الفصل السابع
(١) مَزايا الْجِيادِ النَّاطِقَةِ
لعلَّ القارئَ يدهَشُ مما قصصتُه عليه منْ مُحاوَراتِ، دارتْ بيْني وبينَ السيدِ الْجوادِ الذي استطعتُ أن أُظْهِرَ له حقيقةَ جنْسِي في إخلاصٍ وأمانةٍ. ولم يكنْ منَ اليسيرِ عليّ أَن أصِلَ إلى هذه الْغايةِ الْبعيدةِ؛ لأن السيدَ الْجوادَ لم يكنْ له بمثلِ هذهِ الْحقائقِ عهدٌ، ولم يكُنْ يظنُّ أن الْفرقَ كبيرٌ بين دوابِّ «الْياهُو» في بلادِه، وبينَها في الْبلادِ الأُخرى، إن كان فيها شيءٌ منها!
على أنني كشفتُ من مزايا السادةِ الْجِيادِ وفضائِلها — في أثناءِ حِواري مع ذلك السيدِ — ما لم يكنْ يمرُّ بخاطِرٍ، ورأيتُها قد بَرِئَتْ منَ الْمفاسدِ الإنسانيةِ التي انغمسْنا فيها. وأظهرتْ لي تلك الْمحاوَراتُ آفاقًا جديدةً، لم يكنْ يُتاحُ لي معرفتُها لولا ذلك الْحِوارُ الذي بَصَّرني بها، ووَجَّهنِي إليها. فأصبحْتُ أرَى الأَشياءَ بغير الْعينِ التي تَعَوَّدْتُ أَن أَراها بها، وصِرْتُ أحكمُ عليها أحكامًا مُناقِضَةً للأحكام السابقةِ التي ألِفتُها.
وقد بذلتُ جهدِي في سَترِ نقائصِ إخواني من الأَناسِيِّ، غَيْرَةً على سُمعتِهم وشرفِهم.
•••
وكان السيدُ الْجوادُ موفورَ الذكاءِ، راجحَ الْعقلِ. وكانت آراؤه التي يُبدِيها رشيدةً، وانْتِقاداتُه سديدةً. وقد تعلمتُ من حِوارِه كيف أحتقرُ الْكذِبَ، وأَمقُتُ الَّلجاجَ، وأُبْغِضُ الدِّهانَ والْمُخادَعَةَ. وبدتْ ليَ الْحقيقةُ: محبوبةً جذابة، وأَصبحتُ أَشعرُ بإِجلالِها وتقدِيسها، وأَنساني شَغَفي بها كلَّ ما أَلقاه في سَبِيِلِها من عَنَتٍ واضْطهادٍ، وأَصبحتُ أَستعذبُ الْجِهادَ في نُصرتِها، وأَبذلُ لها كلَّ ما أَملك.
وَلقد كنتُ أُوثرُ أَن أُغْفِلَ الْعيوبَ وَالنقائصَ التي مُنِيَتْ بها بلادي؛ لأَن تعصُّبي لجنسي كان يدفعُني إلى ذلك. إلَّا أَنني لم أَقضِ في تلك الْبلادِ عامًا كاملًا، حتى أَلِفتُ طِباعَ أَهلِيها منَ السادةِ الْجيادِ. وَأعجبتني سلامةُ أخلاقِهم، وَوفرةُ فضائِلهم، وَنفُورُهم من أَرْجاسِنا وَدَنايانا، وَبَراءَتُهم منَ التصنُّع، وَبُعدُهم عن التظاهر بالفضيلة؛ فقرَّرْتُ أَن أَقضيَ بقيةَ عمريّ بينَ ظهرانيهم، بعيدًا عن جالباتِ الْفسادِ وَالْغوايةِ وَالنِّفاق، التي تُهَيْمِنُ على النوعِ الإنسانيَّ في جميع الْبُلدان.
(٢) فَسادُ الطبائع
وَظللْتُ أُمَنِّي نفسِي بِتحقيقِ هذه الرغبةِ النبيلةِ، وَلكنَّ سُوءَ الْحظِّ، وَنكَدَ الطَّالِع، اللذين يأبَيانِ أن يفارِقاني طولَ حياتي، قد حَرَماني — في هذه الْمرةِ أيضًا — أن أظفرَ بدَرْكِ هذه الأمنيةِ الْعزيزةِ، كما سيرَى الْقارئُ فيما بعدُ.
لقد ذكرتُ للسِّيدِ الْجوادِ عُيُوبَ بني جِنْسِي من الْمتحضِّرين مُخَفّفَةً، وَلم أَعْرِضْ عليه من شنعِهم ومَخازِيهم كلَّ ما أَعلمُهُ، وَاجْتزأتُ بالقليل عنِ الْكثير، وَتعمَّدتُ أَن أُشيرَ إلى الْهَنَواتِ، وَأسْتُرَ الْعُيوبَ الْفاضحةَ، وَالْمُخزِياتِ الْقاتلةَ. وَلكنَّ السيِّدَ الْجوادَ كان لا يَتَسَمَّحُ — قِيدَ أُنمُلةٍ — وَلا يغفِرُ تلك الْهَنَواتِ، وَلا يعفو عن تلك الزَّلّاتِ التي عرَفها عن بني الإنسان.
