الفصل الأول
اتُّفق على أن يكون ألفيستون حاضرًا مع السيد ميكلدور في حالِ كانت هناك حاجة إلى وجوده من أجل العفو، وظل ألفيستون في الخلف في قاعة المحكمة حين عاد دارسي إلى شارع جريستشرش حيث كان يتوق إلى لقاء إليزابيث. وكانت الساعة قد دقَّت الرابعة قبل أن يعود ألفيستون وحده ليقول إنه من المتوقَّع أن تنتهيَ كلُّ إجراءات العفو كاملةً في يوم بعد غد، وأنه حينها سيستطيع أن يُرافق ويكهام من السجن ويحضره إلى شارع جريستشرش. وكان يَحْدوهم الأملُ في أن يتم ذلك في سرِّيةٍ كبيرة وبعيدًا عن معرفة العامة. حيث ستكون هناك عربةٌ مستأجَرةٌ تنتظر عند البابِ الخلفيِّ لسجن كولدباث وأخرى تنتظر عند الباب الأمامي للسجن كوسيلةِ تمويه. وكانت ثَمة ميزةٌ أنهم تمَكَّنوا من الحفاظ على سرية مكوث دارسي وإليزابيث لدى عائلة جاردنر، وليس في نُزُل عصري كما كان متوقَّعًا بشدة، وإذا أمكن الحفاظ على سرِّية الوقت الذي سيُطلَق سراحُ ويكهام فيه، فستتوفَّر أمامهم فرصةٌ كبيرة تتمثَّل في وصول ويكهام إلى شارع جريستشرش من دون أن يُلاحظه أحد. وفي الوقت الراهن، كان ويكهام قد أُعيدَ إلى سجن كولدباث، لكن القس الملحق بالسجن الذي كوَّن معه علاقةَ صداقة — واسمه المبجَّل كورنبندر — كان قد اتخذ الترتيباتِ اللازمة لإقامة ويكهام معه هو وزوجته ليلةَ إطلاق سراحه، وقد عبَّر ويكهام عن رغبته بأنه يريد الذَّهاب إلى هناك مباشرةً بعد أن حكى قصته لدارسي والكولونيل، رافضًا بذلك دعوة السيد والسيدة جاردنر بأن يمكثَ في شارع جريستشرش. وكانت عائلة جاردنر قد شعرت أنه من الصواب توجيهُ مثلِ هذه الدعوة، لكن ساد ارتياحٌ عام بينهم بعد رفضِها.
قال دارسي: «إن إنقاذ حياة ويكهام يبدو كمعجزة لي، لكن لا شك أن حكم هيئة المحلَّفين كان فاسدًا ولا يتَّسم بالعقلانية ولم يكن ليُدان إطلاقًا.»
فردَّ ألفيستون قائلًا: «لا أتفق معك. لقد تكرَّر ما عدُّوه هم اعترافًا مرتين وقد صدَّقوه، كما كان هناك الكثير من الوقائع التي تُرِكَت من دون تبرير. أكان الكابتن ديني ليترك العربة ويُهرَع نحو غابةٍ كثيفة وموحشة في ليلةٍ كتلك فقط؛ من أجل أن يتجنَّب الإحراج الذي سيشعر به أثناء وجوده لدى وصول السيدة ويكهام إلى منزل بيمبرلي؟ إنها في نهاية المطاف أختُ السيدة دارسي. وكم من المرجَّح أن ويكهام أقحمَ نفسه في أمورٍ غيرِ قانونية في لندن، وكان عليه أن يُخرِس ديني قبل أن يُغادرا ديربيشاير؛ حيث إن ديني لم يَعُد متواطئًا؟
لكن كان هناك شيءٌ آخر ربما أسهَم في الخروج بذلك الحكم، ولم أعلم به إلا حين تحدثتُ إلى أحد أعضاء هيئة المحلَّفين عندما كنتُ لا أزال في المحكمة. من الواضح أن رئيس هيئة المحلَّفين لديه ابنةُ أختٍ، وهي أرملةٌ وهو يُحبها كثيرًا، وكان زوجها قد شارك في التمردِ الأيرلندي وقُتِل فيه. ومنذ ذلك الحين وهو يحمل ضغينةً كبيرة تجاه الجيش. ولو كان قد أُفصِح عن تلك المعلومة، فلا شك أنه سيُصبح بمقدور ويكهام أن يعترضَ على ذلك العضو بعينه من هيئة المحلَّفين، لكن الأسماء لم تكن متطابقةً، وكان من غيرِ المرجَّح أن يُكتَشَف هذا السر. وقد أوضح ويكهام قبل المحاكمة أنه لم يكن ينتوي الاعتراضَ على اختيار أعضاء هيئة المحلَّفين — وفي ذلك حقٌّ له — أو تقديم شهود ثلاثة يتحدَّثون باسمه. يبدو أن ويكهام كان متفائلًا حقًّا، لكنه على وجه العموم كان ينزع إلى الاستسلام للقدَر منذ البداية. إن ويكهام ضابط متميِّز، وقد أُصيب أثناء خِدمة بلاده، والآن كان راضيًا ومذعنًا لمحاكمته بكل ثقة. وإن لم تكن كلمته تحت القسَم كافية، فأنَّى له أن يبحث عن العدالة؟»
