وجه الشيطان
نظرت «زبيدة»، في لوحات الأزرار المتعددة التي أمامها … ورأت خريطة للمبنى كله قد توزعت عليها مختلف أنواع الأزرار، وأدركت أن المبنى مكوَّن من ثلاثة طوابق … وكان «عثمان» قد زحف إلى داخل الغرفة، ومدفعه في يده مصوبًا على الرجل المسئول عن غرفة التحكم.
قال «عثمان» ﻟ «زبيدة»: أغلقي جميع الغرف في القلعة حتى نقلل عدد المهاجمين بقدر الإمكان.
وتحت تهديد المدفع أشار الرجل إلى مجموعة من الأزرار أخذت «زبيدة» تُغلقها واحدًا بعد الآخر … ودخل بقية الزملاء إلى الغرفة … و«أحمد» يَحميهم بمدفعه الرشاش … وكانت «إلهام» تحمل «ريما» المصابة.
قال «أحمد» وظهره إلى الداخل، ووجهه إلى الخارج ومدفعه في يده: نُريد فتح الدهليز فورًا.
وأشار الرجل إلى مجموعة أُخرى من الأزرار خاصة بالدهاليز … وكل واحد يحمل رقمًا … وسرعان ما استطاعت «زبيدة» العثور على الزر الخاص بالدهليز وتفتحه … وبدأ الحراس الذين كانوا خارج غرفهم يقتربون ويُحاصرون الشياطين الخمسة مكانهم … ولكن فجأة سمع الشياطين فرقعة مدفع رشاش تأتي من طرف الدهليز … وشاهدوا الحراس وبعضهم يترنَّح، والبعض الآخر يجري.
ونظر «أحمد» بطرف عينه إلى نهاية الدهليز … وكم كانت دهشته عندما وجد «خالد» يتقدم وبيده مدفع يُطلِق رصاصه كالمطر خلف الحراس الهاربين.
صاح «أحمد»: إنه «خالد»!
وذهل الشياطين الخمسة … «خالد» … كيف حضر إلى هذا المكان! كيف دخل! ولكن لم يكن هناك وقت للإجابات.
قالت «زبيدة»: المكان مكوَّن من ثلاثة طوابق … ويبدو أنه مقسم على السكان كل حسب تخصُّصه.
صاح «أحمد» بالرجل الذي أسروه: أين تقع غرفة الزعيم؟
قال الرجل: الزعيم وأعوانه الكبار في الدور العلوي فوق الأرض … الأسرى والحراس في الطابق الثاني تحت الأرض حيث نحن الآن … الطابق الثالث تحت الأرض … وبه المعمل والعلماء!
أحمد: العلماء؟
الرجل: نعم … وأنا منهم … فقد كنتُ عالمًا في الكهرباء، وقد اختُطفتُ منذ ثلاث سنوات وأنا على استعداد للتعاون معكم.
أحمد: عظيم … هل تستطيع التحكُّم في غرفة الزعيم من هنا؟
الرجل: لا … إنها الغرفة الوحيدة التي يُمكن التحكم فيها من داخلها.
أحمد: أغلق جميع أبواب الحراس وأعوان الزعيم … وافتح لنا باب الطابق الثالث.
الرجل: لقد قامت هذه الأنسة بإغلاق أبواب الحراس منذ قليل.
وأخذ الرجل يُعمل يديه في الأزرار وهو يقول: ولا أدري إذا كان الأعوان الكبار قد أحسُّوا بما يحدث هنا أم لا! فإن الطوابق الثلاثة معزولة عن بعضها، ولكني أغلقت الآن أبواب كبار الأعوان.
أحمد: ستبقى هنا مع «زبيدة» وإذا احتجنا إلى شيء فسنُرسل لكما … وسيبقى معكما «عثمان» و«ريما» فهما مُصابان.
وانحنى «أحمد» على «عثمان» … الذي كان مصابًا في ساقه، وكذلك «ريما» وقال: أرجو أن تكون الإصابات سطحية، فابقيا هنا، وسأصعد إلى الطابق الأول لمقابلة الزعيم … وينزل «خالد» و«إلهام» إلى الطابق الثالث تحت الأرض لتحرير العلماء.
وخرج الرجل معهم إلى الدهليز وأشار إلى الأماكن التي سيدخلونها وشرح لهم معالم الطريق.