وكان السيدُ لا تأخذُه في نُصرة الْفضيلةِ هَوادَةٌ وَلا رحمةٌ؛ فخُيِّل إِليَّ أَنني أَمامَ مُمْتَحِنٍ شديدِ الْقسوةِ. وَقد عرضتُ عليه أَنبلَ الْجوانبِ، وَأحسَن الوجوه، التي نفخَرُ بها في حضارتِنا. وَلم يكن في مَقدُورِي أن أفعلَ شيئًا غيرَ ذلك؛ فإن كلَّ حَيٍّ لا بدَّ له من أن يَحِنَّ إِلى وَطنِه وَمَسْقَطِ رأْسِه، وَيغَارَ على سُمعةِ بَلَدِه وَساكِنيهِ، وَيدافعَ عنهم ما استطاع إِلى ذلك سبيلًا.
وَقد شَرُفتُ بِرُفْقَةِ السيدِ الْجوادِ زمنًا طويلًا، وَسَعِدْتُ بصُحْبتهِ — في خلالِ هذهِ المُدَّةِ — وَأَوْجَزْتُ في أَحاديثي ما وَسِعَني الإيجازُ، وَأَغْضَيْتُ عن كشفِ مَخازِينا وَأَرجاسِنا وَشنعِنا، مُكْتَفِيًا بإِجابتِه عن أَسئَلتِه كلما وَجَّه إليّ سؤالًا.
وَفي ذات يومٍ اسْتدعاني السيدُ إليه، وَأمرني أن أَجلِسَ على مسافةٍ قريبةٍ منه، وَهو شرفٌ لم أَحْظَ به من قبلُ، ثم حمحم صاهلًا: «لقد أنْعمتُ الْفكرَ في قصتِك، وأَطَلْتُ الرَّوِيَّةَ والْفحصَ عما حدثتَني به عن نفسك وبلادِك وأهلِيها، وقد خرجتُ من ذلك كلِّه بنتيجةٍ لا تُرْضيكَ: فقد انتَهَيْتُ إلى أنَّكُمْ — على عِلَّاتِكم — لَسْتُمْ إلَّا دوابٌّ من فصيلةِ «الْياهُو» التي في بلادِنا، ولكنَّ حادِثًا — لا أستطيعُ أن أُدْرِكَ أسبابَه — قد أكْسَبَكُمْ ذَرَّةً ضئيلةً من العقلِ، وأبَى لكم غُرورُكم وضَلالُكم أن تنتفِعوا بهذه الذرّةِ، فآثرتم أن تُوَجِّهوها إلى الشرورِ والآثامِ، وأَبيْتُم أن تَصرِفوها في وُجوهِ النفعِ والْبِرِّ والْخيرِ. وثمةَ أَضَعْتُم الْمِيزَةَ التي وُهِبْتُموها، وافْتننتُم في خَلْقِ متاعبَ وضَرُوراتٍ لا حاجةَ بكم إليها، فضاعفتم بذلك مَطالِبَكم، وأَضعتم جُهودَكم، في تحقيقِ أَوْهامٍ اخْترعتُموها على غيرِ طائلٍ. أما أنت فليسَ في قدرتِكَ أن تُنْكِرَ أنكَ ضعيفُ الْجسمِ، وليس لك مثْلُ نشاطِ دوابِّ «الْياهُو» الْحقيرةِ في بلادِنا وسرعتِها وخِفَّتِها. ولقد رأيتُك تمشِي على قدميك الْخلفيَّتَيْنِ وحدَهما، مِشْيَةً مُضطربةً، ليسَ فيها رَشاقةٌ ولا خِفَّةٌ. وقد أَغفلتَ العنايةَ بمخالبك، حتى أصبحتْ عديمةَ الْجَدْوَى، لا تُغنيكَ في دِفاعٍ، ولا تعودُ عليكَ بفائدةٍ. وقد حَلَقْتَ لِحْيتَكَ، وجرَّدتَ ذَقْنَك منَ الشعرِ الذي ينبتُ عليها ليَقِيَها وَهَجَ الشمسِ وحرارتَها، ويحفظَها من تَقَلُّباتِ الْجو. وجُمَّاعُ الْقولِ أنك عاجزٌ ضعيفٌ لا حَوْلَ لك على الْعَدْوِ، ولا قُدْرَةَ لَكَ على تَسَلُّقِ الأشجارِ، كما يفعلُ إخوانُك من دوابِّ «الْياهُو» عندنا.»