قال دارسي: «لكنْ لديَّ شاغلٌ واحد وأريد رأيك فيه. أتعتقد حقًّا يا ألفيستون أنَّ في استطاعة رجلٍ يحتضر أن يُوجِّه ضربةً قوية كتلك الضربةِ الأولى؟»
فردَّ ألفيستون بقوله: «أعتقد ذلك. لقد عرَفتُ بعض القضايا أثناء مسيرتي المهنية التي وُجد فيها رجالٌ يُعانون أمراضًا عُضالًا، قوةً مذهلة متى ما تحتَّم عليهم ذلك. وقد كانت الضربة خفيفة، وبعدها لم يتعمَّق بعيدًا في الغابة، لكن ما لا أستطيع تصديقه هو أنه عاد إلى فِراشه من دون مساعدةٍ من أحد. أعتقد أن من المرجَّحِ أكثرَ أنه ترك باب الكوخ منفرجًا وأن أمَّه خرجَت ووجدَته وساعدته في العودة إلى المنزل والفِراش. ومن المرجَّح أنها هي مَن مسحَت مقبض القضيبِ الحديديِّ وأحرقَت المنديل. إلا أنني أشعر — كما أعرف أنك تشعر بذلك أيضًا — أن العدالة لم تكن لتتحققَ بالإعلان عن هذه الشكوك والشبهات. فليس هناك دليلٌ عليها ولن يكونَ أبدًا، وأعتقد أننا ينبغي أن نستبشرَ ونبتهجَ بالعفو الملَكي الذي سنحصل عليه، وأن ويكهام — الذي أظهر شجاعةً كبيرةً أثناء خوضه مِحنتَه تلك — قد أصبح حُرًّا طليقًا ليبدأ حياةً نأمُل أن تكون أكثرَ نجاحًا.»
تناول الجميع العشاء مبكرًا في صمتٍ تامٍّ تقريبًا. وتوقَّع دارسي أن الارتياح الناتج عن إفلات ويكهام من الشنق على الملأ سيكون منحةً عظيمة جدًّا بحيث تتضاءلُ أمامها كلُّ دواعي القلق الأخرى، لكن ظلَّت دواعي القلق الضئيلة الأخرى تَشغل ذهنه في ظل ارتياحِه من أكبرها. فما هي القصة التي سيسمعونها حين يصل ويكهام؟ كيف سيتفادى هو وإليزابيث خوفهما من فضول العامة أثناء مكوثهم مع عائلة جاردنر، وما هو الدور الذي لعبه الكولونيل — إن كان قد لعِب دورًا من الأساس — في هذا الشأن الغامض؟ شعر دارسي بحاجةٍ ملحَّة ليعود إلى بيمبرلي، وكان مثقلًا بهاجس — رأى أنه غير منطقي — يُشعِره بأن كل شيء قد لا يكون على ما يُرام هناك. وكان يعلم أن إليزابيث مثله لم تنَم بهناءٍ إلا نادرًا مدةَ شهور كاملة، وأن الكثير من عبء هذه الكارثة — الذي كانت تُشاركه إياه — كان نتيجةَ إعياء شديد أصاب جسدَها وذهنها. وشعرَت بقية المجموعة بأنها مصابة بشعور الذنب نفسِه النابع من عدم قدرتهما على الاحتفاء بهذا الإنقاذ الإعجازي لحياة ويكهام. وكان كلٌّ من السيد والسيدة جاردنر شرهين في تناول الطعام، لكن العشاء اللذيذ الذي طلبَت السيدة جاردنر إعداده لم تمتدَّ له يدٌ، وسرعان ما ذهب ضيوفها إلى فُرُشِهم بعد أن قُدِّمت آخرُ مجموعة من الأطباق.
وأثناء تناول الإفطار، كان من الواضح أن الروح المعنوية للمجموعة قد ارتفعت؛ فقد كانت الليلة الماضية هي الأولى التي تمرُّ من دون تخيُّلات مروِّعة مما أدَّى إلى حصولهم على قسطٍ من الراحة والنوم الهانئ، وبدَت المجموعة الآن أكثرَ استعدادًا للتعاطي مع كلِّ ما يحمله اليومُ الجديد. كان الكولونيل لا يزال في لندن، أما الآن فقد وصل إلى شارع جريستشرش. وبعد أن أطرى على السيد والسيدة جاردنر، قال: «لديَّ ما أخبرك به يا دارسي بخصوص دوري في هذه المسألة برُمَّتها، الذي يُمكنني أن أُفصح عنه الآن بسلامٍ ومن حقك أن تسمعَه قبل أن يأتيَ ويكهام. وأُفضِّل أن أتحدَّث إليك على انفراد، لكن يمكنك بالطبع أن تُمرِّر ما سأقول إلى السيدة دارسي.»
