٢٤
أستاذي الجليل الدكتور عبد الحميد
الشافعي
تحية واحترامًا،
عكفت كما أوعزتم لي على دراسة الصفحات الناقصة من كتاب أسامة بن منقذ في المخطوطة الثمينة التي وفقني الله إلى العثور عليها. وكما ذكرت لكم في خطاب سابق، فإن الصفحات التي تسبق صفحات مخطوط الإسكوريال تزيد عن أربعين صفحة، يأتي بعدها الصفحات المعروفة والمنشورة من الكتاب، ولكن بخط أكثر وضوحًا لحسن الحظ، مما قد يمكننا من نشر تلك الصفحات أيضًا على نحو دقيق.
وقد وجدت في الصفحات الجديدة المكتشفة ثروة من المعلومات عن فرقة الحشاشين وشيخ الجبل، ولكن الأهم هي المادة التي بثها أسامة بن منقذ عن حياته في مصر خلال تغيير الناصر صلاح الدين لها من الخلافة الفاطمية واستبداله الدولة الأيوبية بها. وأهمية تلك الصفحات أنها جاءت من شاهد لها كان قريبًا غالبية الوقت من السلطان الأيوبي. كما أنه — في عبارات قليلة — أكد ما تناقله المؤرخون الأقدمون من أحداث العباس بن أبي الفتوح وزير الخليفة الفاطمي الظافر الذي دبر مقتله ومقتل أخويه وأقام الطفل على الخلافة باسم الظافر، وكان ابن منقذ من الذين حذروا العباس من ذلك كما يبدو من كتابته في تلك الصفحات. فلما دخل طلائع ابن رزيك القاهرة دون قتال وانهزم العباس، انتقل ابن منقذ إلى الشام والتحق بنور الدين زنكي هناك. وأهم من كل ذلك هو ذكر ابن منقذ نقل رأس الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب من مدينة عسقلان إلى مصر خوفًا من هجوم الفرنج ودفنها هناك.
وهناك أيضًا ذكر الزلزال القوي الذي ضرب شيزر بلد ابن منقذ وكيف نجا منه بفضل ما يسميه «المقادير».
ويبدو لي أن أسامة بن منقذ قد وضع كتابه هذا في عهد حكم صلاح الدين؛ ولهذا بدأه بكل ما يتعلق بذلك السلطان وهمته في حروب الصليبيين، وفخره وسعادته باستعادة المدن العربية التي كان الإفرنج قد احتلوها. وما يؤكد ظني هذا أنني في المخطوطة المكتشفة، لم أجد الفصل المتعلق بمديح «مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين» في مكانه في أواخر الكتاب المطبوع المنشور عن طبعة الإسكوريال، بل وجدته في الصفحات الأولى التي جمع فيها ابن منقذ حديثه عن صلاح الدين.
سيدي الدكتور …
أكتب إليكم متأخرًا بعد توقف، فقد صادفتني بعض الأزمات الخاصة في حياتي ألزمتني الفراش فترة، ولكن الله قد منَّ على بالشفاء، وأنا أنوي التقدم بسرعة في دراسة المخطوطة، وفي انتظار توجيهاتكم في هذا الشأن، وما تخططون له من تقديم رسالتي ونشر المخطوطة. وأشكركم جزيل الشكر لما ذكرتموه من أنكم تتركون لي تحقيق الكتاب وكتابة التعليقات التاريخية عليه، ولكني أصر على أن يكون نشر ما نتوصل إليه تحت مراجعتكم كما هي الرسالة تحت إشرافكم الكريم.