(٣) غرائزُ الشرِّ
أما النُّظُم والشرائعُ والْقوانينُ التي اخْترتُموها لكم، فإِنها عجزتْ عن إصلاحِكم، وتقويمِ زَيْغِكم؛ لأنكم مُجَرَّدونَ منَ العقلِ، مُسْتَهِينُونَ بالْفضيلةِ. ولو كان لكم مُسْكَةُ عَقْلٍ، لَما رَكَسْتُمْ أنفسَكم في الدَّرْكِ الأوْهَدِ؛ لأن الْعقلَ وحدَه كفيلٌ بإِسعادِكم، وتسديدِ خُطُواتِكم.
•••
وليسَ في قدرتِك أن تزعُمَ أنكم سُعداءُ. فإذا أقررْتَني على رأيي، فلا مَعْدَى لك عنْ الاِعترافِ بأنكم قد حُرِمتُم الرُّشْدَ والسَّدادَ.
ولقد عجِبتُ لإِصرارِ السيدِ الْجوادِ على هذا الْحُكْمِ، بعد أنِ اخترعتُ لبني جنسي فَضائِلَ ومزايا — لا أَصْلَ لَها — لِأُحَسِّنَ رأيَهُ فيهم، ولكنه أَبَى إلَّا أن يُصِرَّ على رأيه. وقد عَرفتُ الأسبابَ التي دعَتْه إلى هذا الإصْرارِ، حِينَ أَفْضَى بها إليَّ فيما يلي. قال صاهِلًا: «لقد رأَيتُك تُشْبِهُ دوابَّ «الْياهُو» عِندنا في جميع أجزاءِ جسمِك، إلَّا في الْقليلِ النادرِ منها. وهذا الفرقُ الْقليلُ لا ينفعُك، بل يَضُرُّك؛ لأنه محسوبٌ عليك، وليسَ لك. فمَا بينكما فرقٌ إلا في القوةِ والنشاطِ والسرعةِ والْمخالبِ، وهي تَرجَحُك في هذه الْمزايا كلِّها. أما عاداتُكم وأَعمالُكم وغرائزُكم التي وصفتَها لي وحدَّثتَني بها، فهي تُماثلُ عاداتِ هذه الدوابِّ — الْمُماثلَةِ لك — كلَّها.»
ثم استأنف صاهلًا: «إن دوابَّ «الْياهُو» في بلادِنا تمتازُ — من سائرِ الدّوابِّ الأخرى — بأنها مُتَباغضةٌ مُتنافرةٌ، لا يأْتِلفُ منها اثنانِ حتى يختلِفا. وهي مشهورةٌ بحِقْدِها وبَغْيِ بعضها على بعضٍ. وكُلُّ دابةٍ من هذه الدوابِّ تَمْقُتُ أَبناءَ جنسِها، أكثرَ مِمَّا تمقتُ أيَّ دابةٍ أُخرى. ولقد كنتُ أَظُنُّ أَنَّ مصدرَ هذا التنافرِ هو بَشاعةُ منظرِكم، وقُبْحُ هيئتِكم، وإن كنتم لا تعترِفونَ بذلك. ولقد أَحسَنتَ إذْ غطَّيتَ جسْمكَ بهذه الثيابِ التي اخترعتُموها اختراعًا؛ لتُخْفُوا الْقُبْحَ، وتَسْتُروا الدَّمامَةَ التي ينفِرُ منها الذَّوْقُ، ولا يُطيقُ رُؤيَتها أحدٌ.»
ولما انتهى السيدُ من كلامِه أدركتُ أَن أَسبابَ النِّزاعِ والشِّقاقِ والانقِسامِ بينَ دوابِّ بلادِهم ودَوابِّنا — معشر «الْياهُو» — واحدةٌ لا تكادُ تتغيرُ.
(٤) بَنُو «الْياهُو» وبَنُو «آدم»
ثم اسْتأنفَ السيدُ الْجوادُ صاهلًا: «ومن دلائلِ الشَّرَهِ الذي خُصِصْتُم به، يا معشرَ «الْياهُو» — في بلادِنا وبلادِكم على السَّواءِ — أننا إِذا أعْطَيْنا خمسةً من هذه الدوَابِّ طعامًا يكفِي خمسين دابةً منها، لم تقنعْ به، ودفعها الشَّرَهُ إلى طلبِ الْمزيد، ودبَّ بينها الشِّقاقُ والنُّفورُ، وَأَبَى كلُّ فردٍ منها إِلَّا أن يستأثِرَ وحدَه بكلِّ ما قدَّمْناه منَ الْغِذاءِ. وما أَسرعَ ما تحُلُّ الْجَلَبَةُ والصَّخَبُ محلَّ الْهدوءِ والسُّكُونِ. وثمةَ تُغِيرُ كلُّ دابةٍ على الأخرى فتأخذُ بشعرِها، وتَعْرُكُ أُذُنَها، ولا يَحْلُو لإِحداها أن تأكلَ إلَّا ما تَهُمُّ غيرُها بأكلهِ. وقد أَلِفْنا منها هذه الأنانيَّةَ الْمَمْقُوتةَ؛ فلم نَسْمَحْ لَها أن تأكلَ خارجَ حظيرتِها إِلَّا إِذا حرسها خادمٌ من خدمِنا. فإِذا عادتْ إلى الْحَظيرةِ ربطْنا كلَّ دابةٍ منها على مسافةٍ بعيدةٍ من الأخرى؛ حتى لا تَحْدُثَ بينهما معرَكةٌ حامِيَةُ الْوَطِيسِ.