وشرح للسيدة جاردنر غرضه من زيارته، واقترح أن ينفرد بدارسي في غرفة الجلوس، التي فكَّرَت هي في أن تجعلها متاحةً بأكثرِ وسائل الراحة استعدادًا لاجتماعٍ سيكون صعبًا بلا شكٍّ على جميع الأطراف في اليوم التالي حين يصل ويكهام برفقة ألفيستون.
اتخذ كلٌّ من الكولونيل ودارسي مجلسيهما، وانحنى الكولونيل في كرسيِّه للأمام قليلًا. ثم قال: «أجد أنه من المهم أن أتحدَّث أنا أولًا حتى تستطيعَ أن تحكم على القصة التي سيُخبرك بها ويكهام في مقابل القصة التي سأَرويها لك. وليس لدى أيٍّ منا سببٌ يدفعنا للفخر، لكنني أثناء تلك المحنة لم أتصرَّف إلا بما يقتضي الصالحَ العام، وجاملتُه بأن صدَّقت أنه كان يشعر بنفس الشعور على حدٍّ سواء. ولن أُحاول أن أُبرِّر تصرُّفي في هذه المسألة، بل سأحاول فقط أن أشرحه لك، وسأحاول فِعل ذلك باقتضاب.
كان ذلك في أواخر شهر نوفمبر من عام ١٨٠٢ حين تلقَّيت خطابًا من ويكهام في منزلي في لندن؛ حيث كنت أقطنُ حينَها هناك. يقول الخطاب بإيجازٍ إنه كان يُواجه متاعبَ، وإنه سيكون ممتنًّا إن وافقت على لقائه؛ أملًا منه في أن أتمكَّن من إسداء النصحِ وتقديم المساعدة له. ولم تكن لديَّ رغبةٌ في أن أنخرط في ذلك، لكنني كنتُ ملزَمًا معه بشكلٍ ما، ولم يكن بإمكاني تجاهلُ ذلك. ففي أثناء التمرُّد الأيرلندي كان ويكهام قد أنقذَ حياة كابتن يافعٍ يخدم تحت إمرتي، وكان ابنًا لي بالمعمودية، وقد كان ذلك الكابتن مصابًا إصاباتٍ خطيرة. ولم ينجُ روبرت من إصاباته طويلًا، لكن إنقاذه منحَ أمَّه — ومنحَني كذلك أيضًا — فرصةَ توديعه وضمانَ أنه مات مِيتةً مريحة. لم تكن تلك خِدمةً يمكن لأيِّ رجل ذي شرفٍ أن ينساها، وحين قرأتُ خطاب ويكهام وافقتُ على لقائه.
لم تكن القصة غيرَ شائعة، وسأخبرك إياها ببساطة. إن زوجته كما تعرف — وليس هو — كانت تحُلُّ على هايمارتن بشكل دوري، وفي تلك الأثناء كان ويكهام يمكث في نُزُلٍ محليٍّ أو غرف مستأجَرة تكون رخيصةً قدْر الإمكان، وكان يَشغل نفسه بأقصى ما يُمكنه حتى تختار السيدة ويكهام العودةَ إليه. كانت حياتهما في تلك الفترة لا تتَّسم بالاستقرار أو النجاح. وبعد أن ترك ويكهام الخِدْمة في الجيش — وفي رأيي أن هذا القرار كان أكثرَ قراراته طيشًا — صار يتنقَّل بين الوظائف، ولم يمكث في مكانٍ واحدٍ مدةً طويلة. وآخر وظيفة شغَلها كانت مع بارون وهو السير والتر إليوت. ولم يكن ويكهام صريحًا في الإفصاح عن سبب تركه الوظيفة، لكنه قال ما يكفي ليوضِّح أن البارون كان متأثِّرًا كثيرًا بجمال السيدة ويكهام؛ وذلك لأجل راحة الآنسة إليوت، وأن ويكهام نفسه لم يكن مترددًا في التقرُّب من السيدة. أنا أخبرك بكلِّ هذا لأُطلعك على طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها. والآن كان ويكهام يبحث عن موعدٍ جديد؛ وفي غضون ذلك، بحثَت السيدة ويكهام عن منزلٍ مؤقَّت ومريح مع السيدة بينجلي في هايمارتن، وتركت ويكهام ليتدبَّر شئونه.
