ما فعله صدام وما فعله نصر أبو زيد الذي تلاعب بنصوص قرآنية، وأعتقد أنه لا مجال للمقارنة بين الاثنين؛ لأن الأول تلاعب بمصائر الناس. أما الثاني الخطر فقد تلاعب بنصوص قرآنية ومحاولة تأويل على حسب ما تهوى نفسه.
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : حضرتك قرأت كتبه؟
المشاهد (فيصل المرزوقي) : أنا لم أقرأ كتبه، أنا لا أحتاج لقراءة كتبه لأنه طرح أفكاره في ندوة أمس، وهو من خلال كلامه لا يدل على تمكنه مما يقول. وهناك نقطة أخرى حول من أخرج الموضوع من ترقية إلى خارج أسوار الجامعة، في الحقيقة هو بنفسه الذي أخرج الموضوع عن الجامعة، عندما رفضت الجامعة ترقيته.
وهناك نقطة أخيرة: السؤال الذي يطرح نفسه وأطرحه أنا على المالكين للأوربت: في برنامج بانوراما في اﻟ «بي بي سي» العربية والذي تطرق للسعودية، استفز هذا البرنامج فيكم غيرتكم على الوطن السعودي، وتم إلغاء التعاقد معهم وتحملتم مشاكل كثيرة نتيجة لهذا الموقف. أما استقبال من أساء إلى كتاب الله وشكك في عدالة الرحمن ومحاولة إضفاء التعاطف مع هذا المرتد، ألا يثير هذا فيكم غيرتكم على دينكم وعلى قرآنكم، أم أن الوطن أهم من الدين لديكم؟
مقدم البرنامج : حضرتك بتقرأ من ورقة؟
المشاهد (فيصل المرزوقي) : بغض النظر يعني تريدني أقرأ منين؟ وموقفك يا أستاذ عماد من حديث اﻟ «بي بي سي» عن السعودية كان واضحًا ووطنيًّا، لكن موقفك مع نصر أبو زيد …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : يعني حضرتك شايف إن الموقفين متماثلان؟ والموضوعين واحد، يعني حضرتك شايف أنك لما تناقش أحدًا في كتابه يعتبر فيه إساءة للإسلام؟
المشاهد (المرزوقي) : أنا لما أناقش أي أحد في كتابه يكون معقولًا، أنا لو أناقش يهوديًّا فأنا أتقبل هذا؛ لأني أعرف أنه عدو لنا، ونعرف أفكاره وأهدافه، لكن أن تستقبل في برنامجك من حاول تأويل القرآن بما تهوى نفسه …
مقدم البرنامج : يعني شايف حضرتك إنه مافيش مشكلة لو تناقش واحد يهودي، لكن مناقشة مسلم كتب عن الإسلام وأخطأ ويقول لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فهذا فيه إساءة للإسلام؟
المشاهد (المرزوقي) : لاحظ أنك أنت تدافع عنه الآن وتقول أخطأ، هو للآن لم يعترف بالخطأ، هو يصر على كلامه وحلقة الأمس لم تكن مواجهة، بالأمس كنت أنت وضيفك صلاح منتصر مع المرتد. بدليل أنكم لم تعطوا فرصة للإخوان المشاهدين لمناقشته والرد عليه.
مقدم البرنامج : لأ ده فيه ناس تكلموا وطالبوا بأحكام أكثر قسوة كالقتل، واتهمه آخر أنه لا يذكر اسم الله، واتهمه آخر أنه علمه ضعيف، والشريط موجود حضرتك، وميزة برامج التليفزيون أنها مسجلة.
المشاهد (المرزوقي) : الجامعة هي التي أظهرت ضعفه وضعف كتاباته.
مقدم البرنامج : ما هو يا أخي الحوار مع الناس هو ما يثبت القوة أو الضعف، يا سيدي أنت ليه عايز نشنق الناس قبل ما نتكلم معاهم، نعطيهم الفرصة يتكلموا وبعدين نقول قوي أو ضعيف.
المشاهد (المرزوقي) : لما يتكلم في أي فكرة أناقشه فيها، لكن عندما يتكلم عن القرآن فلا اجتهاد مع نص يا أخي.
مقدم البرنامج : نترك للدكتور عبد الصبور يعقب، وهل صحيح أنه حينما نجيب د. نصر نناقشه هنا فيه إساءة للإسلام؟ يا دكتور عبد الصبور هل مناقشتنا للدكتور نصر فيها إساءة للإسلام؟ يعني هل هذه المحطة التليفزيونية تعتبر محطة ضد الإسلام أو قناة غير إسلامية إذا ناقشت أحدًا في أفكاره؟
د. عبد الصبور مرزوق : أنا لم أحضر حلقة أمس ولم أقرأ كتب الدكتور نصر.
مقدم البرنامج : أنا باتكلم عن المبدأ.
د. عبد الصبور مرزوق : من حيث المبدأ لأ، من حيث المبدأ نناقش أي إنسان فيما يقول وهذا بالعكس؛ فالمناقشة والاجتهاد قسمة حضارية من قسمات الإسلام، والقرآن ناقش الكفار، والآيات تقول: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ … وفي الآخر قالت لهم: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فمناقشة أي إنسان لا اعتراض عليها، لكن موضوع الدكتور نصر بدأ ببحوث مقدمة للجامعة لنيل الترقية وأنا لم أقرأ التقارير.
مقدم البرنامج : يعني ليس ضد الإسلام في شيء أن تناقش أفكار من اجتهد وأصاب أو أخطأ.
د. عبد الصبور : إطلاقًا، الكفرة كنا بنناقشهم، والقرآن كان بيناقشهم.