•••
فإذا ماتت إحدَى البقرِ — لِكِبَرِ سِنِّها — أو تردَّتْ (سَقَطَتْ) ولم يُبْصِرْ بها أحدٌ منَ الْجيادِ، أَسرعتْ إليها دوابُّ «الْياهُو» القريبةُ منها، وتَهاتفتْ على تمزيقِ جسمِها، وآثرتْ كلُّ دابَّةٍ أنْ تَنْفَرِدَ بها وحدَها، ونَشِبَتْ بينها معركةٌ دامِيَةٌ تُماثِلُ الْمعارِكَ التي حدَّثتَني بِنُشُوبها في بلادِكم، ولن تنجَلِيَ الْمعركةُ إِلا بعدَ أن تَنْهَكَ قُواها، وتُسْفِرَ عن كثيرٍ منَ الْجَرحَى. وقَلَّما تنتهي الْمعاركُ بالْقتلِ؛ لأنها لا تملكُ من وَسائلِ الْهلاكِ مثلَ ما تملِكون ولم تَخْترِعْ — مِنْ أَدَواتِ الْإِبادَةِ — مِثْلَ ما تَخْتَرِعُونَ.
•••
وكم رأَينا المعارِكَ تنشَبُ — من غيرِ سببٍ يدعُو إِلى نُشوبِها — بين هذه الدوابِّ التي تعيشُ في أصْقاعٍ مُتباعِدَةٍ. فلا يمُرُّ قطيعٌ من غُرَباءِ «الْياهُو» على قطيعٍ آخرَ، حتى يَدِبَّ بينهما النُّفورُ والْبُغْضُ، وتبدأَ الحَربُ بلا رحمةٍ. وهذه الدوابُّ لا تتركُ فرصةً واحدةً تُمْكِنُها منَ الإِغارةِ على غيرِها منْ قُطْعَانِ «الْياهُو» إِلا انْتَهَزَتْها لِشِفاءِ أحْقادِها وإِرْوَاءِ غُلَّتِها. وهي تَرْقُبُ عَوْدَتَها — في كَمِينٍ خَفِيٍّ — ثم تَنْقَضُّ عليها، وتأخذُها على غِرَّةٍ! فإذا أَخْفَقَتْ مُؤامرتُها، وَسَلَكَ أَعداؤها جهةً أخْرى، عادتِ الدَّوابُّ الْخبيثةُ خائبةً من حيثُ أَتَتْ، ولم تسْتطِعِ الْبقاءَ هادئةً مُطمئنّةً. ولا تهدأُ ثائرتُها إلَّا إِذا أثارَتْ على نفسِها حربًا طاحِنةً، كتلك الحَربِ التي تُسَمُّونها: «حَرْبًا أَهْلِيَّةً»!»
(٥) الأحْجارُ الكريمةُ
ثُمَّ حَمْحَمَ السَّيِّدُ الْجَوادُ صاهِلًا: «وقد رأَيتُ — في بلادِنا — أحْجارًا بَرَّاقَةً مُتلألئةً، مختلفةَ الألْوانِ، مَبْثُوثَةً في بَعْضِ الأنْحاءِ، وهي أحْجارٌ لا خَطَرَ لها، ولا فائدةَ منها. ولكنَّ هذه الدوابَّ تَهِيمُ بحُبِّها هُيامًا، وتبحَثُ عنها جاهِدَةً، وتُخْرِجُها من مَخابئِها ومَكامِنِها في الأرضِ، ولو كانتْ في غَوْرٍ سَحِيقٍ. وَتَظَلُّ تَحْفِرُ الأرضَ أيَّامًا عدةً، لا تَنِي ولا تَكِلُّ وَلا تَفْتُرُ عَزِيمتُها أو تظفرَ بها؛ فتحْمِلَها إلى حَظائِرها، وَتُجِيلَ أبصارَها فيها، وتُخْفِيَها — عن رِفاقِها — في أماكِنَ مَسْتُورَةٍ، لا يهتدِي إليها كائنٌ كانَ. وكَأَنَّما ترى فيها كَنْزًا نفيسًا جَدِيرًا بالصَّوْنِ والرِّعايَةِ.»