قد تتذكَّر أن صيف عام ١٨٠٢ كان دافئًا وجميلًا للغاية، ومن ثمَّ ومن أجل أن يُوفِّر المال، كان ويكهام يقضي بعضَ الوقت في النوم في الخارج؛ وهذا ليس بالأمر الصعب بالنسبة إلى جندي. فلطالما كان ويكهام مغرَمًا بغابة بيمبرلي، وكان يسير أميالًا كثيرة من أحد النُّزل بالقرب من لامتون ليقضيَ الأيام وبعض الليالي نائمًا هناك تحت الأشجار. وهناك التقى بلويزا بيدويل. وكانت هي أيضًا تشعر بالضجر والوحدة. كانت لويزا قد انتهت من العمل في منزل بيمبرلي من أجل أن تُساعد والدتها في تمريض أخيها المريض، ولم يكن خطيبها يأتي لزيارتها إلا نادرًا حيث كان مشغولًا كثيرًا بأعماله. والتقت لويزا بويكهام صدفةً في الغابة. إلا أن ويكهام لم يكن باستطاعته قط أن يُقاوم امرأةً جميلة، وربما كانت النتيجة محتومةً إلى حدٍّ كبير بالنظر إلى شخصيته وضعفها. ثم بدآ يلتقيان كثيرًا، وأخبرَته هي بمجرد أن تأكدت شكوكُها أنها تحمل طفلًا منه. في البداية تصرَّف ويكهام تجاهها بتعاطفٍ وكرمٍ أكبرَ مما يمكن لمن يعرفوه أن يتوقَّعوا؛ فقد بدا بالفعل مفتونًا بها بحقٍّ، وربما كان واقعًا بحبها قليلًا. ولكن أيًّا كانت دوافعه أو عواطفه تجاهها، فقد أعدَّا خُطة معًا. كانت لويزا ستبعث بخطابٍ إلى أختها المتزوجة التي تعيش في بيرمنجهام، وستذهب إليها بمجردِ أن تكون هناك مخاطرةٌ بظهور حملها عليها، وتضع طفلَها هناك ثم تظهر به وكأنه ابنُ أختها. وكان ويكهام يأمُل أن يقبل السيد والسيدة سيمبكنز بمسئولية تربية الطفل وكأنه ابنٌ لهما، لكنه أدرك أنهما كانا يحتاجان إلى المال. وكان ذلك هو السببَ الذي جعله يأتيني، ولا أعرف حقًّا أيَّ مكانٍ آخر كان يمكن له أن يبحث فيه عن المساعدة.
ورغم أنني لم أنخدع بشخصيته، فإنني لم أشعرُ قط تجاهه بمشاعرَ مريرةٍ مثلك يا دارسي، وكنت مستعدًّا لتقديم المساعدة. كما كان هناك دافعٌ أقوى بالنسبة إليَّ، وهو الرغبة في إنقاذ بيمبرلي من أيِّ إشارة إلى وجود فضيحة بها. فبالنظر إلى زواج ويكهام من الآنسة ليديا بينيت، قد يكون ذلك الطفل ابنَ أخٍ أو ابنَ أخت لك وللسيدة دارسي ولعائلة بينجلي؛ رغم كونه طفلًا غيرَ شرعي. وكان الترتيب يقتضي بأن أُقرضه ثلاثين جنيهًا من دون فائدة؛ على أن يدفعها على شكل دفعات متى كان ذلك مناسبًا له. ولم أكن واقعًا تحت تأثير أيِّ خداع بأنه سيدفع المال، لكنه كان مبلغًا أستطيعُ تدبيره، وكنت لأدفعَ أكثرَ من ٣٠ جنيهًا كي أضمن أن ابنًا لقيطًا لجورج ويكهام لم يكن يعيش في عزبة بيمبرلي أو يلعب في غابتها.»
قال دارسي: «كان ذلك كرمًا منك يصلُ إلى حدِّ الغرابة، وكان البعض يقول إن ذلك غباءٌ منك؛ نظرًا إلى معرفتك بشخصيته. ولا بد أن أقول بأنك كانت لديك مصلحةٌ شخصية تتخطَّى رغبتك في إنقاذ بيمبرلي من هذا الدَّنس.»
«إن كانت لديَّ مصلحة شخصية أخرى، فإن هذا لم يكن ليُشوِّه سمعتي. أعترف أنني في ذلك الوقت كنتُ أحمل آمالًا — ربما ترقى إلى توقعاتٍ بالفعل — لم تكن منطقيةً، لكنني أتقبَّل الآن أنها لن تتحقَّق أبدًا، لكن في رأيي — وبالنظر إلى الأمل الذي كان بداخلي حينها وبمعرفتي لما كنتُ أقوم به — كنتَ أنت أيضًا لتضع خُطة لتُنقذ منزلك ونفسك من الإحراج والعار.»
ومن دون أن ينتظر منه ردًّا، استطرد الكولونيل قائلًا: «كانت الخُطة مباشرة نسبيًّا. فبعد ولادتها للطفل، كانت لويزا ستعود بالطفل إلى كوخ الغابة بدعوى أن أخاها ووالدَيها سيرغبان في رؤيةِ حفيدِهما الجديدِ هذا. كان من المهم بالطبع لويكهام أن يرى أنَّ هناك طفلًا له يتمتَّع بالصحة وعلى قيد الحياة. وبعدها كان ويكهام ولويزا سيحصلان على المال في صباح يومِ حفل الليدي آن؛ حيث يكون كلُّ مَن في بيمبرلي مشغولِين. وكانت هناك عربةٌ ستنتظر على المسار داخل الغابة. حينها كانت لويزا ستُعيد الطفل إلى أختها ومايكل سيمبكنز. وكان الأشخاص الوحيدون الذين سيكونون في كوخ الغابة هما السيدة بيدويل وويل، وهما الوحيدان اللذان سيكونان على علمٍ بهذه الخُطة. ولم تكن هذه الخُطة بسرٍّ يُمكن لفتاةٍ أن تتوقَّع أن تُخفيها عن والدتها، أو عن أخيها الذي كانت مقرَّبة منه ولم يكن يُغادر الكوخ قط؛ لكنَّ ثلاثتهم كانوا مُصرِّين على ألا يعرف بيدويل بهذه الخُطة أبدًا. وكانت لويزا قد أخبرَت أمها أن والد الطفل كان أحدُ ضباط الجيش الذي غادر لامتون في الصيف المنصرم. لكنها في ذلك الوقت لم يكن لديها أدنى فكرة أن عشيقها كان ويكهام.»
