كلمة السرِّ مليون
إلا أن يده كانت أسرع إلى اليد التي امتدت، فأمسكها. وضغط عليها بإشارة فهمها «قيس»، فوقف ثابتًا في سرعة. خرج «أحمد» وخلفه الرجل، بينما كان «قيس» و«باسم» يقف كل منهما في جانب. أشار «أحمد» إلى الرجل قائلًا: هيَّا تقدَّم.
عندما تقدم الرجل في نشاط. كان «أحمد» يرى الدهشة على وجهي «باسم» و«قيس». فقد كانت، هيئة «أحمد» مثيرة فعلًا للدهشة. ظلَّ يمثل حالة الإجهاد، بينما الرجل يتوقف قليلًا، كلما تقدم بخطواته الواسعة القوية. وفي منتصف المسافة تقريبًا، وقف الرجل ثم نظر حوله، وداس فوق شيء غير واضح. فجأةً، انفتحت طاقة في السطح. كان «أحمد» قد وصل، فوقف يخفي دهشته. وابتسامة أيضًا …
قال: تقدَّم …
نزل الرجل فوق عدة درجات، فنزل «أحمد» خلفه. كانت هناك طرقة طويلة خافتة الضوء، لا تظهر تفاصيلها. تقدَّم الرجل، بينما كان «أحمد» يمشي خلفه، مبتعدًا خطوتين، حتى يعطي نفسه فرصة التصرف إذا حدث شيء. فجأةً، ظهر من بين الظلام، عملاق أسمر اللون، قال في صوت خافت: أهلًا بالسيد «فوجي» ثم نظر إلى «أحمد» ورفع يده بالتحية قائلًا: أهلًا بالسيد «ميكار»!
رد «أحمد» بصوت واهن: أهلًا!
قال «فوجي»: كيف حال السيد «مولت»؟
ردَّ الرجل: لقد كان ضيق الصدر طوال الوقت. وكان يردد: متى نعود إلى «فاما جوستا»؟
نظر «فوجي» إلى «أحمد» الذي قال: سوف يعود حالما تأتي أوامر الزعيم.
تقدَّم «فوجي»، فتبعه «أحمد» بينما ظلَّ العملاق في مكانه. بعد عدة خطوات توقف «فوجي» ثم نظر إلى «أحمد» قائلًا: تفضل يا سيد «ميكار».
تقدَّم «أحمد»، وقف أمام جدار، لا يظهر فيه شيء. فكَّر بسرعة: ماذا هناك؟ وما الذي ينبغي عمله الآن؟
جاء صوت «فوجي» يقول: ألن تدخل!
ردَّ «أحمد» بسرعة: نعم!
ابتسم «فوجي» قائلًا: يبدو أنَّك مجهد تمامًا.
سكت لحظة ثم أضاف: لن تقول كلمة السر!
لم يدرِ «أحمد» ماذا يفعل. إن هناك كلمة سر، لا يعرفها. فكَّر: لا بد أن باب الغرفة السرية يُفتح عن طريق كلمة السر!
جاء صوت «فوجي»: ليتني كنت أعرفها، حتى أحمل عنك عبء قولها.
ابتسم «أحمد» حتى يخفي حيرته، وفكَّر بسرعة: لا بد من كسب الوقت، حتى لا ينكشف الموقف!
رفع ساعة يده، ونظر فيها، ثم قال: هناك رسالة سوف تصل الآن من الزعيم. ينبغي أن يكون هناك أحد!
قال «فوجي»: هل نعود، أو أذهب لتلقي الرسالة.
فكَّر «أحمد» قبل أن يتخذ القرار، ثم قال بعد لحظة: ينبغي أن تذهب. فسوف أدخل ﻟ «مولت»!
