الفصل الخامس
بعد مرور ٣٠ دقيقةً دخلت إليزابيث وزوجها قاعةَ الخَدَم على صوت ١٦ كرسيًّا تُسحَب، وعلى صوت الخَدَم وهم يقولون: «صباح الخير يا سيدي.» ردًّا على تحية دارسي، وجاء ردُّهم في همهمةٍ منسَّقة وخفيضة للغاية بحيث كان من الصعب حتى سماعُها. ودُهشت إليزابيث حين رأت مآزرَ الظهيرة البيضاء المُنشاة حديثًا والقلنسوات المثنيَّة قبل أن تتذكرَ أن كل الخَدَم — وبتوجيهاتٍ من السيدة رينولدز — كانوا يرتدون ملابسَ لا تشوبها شائبةٌ في صباح يومِ حفل الليدي آن. كان الهواء مختلطًا برائحة المخبوزات وبرائحةٍ طيبة منتشرةٍ في الأرجاء، لا بد إذن أن بعض الفطائر والكعك قد وُضعت في الفرن بالفعل؛ وذلك لغياب الأوامر التي ستقضي بعكس ذلك. وحين مرَّت إليزابيث ببابٍ مفتوح يُؤدي إلى المستنبت الزجاجي، غمرَتها رائحةٌ غثَّة للزهور المقطوفة، وبعد أن أصبحَت تلك الزهور الآن غيرَ مرغوب فيها، تساءلت إليزابيث في نفسِها كم عددُ الزهور التي ستظلُّ على قيد الحياة بحلول يوم الإثنين. ووجدَت نفسها تُفكِّر في أفضلِ شيء يمكن القيامُ به بشأن الطيور الكثيرة التي نُتِف ريشُها من أجل تسويتها، وقِطَع اللحم الكبيرة والفواكهِ القادمة من الصوبات الزراعية، والحِساء الأبيض ومخفوق الكريمة الحلو. إن معظم تلك الأشياءِ لم يتم إعدادُه بعدُ، لكن لا شك أنه سيكون هناك فائضٌ كبير في غيابِ تعليماتٍ تقضي بعكس ذلك، ولا ينبغي أن يُسمح بالتخلصِ من هذا الفائض في القمامة. بدا هذا التفكير غيرَ منطقيٍّ في مثلِ هذا الوقت، لكنه كان يُزاحم عقلها إلى جانبِ عددٍ كبير من الأفكار الأخرى. لماذا لم يذكر الكولونيل فيتزويليام أمرَ خروجه على صَهْوة الجواد ليلًا، وإلى أين كان ذاهبًا؟ ربما لم يفعل سوى أنْ تجوَّل بالجواد ليتنسَّم الهواءَ على ضفة النهر. وماذا سيحدث لليديا إن قُبِض على ويكهام وسُجِن — وهي احتمالية لم يذكرها أحد، لكن على كل فرد أن يعلم أن حدوثها يكاد يكون شبهَ مؤكَّد؟ لم يكن من المرجَّح أن ترغب ليديا في المكوثِ في منزل بيمبرلي، لكن من الضروريِّ أن تُستضاف في مكانٍ يكون قريبًا من زوجها. ربما كان أفضلَ شيء وربما هو الأنسبُ أن تصحبَها جين وبينجلي إلى هايمارتن، لكن هل سيكون هذا عادلًا في حقِّ جين؟
وبتزاحمِ هذه الخواطرِ في ذهنها، لم تتمكَّن من سماعِ ما تحدَّث به زوجُها الذي كان وسط صمتٍ تام، لكن الجُمل القليلة الأخيرة التي نطق بها اخترقَت مسامعها. استُدعي السير سيلوين هاردكاسل أثناءَ الليل ونُقِلت جثة السيد ديني إلى لامتون. سيعود السير سيلوين في التاسعة صباحًا، وسيُريد أن يتحدَّث مع كلِّ شخص كان في بيمبرلي ليلة أمسِ. وسيكون السيد دارسي وزوجته حاضرَين أثناء ذلك. وليس هناك من بين الخَدَم مَن هو محلُّ شك، لكن من المهمِّ أن يُجيب الجميع على أسئلة السير سيلوين بكلِّ صدق. وفي غضونِ ذلك سيُواصلون أعمالهم من دون مناقشة الحادث أو الثرثرة معًا بشأنه. وستكون الغابة محظورةً على الجميع، عدا السيد والسيدة بيدويل وعائلتهما.
قُوبِلَت تلك الجملةُ بصمتٍ شعرت إليزابيث أنه من المتوقَّع منها خلاله أن تكسِره بكلماتها. وحين وقفت في مكانها أدركت أن هناك ١٦ زوجًا من العيون تنظر إليها لأناسٍ يعتريهم القلقُ والاضطراب، وينتظرون أن تُخبرهم أن كلَّ شيء سيُصبح في النهاية على ما يُرام، وأن عليهم ألا يخشَوا شيئًا، وأن منزل بيمبرلي سيظل مَسكنًا وملاذًا لهم كما كان من قبل. فقالت إليزابيث: «من الواضح أن الحفل لا يُمكن أن يُقام اليوم، ويجري الآن إرسالُ الخطابات للضيوف المدعوِّين لإبلاغهم بذلك مع شرحٍ مقتضَب لما حدث. لقد حلَّت مأساةٌ كبيرة على منزل بيمبرلي، لكنني أعلم أنكم ستستكملون أداءَ مهامكم، وستُحافظون على هدوئكم وستتعاونون مع السير سيلوين هاردكاسل في تحقيقه كما سنفعل جميعًا. وإن كان هناك أيُّ شيء تعرفونه، أو كان هناك أيُّ معلومة تريدون الإدلاء بها فينبغي أن تتحدَّثوا إلى السيد ستاوتن أو إلى السيدة رينولدز أولًا. وأرغب أن أشكرَكم جميعًا على قضاء ساعاتٍ طويلة في التحضير لحفل الليدي آن. ويُؤسفني والسيد دارسي كثيرًا أن يذهب كلُّ هذا الجهد سُدًى بسبب تلك المأساة الفظيعة. وكالعادة فإننا نُعوِّل دومًا في السرَّاء والضراء على الولاء والتفاني المتبادلَين واللذَين يُمثلان أساس حياتنا في بيمبرلي. لا تخشَوا على سلامتكم ولا على مستقبلكم؛ فقد صمَد منزل بيمبرلي في وجه مِحَن كثيرة طوالَ تاريخه، وستمرُّ هذه المحنة أيضًا.»
وتبِع حديثَها تصفيقٌ قصيرٌ سرعان ما كبَحَ جِماحَه ستاوتن، ثم أعرب هو والسيدة رينولدز بكلمات قليلة عن تعاطفهم وتضافرهم مع تعليمات السيد دارسي، وذلك قبل أن تُوجَّه الأوامرُ لجمهورهم بأن يذهَبوا إلى مهامِّهم اليومية؛ على أن تتم دعوتُهم للاجتماع مرةً أخرى حين يصل السير سيلوين هاردكاسل. وحين دخلت إليزابيث ودارسي غرفَتها قال دارسي: «لقد تحدثتُ باختصارٍ شديد، أما أنتِ يا عزيزتي فقد أسهبتِ في حديثك أكثرَ مما ينبغي، لكنني أعتقد أننا فعَلنا الأمر معًا بالشكل الصحيح كالعادة. والآن لا بد لنا أن نُعِدَّ أنفسنا لنكون تحت طوع القانون، مُمثَّلًا في شخص السير سيلوين هاردكاسل.»