عند هذه المرحلة توقَّف الكولونيل وأخذ كأسًا من النبيذ، وراح يشربها ببطء. ولم يتحدَّث أيٌّ منهما وراحا ينتظران في صمت. ومرَّت دقيقتان على الأقل قبل أن يبدأ الكولونيل حديثه مرة أخرى.
«وهكذا، وعلى حدِّ علمي أنا وويكهام، رُتِّب كلُّ شيء بصورةٍ مُرضية. الطفل ستقبله خالته وزوجها وسيُحبانه، ولن يعرف الطفل والديه الحقيقيَّين أبدًا، وستتزوج لويزا زيجة ملائمة خُطِّط لها مسبقًا، وهكذا استقرَّت الأمور.
ويكهام ليس بالرجل الذي يحب أن يتصرَّف من تلقاء نفسِه حين يكون هناك رفيقٌ أو حليف موجود إلى جواره، وفي ذلك افتقارٌ إلى الحكمة يُعلِّل حماقته في أخذ السيدة ليديا بينيت معه حين هرَب من دائنيه والتزاماته في برايتون. والآن اعترف ويكهام أمام صديقه ديني، وبشكلٍ مفصَّلٍ أكثرَ للسيدة يونج، التي يبدو أن وجودها في حياته كان له تأثيرٌ مسيطر عليه منذ كان يافعًا. في اعتقادي أنَّ ما كان داعمًا لويكهام وزوجته أثناء مدة تعطُّله عن العمل كان راتبًا منتظمًا يتلقَّاه من السيدة يونج. وقد طلب ويكهام من السيدة يونج أن تزور الغابة سرًّا من أجل أن تُخبره بمدى التقدُّم الذي يُحرزه الطفل، وهذا هو ما فعلَته تلك السيدة، فكانت تتظاهر بأنها زائرة والتقت لويزا بعد أن رتَّبت لذلك معها، وكانت لويزا تحمل الطفل في الغابة. إلا أن نتيجة ذلك اللقاء كانت غيرَ سارة فيما يتعلق بأحد الجوانب؛ فقد أحبَّت السيدة يونج الطفل حال رؤيتها له، وكانت مصرةً على أن تتبنَّاه هي وليس عائلة سيمبكنز. ثم تحوَّل ما بدا كارثةً إلى أفضلية لصالحها؛ ذلك أن مايكل سيمبكنز كتب أنه لم يكن مستعدًّا لتربية طفلٍ لرجلٍ آخر. من الواضح أن العلاقات بين الأختين لم تكن على ما يُرام حين كانت لويزا تعترف لأختها، وكان للسيدة سيمبكنز ثلاثةُ أطفال بالفعل، ولا شك أنها ربما ستلدُ المزيد. كانت عائلة سيمبكنز ستعتني بالصبي لثلاثة أسابيع أخرى فقط، وليس أكثر من ذلك؛ من أجل أن تتمكَّن لويزا من البحث عن منزلٍ له. أُخبر ويكهام بهذه الأخبار على لسان لويزا، وأُخبرت السيدة يونج بها على لسانه هو. بالطبع كانت لويزا يائسة. حيث كان يتعيَّن عليها أن تجد منزلًا للطفل، وسرعان ما كان عرض السيدة يونج يُعد حلًّا لكل مشكلاتهما.
وكان ويكهام قد أخبر السيدة يونج باهتمامي بهذا الأمر وبالثلاثين جنيهًا التي كنت قد وعدت بها وسلمتها بالفعل إلى ويكهام. وكانت السيدة يونج تعرف أنني سأكون في بيمبرلي من أجل حضور حفل الليدي آن؛ حيث تلك كانت عادتي حين أكون في إجازةٍ من الجيش، وكان ويكهام دائمًا ما يرغب في معرفةِ ما يجري في منزل بيمبرلي، وذلك بشكلٍ كبير من خلال التقارير التي تُقدمها له زوجتُه التي كانت كثيرةَ التردد على هايمارتن. وراسلَتني السيدة يونج على عُنواني في لندن، وقالت إنها مهتمَّة بتبنِّي الطفل وإنها ستكونُ في حانة كينجز آرمز لمدة يومَين، وإنها كذلك ترغب في مناقشةِ احتماليةِ ذلك معي؛ وذلك لأنها تعرف أنني طرَف معنيٌّ بالأمر. وقد حددنا موعدًا للقائنا في التاسعة من الليلة السابقة ليوم حفل الليدي آن حيث افترضَت السيدة يونج أن الجميع سيكون مشغولًا كثيرًا، ولن يلحظَ أحدٌ غيابي. ولا شك لديَّ يا دارسي أنكَ رأيتَ أنه من الغرابة والفظاظة أن أُغادر غرفةَ الموسيقى بذلك الشكلِ القاطع، متعللًا بأنني أردتُ الخروجَ في نزهةٍ على صهوة جوادي. لكن لم يكن أمامي أيُّ خيار سوى أن أحضر في الموعد، رغم أنني لم يكن لديَّ شكٌّ كبير حيال ما كانت تُريده تلك السيدة. أنت تذكر أنها كانت جذابة ومتأنقة في لقائنا الأول بها، وأجد أنها لا تزال امرأةً جميلة، رغم أنني لم أكن لأتعرف عليها الآن بأيِّ درجة من اليقين بعد مرور ثماني سنوات.