انسحب «فوجي». نظر «أحمد» في أعقابه قليلًا، وهو يفكر. وعندما ابتعد أسرع يرسل رسالة إلى «باسم» و«قيس». كانت رسالة شفرية تقول: «٢٩–٢٥–٢» وقفة «١–٢٣–٢١–١٥–١–١» وقفة «١٨–٢٣–٢٩–٢٧» وقفة «٢٦–٢–٧–٣٠–١–١–٢٧» وقفة «٢٠–٢٦–١٠–١». انتهى. وكانت ترجمتها: يجب القضاء عليه، وإخفاؤه فورًا. في نفس الوقت أسرع يرسل رسالة إلى رقم «صفر». كانت أيضًا رسالة شفرية تقول: «١٩–١٠–٢٠–٢٧» وقفة «٢٤–٢٦–٢٣–٣» وقفة «٣–٢٠–٣–٦» وقفة «٢–٢٢–٢٣–٢٤–٢٧» وقفة «١٢–١٠» وقفة «٢٤–١» وقفة «٢٧–٢٩». انتهى. وكانت ترجمتها: غرفة «مولت» تُفتح بكلمة سر. ما هي؟
انتظر لحظة، فقد كان يقف قلقًا. إن بينه وبين «مولت» الآن خطوة واحدة، ويمكن أن تنتهي المغامرة، ومع ذلك فسوف يظلُّ الموقف معلقًا حتى يعرف كلمة السر. فجأةً وصلته رسالة شفرية: «١–٢٥–٣–٢٧–٣» وقفة «١–٢٣–٢٤–٢٧–٢٤–٢٧» وقفة «٢٦–١–٧–٢٠٣–٢٩» انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: انتهت المهمة، واختفى. ابتسم، فقد عرف أن «باسم» و«قيس» قد قضيا على «فوجي».
مرت دقيقة أخرى، ثم جاءته رسالة المقر السري شفريًّا كانت الرسالة: «٢١–٢٠» وقفة «١٨–٢٣–٢٩» وقفة «٢–١٨–٨» وقفة «٧–١٦–٢٦–٢٧» وقفة «٢٦–١–٦–٨–٢٧» وقفة «٥–١٠–٢» وقفة «٢٢–٢٣–٢٤–١–٣» وقفة «٢٥–١٤–٢٠» وقفة «١–٢٣–٢٣–٢٩–٢٣» وقفة «٢٤–٢٣–٢٩–٢٦–٢٥» وقفة «١٨–١–٢٣–٢٤». انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: قف على بعد خطوة واحدة. جرب كلمات: نصف الليل، مليون، عالم.
تقدم، وأعطى ظهره للجدار، ثم خطا خطوة، واستدار. قال بصوت خفيض: نصف الليل. لم ينفتح الباب. انتظر لحظة … ثم قال: مليون. انتظر لحظة. بدأت فرجة صغيرة تظهر. أخذت تتسع حتى أصبحت بابًا. أسرع يدخل. وما إن خطا خطوة إلى الداخل، حتى أُغلق الباب. كان الضوء خافتًا في الداخل أيضًا. لكنَّه كان يرى كل شيء. كانت طرقة صغيرة أمامه. تنحَّى بعد عدة خطوات. قال في نفسه: ينبغي أن ينضم الشَّياطين الآن، فنحن في آخر مرحلة. وقد يحتاج الأمر إلى صراع ما. فليس من المعقول أن يكون «مولت» هنا وحده.
أسرع يرسل رسالة شفرية إلى الشَّياطين على سطح المدينة العائمة، وذكر لهم كلمة السر التي تفتح الباب، ظلَّ في مكانه عدة دقائق، ثم جاءه الرد. علم أنَّ الشَّياطين في الطريق. مرت دقائق، أخرى، ثم فجأةً، فُتح الباب، وكان أول الداخلين «فوجي». رفع يده بالتحية قائلًا: لقد نفذت الأوامر يا سيدي.
عرف أنَّه «باسم». وخلفه دخل «قيس» و«خالد» و«فهد». تقدَّم «أحمد» وقطع عدة خطوات، ثم انحرف مع الطرقة الصغيرة. كانت هناك طرقة أخرى، في نهايتها يقف حارسان. تمهَّل قليلًا، لكنه لم يتوقف. وعندما وصل عندهما، كان الشَّياطين خلفه مباشرة.
قال أحدهما: أهلًا بالسيد «ميكار».
ردَّ «أحمد»: أهلًا.