مقدم البرنامج : إذا أحد أعلن أنه كافر صراحة هل ممكن تناقشه ولا لأ؟ وما الموقف ممن يناقش تحت مظلة الإيمان ويقول أنا مسلم ولا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأومن بالكتاب والسنة والأنبياء؟
د. عبد الصبور : علينا أن نقرأ كلامه أولًا ثم نرى هل كلامه يتفق مع ما يقوله ويعلنه أم غير ذلك، إذا اتفق كلامه مع ما يقوله ويعلنه لا مشكلة، لكن إذا كان الكلام المكتوب مناقضًا لإعلانه وفيه مخاطر على الدين، فهنا نتخذ منه موقفًا آخر.
مقدم البرنامج : وإذا خرج أحد عن الدين؟
د. عبد الصبور : إن قضية الردة في الإسلام فيها كلام كثير بين الفقهاء، لكنهم يجمعون أنه لا يُحكَم عليه حتى يُستتاب.
مقدم البرنامج : قسم اللغة العربية بكلية آداب القاهرة كتب تقريرًا عن الأبحاث التي كتبها الدكتور نصر حامد أبو زيد.
د. عبد الصبور : أنا لم أقرأ لا التقرير الأول ولا التقرير الثاني؛ ومن هنا لا أستطيع الحكم.
مقدم البرنامج : معنا الآن على الخط المفكر الإسلامي الكبير أحمد كمال أبو المجد، فلنسمع رأيه في هذه القضية:
تفضل يا دكتور كمال.

أنا عايز أعرف أولًا، هل شفت حلقة إمبارح؟
د. كمال أبو المجد : شفت حلقة إمبارح وباتابع حلقة النهارده.
مقدم البرنامج : يعني مبدأ الحوار في حد ذاته مقبول أم مرفوض؟ وما هي ملاحظاتك عليه؟
د. كمال أبو المجد : بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة يا أستاذ عماد أنا لي ملاحظات؛ لأن إحنا أحيانًا نتكلم فيما هو مقطوع به ولا يحتاج إلى حديث، وهذا يفوِّت علينا مناقشة مقطع النزاع، ليس مطروحًا للبحث من جديد أن الإسلام يحترم حرية التفكير وأن الاجتهاد فريضة إسلامية لمن يقدر عليها وتتوافر عنده شروطها، هذه مسألة حسمها التاريخ وحسمها تاريخ أمة مليئة بآلاف العلماء والكتابات الموثقة، ونأتي ونطرحها اليوم كما لو كانت قضية جديدة! في رأيي أنا كارثة، لكن ما هو الاجتهاد؟ لأنه أنا بقدر ما يزعجني ويزعج كل عاقل الحجر على الفكر باسم أي شيء ولو كان الدين، فيزعجني أيضًا انتشار مدرسة اسمح لي أن أسميها مدرسة الاستحلال العلمي؛ بمعنى أنها تحت راية الاجتهاد تخبط خبطًا عشوائيًّا وتقول كلامًا لا يليق بالعقلاء، ثم تقدَّم على أنها مدرسة، فيقال: التقليديون في مواجهة كذا، كما لو كان هؤلاء الذين يخبطون يمثلون مدرسة توضَع على قدم المساواة مع تراث الأمة بعلمائها وفقهائها وعقلائها ومتَّقيها وخبرائها، هذا في رأيي خطر عظيم، وأنا الحقيقة مما تعلمناه في مناهج العلوم كلها أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، أنا لا أستطع ولا أعطي نفسي حق مناقشة الدكتور سيد اليوم في كتاب لم أقرأه، لكني أعطي نفسي حق التعقيب على بعض ما قال، ونفس الشيء بالنسبة للدكتور نصر أبو زيد، لديَّ ملاحظتان: واحدة على ما قاله أمس الدكتور نصر وأخريات على ما قاله ويقوله اليوم الدكتور سيد. يعني لما نيجي للدكتور نصر أبو زيد عافاه الله وسامحه وعفا عنه ويقول لي إن الآية التي تتحدث أن للذكر مثل حظ الأنثيَين بمنهج بلاغي لا يستقيم أبدًا، تتحدث عن الذكور فقط، طيب يا دكتور نصر يا عالم يا جليل يا لغوي يا أريب يا أديب، ألا تذكر أن أول الآية: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ؟ إذن القضية بالعقل والبداهة والمنطق وفي أصول التفسير المعتمدة عند العقلاء في الشرق والغرب وفي الإسلام والكفر، أن الآية خاصة بالأولاد، بتتكلم عن الأولاد الذين قد يكونون ذكورًا وقد يكونون إناثًا، بقى أنا أراجع ميراث أمة وإجماع علماء محققين وأقول والله لقد فُتح عليَّ فتح مبين، وأنا أول من قال هذا ثم أتواضع وأقول؛ يعني؟ لأ يا سيدي، إحنا عندنا قاعدة وليسمعها كل واحد: لا يوصف الرأي بأنه رأي ولا الكلام بأنه مدرسة إلا إذا كان له حد أدنى عند أصحاب العقول، وقديمًا قيل: وليس كل كلام جاء معتبرًا، إلا كلام له حظ من النظر. إذن لو لم يكن له أي حظ أعتبره ظلمًا وخلطًا للأوراق.
والقضية الثانية: قضية أسباب النزول. لا ينبغي لأحد أن يخوض فيها الآن. وأنا باقول الاستحلال العلمي لأني لا أستطيع أن أخوض في مسألة إلا إذا أحكمت منهجها وصناعتها العلمية. علم الكلام غير علم التشريع وأصول الفقه، ونيجي لقضية العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأنا أرجو أن المشاهدين يكونون معنا في هذا الأمر. إن الآيات القرآنية أحيانًا تتنزل بمناسبة معينة. أيهما أكثر جمودًا وتقييدًا: إني أنا أحصر الأمر في هذه المناسبة وأحجره وأجمده فيها، أم أطبقه تطبيقًا عامًّا؟ إذن المسألة هي في التطبيق العام بشرط أن أملك أدوات وآلات حسب فهم النص كمعرفة سبب النزول، كما لدينا في القانون، وأنا رجل قانون، نرجع لما يسمى الأعمال التحضيرية علسان نرى هذا النص ونرجع إليه وعالج إيه دون أن نقيده بالمناسبة اللي وضع بسببها، يعني إحنا عندنا نص: انهارت عمارة في مصر الجديدة فصدر أمر عسكري يقيد، أقول إن هذا الأمر يطبق فقط على عمارة مصر الجديدة التي بمناسبتها ظهر القانون؟ هذا كلام لا يقول به عاقل.