وقال الرجل: إن باب غرفة الزعيم ضعف حجم الأبواب العادية.
صعد «أحمد» على سلمٍ حديديٍّ حلزوني إلى الطابق الثالث ولأول مرة منذ دخل المكان يشاهد ضوء الشمس يغمر الدنيا، كانت أكثر الغرف مغلقة، ومن الواضح أن أعوان الزعيم الكبار لم يحسوا بما يدور تحتهم أو أن الأبواب أُغلقت عليهم … وأخذ «أحمد» يجري في مختلف الاتجاهات باحثًا عن غرفة الزعيم ذات الباب الكبير … وسرعان ما وجدها، وكان الباب مفتوحًا. فدخل مسرعًا، ولم يكد يجتاز عتبة الباب حتى انقضَّ عليه شخص من الخلف وطرحه أرضًا. ثم جثم على صدره وأخذ يحاول خنقَه. كانت أصابع الرجل فولاذية، وكأنها كلابات من الحديد أطبقت على عنق «أحمد»، ولكن ما أرعب «أحمد» أكثر كان وجه الرجل … لم يكن وجهًا يمتُّ إلى الآدمية بصلة … فقد كان مشوهًا قاسيًا كأنه وجه شيطان.
استخدم «أحمد» ما تعلَّمه من فنون «الكاراتيه»، فدفع بأصابعه في عينَي الرجل، واضطرَّ الرجل إلى رفع وجهه بعيدًا عن إصبعَي «أحمد» مما أدَّى إلى تراخي أصابعه قليلًا عن عنقه، وجمع «أحمد» كل قوته ووجَّه إلى عنق الرجل لكمة عنيفة، فالتوى جسده، وتراخت يداه تمامًا … وأدار «أحمد» جسمه كالبريمة السريعة فأفلت من تحت الرجل … وكان الآخر قد قام واقفًا، وتواجَها بدون سلاح … ورغم التشويه المخيف الذي كان بوجه الرجل فقد أحسَّ «أحمد» أنه يعرفه … رآه في صورة ما في الكهف السرِّي «س/ص».
ولكن الوقت لم يكن وقت تذكر، فقد كان وقت الحياة أو الموت، وامتدَّت يد الرجل إلى الحائط في سرعة وأمسك ببلطة كانت معلَّقة، ثم قذف «أحمد» بها …
ولكن «أحمد» انحنى إلى الأمام، وقفز في نفس الوقت على ساقَي الرجل وجذبهما بشدة … فسقط الرجل على ظهره، وعادا إلى الالتحام من جديد، وتدحرجا في أنحاء الغرفة … وكان المدفع الرشاش الذي سقط من «أحمد» قريبًا منهما … واستمات كل واحد في الوصول إليه، واستطاع الرجل في النهاية أن يضع يده عليه، ولكن ضربة من قدم «أحمد» أطاحت بالمدفع بعيدًا … واستمر الصراع … ووصلا إلى باب الغرفة ووقفا ملتحمَين واستطاع الرجل أن يدفع «أحمد» بقوة، فارتطم رأسه بالباب الحديدي وأحس بدوار … ثم شاهد الرجل يجري مغادرًا الغرفة إلى الدهليز فجرى خلفه … واستطاع الرجل أن ينفذ من الدهليز إلى الخارج، وجرى «أحمد» ولكنَّه لم ير الرجل. كانت هناك حديقة واسعة كثيفة الأشجار … وأدرك «أحمد» أن الرجل يتربَّص به … وفكَّر لحظة واحدة، ثم عاد إلى الغرفة جاريًا فأحضر المدفع الرشاش وعاد إلى الحديقة، وفجأة سمع على مسافة منه صوت موتور يدور، كان الصوت عاليًا، ولا يمكن أن يكون صوت موتور سيارة … فجرى في اتجاه الصوت … وكم كانت دهشته عندما شاهد طائرة صغيرة تجري على مدرج بين الأشجار وأدرك «أحمد» أن الزعيم المُخيف يحاول الهرب بالطائرة … جرى «أحمد» في اتجاه المدرج. ولكن الطائرة كانت قد استكملت سرعتها وارتفعت عن الأرض. ولم يتردَّد … رفع مدفعه الرشاش وأطلق سيلًا من الرصاص في اتجاه الطائرة، ولكن الطائرة ارتفعت في الجو وانطلقت تهدر فوقه، ثم غادرت المكان … وأحسَّ «أحمد» بالضيق يشمل كيانه كله فقد استطاع الزعيم المُرعب الهرب … ولكن الطائرة لم تبتعد كثيرًا حتى شاهد «أحمد» خيطًا من الدخان يَنبثق منها … وأدرك أنه أصاب خزان الوقود في الطائرة وأن النيران ستشتعل فيها … ولم تمضِ ثوانٍ حتى بدأ الحريق واضحًا على مبعدة، ثم انفجرت الطائرة وسقطت.