ثم استأنفَ السيدُ الْجوادُ صاهلًا: «ولقد كنتُ أَحارُ في تعليلِ هذا الْحِرصِ، وتعرُّفِ أسبابِ هذا الشَّرَهِ، الذي لا معنَى له، ولا داعِيَ إليه. وقد بحَثتُ جاهِدًا لعلِّي أعرفُ فائدةَ هذه الْأَحْجارِ البرَّاقةِ، وأيُّ نفعٍ يعودُ على هذه الدوابِّ منها؛ فلم أُوَفَّقْ إِلى معرِفةِ شيءٍ من ذلك. أما الآن فقد أدركتُ — من حِوارِك ومُناقشتِك — السببَ، وعَرَفْتُ حَلَّ الُّلغْزِ الخَفِيِّ، وأيقنتُ أن البُخْلَ الذي عَزَوْتَهُ إِلى دَوابِّكُم الإِنسانيةِ، هو مصْدرُ ما مُنِيتُم بِهِ من حِرْصٍ عَجِيبٍ.»
ثم حَمْحَمَ صاهلًا: «ولقد عَنَّ لِي — ذاتَ يومٍ — أَن أتعرَّفَ مَدَى حِرْصِها على تلك الأحجارِ البَرّاقةِ؛ فانتهزتُ منها غفلةً، ونقلتُ — في أَثنائِها — كومَةً من حِجارتِها. ولما عادَتِ الدَّابةُ القذرةُ التي خَبَأَتْها في حظيرتِها، بَحَثَتْ عَنْ كَنْزِها فلم تَجِدْهُ. ولم تُوقنْ أنه ضاع ولم يبقَ له أثرٌ، حتى سِيءَ وَجْهُها، وَجُنَّ جُنونُها، وَثارَتْ ثائِرَتُها، وملأتِ الْجَوَّ صَخَبًا وصِياحًا، وكاد الغمُّ والألمُ يقتُلانِها. واجتمعتِ الدوابُّ الأُخرى — من «الْياهُو» — ولم تَرَ الدابةُ أَخَواتِها من بَناتِ «الْياهُو»، حتى انقضّتْ عليها، وظَلَّتْ تَعَضُّ مَن يُدَانِيها وتجْرحُ مَن يقتربُ منها، حتى أضْناها الْجُهدُ وبرَّحَ بها الألمُ، فأسْلَماها إلى الذُّهولِ. ولم يَسْتَسِغْ هذا «الْياهُو» طعامًا، بعد أن فقدَ الحِجارةَ البرَّاقةَ: فكَفَّ عنِ الطعامِ والشرابِ، ولم تَطْعَمْ عَيْناهُ الكَرَى، وأصبح لا يُطيقُ العملَ، ولا يَهْدَأُ له بالٌ. فأمرتُ بعضَ خدمي أن يرُدَّ الْأَحجارَ البرّاقةَ إلي مخبئِها الذي أخذتُها منه. ولم يقعْ نظرُ «الْياهُو» عليها، حتى تَمَلَّكَهُ الفرحُ، واسْتولى عليه الاِبتِهاجُ، وعادَ إِليه أُنْسُه وَمَرَحُه. وكأنما خَشِيَ أن يُحْرَمَ الْأَحْجارَ — مرةً أخرى — فَدَفَنَها في مكانٍ آخرَ؛ حَتَّى لا يهتديَ إليها أحدٌ. ولقد أثبتَتْ لِي الْمشاهَداتُ والتجارِبُ أنَّ أكثرَ المعارِكِ العنيفةِ الْوَحْشِيَّةِ — التي تَنْشَبُ بين هذه الدوابِّ — إنِّما تقعُ في الحقولِ والْمُرُوجِ التي تكثُرُ فيها تِلكَ الْأَحْجارُ البرَّاقةُ؛ لأنَّ دَوابَّ «الْياهُو» تُكثِرُ منَ التردُّدِ عليها من جميعِ الْأنحاء. وكثيرًا ما رأَيتُ دابَّتَيْنِ تكشِفانِ عن حَجَرٍ بَرَّاقٍ؛ فلا تظفَران به حتى يَدِبَّ بينهما دبيبُ الخلافِ. وَثَمَّ يشتدُّ النِّزاعُ فينقلبُ إلى حَرْبٍ؛ لِأن كُلًّا منهما تُرِيدُ أن تَسْتَأْثِرَ به. ثم يجيءُ ثالثٌ — بعدَ أن جَهَدَهُما الْعِراكُ — فيأخذُ الحجَرَ منهما عَنْوةً واغْتصابًا. وما أقرَبَ الشَّبَهَ — يا صاحبي — بين هذا وبين ما تَصْنَعُونه في بلادِكم!»
(٦) جَشَعُ «الْياهُو»
ولَمْ أَستطِعْ أن أُخَطِّئَه فيما ذهب إِليه، وأَفْحَمَتْنِي حُجَّتُهُ وَسَدادُ مَنْطِقِه فَلَمْ أُحِرْ جوابًا، وعَجَزْتُ عنِ الدِّفاعِ عن بَنِي جِنْسِي إزاءَ التُّهَمِ الشَّنْعَاءِ التي أَلْصَقَها بهم.