ولعل الجزء الصواب في حديث الأخ الدكتور سيد أن معرفة أسباب النزول يُقتدى بها في فهم النص، وهذا من أدوات الاجتهاد التي قال بها علماؤنا قديمًا وحديثًا، وليس هناك جديد في هذا أبدًا.
مقدم البرنامج : الدكتور سيد عايز يعقب على حضرتك.
د. أبو المجد (مقاطعًا) : أما إني أنا أنكر القاعدة، فأنا لست مع الدكتور سيد في هذا.
مقدم البرنامج : حضرتك خليك معانا … و…
د. أبو المجد (مقاطعًا) : أنا عندي كلام كتير لكن مش عايز أحتكر البرنامج.
مقدم البرنامج : يشرفنا أن حضرتك تكون معانا بإذن الله حول هذا الموضوع، وبلاش تسافر لأن القضية أهم من السفر.
د. أبو المجد : إن شاء الله.
مقدم البرنامج : الدكتور سيد عايز يعقب على حضرتك في دقيقتين.
سيد القمني : الأستاذ الدكتور أبو المجد، أهلا بك، تحياتي.
د. أبو المجد : مرحبًا.
سيد القمني : يا سيدي الكريم أن يبحث مسلم عما يطمئن له فؤاده فيما يتعلق بالنصوص المقدسة، ما دامت لديه القدرة على البحث ويملك منهجًا علميًّا في التفكير، ويوجد آخر يمكن أن يقوم أو يرد أو يناقش، لا أتصور أن هذا لون من الخبط وخبط العشواء، والدكتور نصر حامد أبو زيد في نقاشه لمسألة نصيب الذكر والأنثى في المواريث، سأغض الآن النظر عن اجتهاده هو، فأنت أثرت هذه القضية الآن، اسمح لي أن أقول إني رجل أعيش هذا الزمن، وأعتقد أن المرأة تكدُّ مثلي وتتعب مثلي وتشقى مثلي وتصبح مهندسة ومحامية وطبيبة، وأظن فيما قرأت أن الأساس في توريث المرأة نصف حظ الذكر، أنه يقوم عليها، ويدفع مهرها ويرعاها ويرعى أطفاله ومسئول تمامًا عنها، فماذا يحدث اليوم ولدينا اليوم المرأة في كل ميدان وكل مجال، وأصبحت ظروف حياتنا الاقتصادية تستدعي بالضرورة أن تعمل … و…؟
مقدم البرنامج : د. سيد، د. عبد الصبور، د. كمال حضرتك خليك معانا على الخط، بعد الاستراحة سنواصل هذا الحوار، لو سمحتم جميعًا كونوا معنا بعد الاستراحة لمناقشة هذا الموضوع الذي يزداد التهابًا وتفجرًا ثانية بعد الأخرى، وفي انتظار مشاركة المشاهدين، وأهلًا بكم.
استراحة ثلاث دقائق
مقدم البرنامج : نعود لمناقشة حدود الاجتهاد في الإسلام وفي النص القرآني، معنا في الاستوديو د. سيد القمني ود. عبد الصبور مرزوق، ومعنا على الخط المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد. كان الدكتور سيد يرد على كلام الدكتور كمال أبو المجد، والدكتور كمال منتظر.
د. كمال : أنا عندي تعقيب.
مقدم البرنامج : الدكتور سيد لم يكمل كلامه.
د. كمال : أنا أحترم حقه حتى في المخالفة.
مقدم البرنامج : اتفضل يا دكتور سيد.
سيد القمني : أهلا بيك يا أستاذ. نحن نعلم مما قرأناه في كتاب الله الكريم وما لحقه من علوم نستطيع أن نستعين بها في هذه القراءة؛ حتى يكون فهمنا فهمًا سليمًا، أما مسألة المواريث فقد تغيرت حسب المتغيرات زمن الدعوة. زمن وجود وحياة الرسول ثلاث مرات: المرة الأولى «الإرث لذوي الأرحام» دون تحديد كما تعلمون سيادتكم، ثم نُسخت بآية الوصية، ثم نسخت ﺑ يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. ونعلم أن ابن الخطاب كان من المجتهدين والذين اجتهدوا مع وجود نصوص صريحة واضحة لا تقل في قطعيتها عن هذا الذي بين أيدينا الآن، ومع ذلك إطلاقًا لم يحاكَم الرجل، إنما اجتهد وأضاف رصيدًا لنا وللإسلام وللفكر الإسلامي، فهلَّا إذا حاولنا أن نفهم أو نتساءل أو يتساءل الدكتور نصر أبو زيد … يا أخي لنرد عليه، لنناقشه، لنفتح كل النوافذ لكن لا نرجمه ونتهمه بالكفر.
مقدم البرنامج : د. أحمد كمال، اتفضل.
د. كمال أبو المجد : أنا يعني، أنا، أنا أتوسل، أنا أتوسل للدكتور سيد أن يحافظ على الدقة المنهجية وألا يُدخل القضايا بعضها في بعض. ليه، لماذا؟ لأن هناك أمورًا أنا متفق معه فيها وأنا لم أقل أبدًا إننا نحجر على الدكتور نصر في أن يجتهد وأن يخطئ، والأستاذ الدكتور عبد الصبور مرزوق قال هذا، ويقوله كل العلماء، ونحن نعرف حاجة الأمة الإسلامية إلى فتح النوافذ وإلى تعدد الآراء وإلى الاجتهاد وإلى الخطأ المصاحب للاجتهاد. هذا أمر لا نناقشه إنما القضايا الفقهية أدق من أن يدلى فيها بالرأي العابر، وفرق هائل بين ما فعله عمر بن الخطاب وبين أن آتي إلى نص قطعي … ويمكن يا دكتور سيد إنك ما أخدتش بالك من كلام جيد قاله الدكتور نصر في مفهوم كلمة النص.