ومع الرد، كانت يده تعطي حركة لم يفهمها سوى الشَّياطين الذين تصرفوا على الفور. وفي لحظة كان الحارسان ممددين على الأرض، بعد أن سدد كل من «فهد» و«باسم» ضربتين مفاجئتين لهما …
وقف «أحمد» على بُعد خطوات من الجدار، ثم قال: مليون. إلا أن الباب لم يُفتح. بعد لحظة قال: نصف الليل. مرت ثوانٍ ثم فُتح الباب. انبعث ضوء قوي من داخل الحجرة، حتى إن الشَّياطين لم يروا شيئًا لأول وهلة. لكن أعينهم تعودت الضوء بسرعة. كان «مولت» يجلس في مقعد مريح، أبيض اللون. كان يبدو شاحب الوجه، عصبيًّا.
قال «أحمد»: صباح الخير يا سيد «مولت».
رد «مولت»: صباح الخير يا سيد «ميكار». لقد تأخَّرت الأوامر.
ابتسم «أحمد» قائلًا: لقد تأجلت العملية الليلة. وسوف تطير بعد نصف ساعة إلى حيث الزعيم.
هز «مولت» رأسه، ثم وقف قائلًا: حسنًا … وقال بعد لحظة: أرجو أن تكون العملية الأخيرة قد نجحت!
رد «أحمد»: لا أدري. فلم تصل رسائل من القيادة، لكننا سوف نعرف بعد نصف ساعة.
تقدَّم «مولت» مغادرًا الغرفة، وخلفه مشى «أحمد» ثم الشَّياطين. كان كل شيء يمر في هدوء. تجاوزوا الباب الذي انغلق. ثم قطعوا الطرقة الأولى، ثم الثانية. انفتح الباب الثاني بعد كلمة السر، ثم بدأت الطرقة الطويلة. قطعوها في صمت، وهم يمرون بجوار الحارس العملاق، الذي ابتسم لهم دون أن ينطق بكلمة واحدة، ثم أخذوا يصعدون السطح إلى سطح المدينة العائمة … وعندما استقروا فوقه التفت «مولت» إلى «أحمد» قائلًا: إنَّني لا أرى طائرة هنا، فكيف سنطير إلى الزعيم؟
قال «أحمد»: سوف تصل الطائرة بعد قليل.
فجأةً تردد في الفضاء، صوت طائرة تقترب. ابتسم «أحمد» قائلًا: ها هي يا سيدي.
تعلَّقت الأعين بمصدر الصوت الذي كان يقترب أكثر فأكثر. فكَّر «أحمد»: لا بد أنَّها طائرة رقم «صفر» في الطريق لإنهاء المغامرة!
نظر الشَّياطين إلى بعضهم نظرات لها معنًى، يفهمونه هم فقط. كانت تحمل معنًى، إنَّها طائرة النهاية. اقترب الصوت أكثر، ثم ظهرت أضواء الطائرة. فجأةً غطَّى سطح المدينة ضوء قوي، جعلها كالنهار. فكَّر «أحمد» بسرعة: يجب أن نكون على حذر، فمَن يدري؟ نظر حوله بسرعة. كانت براميل السمك والشِّباك مكوَّمة بالقرب منهم. أمسك بذراع «مولت» ثم همس: فلنبتعد عن تيارات الهواء، حتى نزول الطائرة.
اتجهوا جميعًا ناحية البرميل. بينما كان حراس المدينة من رجال العصابة يقفون بعيدًا وهم يرقبون المكان، فجأةً خرج دخان كثيف من مقدمة الطائرة. فهم «أحمد» بسرعة: إنَّها خدعة. كان الدخان الكثيف ينتشر، ويقترب منهم. شاهد الحراس الذين يقفون بعيدًا وهم يسعلون بشدة. الآن تأكد.
جذب «مولت» بسرعة في اتجاه البراميل، وهو يقول: إنَّه هجوم مضاد!
نظر له «مولت» وهو يهمس: مضاد!
فجأةً ارتفع صوت من خلال مكبر الصوت: ارفعوا أيديكم. ولا داعي للمقاومة! في لمح البصر كان الشَّياطين يستخدمون مسدساتهم فقد أطلقوا في وقت واحد مجموعة دفعات من الطلقات في اتجاه الطائرة وهم ينسحبون سريعًا في اتجاه حافة المدينة العائمة. كانت الطائرة قد نزلت في نهاية المدينة. ومن خلال الميكروفون صدرت التعليمات: حراسة المدينة تبدأ الهجوم. إنَّ هناك عملية اختطاف للسيد «مولت».
