خطة صغيرة مُحكَمة
غادرَت ثلاثُ مجموعات من الشياطين المقرَّ السري، بعد سلسلة من الاجتماعات للتنسيق …
وقال رقم «صفر» في الاجتماع الأخير: هذه أول مرة منذ زمنٍ بعيد تعملون جميعًا في وقتٍ واحد … لقد كنت حريصًا على تقسيمكم إلى مجموعات حتى لا يَلفِت عددُكم الأنظار … فخُذوا حذركم … ولا تنسوا أنَّ أمامكم مهمة شاقَّة، لا مثيل لها … هي الوصول إلى زعيم منظمة «الورلد ماسترز» الشهير بِلقب «القط» … ولعلَّ هذا اللقب يدلُّ عليه حقًّا … فالمثلُ الشعبيُّ يقول: «إن القط بسبعة أرواح» … وهذا يعني أنَّه من الصعب قتله … بل إنَّ القط هذه المرة يُغيِّر جلده … فقد أجرى «جيمي مانسيني» عمليةً ناجحة، استرد بها مظهر الشباب … كما تَغيَّر منظره تمامًا … إنَّني أتمنى لكم التوفيق …
اتجهت المجموعات الثلاث إلى «سان دييجو»، حيث كان من المقرر اجتماعهم … وصلت مجموعة بالطائرة … ومجموعة عن طريق البحر … أما المجموعة الثالثة والأخيرة، والتي كانت تضم «أحمد» و«قيس» و«رشيد»، فوصلت بالسيارات من «لوس أنجلوس».
كان المقرُّ السريُّ مُقسَّم إلى ثلاث فيلات على شاطئ المحيط، يحيط به سورٌ مرتفع، تُغطِّيه الأشجار الضخمة، التي تجعل رؤية ما يجري في الداخل مستحيلًا.
تَحدَّث «أحمد» على الفور، عندما جلسوا في الفيلَّا يتناولون المُرطِّبات فقال: إنَّ اقترابنا من «واتكر»، سيكون في شكل صفقةٍ ضخمة، هي بناء مجموعة من العمارات على شاطئ «فلوريدا» … وسيُموِّل هذه العملية ثلاثة من الأثرياء العرب، نحن نقوم بتمثيلهم.
قيس: فكرة جيدة.
رشيد: خاصةً وأنَّهم يتصوَّرون أنَّ العرب أغنياء سُذَّج، ويبعثرون نقودهم في كل مكان …
أحمد: سننشر إعلانًا في «لوس أنجلوس تايم»، عن رغبتنا في مقابلة رجال أعمال لهم هذه الاهتمامات … وسأطلب من رقم «صفر» تحويل مبلغ مليون دولار …
صاح «قيس»: مليون!
أحمد: لا أقل من ذلك؛ لتنفتح شهية «واتكر» للتعامل معنا.
رشيد (ضاحكًا): لماذا لا نأخذ نحن هذا المليون، ونَكفُّ عن هذه المغامرات الخطيرة؟ …
ضحك «أحمد» وهو يقول: هناك عقَبة بسيطة … إنَّ هذا المليون سوف يُحوَّل باسم شركة يختار اسمها رقم «صفر»، وتكون شركةً حقيقيةً وقويةً جدًّا، حتى يثق «واتكر» من أنَّنا جادُّون.
وصمَت «أحمد» لحظات ثم مضى يقول: وسأطلب من رقم «صفر» الأوراق اللازمة التي تُثبت أنَّنا نُمثِّل هذه الشركة.
قيس: لقد فكرت في كل شيء.
أحمد: ليس بعد … فأمثال «واتكر» لا يمكن خِداعهم بسهولة … إنَّ عملهم الأصليَّ هو الخِداع حتى القتل، وليس من السهل أَنْ نخدع أمثال هؤلاء المحترفين.
رشيد: لعلَّ البداية الصحيحة هي لفْت أنظار «واتكر» إلى ثلاثةٍ من شباب العرب، يُنفقون نقودهم بسَفَهٍ واستهتار، ويدَّعون أنَّهم وراء صفقةٍ قيمتها مليون دولار.
أحمد: إنَّ المليون هو عربون فقط … ففي «فلوريدا» الغنية لن يكون هذا الرقم مُسيلًا للُّعاب … خاصة بالنسبة لشخص مثل «واتكر».
دخلت «إلهام» وهي تبتسم وصاحت: تعالَوا شاهدوا ماذا أركب!
وخرج الثلاثة، وفوجئوا بسيارةٍ حمراء «سبور مازراتي» في غاية الروعة والفخامة.
هزَّ «قيس» رأسه وقال: على أيِّ بنك سطوت، وحصلت على ثمن السيارة؟
إلهام: على بنك رقم «صفر» … فدَوري في البحث عن شاطئ العصابة يستدعي هذه المنظرة.