سيد القمني : أي نعم.
د. أبو المجد : كلمة النص دي كلمة تكنيكية.
سيد القمني : أي نعم.
د. أبو المجد : عند علماء الأصول.
سيد القمني : مفهوم يا أستاذ.
د. أبو المجد : هي نوع من دلالات الألفاظ على المعاني.
سيد القمني : أي نعم.
د. أبو المجد : وأنا أخشى أن إدخال المستمعين عمومًا في جدل فقهي يكون هو القضية، بينما القضية التي بين أيدينا هي حدود الاجتهاد، والأصل هو الاجتهاد وفتح نوافذه، ولكننا لا نحارب هذا أبدًا، حاشا لله! وإذا حاربناه حجرنا على الأمة وقطعنا عليها طريق المستقبل. إنما الذي نحاول أن نمنعه هو أنه تحت شعار الاجتهاد، وهي كلمة محببة، وتحت كلمة الحرية، وهي كلمة مقدسة، أن تختلط الأوراق وأن تدخل الأهواء.
وحضرتك تفضلت في أول الحديث وقلت كلامًا أدهشني لأنه ما دخل قضية المنتفعين والانتهازيين، وهم على الموائد كلها وفي الساحات كلها وفي المدارس كلها، بقضية حدود الاجتهاد. كأن حديثك يُفهم منه أن كل من حاول وضع حد على الانطلاق في الاجتهاد يكون إما منتفعًا أو انتهازيًّا. لأ يا أخي، والحق معك، وسآخذك بكلامك وبكلام الدكتور نصر. نعم قلت أنت قولة حق وأنا معك فيها مائة في المائة، لكن فرق بين أني أنا أحاكم أو أناقش فكر الدكتور نصر أو فكر الدكتور سيد أو فكر الدكتور عبد الصبور، فهو كلام بشر يؤخذ بكلامه ويُترك، وبين أني أتعامل مع نص مقدس، إلا أنه لا يكفي أني أقول بهذه التفرقة، ثم أتجاهلها في العمل. يعني إذا كنت أقف بين يدي كلام الله وأومن إيمانًا صادقًا بأنه وحي يوحى، فيجب أن ألتزم مزيدًا من الحذر المنهجي، وأنا أتعامل مع هذه النصوص، ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فلا بد من الحذر المنهجي.
سيد القمني : هذا ما قلته أنا منذ برهة.
د. أبو المجد : وأنا معك في فتح النوافذ لكن الحرية لها حدود وإلا وقعنا في نقيضها.
سيد القمني : سيدي الدكتور الآن حضرتك تحدثت عن نصر أبو زيد وعن بعض أفكاره وأخطائه وقلت رأيك واضحًا الآن، وأيضا المحكمة قالت كلمتها في حق نصر أبو زيد، ولكن وأنا أتابع ما تكتب حضرتك لأن حضرتك أستاذ كبير.
د. أبو المجد : أنا لم أكفر نصر ولا غيره، حاشا لله!
سيد القمني : هذا الموقف الآن وما قلت حضرتك بشأن نصر حامد أبو زيد لنعتبر معنى كلامك أن هناك نوعًا من الاجتراء؛ لأن الخبط قد يكون اجتراء وعدم فهم أو … إلى آخره.
د. أبو المجد : في رأيي ليس أكثر.
سيد القمني : في رأيك، ولكن ألم تخبط المحكمة في حيثياتها يا دكتور، وتستحق منك ردًّا على نفس الدرجة من الأصولية ومن الدفاع عن الحق؟ في نصوص حيثيات المحكمة تقول: يعتبر كافرًا من استخف بالقرآن الكريم، ونحن معها في ذلك — أو السنة النبوية — باستهزاء بهما أو جحدهما أو كذبهما أو أثبت أو نفى … إلخ» حتى يصل إلى «أو تشكك في شيء من ذلك» ونحن نعلم أن الشك …
د. أبو المجد (مقاطعًا) : الشك هذا من الإيمان.
سيد القمني : أي نعم، فلماذا لم ترد؟
د. أبو المجد : لأ، أنا رديت وكتبت في المصور.
سيد القمني : وهناك أيضًا في الحيثيات «ومن ادعى أنه مسلم» يا أخي والله أنا أقول إني مسلم وليس لأحد على الإطلاق أن يسألني هذا السؤال: هل أنت مسلم أم لا؟ لأن الذي يملك هذا السؤال واحد أحد لا شريك له، هو الذي يسألني عن عقيدتي … و…
د. أبو المجد (مقاطعًا) : أنا معك يا دكتور علشان برضه إحنا مما تعلمناه في علوم أمتنا علم يسمى أدب المناظرة، وهو لا يكتفي بالآداب الأخلاقية واللياقة، إنما يضع قواعد منهجية، وفي مقدمة هذه القواعد المنهجية التي أعرف بمقدار علمك أنك تعرفها ما يسمى تحرير الخلاف؛ بمعنى أن نحدد المساحة التي نريد أن نتحاور حولها؛ فقد نكون متفقين في مساحة أخرى نوفر على المشاهدين والسامعين الحديث حولها، أما حين يتعلق الحكم بالقضاء فقد تجنبت الخوض؛ لأن أنا رجل قانون، والمسألة بها مسائل فنية يطول الحديث فيها، ومحكمة النقض التي أُجِلُّها وأحترمها وأوقرها، إنما كانت تنظر في أوجه الطعن في صحيفة الطعن التي أخذت مآخذ معينة على حكم محكمة الاستئناف، ولم تكن تحاكم نصر أبو زيد ولا تصدر حكمًا في موضوع الدعوى؛ لأن النقض ليس درجة من درجات التقاضي في الموضوع؛ لذلك أنا لا أريد أن أشغل المشاهدين …
مقدم البرنامج (مقاطعًا) : يا دكتور كمال نحن نناقش حدود الاجتهاد، وهي أجدر من …
د. أبو المجد : من محكمة النقض، وقضية الاجتهاد واضحة جدًّا، الأصل هو الاجتهاد، لكن الاجتهاد ممن يملك آلته، ومن آلات الاجتهاد معرفة اللغة العربية معرفة تامة ومعرفة كتاب الله — دي علوم موثقة ما أقدرش أخوض فيها بغير علم — ومعرفة السنة روايةً ودراية، ومعرفة الفقه فروعًا وأصولًا، معرفه شيء من العقائد وما جاء فيها كتابة وردًّا، وبغير إحكام هذه الآلة لا يمكن أن يكون الرأي اجتهادًا بالمعنى العلمي.