وكانت المرأة في غاية الإقناع. لا بد أنك تتذكَّر يا دارسي أنني لم ألتقِ بها إلا مرةً واحدة حين عقَدنا معها مقابلةَ عملٍ كمُرافِقة محتملة للآنسة جورجيانا، وأنت تعرف كم كانت مثيرةً للإعجاب والقَبول. من الواضح أنها كانت ناجحةً على الصعيد المالي؛ فقد وصلَت إلى الحانة بعرَبتِها الخاصة، وفي رُفقتها السائق وخادمةٌ لها. وقد قدَّمَت لي خطاباتٍ من البنكِ الخاصِّ بها تُثبت أنها كانت قادرةً على تقديم الدعمِ الماليِّ للطفل، لكنها قالت وهي مبتسمةٌ إنها امرأةٌ حَذِرة وإنها تتوقَّع أن يُضاعف مبلغَ الثلاثين جنيهًا، لكن بعد ذلك لن تكون هناك حاجةٌ إلى دفع المزيد من المال لها. وإن تبنَّت هي الطفل فسيُبعد عن بيمبرلي إلى الأبد.»
قال دارسي: «كنتَ تضع نفسَك تحت سُلطة امرأةٍ تعرف أنها فاسدة، وتكاد تكون على يقينٍ من أنها مبتزَّة. فبخلاف المال الذي تتلقَّاه من النزلاء لديها، كيف لها أن تعيش في مثل هذا الترَف؟ كنتَ تعرف من خلال تعاملاتنا السابقة معها أيَّ نوع من النساء كانت.»
قال الكولونيل: «كانت تلك تعاملاتك أنت يا دارسي وليس تعاملاتي. أعترف أنه كان قرارًا مشتركًا بيننا بأن تتولَّى السيدة يونج أمرَ رعاية الآنسة دارسي، لكن تلك كانت هي المناسبةَ الوحيدة السابقة التي التقيتُها فيها. وربما كان لك تعاملاتٌ أخرى معها فيما بعد، لكنني لستُ مطلعًا عليها ولا أريد أن أعرف بها. بعد أن استمعت إليها وتفحَّصت الأدلة التي قدَّمتها، اقتنعتُ أن الحلَّ المقدَّم لطفل لويزا كان منطقيًّا وصائبًا. من الواضح أن السيدة يونج كانت مولعةً بالطفل، وعلى استعداد أن تجعل نفسَها مسئولة عن تعليمه ورعايته في المستقبل؛ وفوق كلِّ ذلك كان سينتقل بعيدًا عن بيمبرلي، ولن يكون له أيُّ صلة بها أبدًا. كان ذلك هو الاعتبارَ الأول بالنسبة إليَّ، وأعتقد أنك كنتَ ستفعل ذلك أيضًا. ولم أكن لأتصرفَ بما هو ضد رغبات الأم بشأن طفلها، ولم أفعل ذلك أيضًا.»
«هل كانت لويزا ستسعد حقًّا لو أنَّ طفلها أُعطيَ لمبتزَّة وعشيقة؟ أكنتَ تعتقد حقًّا أن السيدة يونج لن تعود لتطلبَ المزيد من المال مراتٍ ومرات؟»
ابتسم الكولونيل. وقال: «يا دارسي، أحيانًا ما تذهلني سذاجتك، ومدى ضآلةِ معرفتك بالعالم خارج حدود بيمبرلي؛ ذاك المكان الذي تعشقه. إن الطبيعة البشرية ليست سوداءَ أو بيضاء كما تفترض أنت. لا شكَّ أن السيدة يونج مبتزَّة، لكنها كانت ناجحةً في ذلك ورأَت أن الابتزاز هو عملٌ يمكن التعويل عليه؛ ما دامت تُديره بالمنطق والاحتياط. إن المبتزِّين غيرَ الناجحين هم مَن ينتهون إلى السجن أو إلى منصَّة الإعدام. كانت تطلب ما يُمكن لضحاياها أن يُقدِّموا لها، لكنها لم تكن تتسبَّب قط في إفلاسهم أو إصابتهم باليأس، وكانت تَفي بوعدها. ولا شك لديَّ أنك دفعتَ لها المال من أجل أن تُحافظ على صمتها حين صرَفتها عن خدمتِك. فهل تحدثَت هي قط عما رأت أثناء خِدمتها الآنسة دارسي؟ وبعد أن فرَّ ويكهام وليديا، وأقنعتَها أن تُعطيك العنوان، لا بد أنك دفعتَ لها مالًا كثيرًا للحصول على تلك المعلومات، لكن هل تحدثت قط بما حدث؟ أنا لا أُدافع عنها؛ فأنا أعرف ما هي عليه، لكنني وجدتُ أن التعامل معها أسهلُ من التعامل مع معظم الصالحين.»