عاد «أحمد» مسرعًا إلى الطابق الثاني حيث كان «عثمان» و«ريما» و«زبيدة» في غرفة التحكُّم … كان يخشى أن يكون أعوان الزعيم أو بعض الحراس قد هجموا عليهم، ولكنه وجدهم مكانهم، وقد ربطت «زبيدة» بخبرتها الطبية الجراح التي أصيب بها «عثمان» … و«ريما».
وبعد لحظات ظهرت «إلهام» و«خالد» ومعهما عدد من الرجال في ملابس النوم. وقال «خالد» مبتسمًا: هؤلاء هم العلماء الذين اختفوا في السنوات الأخيرة … لقد خُطفوا جميعًا ليقوموا بتنفيذ خطط الزعيم الجهنمية في اختراع أفتك الأسلحة … وتنفيذ مشروعات عِلمية هامة لا يحلم بها أحد …
أحمد: سنُغادر المكان بسرعة … ومن المهم أن نجد وسيلة للاتصال برقم «صفر» فنُخطره بما حدث ليُبلغ الجهات المسئولة.
قالت «إلهام»: عندي طريقة الاتصال … فعندما نزلت أنا و«زبيدة» و«ريما» و«خالد» لإحضار المظروف، تخلف «خالد» وقرر أن يعود إليكما أنت و«عثمان»، ولا أدري ماذا فعل بعد ذلك، فإنني لم أره مرة أخرى إلا هنا … المهمُّ ذهبتُ و«ريما» و«زبيدة» لإحضار سيارتي وصعدت إلى شقتي لإحضار المفاتيح فوجدت رسالة من رقم «صفر».
قال «أحمد» مقاطعًا: هل فهمَ رسالتي؟
إلهام: طبعًا، لقد فهم أنك تُريده ألا يتصل بك تليفونيًّا، لهذا ترك لي رسالة تحت الباب وقد أوضح بها الطريقة التي تتَّصل عن طريقها به!
أحمد: هيا بنا، وسنأخذ العلماء معنا … هل فيهم «معروف مبارك»؟!
خالد: إنه مريض جدًّا، فعندما خطفوه ضربوه على رأسه بشدة، وطبعًا لم يحتمل الرجل العجوز الضرب، فأصيب بارتجاج في المخ.
أحمد: فهمت الآن لماذا لم يعترف بمكان الرسالة السرية والمظروف الذي به المعادلات، ولهذا السبب وحده استطعنا الوصول إلى هذا المكان … هيا بنا …
بعد ساعات من هذه الأحداث كانت قوات الأمن اللبنانية تُطبق على مقر العصابة الرهيبة، وكان «أحمد» يجلس ليكتب تقريرًا لرقم «صفر» عن الأحداث التي وقعت، وقال في تقريره: لقد شككتُ في رجل الأمن الذي أرسلته لحماية «معروف مبارك»، وذلك عندما حاول إيهامنا بأن «معروف» قد اختُطف عن طريق نافذة الحمَّام، لقد فحصتها وفحصت الحائط الخارجي، وكان من الواضح أنه من المستحيل خطفه عن هذا الطريق … وتقديري لما حدث هو أنه كان يتبع «معروف» في طريق دمشق-بيروت، ثم في بيروت نفسها، حتى دخوله السينما، ثم حتى فندق نورماندي وعندما اتصل بك «معروف» استمع «لاسكوف» إلى المكالَمة ربما عن طريق رشوة كاتب الفندق … وسمعكما تتحدثان وعرف كلمة السر «تبولة بدون بصل»، فاستأجر غرفة بجوار «معروف» ثم صعد إليه وقال له كلمة السر، وفتح «معروف» الباب وعندما شاهد «لاسكوف» عرَفَه على الفور فجرى إلى الحمام مُحاولًا الفرار، واستطاع في لحظة أن يكتب بالصابون رموز الرسالة السرية … واقتحم «لاسكوف» الحمَّام وضرب «معروف» على رأسه، ثم نقله إلى غرفته المجاوِرة، وانتظر حضور رجل الأمن الحقيقي في غرفة «معروف» وفتح له الباب على أنه «معروف»، واستطاع أن يضربه ثم ينقله إلى غرفته أيضًا … وحضرنا نحن بعد ذلك، وتظاهر «لاسكوف» أنه حضر بعدنا … وقلت له أنت على رقم تليفوننا ليتصل بنا وبعد ذلك استطاع أن يراقب تحركاتنا … هذا هو التفسير الوحيد للذي حدث.