مقدم البرنامج : يا دكتور كمال سؤال أخير: هل أُغلق باب الاجتهاد؟
د. أبو المجد : سيدي هذه قضية نظرية أرجو أن نمسك عن القول فيها؛ لأنه لم يقل أحد بإغلاقه، وهو لم يغلق، بل إني أضيف من عندياتي إذا جاز هذا التعبير: إننا لم نكن أحوج إلى الاجتهاد منا في هذا العصر، وعلماؤنا في كتبهم باب يسمى «باب في اختلاف الفتوى باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال»؛ لأن الحكم الشرعي هو معرفة الحق ومعرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر. فإذا اختلفت الواقعة الاجتماعية اختلفت النتيجة النهائية؛ شرط أن يتم كل هذا بنية حسنة والتزام منهجي صارم وأدب عفٍّ وإيمان بالحرية.
مقدم البرنامج : شكرًا وأرجو أن نراك قريبًا لمتابعة المناقشة في هذه القضية … مين معانا على الخط؟ الأستاذ أوزجان بشار … اتفضل.
المشاهد (أوزجان) : بالنسبة لقضية الدكتور نصر أبو زيد، لا أعرف ما هو سبب تكفيره ولم أقرأ له أو أعرفه، ولم أعلم بالأمر حتى الأمس عندما شاهدت الحوار مع الدكتور نصر، وأنا كأي إنسان مسلم أرى أن الرجل خلال حديثه سألته: هل هناك مسألة شخصية بينه وبين أحد الأشخاص، وأن هذا الشخص هو الذي أخرج القضية من إطار بحث علمي وترقية إلى ساحات المحاكم؟ والمحكمة لها قوانينها الوضعية، وهي التي حكمت بتطليق الدكتور أبو زيد، ولها قوانينها الوضعية وليست محكمة شرعية مائة بالمائة، ولنكن متفقين على هذه النقطة. ما أردت أن أسأله عنه هل توجد هيئة من كبار المفكرين، هيئة تمييز، لكي تميز بين الاجتهاد والإلحاد؟ هل تم استدعاء الدكتور أبو زيد لمناقشة آرائه؟
مقدم البرنامج : لا لم يتم، دي مش وجهة نظر ده الواقع. لم تتم مناقشته واستتابته.
المشاهد (أوزجان) : إذن من الممكن أن تقام هيئة من كبار العلماء والمفكرين لمناقشة الدكتور حامد أبو زيد.
مقدم البرنامج : الدكتور عبد الصبور، هل هذا ممكن؟
د. عبد الصبور مرزوق : لِم لا؟
المشاهد (أحمد) : سلام عليكم، فيه نقطة أحب أستوضحها، في مصر هناك ثلاث مؤسسات كبيرة، وهي جامعة الأزهر الشريف ودار الإفتاء والمؤسسة القبطية، والمؤسسة القبطية تختار مرشدها أو البابا أو كما يسمونه، أليس من العار أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء ينتظران رئيس الجمهورية كي يعين المفتي أو شيخ الأزهر، وكأن هذه المؤسسات لا تستطيع أن تختار شيخها أو مفتيها؟
مقدم البرنامج : أنا سأقول ما أعرفه وبعد ذلك حضراتكم تجيبون بما تعرفون، ما أعرفه أن رئيس الجمهورية يمارس هذا الحق كولي أمر وفق الدستور والقانون العام، والقيمة ليست فيمن يختار شيخ الأزهر ولكن القيمة بما يضيفه هذا الشيخ أو علماؤه الأجلاء، وقد سبق وحظينا بشيوخ أفاضل نكنُّ لهم كل احترام، منذ الشيخ مخلوف للشيخ عبد الحليم محمود، للشيخ جاد الحق، لشيخ الأزهر الحالي الدكتور سيد طنطاوي.
د. عبد الصبور مرزوق : في فترات سابقة كانت هيئة كبار العلماء تختار أو تنتخب شيخ الأزهر، وسؤال الأخ دعوة نادى بها الكثيرون، ولكن يحل محل هيئة كبار العلماء الآن البحوث الإسلامية، وعندما خلا مقعد شيخ الأزهر السابق رحمة الله عليه، عُرضت أسماء كثيرة على رئاسة الجمهورية واختار منها، وهو اختيار في تقديري موفق لشيخ الأزهر الحالي.
مقدم البرنامج : نحن أجبنا رغم أن السؤال خارج موضوع هذه الحلقة؛ حتى لا يظن المشاهد أننا نتهرب من الإجابة عن أي سؤال، ومعانا على الخط الآن الأستاذ مهنى فودة … اتفضل.
