الفصل الخامس
كانت الساعة الآن قد تخطَّت الحاديةَ عشرة. ولم يكن لدى إليزابيث أيُّ شك في أن السير سيلوين سيأتي إلى بيمبرلي بمجرد أن يسمع عن جريمة القتل، وفكَّرَت أن تذهب لتطمئنَّ على ويكهام. كان من المستبعَد بشدةٍ أن يكون مستيقظًا، لكنها كانت تتوق لأن تطمئنَّ بنفسها أن كل شيء على ما يُرام.
لكن وعلى مسافة أربعة أقدام من الباب وقفَت مترددة، وقد سيطرَت عليها لحظةٌ من لحظات إدراكِ الذات التي أجبرها الصدقُ مع الذات على تقبُّلِها. كان سبب وجودها هنا أكثرَ تعقيدًا وإقناعًا من مجرد مسئوليتها كمُضيفة، وربما كان ذلك السبب صعبَ التبرير. فلم يكن لدى إليزابيث أدنى شكٍّ أن السير سيلوين هاردكاسل سيضع ويكهام قيد الاعتقال، ولم يكن لديها أيُّ نية أن تراه وقد اقتادته الشرطةُ وربما كان مقيدًا بالأغلال. يمكن على الأقلِّ أن تُعفيَه من هذه الإهانة. وكان من غيرِ المرجَّح أن يتقابلا مرةً أخرى بمجرد أن يُغادر؛ لكن ما وجدت إليزابيث الآن أنه أمرٌ لا يُطاق هو احتمال أن تظلَّ تلك الصورة الأخيرة عنه مطبوعة في ذهنها إلى الأبد، وهي صورة جورج ويكهام الشابِّ الوسيم المحبوب الظريف، وقد انحدر به الحالُ ليُصبح شخصًا سكِّيرًا لحِق به الخزيُ، ويصرخ بكلماتٍ بذيئة بينما يُوقظ ويُجرُّ على عتبة بيمبرلي.
تقدَّمَت إليزابيث بخطوات حازمة، وطرقَت على الباب. فتح بينجلي الباب ودهشت لرؤية جين والسيدة رينولدز في الغرفة تقفان بجوار الفراش. وعلى كرسيٍّ من الكراسي كان هناك وعاءٌ به ماء، وقد تحوَّل لونُ الماء فيه إلى الورديِّ بفعل الدماء، وبينما كانت تنظر، كانت السيدة رينولدز قد انتهَت من تجفيف يدها بقطعة قماش علَّقَتها على حافة الوعاء.
قالت جين: «ليديا لا تزال نائمةً لكنني واثقةٌ من أنها ستُصرُّ على المجيء للسيد ويكهام بمجرد أن تستيقظ ولم أُرِد لها أن تراه بنفس الحالة التي كان عليها حين أُحضِر إلى هنا. وهي لديها كلُّ الحق في رؤية زوجها حتى ولو كان فاقدًا للوعي، لكن سيكون من المريع جدًّا إن كان وجهه لا يزال مخضَّبًا بدماء الكابتن ديني. ربما كان بعض ذلك الدمِ يعود له؛ فهناك خدشان على جبينه وبعض الخدوش على يدِه، لكنها خدوشٌ طفيفة، وسببُها على الأرجح هو محاولته شقَّ طريقٍ للخروج عبر الشجيرات.»
فكَّرَت إليزابيث في مدى حِكمة غسل وجه ويكهام. ألم يكن من المحتمل أن السير سيلوين سيتوقَّع حين يصل أن يرى ويكهام بالحالةِ نفسِها التي كان عليها حين وُجد جاثيًا بجوار الجثَّة؟ لكنها لم تُفاجَأ من فعْل جين ولا من وجود بينجلي لتقديم دعمه. فبالرغم مما تتحلَّى به أختُها من الرقَّة والعذوبة، فإنها كانت تتحلَّى أيضًا بعزمٍ صَميم، وبمجرد أن تُقرر أن فعلًا ما صائبٌ فلن تثنيَها أيُّ حُجة عن غايتها.
