رائحة بشرية
تمَّ التخلص من الكلاب بالرائحة البشرية المضللة التي أطلقها «قيس» … وابتعد النباح … وتَقدَّم الشياطين من الباب الخلفي، الذي كان يُطلُّ على غابةٍ من الصخور والأشجار … وأخرج «أحمد» سلكًا رفيعًا، مرنًا، متينًا، من الصُّلب المغطى بالبلاستيك، في أحد طرَفيه «هلب» ذو أسنان حادة … وصعد إلى إحدى الأشجار الضخمة، ثم ربط طرَف السلك فيها، وطوَّح ﺑ «الهلب»، ثم قذفه عبر السور الشائك المكهرب، ومضى الهلب ومعه السلك، حتى هبط على إحدى الأشجار العالية … واشتبك «الهلب» في أحد أغصانها الضخمة، وجذبه «أحمد» مِرارًا حتى تأكَّد من ثباته، ثم أطلق صوت البومة، فانطلق الشياطين إليه … وبدأ «أحمد» في التعلُّق بالسلك، بواسطة دائرة معدِنية صُلبة، وانطلق يعبر على السلك إلى الجانب الآخر … وتبعه بقية الشياطين …
هبط «أحمد» وسط مجموعة من الشجيرات … وانبطح على الأرض لحظات ثم أطلق صيحة البومة … وبدأ وصول الشياطين واحدًا وراء الآخر، ونزل «عثمان» آخرهم، وهو يقول: لقد شاهدت من فوق … مجموعة من الرجال، تتجه ناحية البحر، وفي أيديهم مصابيح كشَّافة.
أحمد: في الأغلب، إنهم يبحثون عن الناجين من «کلانيا» ثم يحاولون استكشاف الانفجار الثاني.
عثمان: إنَّها فرصة مواتية للهجوم … فعددهم الآن أقل.
أحمد: نعم … هيا بنا … والهدف هو «مانسيني» نفسه … إنَّنا من القِلة القليلة في هذا العالم الذين يعرفون شخصية «مانسيني» الجديدة.
تَقدَّم الشياطين عبر الأرض الوعرة … ولكن فجأة أحسوا بالأرض تميد تحت أقدامهم، ثم ينفتح باب في الأرض، ويسقطون جميعًا في شبكة ضخمة، تحت الباب مباشرةً …
أصبحوا خلال نصف دقيقة أشبهَ بالحيوانات المتوحشة التي تسقط في شِباك الصياد … ولكن لحسن الحظ لم يكن هناك أحد، فقد كان كل من في «عش النسر» مشغولين بهجوم «واتكر».
وهكذا أخرج الشياطين خناجرهم، ومزَّقوا الشباك، ونزلوا إلى دهليزٍ مُضاء إضاءةً خفيفة، ساروا فيه مسرعين وهم يرفعون أسلحتهم، حتى وصلوا إلى غرفة اجتماعات واسعة، يقف على بابها حارس، وجَّه إليه «عثمان» كرته الجهنمية، في شكل قذيفة ارتطمَت برأسه، فسقط على الأرض دون أن ينطق بحرفٍ واحد …
أسرع «عثمان» يسترد كرته «بطة»، وقبل أن يتقدم بقية الشياطين، سمعوا صوت أقدام كثيرة مُقبِلة، فأسرعوا يختفون خلف الجدار، وكانت الأصوات لمجموعة من الحراس تحيط بثلاثة رجالٍ، بينهم «واتكر» … وكان واضحًا أنه وقع أسيرًا في أيديهم.
انفتح باب غرفة الاجتماعات، وشاهد الشياطين من خلال الزجاج الداكن «مانسيني» يقف بجوار النافذة، وقد عقد ذراعَيه على صدره … وحوله رجلان ضخمان، يحملان مِدفعَين رشَّاشَين … كان «مانسيني» يبتسم … بينما كست وجه «واتكر» سحابة من الحزن والغضب.
لم يكن هناك أدنى شك أنَّ «واتكر» قد وقع، وانتهى إلى الأبد، وأنَّ «مانسيني» قد كسب المعركة … ولكن حدث شيء مدهش في هذه اللحظة، فقد ظهر صوت طائرة منخفضة، تطير فوق «عش النسر»، ثم صوت انفجار هزَّ المبنى … وانطفأت بعض الأنوار … ثم تبعه انفجار ثانٍ … ثم ارتفعت صوت طلقات الرَّصاص داخل قاعة الاجتماعات، وانفتح الباب … كان «واتكر» يجري، ثم ظهر «مانسيني» يحمل مسدسًا، وأطلق مجموعة من الطلقات، سقط على إثرها «واتكر» على الأرض.