المشاهد (مهنى) : مساء الخير يا أستاذ عماد، الحاجة الوحيدة اللي أنا عايز أسأل عنها سؤال: من له حق الاجتهاد؟ إحنا بنقول اللي اجتهد وأصاب له حسنتان، واللي لم يصب فله حسنة. من له حق الاجتهاد؟ هل يجيني واحد دارس تاريخ وغزوات وأخليه يفتي في الميراث زي الحلقة بتاعة إمبارح أو الأستاذ بتاع النهارده؟ وإلا هانفتح كده الباب النهارده لكل من هب ودب علشان يفتي في مسائل بهذا الشكل، الإفتاء مثلًا أُثير حول إفتاء الدكتور سيد طنطاوي بخصوص الفوائد وحسم الخلاف؛ لأنه صادر من عالم يعمل بهذا المجال، وبعدين النهارده فيه مجال فقهي في الميراث، مجال فقهي في الجواز، مجال فقهي في الاقتصاد، لكن إن أنا أجيب واحد كوافير ولا أي واحد يفتي في الميراث ولا يطلع كتاب. يعني من له حق الاجتهاد هنا؟ دي حاجة، لكن فيه حاجة خارج هذا البرنامج. أعيب على قناة أوربت الثانية في لقاء مع إحدى الراقصات بلبنان، أنا باتفرج على الرقص وباشوف الرقص في التليفزيون، إنما كون إن أحد الصحفيين في مجلات ينسب الرقص لأنه يرجع للدين، فهذا ما لا يقبله أحد، وشكرًا يا أستاذ عماد.
مقدم البرنامج : قضية الرقص ليس لدينا أي معلومات عنها، وهي أبعد ما تكون عن هذا البرنامج وعن موضوعنا الآن، لكن النقطة المهمة التي أثارها المشاهد هي: هل أي كوافير يقدر يكتب عن الإسلام؟ هل حضرتك يا دكتور سيد مؤهل كي تكتب عن الإسلام؟
د. عبد الصبور : لأ … عفوًا السائل قال يفتي، وأظن أن هناك كلامًا في الحتة دي.
مقدم البرنامج : أنا طالب الإجابة من الدكتور سيد لأنه ناله من الحظ جانب من تعقيب المشاهد الكريم.
سيد القمني : سيدي الكريم، مسألة الفتوى في أمر يتعلق بالدين من داخله في قضية تتناول التفاصيل، مثل متى يؤخر الصلاة أو يقدمها أو ما هي مبطلات الوضوء أو الصوم … إلخ. هذه أمور لها متخصصون، ولها أرباب يقومون على هذا الأمر يفتون فيه، وأنا لست بداعية ولست بمُفتٍ. فقط أنا رجل يشغله مصير هذا الوطن، فدرست وتعلمت المنهج العلمي، وأن أقرأ بتدقيق وأن أصل إلى نتائج أعرضها على الناس، فمن شاء وافق، ومن شاء ناقش، ومن شاء رفض، لا أفرض رأيي أبدًا على الآخر، وفي المقابل أيضًا أتمنى من الآخر ألا يفعل ذلك معي.
المشاهدة (إلهام الدجاني) (وتتحدث بانفعال شديد) : السلام عليكم. أنا لي رأي في موضوع حلقة إمبارح وحلقة اليوم كمان، المفروض أننا لما نناقش الدكتور أبو زيد بالأمس أو الأستاذ اليوم لازم نجيب بعض النصوص من كتبهم ونقول له في فقرة كذا إنت قلت كده، علشان إمبارح أنت لما قلت للدكتور أبو زيد إن أنت تشكك في قداسة النصوص، قالك لأ أنا قصدي أقول في قداسة المفسرين للنصوص، فأرجو يا أستاذ عماد أنك أنت لما تناقش مثل هؤلاء وحتى لا يغيروا بالكلام؛ لأن شبابنا بعد سبع سنين وعشر سنين أولادنا وأحفادنا سيقرءون هذه الكتب، وهاتصير هناك فيه بلبلة في تفكيرهم، ومش هايشوفوا الأوربت وإنه كان قصده كده وكده، هايقروا الكتاب وياخدوه أمر مسلَّم بيه، فأرجوك لما تناقش هذه الكتب يكون فيه خط تحت المكتوب وتقول له إنت قلت في صفحة كذا هذا الكلام، ولازم يجاوب عليه بحيث لا يجد فرصة ويغير الكلام.
مقدم البرنامج : أنا متشكر طبعًا لنصيحة حضرتك، لكن أنا عندي إشكالية في هذا البرنامج، إن هو حوار مباشر، وهناك لدينا برامج متخصصة في الكتب أو المناظرات الفكرية، وممكن في برنامجنا نعمل مناظرة فنلجأ لهذا الأسلوب، والغرض كان من حلقة أمس هو استيضاح الموقف بالنسبة لحالة تهم الرأي العام، وعلى اتفاق على أن تتم مواصلتها، وحلقة اليوم جزء منها، وهناك حلقات أخرى سنستمر فيها وأرجو من السادة المشاهدين أنهم يحكمون في نهاية الحلقات علينا، وحضرتك بعد سلسلة الحوارات تقدري تجيبي علينا، هل الموضوع أشفى غليلك وغطى كل النقاط؛ لأننا هانرجع تاني للدكتور نصر بإذن الله في هذه المناقشات، وهو وافق على فكرة المناظرة؛ لأنك لا تستطيعين أن تفرضي على أحد مناظرته في أفكاره إن لم يوافق على ذلك.
المشاهدة (إلهام) : يا أستاذ أنت قدامك الآن واحد من الجماعة اللي بيمشوا في نفس التيار وذات الاتجاه. أنت قلت له إنه قال عن سيدنا محمد كذا كذا كذا، قالك لأ … أنتم فسرتوها بكلام غير ما أقصده، وهو موجود أمامك الآن وكتابه موجود، افتح الصفحة وقول له أنت قلت كذا كذا، لأنه جاوب بطريقة غير المفروض أن يجاوب بها، وبرر موقفه بأنه مش قصده، يا أستاذ عماد إحنا لما شبابنا يقرءوا شيئًا يكون فيه الكلام مش قصده أو قصده!