قال دارسي: «لستُ بتلك السذاجة يا فيتزويليام كما تعتقد. أنا أعرف منذ مدةٍ طويلة كيف تقوم بعملها. إذن ماذا حدث لخطاب السيدة يونج الذي بعثُته إليك؟ من المثير للاهتمام معرفةُ الوعود التي قطَعتها لك لتُغرِيَك ليس فقط بدعم خُطتها لتبنِّي الطفل، وإنما بدفع المزيد من المال. فأنت لستَ ساذَجًا بما يكفي لتعتقدَ أن ويكهام سيردُّ لك الثلاثين جنيهًا.»
«لقد أحرقتُ الخطاب حين كنا نُمضي تلك الليلةَ في غرفة المكتبة. انتظرتُ حتى رحتَ في النوم وألقيتُ به في النار. فلم أستطِع أن أرى فائدةً أخرى منه. فحتى ولو كانت دوافع السيدة يونج محلَّ شك وتخلَّت هي عن وعدها، فكيف لي أن أتخذ إجراءاتٍ قانونيةً ضدها؟ إنني دائمًا ما أعتقد أن أيَّ خطاب يحتوي على معلوماتٍ ينبغي ألا تكون معروفةً للعامة هو خطابٌ ينبغي إتلافُه؛ فليس هناك ضمانة أخرى. أما بالنسبة إلى المال، فقد اقترحتُ، وكنتُ في ذلك واثقًا تمامًا، أن أتركه للسيدة يونج لتُقنع ويكهام بأن يتخلى عنها. وكنت في ذلك على قدْرٍ كبير من الثقة بأنها ستنجح؛ فقد كانت تتمتع بخبرة ومغريات أفتقر أنا إليها.»
«ونهوضك في الصباح الباكر حين اقترحتَ أن نَبيت في غرفة المكتبة، وزيارتك لويكهام لتطمئنَّ عليه؛ أكانت تلك التصرفات جزءًا من خُطتك؟»
«كنتُ أريد أن أؤكد عليه أن الملابساتِ التي تُلقى في سياقها الثلاثون جنيهًا ينبغي أن تظلَّ طيَّ الكتمان لو وجدته مستيقظًا وصاحيًا ولو سنحَت الفرصةُ أمامي، وأن عليه أن يلتزمَ كِتمانه أمام أيِّ محكمة إلا إذا كشفتُ أنا بنفسي عن الحقيقة، وكان هو حرًّا ليؤكِّد على كلامي. وإن كانت الشُّرطة استجوبَتني أو سُئلتُ في المحكمة، كنت سأقول إن سبب إعطائي إياه ٣٠ جنيهًا هو مساعدته في تسوية دَينٍ في عنقه، وكان ذلك حقيقيًّا بالفعل، وإنني كنتُ قد أعطيتُه كلمتي بألَّا أكشف أبدًا عن الملابسات المحيطة بذلك الدَّين.»
فقال دارسي: «لا شك لديَّ أن أيَّ محكمة لن تضغط على الكولونيل اللورد هارتليب ليحنثَ بوعده. لكن ربما يريدون أن يتأكَّدوا ما إن كان المال موجَّهًا لديني أوْ لا.»
«حينها سأكونُ قادرًا على الردِّ بأنه لم يكن موجَّهًا له. فقد كان من المهم لجهة الدفاع أن تُرسِّخ لهذه الحقيقة في المحاكمة.»
«كنتُ أتساءل عن سبب إسراعك لرؤية بيدويل وثَنْيه عن الانضمام إلينا في العربة والعودة إلى كوخ الغابة قبل أن ننطلقَ للبحث عن ديني وويكهام. لقد تصرَّفت قبل أن تكون للسيدة دارسي الفرصةُ لتُصدر أوامرها لستاوتن أو السيدة رينولدز. بدا لي في ذلك الوقت أنك كنت ستُساعد على نحوٍ غيرِ ضروري، بل وحتى بعجرفة؛ لكنني الآن أفهم سببَ حتمية إبعاد بيدويل عن كوخ الغابة في تلك الليلة، ولماذا ذهبتَ إلى الكوخ لتُحذِّر لويزا.»