وجلس الأصدقاء حول فراش «عثمان» و«زبيدة» الجريحين، وقالت «إلهام»: حتى الآن لا أعرف كيف وصلت يا «خالد» إلى مقر العصابة!
قال «خالد»: عندما نزلت معكن وتركنا «أحمد» و«عثمان» وحدهما مع رجال العصابة الثلاثة خشيت من احتمال هجوم آخر للعصابة على شقتنا، ورأيت أنكنَّ أنتِ و«زبيدة» و«ريما» يُمكنكنَّ الذهاب وإحضار المظروف وحدكن وهكذا بقيت في ظلام السلم أنتظر، وفعلًا بعد فترة شاهدت «أحمد» و«عثمان» وخلفهما «لاسكوف» والرجلان الآخران ينزلون، وأدركت أن ما كنت أخشاه قد وقع، فأسرعت إلى الشارع واختبأت في حقيبة سيارة العصابة التي كانت بالباب … ووصلتُ إلى مقر العصابة وبقيت في مكاني في السيارة حتى سمعت طلقات الرصاص فخرجت، وتغلبت على حارس الباب وأخذت مدفعَه الرشاش واقتحمت المكان.
قال «أحمد»: إنك رائع يا «خالد» … ولكن بقيت نقطة أخيرة … كيف وقعت الفتيات الثلاث في الأسر؟
قالت «إلهام»: أعتقد أن العصابة كانت تستخدم طريقة الرقابة المزدوجة … فقد حضروا إلى شقتنا في سيارتين … واحدة فيها «لاسكوف» والرجلان الآخران … والثانية بها مجموعة أخرى … وكانت السيارة الثانية تقف على مبعدة تراقب، وعندما شاهدتنا ننزل تحركت خلفنا، وقد استطاعوا بسيارتهم السريعة الوصول إلينا، وقرب قرية «كفر زبيان» ضربوا عجلات السيارة بالرصاص ثم هاجمونا بالمدافع الرشاشة.
عثمان: والمظروف؟
إلهام: إنه في مكانٍ ما في الجبل … فعندما هاجمتنا العصابة تخلصت منه في الظلام وقذفته بكل قوتي في وسط الشجر الذي هناك قرب قرية «كفر زبيان» …
أحمد: لن يكون البحث عنه مشكلة!
وابتسم «أحمد» ﻟ «إلهام» عندما مدت يدها إليه بالرسالة السرية قائلة: وهذه هي الرسالة السرية التي كشفت النقاب عن هذه العصابة الجهنمية. لقد شبكتُها بدبوسٍ في شعري.
وسمعوا جرس التليفون ومدَّ «أحمد» يده واستمع إلى رقم «صفر» يقول: لقد اعترف «لاسكوف»، وما قلته صحيح، لقد كان يطارد «معروف» على طريق دمشق-بيروت، ثم فقد أثره فترة، ثم عثر عليه مرة أُخرى وطارده … واستطاع «معروف» أن يدخل السينما ويضع الرسالة، ثم خرج في الثانية عشرة ليلًا، وظل يركب تاكسيات مختلفة لتضليل العصابة حتى وصل إلى فندق نورماندي، وكانوا خلفه … وخطفوه، كما خطفوا رجل الأمن الحقيقي ودارت عجلة الأحداث بعد ذلك كما تعرف … إنني لا أدري ماذا أقول لكم … ولكن من المؤكد أنه ليس هناك لغة يُمكن أن تكون فيها الكلمات المناسبة للثناء عليكم.