مقدم البرنامج : هذه قضية تستغرق وقتًا طويلًا، وإحنا هاناخد حلقة تانية مع الدكتور سيد والدكتور عبد الصبور مرزوق، وهما وافقا من حيث المبدأ، لأن الموضوع محتاج تمسكي فقرة من هذا الكتاب وتقرئيها، فيرد ويقول لك أنا قلت في صفحة ١٠٢ كذا كذا، تقولي له في صفحة ١٩ كذا يقولك توضيحها في صفحة ٨٢، وهذا هو المنهج اللي هانلجأ له في الحلقات المقبلة، حضرتك كوني معانا وتحكمي علينا في نهاية الحلقات، واعتبري حلقة أمس واليوم فاتحة لملف القضية، وهو ما لا يمكن تغطيته في حلقة أو حلقتين أو ثلاث؛ لأن الموضوع أعقد كثيرًا، وشاكر لنصيحة حضرتك.
المشاهد (شريف ديلاور) : مساء الخير يا أستاذ عماد. الموضوع زي ما أنت قلت معقد وشائك جدًّا، وبالتالي فإن الفكر لا حدود له، وبالتالي يقف الإيمان — لا شك — حائلًا أمام حرية الفكر يعني لازم نعرف إن فيه إيمان لا يمكن التحدث معه بمنطق أو بفكر، وديكارت قال أنا أفكر إذن أنا موجود، ولا حدود للفكر الإنساني حتى لو في حالة أن يعترض على الدين نفسه أو على الرسالة نفسها؛ لأن حرية الفكر مطلقة، فلما تيجي تتكلم في الدين يبقى بنتوقف عند حدود معينة لا فكر فيها ولا اجتهاد؛ لأن هناك إيمانًا نقف عنده.
مقدم البرنامج : أنت تتحدث إذن عن الخطوط الحمراء.
المشاهد (شريف) : فيه خطوط حمراء. الخطوط الحمراء دي هي حدود الاجتهاد النهارده لا نتكلم في هذا، إحنا بنحاول نحط حرية فكر مطلق مع الدين، وده لا يمكن، ومحاولة التوفيق دي مستحيلة ولم تقدر عليها أية أديان أو أية أفكار قبل كده، وبالتالي فالمحاولة في حد ذاتها فيها صعوبة كبيرة جدًّا وشائكة وبالغة التعقيد.
مقدم البرنامج : نحن نحاول أن نطرح ملف قضية حدود الاجتهاد ووجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع. نحاول أن ندعو إلى إعمال العقل لكن في نفس الوقت هناك الخطوط الحمراء، والخطوط الحمراء هي سؤالي للدكتور سيد القمني: هل هناك خطوط حمراء، نعم أم لا؟
سيد القمني : نعم.
مقدم البرنامج : هناك خطوط حمراء نتوقف أمامها.
سيد القمني : أنا فهمت الأمر كالتالي: إن هناك خطوطًا حمراء موضوعة سلفًا ممنوع تجاوزها، هذا ما وصلني.
مقدم البرنامج : أنت في عقلك هل هناك نقاط تقف أمامها؟
سيد القمني : أعتقد أن كل أمر قابل للبحث والفهم والمناقشة والبحث العلمي.
مقدم البرنامج : رأيك يا دكتور عبد الصبور؟
د. عبد الصبور مرزوق : إن كل أمر قابل للبحث والمناقشة والبحث العلمي إلا ما يتصل بالثوابت التي يقرها الدين والتي نحن بها مسلمون. يعني أنا ما أقدرش أبتدي النهارده أتكلم إنه فيه غيب أو مافيش غيب، وما أقدرش أتكلم إنه فيه بعث أو مافيش بعث؛ لأن إنكار مثل هذه الثوابت يجعلني أقول لا بد من التوقف هنا وإلا فسنجد أنفسنا، كما تفضل الإخوة المعلقون، أمام تيار مناقض جدًّا للدين من ناحية ومناقض لحقيقة الحرية من ناحية ثانية. نحن في مجتمع اتفق على أننا دولة وحكومة لها دين معين تعتقده، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يكون الكلام عن الحرية وسيلة أو سببًا لتخطي هذه الحواجز.
المشاهد (صالح المهندي) : مساء الخير يا أستاذ عماد. هناك نقطتان هاتكلم فيهما بسرعة: النقطة الأولى أعتقد أننا الآن في أمس الحاجة إلى رد المحكمة على قضية الاستتابة، هذا أولًا، الشيء الثاني والمهم جدًّا، ولحد الآن للأسف ما أحد تطرق له ولا أحد تكلم فيه، هو طبقات المجتهدين، وهو شيء معروف في كتب أصول الفقه وموجود فيها جميعًا. الاجتهاد يا أستاذ عماد ينقسم إلى خمس طبقات، وفيه بعض العلماء يقسمونه إلى ثلاث طبقات. هذه الطبقات تحصر وظيفة كل مجتهد حسب إمكانياته العلمية. أضرب لك أمثلة سريعة من المذاهب الأربعة، مذهب الإمام أبو حنيفة عنده تلامذة كبار لو وزنتهم اليوم يزنون كل العلماء. مثال أبو يوسف على رغم جلالة قدره لا يستطيع أن يخرج عن أصول مذهب أبي حنيفة، وفي المذهب المالكي ابن القاسم رغم جلالة قدره لا يستطيع أن يخرج عن أصول مذهب مالك، ولا يستطيع أن يفتي في مذهب ثانٍ. في المذهب الشافعي نجد النووي، وهو مَن هو! النووي معروف، يصنفونه مجتهد فُتيا، أدنى درجات الاجتهاد. يعني يحفظ مسائل المذهب وينقلها للناس فقط. إحنا اليوم مع الأسف الشديد لما نقارن أنفسنا بهؤلاء الأجلاء لا نجد أنفسنا شيئًا أمام هؤلاء، ومع ذلك نتجرأ أكثر جرأة على النصوص. ونتغافل عن كل هذه المسائل العلمية المحسومة، ولا أحد يتكلم عنها وكأنها غير موجودة، رغم أنها تتصدر باب الاجتهاد والذي هو مأساتنا اليوم. اليوم إحنا مع الأسف، والمنهج الجديد اللي جعل الفقه الإسلامي شيئًا تافهًا، نجد علماء أجلاء وكبارًا نراهم في الإعلام لما نقرأ تاريخهم لا نجدهم درسوا الدراسة السليمة التي درسها الإمام مالك ولا اللي درسها الإمام أحمد ولا اللي درسها الإمام الشافعي. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها ونقف عندها. أما إذا كانت هناك مسألة معاصرة شائكة فهناك مجامع فقهية ممكن تفتي فيها برأي جماعي، لكن مسألة مثل العرش والملائكة لا يترتب عليها أثر، يأتي واحد لا نعرف من هو ويتكلم فيها كلامًا لا يقبله رجل الشارع، فهذا شيء مؤسف.