وتكشَّفَ لي صَوابُ رأيِه، وعدالةُ حُكْمِه؛ حينَ تمثَّل لي ما يَفْقِدُه المتخاصِمان منَ المالِ، إِذا تنازَعا على شيءٍ بِعَيْنِهِ واحْتكما إِلى الْقضاءِ؛ لأنَّهما لَنْ يظفَرا إلَّا بفِقْدانِ ما تنازعا عليه!
ثم اسْتَطْرَدَ السيِّدُ الْجوادُ صاهلًا: «وَلستُ أرى في تلك الدَّوابِّ خَلَّةً أدعَى للمَقْتِ، وَأَجْلَبَ للكراهِيَةِ وَالاحتقارِ، من خَلَّةِ الْجَشَعِ التي خُصَّتْ بها من بينِ دَوابِّ الأرْضِ جمعاءَ. إنها تأكلُ — في شَرَهٍ وَنَهَمٍ — كلَّ ما تجدُه في طريقها منَ الْحشائشِ، وَجُذورِ الْفاكهةِ، وَالْجِيَفِ العَفِنَةِ. وَربما جمعتْ بين هذه كلِّها، وَخلطَتْها معًا، ثم أقبلتْ على هذه الأخْلاطِ تأكلُها وَتستَمْرِئُها دُونَ أَنْ تَتَقزَّزَ منها. وَمن عَجائِب ما رأيتُه أن تلك الدَّوابَّ تُؤْثِرُ ما تَسْرِقُه أَو تخطَفُه أو تَغْتَصِبُه منَ الطعام — ولو كان تافِهًا حقيرًا — على أَشْهَى الأغذيةِ التي نُقَدِّمُها إليها. وَهي تأكلُ من تلك الأسْلابِ وَالْغنائِم أكْلًا لَمًّا، وتَظَلُّ تَحْشُو أجْوافَها بالطَّعامِ حتى تكادَ بُطونُها تنفَجرُ، وَثَمَّ تُعْجِزُها التُّخَمَةُ عنِ الْحركةِ. وَقد هَدَتْها الْغرِيزةُ إلى نَوْعٍ منَ الْجُذورِ تأكلُه — إذا تَخِمَتْ — فلا تلبثُ أن تُفرِغَ ما في بُطُونِها مِنَ الطَّعامِ. ورأيتُ هذه الدوابَّ تستمرئُ نَوْعًا غريبًا منَ الْجُذورِ، يمتازُ عَمَّا عَداهُ بوَفْرةِ الدَّسَمِ. وَهو نادِرُ الوجودِ في بلادِنا، وَلكنها تبحثُ عنه جاهدةً، حتى تَعثُرَ عليه، فتَتَحَلَّبَهُ مسرورةً مبتهِجةً. ولا تكادُ تفعلُ ذلك حتى يبدُوَ الْخَبالُ على سِيماها، ويحدثَ لها مثلُ ما يحدثُ لكم من جَرَّاءِ تلك الأشربةِ المُهْلكةِ السّامّةِ التي حدَّثْتَنِي عنها. وهذه الْجذورُ العجيبةُ تُحدِثُ آثارًا مُتَناقِضَةً؛ فلا يتحلَّبُها «الْياهُو» حتى يَنْتَشِيَ، ويبدوَ السرورُ على أساريرِه — أولَ الأمرِ — فيتودّدَ بعضُهُ إلى بعضٍ ويتعاطفَ، ثم لا تلبثَ الدَّوابُّ أن تَتَجَهَّمَ وُجُوهُها، وَتَتَقلَّصَ شِفاهُها، وتشتبكَ في صِرَاع عنيفٍ؛ فيُمزِّقَ بعضُها أجسادَ بَعْضٍ، وَتملأَ الدُّنيا صُراخًا وجَلَبةً، ثم ترتمِيَ — آخرَ الأَمرِ — في الوَحَلِ، وتُصْبِحَ في حالٍ يُرْثَى لها. وقدِ امْتازَتْ دَوابُّ «الْياهُو» — من بين دوابِّ الأرضِ كلِّها — بالتعرُّضِ للأَمراضِ الْمختلفةِ، والْعِلَلِ الفتّاكةِ.»
وصدقَ السيدُ الْجوادُ في مُلاحظَتِه. ولكنني رأيتُ أنَّ الأمراضَ التي يتعرضُ لها «الْياهُو» في تلك الْبلادِ النائيةِ، أقلُّ من أمْراضِ الْخيلِ في بلادِنا. وهي لا تَنْجُمُ من سُوءِ الْمُعاملةِ، أو قِلَّةِ العنايةِ، بلْ هِيَ وَلِيدَةُ ما اخْتَصَّتْ به منَ الضَّراوَةِ والشَّرهِ.
