أناتول فرانس
لا تتسع هذه الصفحات للكلام عن «أناتول فرانس» بإسهاب، بل إن كتبًا عنه لا تكفي لإيفائه حقه؛ ولذلك سيكون كلامنا مختصرًا لضيق المقام.
حياته ومؤلفاته
وُلد أناتول فرانس في شهر أبريل سنة ١٨٤٤، فقضى من تلك السنة حياة ملؤها الجد والعمل، أخرج فيها للعالم نحو خمسين كتابًا. وقد ولد فرانس وسط الكتب؛ إذ كان أبوه صاحب مكتبة؛ ولذلك نشأ محبًّا للكتب، يُعنى بها جلَّ العناية غير مُفرِّق بين القديم والجديد.
أما أمه فهي التي جعلته يشعر منذ أيامه الأولى بنعيم الحياة في روح شخص آخر، هو روح الأم نفسها؛ ولذلك فهو لا يفتأ يذكر الأم بالخير في كل مناسبة. وإن الأم التي تُشعر ابنها بمثل هذا النعيم ليكونن ابنها عاقًّا إذا لم يشبَّ شاعرًا كما شبَّ فرانس.
ولما كان عمره ٣٥ عامًا قال الشعر، ونشر قصائده على صفحات الجرائد والمجلات، فكانت تنال الاستحسان والإعجاب.
ثم أخذ ينشر الكتب، فنشر لراسين وموليير وشاتوبريان وغيرهم، وعلق على ما نشر بشروح وافية.
ولما بلغ الثالثة والأربعين من عمره هجر الشعر وأخذ ينقد الكتب من قديمة وجديدة في جريدة «الطان»، وبدأ مؤلفاته من ذلك العهد.
ونذكر في مقدمة مؤلفاته: تاييس – الزنبقة الحمراء – الآلهة ظمآي – جريمة سلفستر بونار – كرنكبيل – كتاب صديقي «الذي نقص فيه قصصًا عن طفولته» – حديقة أبيقور …
أسلوبه وفلسفته
الأسلوب الجميل كذلك الشعاع الذي يدخل من نافذتي وأنا أكتب هذه الكلمات.
قبل كل شيء يجب أن نقول: إن أناتول فرانس كتب عن كل شيء في الحياة، وكذلك سخر من كل شيء في الحياة! بل قد نظلم الرجل إذا قلنا إنه سخر فقط، الحق أنه أشفق على كل شيء، ثم سخر من كل شيء.
ولكي ندلك على حبه للشيء ثم سخريته منه، نذكر لك أنه كان يحب الاشتراكية ويراها محققة لآمال السعادة، ولو إلى درجة ما، ولكنه ما يلبث أن يسخر منها لأنه يعتقد أنها ككل نظام آخر قد تتلاعب بها الشهوات الإنسانية!
بل إنه هزأ من الثورة الفرنسية، وتمثل في أبطالها جماعة قد غطت شهواتهم وأطماعهم على مبادئهم التي أذاعوها، وكثر ما تشدقوا بها!
أحب فرانس العالم، وأحب وطنه، وأحب الحرية، ثم ابتسم لكل هذه الأشياء سخرية! وبقدر ما أحب الإنسانية بقدر ما كان غير مغرض في الهُزْء منها. ولسنا هنا لنعدد مآثره على الإنسانية.
وكان يعتقد أن الحياة أبدًا مضطربة لا تثبت على حال؛ ولذلك تجمع كتابته إلى جانب القصة، إذا كانت ثمَّت قصة، فلسفة وحكمة وشعرًا أكثر ما يكون منثورًا!
وكما يقول الدكتور طه حسين: إن فلسفة أناتول فرانس تلخص في كلمتين «الشك والرحمة».