المشاهد (طلال) : مساء الخير يا أستاذ عماد. اللي قاله الأستاذ أبو زيد عن التشريع والدخول في كتاب الله وحظ الذكر والأنثى، أول حاجة هذا كتاب قدسي لا يمكن أن يصل إليه أحد أبدًا، ويجيلي واحد يقول أنا بافكر، طيب ما هو الفرق بين المفكر والعالم؟! طالما المفكر بيفتي وبيدَّخل في الإرث وبيدَّخل في كذا، إيش فايدة العالم؟ العالم إيش يعمل؟ جيب لنا مناظرة بين العالم والمفكر.
مقدم البرنامج : ده حايحصل.
المشاهد (طلال) : كي نعرف الفرق بينهما؛ لأن القرآن لو كل واحد بدأ يفتي فيه، هذه تبقى مشعلة للعالم الثالث كله، أنت إذا دخلت الحرم انهرت روحيًّا لقدسية الحرم، فما بالك بكتاب الله لا يأتيه الباطل أبدًا! واحد يقولك والله الذكر، والله ما أدري إيش!
مقدم البرنامج : شكرًا يا سيدي. مين معانا على الخط؟
مشاهد (نهاد أبو رفاعة) : أيوه يا أستاذ عماد، لو سمحت أبغي أسأل الدكتور سيد لأن هوه توَّه بيقول إني أنا مسلم ولا أحد يسألني عن الإسلام لأنه بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وهذا كلام صحيح وهو معاه حق في هذا الموضوع. لكن أنا باسأله إذا أنا شخص حرفت لفظًا من القرآن أو غيَّرت في حديث نبوي أعتقد أنه من حق أي مسلم أن يسأله.
سيد القمني : طبعا بالتأكيد.
المشاهد (نهاد) : بالنسبة للدكتور نصر والدكتور اللي بيقول هذا الكلام، لما هو يغير شيئًا في كتاب الله أو يدعي إنه بيقول كلام وإحنا فهمناه غلط، هو غيَّر في كتاب الله، ويصبح من حق أي محكمة بل أي مسلم أن يسأله عن الكلام هذا.
مقدم البرنامج : طيب ممكن يجاوب حضرتك!
سيد القمني : يا سيدي الكريم، مسألة إن نصر أبو زيد أو أنا أو أيًّا من كتب، غيَّر أو بدَّل في كتاب الله، فهذا أمر لا يحدث إطلاقًا؛ لأنك لو قرأت ما جاء بحيثيات محاكمة نصر أبو زيد والحكم عليه، ستجد أنه وقف مع بسائط وفسيفساء صغيرة، حاول الرجل أن يقدم فيها فهمًا، هو لم يقل أنا أُغير أو إني أُقرر أو أُصدر بذلك فرمانًا، هو يحاول أن يطرح فهمًا جديدًا للمسألة، إما أن نقبله، أو نقول له أخطأت يا هذا، وأدلتنا على خطئك هي كذا وكذا وكذا. ويا أخي هذا الإسلام هو ديني كما هو دينك ولي حق التعاطي معه كما لك حق التعاطي معه، وليس في الإسلام كهنوت، وبالمناسبة — تعقيبًا على ما قيل منذ قليل — ليس في الإسلام أزهر، الإسلام حقك في العلاقة بالله، وأن تقول، فإن أخطأت، ردك من هو أعلم منك، وهذا أمر بسيط متفق عليه إسلاميًّا وإنسانيًّا.
مقدم البرنامج : تعقيبك يا دكتور عبد الصبور.
د. عبد الصبور مرزوق : أنا عايز أتكلم في نقطتين، الأولى فيما تكلم فيه الدكتور سيد أنه لا كهانة في الإسلام، وهذا صحيح، لكن ليس في الإسلام أزهر؟ وأنا لا أدافع عن الأزهر، وإنما أتحدث عن وجود مؤسسة دينية تكون مهمتها جمع أهل الذكر الذين يلجأ إليهم أي مفكر في هذا المقام. وقضية للذكر مثل حظ الأنثيين هي قضية محسومة نهائيًّا في القرآن الكريم، وفي ختام هذه الآية: تِلْكَ حُدُودُ اللهِ؛٢ فالقرآن جعلها قضية محسومة.
مقدم البرنامج : نعدكم أننا هانخصص حلقة أخرى بموافقتكم طبعًا لمناقشة هذا الأمر … فنحن مستمرون في فتح ملف الاجتهاد في الإسلام … ودائمًا نناقش بكل حرية ودون رقابة.
(انتهى وقت البرنامج.)
١  مناظرة تمت على شبكة تليفزيون الأوربت الفضائية بين سيد القمني ود. عبد الصبور مرزوق بتاريخ ٣ / ١١ / ١٩٩٦م. والبرنامج تقديم عماد الدين أديب، البرنامج يُقدَّم على الهواء مباشرة ويسمح للمشاهدين بالمشاركة تليفونيًّا.
٢  نود التنبيه إلى أن الآية المذكورة ليست في سورة النساء، وإنما في سورة الطلاق، ولكن أُبقِيَ عليها كما وردت في النقاش وفقًا لتسجيل المؤلف. (الناشر)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