ثم حدث انفجار ثالث … وانقضَّ الشياطين على «مانسيني» الذي كان يجري مندفعًا بجوارهم، محاولًا الخروج من دائرة الانفجارات … تلقَّاه «رشيد» بلكمة قوية … وتلقفه «أحمد» بين يديه … ثم حمله على كتفه وصاح: هيا بنا!
كان واضحًا أنَّ الطائرة بها رجال «واتكر»، وأن التعليمات أن ينسفوا «عش النسر»، مهما كانت النتائج … أخذ الشياطين يهرولون مسرعين، في دهاليز «عش النسر» الأسمنتية … والانفجارات تقع بين لحظةٍ وأخرى.
استطاعوا في النهاية أن يصلوا إلى أحد الأبواب … فتحه «رشيد» وخرجوا إلى الليل والظلام … وكانت في انتظارهم مفاجأة. إن الباب كان يؤدي إلى مرفأ صغير، ولكن كان هناك مجموعة من الحُرَّاس المسلحين …
حاول «مانسيني»، عندما بدأ يُفيق أن يتخلص من ذراعَي «أحمد». وشاهده رجاله وهو يصارع من أجل الفرار … ولم يكن في إمكانهم أن يطلقوا الرَّصاص، وإلا قتلوه. وهكذا صاح واحد منهم: استسلموا!
لم يردَّ الشياطين … وبدءوا يتقهقرون إلى الخلف. ثم فجأة انطفأت أنوار المرفأ … وسُمع دوي طلقات مُحكَمة تصيب الحراس … عرَف الشياطين على الفور، أنها قادمة من زملائهم الذين قدموا بالسيارات عبر الطريق البري.
كان أفضل طريق لهم هو البحر … وهكذا أسرعوا إلى المرفأ، وكان ثمَّة قارب ضخم مُجهَّز للسير … لم يُضيِّعوا إلا دقائق قليلة في القضاء على حراسه … ثم انضم إليهم بقية الشياطين، وأدارت «إلهام» محرك القارب، وبدأت الخروج إلى عُرض البحر …
ولكن «أحمد» صاح مُحذِّرًا: الدرافيل!
لم تفهم «إلهام» ماذا يقصد.
وصاح مرة أخرى: الدرافيل تحمل ديناميت، وتسرع ناحية أي قارب يمر … أضيئوا الأنوار …
وأضاءت «إلهام» الأنوار الكاشفة التي غطَّت مياه المحيط السوداء.
وقال «أحمد»: استخدموا المدافع الرشَّاشة باستمرار … أطلقوا النار في جميع الاتجاهات …
ووقف جميع الشياطين على جانبَي القارب، يطلقون النار في كل اتجاه …
وقال «أحمد» ﻟ «إلهام»: أطلقي القارب بأقصى سرعة … نريد أن نتجاوز منطقة الدرافيل …
انطلق القارب مسرعًا … فجأةً ظهرت الطائرة مرة أخرى وأخذت تقترب من القارب …
طار «أحمد» إلى عجلة القيادة، وأخذ يقود القارب في خطوط متعرجة، والطائرة تلفُّ وتدور … وتذهب وتجيء في محاولة لإلقاء قنبلة …
وقال «عثمان»: سأُجرِّب حظي …
استلقى على ظهر القارب، ورفع مِدفعه الرشَّاش إلى فوق … وانتظر مرور الطائرة التي كانت تطير على ارتفاع منخفض جدًّا حتى يمكنها أن تصيب القارب … ولاحظ الشياطين أنَّها لا تُلقي قنابل، بل تهاجم بمدافع رشاشة … فصاح «رشيد»: لقد نفِدَت القنابل!
ودارت الطائرة ثم أخذت تقترب … ووجَّه الشياطين جميعًا مدافعهم الرشاشة إليها … وانطلق في الظلام سَيل مُنهمِر من الطلقات في اتجاه الطائرة … وكان لا بدَّ أن يصيبها أحدهم … وفعلًا انطلق منها دخان أبيض كالذيل … وطارت بعيدًا، ثم شاهد الشياطين أضواءها تميل إلى المياه … ثم تسقط في البحر …
أسرع «أحمد» إلى «مانسيني»، وكان قد قيَّده إلى أحد الأسرَّة في كابينته …
كان «مانسيني» مستيقظًا، وعندما دخل «أحمد» صاح بدهشة: مَن أنتم … ماذا تريدون؟
أحمد: يبدو أنك لم تدرس بعد موقِف منظمة «سادة العالم» … ومَن هم أعداؤها!
مانسيني: أنتم الشياطين اﻟ …
أحمد: نعم … نحن الشياطين اﻟ …
مانسيني: وماذا ستفعلون بي؟
أحمد: إن مهمتنا تنتهي بتسليمك إلى زعيمنا … وهو الذي يقرر ماذا سيفعل بك.