سألتها إليزابيث: «هل فحصه الدكتور ماكفي؟»
«فحصه قبل نصف الساعة تقريبًا، وسيفحصه ثانيةً إذا ما استيقظ. ويَحْدونا الأمل عند استيقاظه أن يكون قد هدأ، وأن يتناول شيئًا من الطعام قبل أن يصل السير سيلوين، لكن الدكتور ماكفي يعتقد أن أرجحية ذلك بعيدة. فلم يتمكَّن الدكتور ماكفي من إقناع السيد ويكهام إلا بأن يتناول جرعة الدواء، لكن ونظرًا إلى قوة ذلك الدواء، فإن الدكتور ماكفي اعتقد أنه كان كافيًا لأن ينامَ بضع ساعات يستعيد خلالها عافيته.»
تحرَّكت إليزابيث نحوَ الفراش، ووقفَت تنظر إلى ويكهام. لا شك أن الدواء الذي أعطاه له الدكتور ماكفي كان فعَّالًا، أما عن رائحةِ فمِه القوية الكريهة، فقد اختفت وكان يغطُّ في النوم كطفل بريء، وكانت أنفاسُه خافتةً جدًّا حتى إنه قد يبدو وكأنه ميت. وبعد أن نُظِّف وجهه ونُثر شعره على الوسادة وفُتح قميصه، بحيث بدا خطُّ حلقه الرقيق، بدا ويكهام الآن كفارس يافع جريح ومنهك بعد المعركة. وحيث كانت إليزابيث واقفة تُحدِّق إليه، انتابتها دفقاتٌ من المشاعر. فقد عاد ذهنها كُرهًا إلى ذكرياتٍ كانت مؤلمة جدًّا حتى إنها كانت تتذكَّرُها بشيء من الاشمئزاز من نفسها. لقد كانت على شفا الوقوعِ في حبه. فهل كانت لتتزوجَ به لو كان ثريًّا وليس فقيرًا؟ بالطبع لا، كانت تعرف الآن أن ما كانت تشعر به حينها لم يكن حبًّا. كان ذلك الشابُّ الوسيم الوافد جديدًا ومحبوبَ ميرتون، وكانت كلُّ فتاة مسلوبةَ العقل به، وقد سعى وراءها هي باعتبارها فتاتَه المفضَّلة. وقد صدَّقَت هي مزاعمه — والأسوأ من ذلك أنها قصَّتَها على جين — حول غدر دارسي به وتضييع كلِّ فرص حياته وخيانته لصداقتهما، وتجاهله القاسي لمسئولياته تجاه ويكهام التي وضعها والد دارسي على عاتقه. ولم تُدرك إليزابيث إلا لاحقًا كيف أن تلك المزاعم — التي كُشِف عنها لشخص غريب نسبيًّا — لم تكن صحيحة.
كانت تنظر إليه الآن وتشعر بتجدُّدِ مشاعر الخزي والإهانة؛ لأنها كانت تفتقر إلى المنطق والبصيرة وكذلك إلى الفطنة في إدراك شخصيات الآخرين، وهي السِّمات التي كانت تفخر هي دومًا بأنها تتحلَّى بها. لكن ظل يُخالجها شيءٌ ما؛ شعورٌ أقربُ إلى الشفقة جعلها مرعوبةً من التفكير في كيف ستكون نهايته، وحتى الآن، وحيث كانت تعرف أسوأَ ما يمكن أن يأتيَ ويكهام على فعله، لم تستطِع أن تُصدِّق أنه يمكن أن يكون قاتلًا. لكن أيًّا كانت نتيجةُ ذلك، لقد أصبح ويكهام بزواجه من ليديا جزءًا من العائلة ومن حياتها كما أصبح جزءًا من حياة دارسي بزواجها هي منه. والآن كانت كلُّ أفكارها حيالَ ويكهام تَشوبها صورٌ مرعبة؛ ذلك الحشد الصارخ يصمت فجأةً حيث يخرج السجين المكبَّل بالأغلال من السجن، والمشنقة العالية وحبلها. كانت إليزابيث تريد إخراجه من حياتهم، لكن ليس بهذه الطريقة — بحقِّ الرب، ليس بهذه الطريقة.