وقفزت «إلهام» إلى سيارتها الحمراء، وانطلقت، ولم تكن تعلم أنَّ الشياطين الثلاثة سوف يركب كلٌّ منهم عربة «رولز رويس» أغلى سيارة في العالم … لأن دَور كلٍّ منهم كان التظاهر بأنه غني جدًّا … وقادر على التعاقد على صفقات بالملايين.
وقال «رشيد» ضاحكًا: هذه مغامرة تستحق التقدير والاحترام؛ فلأول مرة فيما أعلم نركب سيارات من هذا الطراز … ونسكن في فيلَّا فاخرة على شاطئ المحيط.
رد «أحمد»: لا تنسى أننا جئنا للإيقاع بزعيم أقوى عصابة في العالم … ورقم «صفر» رجلٌ دقيقٌ في حساباته، فهذه السيارات في الأغلب مُؤجَّرة … أو مُتفَق على إعادتها إلى الشركة، بعد خصم مبلغ معين.
قيس: على كل حال … دعونا نستمتع بهذه المغامرة.
ووصلت السيارات الثلاث الفاخرة … زرقاء وبيضاء وسوداء … وارتدى الشياطين الثلاثة أفضل ما عندهم من ثياب … ثم خرجوا يتجوَّلون في «سان دييجو» …
كانت مظاهرة «الرولز رويس» مُلفِتة حقًّا للأنظار … وبدأ الحديث على الفور بين الناس عن الشبَّان الثلاثة … وعندما وصلوا إلى حمَّام سباحة فندق «شيراتون»، التفتت إليهم كلُّ الأنظار … ولكن هذه المظاهر الغالية، كما لفتت أنظار الناس العاديين، لفتت أنظار اللصوص وقُطَّاع الطرق … وعندما أخرَج «قيس» حافظة نقوده المتخمة بالدولارات لفتت إليها عيون بدت شريرة ووجدت الفرصة سانحة للانقضاض … فقد انقضَّ شابٌّ يلبس «الجينز»، كالصقر على حافظة النقود، وخطفها بسرعةٍ هائلة. ثم اجتاز المكان أمام النظرات المدهوشة، قبل أن يُفيق أحد لِما حدث.
وتَظاهر «قيس» بالبلاهة، ووقف حائرًا وسط الناس، وانطلقت الصيحات: لص … لص …
ولكن الشاب الذي اختطف الحافظة كان قد اختفى … وحضر أحد رجال الأمن في الفندق، وأخذ يلوم «قيس» لأنَّه يحمل هذه الكمية من النقود معه … وقال: إنَّنا هنا لا نتعامل بالنقد. هناك شيء اسمه «الشيك» أو «الفيزا كارت» يمكن أن تستخدمه دون خطر … إنكم تسببون لنا المتاعب!
ابتسم «قيس» في بلاهةٍ كأنَّه لا يفهم ما يُقال … وعاوَد الجلوس بجوار صديقيه كأنَّ شيئًا لم يحدث … وجاء مُصوِّر وقام بتصويرهم معًا …
وفي صباح اليوم التالي صدرت الجرائد المحلية، وفيها قصة ما حدث عند حمَّام السباحة. وروى الصحفي الذي كتب الموضوع كيف أنَّ الشابَّ العربيَّ الذي سُرقَت نقوده لم يهتم … ونشر بجوار الصورة صورةً أخرى للسيارات «الرولز رويس» … وقال إن الشبَّان الثلاثة حضروا إلى «سان دييجو» للاتفاق على مشروعٍ ضخم للإسكان.
وابتسم «أحمد» وهو يقرأ الصحيفة … فقد نجحت خُطته تمامًا، فكلُّ ما حدث كان مُدبَّرًا للفت أنظار العِصابة، والذي خطف الحافظة هو «خالد» أحد الشياطين اﻟ «١٣».
ولم تمضِ نصف ساعةٍ على طعام الإفطار، حتى انهالت المكالمات التليفونية من شركاتٍ، تعرض خدماتها على المليونيرات الشبَّان …
وأخذ «رشيد» يكتب كشفًا بأسماء الشركات التي تعرض خدماتها. وعندما انتصف النهار، كان عندهم عروض من عشرين شركةً تقريبًا … لكن المفاجأة أنَّ الشركة الَّتي كانوا في انتظار اسمها، لم ترِد في الكشف … شركة «الأبراج العالية»، التي يرأس مجلس إدارتها «واتكر»، الرجل الذي جاءوا خلفه من بعيد …
وجلس الثلاثة يفكرون صامتين … ولكن جرس الباب أخرجَهم من صمتهم …