وَقد أَطْلَقَ الجيادُ على كل مرضٍ يُصابُ به أيُّ حيوانٍ في بلادِهم اسمَ: «مَرَضِ الْياهُو»؛ لأنهم يروْنَ أن مصدرَ العللِ والأمراضِ يَرجِعُ إلى دَوابِّ «الْياهُو» الْخبيثةِ.
فإِذا اكْتَظَّتْ مَعِدَةُ دابةٍ من دوابِّ «الْياهُو»، فأصابتْها التُّخَمَةُ أرْغَمُوها على تَجَرُّعِ أخْلاطٍ من أرْواثِهِمْ وأبْوالِهم، لِتُفْرِغَ ما في بَطْنِها من خَبائِثِ الأَطعمةِ، وهو علاجٌ لَها ناجِعٌ سريعُ الأَثرِ.
وما أجْدَرَ الأَطِبَّاءَ — في بلادِنا — أن يُرغِموا كلَّ جَشِعٍ شَرِهٍ على تَجرُّعِ مِثْلِ هذا العلاجِ حتى يُقْلِعَ عن عادَتِهِ المرذولةِ!
(٧) الزَّعامَةُ
أمَّا عُلُومُنا وفُنونُنا وحكومتُنا وصناعتُنا وما إلى ذلك؛ فقد قَرَّرَ السيدُ الجوادُ أن وجهَ الشبهِ فيها بيننا وبينَ «ياهو» بلادِه ضعيفٌ جدًّا، أَوْ مُنْتَفٍ لا وُجودَ له.
ولم يكُنْ يَعْنِيه من وُجُوهِ الشبهِ والمُماثلةِ إلَّا ما هو شَرِكَةٌ بيننا وبين تلك الدوابِّ، منَ العناصرِ الْجوهريةِ والحوافزِ الطبيعيةِ والغرائزِ الأَصيلةِ.
وقد أخبرني السيدُ أن بعضَ الفُضُولِيِّينَ من الجيادِ قد راقَبُوا أحوالَ هذه الدوابِّ، ورأَوْا أَنَّ لكلِّ سِرْبٍ من أَسْرابِها — غالبًا — زعيمًا يترأسُ الْقطيعَ. وَيمتازُ هذا الرئيسُ عَنْ سائر الدوابِّ بأنه أَوْفَرُها دَمامَةً، وَأَشَدُّها حماقةً، وَأَشْنَعُها لُؤْمًا.
وَلهذا الزعيم — عادةً — نديمٌ مُقرَّبٌ إليه، يَصْطَفِيه مِن بين الدوابّ، لأَنّهُ أَدْنَى إليه شَبَهًا، وَأَقربُ إلى حماقتِه وغَبائِه.
وَمن خَصائصِ النَّدِيمِ أَن يَهْرِجَ للرئيسِ، ويَلْعَقَ أَرْجُلَه، ولا يَدَّخِرَ جهدًا في تَمْليقِه ومُمَاسَحَتِه، فيكافِئَه الزعيمُ بقطعةٍ من لحم حِمارٍ، جَزاءً له علَى تفَانِيه في إخلاصِه وتَمْلِيقِهِ!
وَيتمتعُ هذا النَّديمُ بمَقْتِ جميعِ أَقْرانِه، وَكراهِيَتِهِم وَاحتقارِهم! وَهو لا يُطيقُ الْبُعْدَ عن رئيسِه، وَلا يزالُ يَنْعَمُ بِثقَتِهِ وعَطفِه، حتى يظهرَ له مُنافِسٌ يَبُزُّهُ في قُبْحِ الشكلِ، وَخُبْثِ السَّرِيرَةِ، وَدمامةِ الوجهِ؛ فيُدنِيَه الرئيسُ من مجلسِه، وَيقرّبَه إليه، ويُقصِيَ النديمَ الْأولَ.
وَلا يكادُ النديمُ يفقِدُ عطفَ سيدِه وَثقتَه، حتى تَتَأَلَّبَ عليه نِساءُ الْقَطِيعِ ورِجالُه — من أحْداثٍ وشُيوخ — فَيَنْهالُوا عليْهِ لَكْمًا وَضَرْبًا، ورَكْلًا وَنَطْحًا، بأيْدِيهِم وأرْجُلِهم ورُءُوسِهم، ثم يُفرِغوا عليه كلَّ ما في بُطُونِهم من أقْذارٍ.
ويكونُ ذلك الْعقابُ خيرَ جَزاءٍ عادلٍ يَلْقاهُ النَّدِيمُ السَّاقِطُ.
ثم حَمْحَمَ السيدُ الْجوادُ صاهلًا: «ولستُ أدْرِي إلي أيِّ مَدًى ينطبقُ هذا الْمثَلُ على ساداتِكم ونُدَمائِهِمُ الْمُصْطَفْينَ في بلادِكم!»