«كنتُ متعجرفًا، وأعتذر عن ذلك متأخرًا. كان من الضروريِّ بالطبع أن تعلم السيدتان أننا قد يتعيَّنُ علينا التخلِّي عن الخُطة التي تقتضي أخذ الطفل في الصباح التالي. كنت قد سئمتُ خِداعهما وشعرتُ بأن الوقت قد حان من أجل الحقيقة. فأخبرتهما أن ويكهام والكابتن ديني كانا تائهَين في الغابة، وأن ويكهام — وهو والد الطفل من لويزا — كان متزوجًا بأختِ زوجة السيد دارسي.»
قال دارسي: «لا بد أن لويزا ووالدتها كانتا في حالةٍ من الكرب المفزِع. ومن الصعب تخيُّل صدمتهما عند معرفة أن الطفل الذي تُربيانه كان ابن ويكهام اللقيط، وأنه كان هو وصديقٌ له تائهَين في الغابة. وقد سمِعا صوتَ طلقات النار ولا بد أنهما توقَّعا وقوعَ الأسوأ.»
«لم يكن بيدي شيءٌ يمكنني فعلُه لأُطمئنهما به. لم يكن هناك وقتٌ أمامي. وقد قالت السيدة بيدويل حينها لاهثةً: «سيتسبَّب هذا في مقتل بيدويل. ابن ويكهام هنا في الكوخ! الوصمة التي لحِقت ببيمبرلي، والصدمة المروعة لسيدنا والسيدة دارسي، والعار الذي لحِق بلويزا وبنا جميعًا.» ومن المثير للاهتمام أنها رتَّبَت الأمرَ بهذا الترتيب. وقد كنتُ قلقًا على لويزا. كانت قد أُغمي عليها تقريبًا، ثم تسلَّلت نحو أحد الكراسيِّ بجوار المدفأة وجلسَت فيه ترتجفُ بشدة. كنت أعلم أنها في حالةِ صدمة، لكن لم يكن هناك شيءٌ أستطيع فعله. فقد غِبتُ بالفعل مدةً أطولَ مما كنتَ تتوقَّع أنت وألفيستون.»
فقال دارسي: «لقد عاش بيدويل ومن قبله أبوه وجَدُّه في الكوخ وخدموا جميعًا عائلتي. وشعورهم بالكرب هو نوعٌ طبيعي من الحب والوفاء. وبالفعل، لو كان الطفل قد ظلَّ في بيمبرلي أو كان يزورها حتى بانتظام، لكان ويكهام قد حظيَ بمدخلٍ لعائلتي ومنزلي، وكنتُ سأجده بغيضًا تمامًا. ولم يُقابل كلٌّ من بيدويل أو زوجته ويكهام الكبير، لكن لا بد أن حقيقةَ أنه نسيبي ولا يزال غيرَ مرحَّب به أبدًا قد أطلعَتهم عن مدى عمقِ القطيعة بيننا، وأنه لا يمكن استئصالها.»
قال الكولونيل: «ثم بعد ذلك وجدنا جثة ديني، وبحلول الصباح كانت السيدة يونج وكلُّ مَن في حانة كينجز آرمز، وكذلك بالفعل كل مَن كانوا في الجوار، كانوا سيعرفون بأمر جريمة القتل التي وقعَت في غابة بيمبرلي، وأن ويكهام قد أُلقي القبضُ عليه. فهل كان بإمكان أحد أن يُصدِّق أن برات غادر حانة كينجز آرمز في تلك الليلة من دون أن يقصَّ قصته؟ لم يكن لديَّ حينها أدنى شكٍّ أن ردَّ فعل السيدة يونج سيكون العودة إلى لندن من دون الطفل. وربما لا يعني هذا أنها تخلَّت تمامًا عن أيِّ أملٍ لتبنِّي الطفل، لكن ربما سيُبصِّرنا ويكهام حين يصلُ بأمر هذه النقطة. هل سيكون السيد كورنبندر بصحبته؟»
قال دارسي: «أظن ذلك. لقد قدَّم خدماتٍ عظيمةً لويكهام وآمُل أن تأثيرَه عليه سيمتدُّ؛ رغم أنني لستُ متفائلًا. ذلك أن ويكهام مرتبطٌ كثيرًا على الأرجح بزنزانة السجن، ومشهد أنشوطة حبل المشنقة، وبأشهرٍ من الاستماع إلى الخُطب بحيث لن يرغب في أن يُمضي المزيدَ من الوقت في صحبته إلا في حدود الضرورة. وحين يصل ويكهام سنسمع منه بقيةَ تلك القصة المؤسفة. أشعر بالأسف لك يا فيتزويليام؛ لأنك أصبحت منخرطًا في هذا الأمر مع ويكهام ومعي. إن اليوم الذي رأيتَ ويكهام فيه وأعطيته الثلاثين جنيهًا كان يومَ حظٍّ سيِّئ لك. وأنا أتقبَّل فكرةَ أنك كنتَ تتصرَّف لصالحه هو حين دعمتَ عرض السيدة يونج لتبنِّي الطفل. ولا يسَعني سوى أن آمُلَ أن يكون الطفل قد استقر مع عائلة سيمبكنز بسعادةٍ وبشكل دائم بعد بدايته المروِّعة تلك في الحياة.»