وفي لحظة، كان سطح المدينة يشهد مئات الحراس. إلا أن الشَّياطين أدركوا الموقف جيدًا. أسرعوا إلى قنابل الدخان. أخرج «فهد» و«باسم» و«خالد» و«قيس» أربع قنابل دخانية ثم دحرجوها في اتِّجاه زحف الحراس، الذين لم يطلقوا طلقة رصاص واحدة حتَّى الآن، خوفًا على حياة «مولت». وهذا ما كان يدركه «أحمد» جيدًا. انتشر الدخان الكثيف وبسرعة، حتَّى حجب حراس العصابة جميعًا. كان الشَّياطين يقفون عند الحافة تمامًا، وكان «مولت» ينظر إلى «أحمد» نظرات مَن لا يفهم.
إلَّا أنَّ «أحمد» همس: إنَّها خدعة. ويجب أن نفلت منهم.
وقف الجميع على الحافة، وهمس «أحمد»: يجب أن نلجأ إلى الماء. إنَّه سبيلنا الوحيد.
وعندما أعطى إشارة، كان الجميع يطيرون في الهواء في اتجاه مياه البحر المتوسط. بينما كان «أحمد» قد ربط حبلًا رفيعًا في السطح، ثم نزل الماء، وهو يقول ﻟ «مولت»: يجب أن تنزل سريعًا، حتى لا نقع في أيديهم.
نزل «مولت» مترددًا، إلا أن «أحمد» كان يدفعه. وعندما تقدم خطوات إلى أسفل، بدأ «أحمد» النزول. في نفس الوقت كان صوت طلقات الرصاص قد بدأ يتردد. عرف «أحمد» أن العصابة قد فقدت سيطرتها على الموقف، ولم يعد أمامها إلا النار. غير أن الدقائق التالية شهدت شيئًا آخر. فقد بدأ ضوء النهار يظهر. في نفس الوقت الذي كانت فيه سفن الصيد قد اقتربت.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إنَّهم يمكن أن يلعبوا دورًا في الصراع، ونخسر المغامرة. إلَّا أنَّ الأصوات التي شقت الفضاء كانت كفيلة بوضع حد للموقف. لقد كانت أصوات طائرات الشرطة الدولية تدوي. ثم ظهرت أربع طائرات، أخذت تدور حول المدينة العائمة. وجاء صوت يقول: ألقوا أسلحتكم، وإلَّا نسفناكم بالصواريخ!
وفي لحظة، لم يكن هناك سوى صوت الطائرات، وهي تنزل فوق السطح. في نفس اللحظة، كان الشَّياطين ومعهم «مولت» يعومون بالقرب من المدينة. وفي دقائق كانت قوارب الإنقاذ تنزل إلى الشَّياطين، الذين قفزوا فيها، ومعهم «مولت» الذي كان ينظر إليهم في ذهول. فهو لم يكن يفهم شيئًا عن هؤلاء الشَّياطين الذين نفذوا الهجوم. بدأت القوارب ترتفع حتَّى السطح، وحيث كان رجال الشرطة الدوليين في انتظارهم. شدَّ قائد الشرطة على أيدي الشَّياطين يشكرهم، ويدعوهم إلى ركوب إحدى الطائرات …
إلَّا أنَّ «أحمد» شكره قائلًا: إنَّ هناك أصدقاء في انتظارنا، سوف نأكل معهم سمكًا ساخنًا … ثم قفزوا إلى أحد القوارب، متجهين إلى حيث كانت تنتظرهم مركب الصيد، لتعود بهم إلى «اللاذقيَّة» …
وفي الطريق أرسل «أحمد» إلى رقم «صفر» يقول: لقد انتهت المغامرة!
وردَّ رقم «صفر»: أُهنئكم. لقد نفذتم المغامرة بنجاح وبراعة. أتمنى لكم رحلة عودة طيبة. ثم بعد لحظة، جاءت رسالة أخرى من رقم «صفر»: الانضمام سريعًا إلى المقر السري. هناك عمل هام وخطير في انتظاركم.
وعندما نقل «أحمد» الرسالة إلى الشَّياطين، ضحكوا طويلًا، ففي انتظارهم مغامرة جديدة.