•••
وَشعَرتُ بِمَرارَةِ النَّقْدِ الَّلاذِعِ، وقَسْوَةِ التَّهَكُّمِ الْفاتِكِ، الذي يسخَرُ منَ الذكاء الإِنسانيِّ، ويكشِفُ عن عَوارِه وضعفِه، ويجعلُه أقلَّ مَنْزِلًا مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ؛ فَهُوَ إنْ قَلَّ عَنَّا ذَكاءً، لا يُخدَعُ في الاِهتداءِ إلى كلبٍ أوْفَرَ منه فِطْنَةً، وأكْثَرَ دُرْبَةً، يُرْشِدُه إلى طَرائِقِ الصيدِ، ويَهْدِيه دون أن يُغَرِّرَ به، أو يتنكَّرَ له!
ثم حدَّثنِي السيدُ عنِ الْمُشاجَراتِ التي تنشَبُ بين ذُكورِ «الْياهُو» وإناثِه، واتَّخَذَ منها دليلًا على خِسَّةِ «الْياهُو»، ودناءتِه، وبَلادَةِ طبعِه. وَلم أكنْ قد حدثتُه عمَّا يقعُ في بلادِنا من أمثالِها.
وَأدهشَه — فيما أدهشَه من صِفاتِ «الْياهُو» — أنه مَفْتُونٌ بالْقَذارةِ، هائِمٌ بالأرْجاسِ، وَأن أيَّ جِنسٍ من أجناسِ الدوابِّ لا يُدانِيهِ في هذه المنزلةِ.
وَلَقَدْ وَدِدْتُ لوْ كانَ في تِلْكَ الْبلادِ خنازيرُ؛ لِأُدلِّلَ للسيدِ علَى أَنَّ تِلْكَ الدَّوابَّ لا تَقِلُّ في قَذارَتِها عنِ «الْياهُو». وَما كانَ أَجدرَه بالاِقتناعِ بِصِحَّةِ رأيي إذا رآها وَهي تَتَمرَّغُ في الوَحَلِ — كما يفعلُ «الْياهُو» — وَتلتهِمُ الأَخْباثَ والْجِيَفَ.
وَلكنَّ الْخنازيرَ — لسوءِ الْحظِّ — لا وُجُودَ لها في تلك الْبلادِ.
•••
ثُمَّ أَفْضَى إليَّ السيدُ بعجيبةٍ أُخرى من عجائب «الْياهُو»، التي شاهَدَها خَدَمُه — ولم يَرَها بعينِه — وهي أنّ بعضَ «الْياهُو» يَحْلُو له أَحيانًا أَن ينتحِيَ ناحيةً قَصِيَّةً، حيث يرقُدُ وَيُلْقِي بنفسِه في الثَّرَى، ويَصِيحُ باكِيًا مُعْوِلًا، ولا يُطِيقُ أَنْ يَرَى أَحَدًا من أَقْرانِه يَدْنُو منه.
وَالْعجيبُ أَنّ هذا «الْياهُو» سَمِينٌ شَبْعانُ رَيَّانُ، لا يُعْوِزُه غِذاءٌ ولا شَرابٌ. ولم يهتدِ أَحدٌ إلى سِرِّ الْعَوِيلِ، وَمصدرِ الْأَلم. وَلكنَّ الْخدَّامَ منَ الْجيادِ الْأَذكياءِ فَطَنوا إلى علاجِ هذا الداءِ، فأصبحُوا كُلَّما ظهرتْ أَعْراضُه على أَحدٍ منَ «الْياهُو» أَقْحَمُوه في عملٍ شاقٍّ؛ فلا يلبثُ أَن يعودَ إلى هُدُوئِه، ويَثُوبَ إليه رُشْدُه.
•••
وَظَللْتُ أُصْغِي إلى هذه الملاحظاتِ القاسِيَةِ، متألِّمًا صامِتًا، لا أُحِيرُ جَوابًا؛ لِأنني أُحِبُّ أَبناءَ جِلْدَتِي، ولا أَجِدُ ما أَدْفَعُ به عنهم غائِلَةَ النَّقْدِ الْأَليمِ.
وتَكشَّفَ ليِ — حينئذٍ — أَن هذه الْحالَ التي يَصِفُها السيدُ الْجوادُ، لا تُصِيبُ — عادةً — إلَّا المُتْرَفِينَ منَ الأَغنياءِ الْكُسالَى.
ورأَيتُ أَن هذا العلاجَ هو — على الْحقيقةِ — أَجْدَرُ دَواءٍ لِأمثالِ هؤلاء الْمُتَبَطِِّلين.
•••
ثم أَفْضَى إليَّ السيدُ بما يأخُذُه على نِساءِ «الْياهُو»؛ فكأَنَّما كان يُحدِّثُني عما أَعرِفُه من غَرائزِ النِّساءِ عندَنا.
فاستولتْ عليَّ الدَّهشةُ والْحزنُ، لِما رأَيتُه منَ التَّدَلِّي والاِرْتِكاسِ في طَبائِعِ النَّاس، على اخْتِلافِ الْأَلْوانِ وَتَبايُنِ الْأَجْناسِ.