١
سوف يتمتَّع هذا العمل المتألق ذو الدلالات الدقيقة بالقَبول على الدوام، وأكاد
أقول «لغيرِ الأسباب الصحيحة»، إلا أن جميع أسباب قبول شيكسبير على مر الزمن صحيحةٌ
بصورةٍ ما. ولكن الواضح أن
هنري الخامس أقلَّ في
المنزلة الدرامية من جُزأي
هنري الرابع. ذهب
فولسطاف، ونضج الملك هنري الخامس فأمسك بزِمام السلطة، فأصبح أقلَّ إثارةً للاهتمام
من الأمير هال الذي كان يَعِدُنا بطاقاتٍ كامنة منوعة. ويُقدم الشاعر الأيرلندي
العظيم و. ب. ييتس تعليقَه الكلاسيكي على هذا الهبوط الجمالي في كتابه
أفكار عن الخير والشر، قائلًا:
إن [لهنري الخامس] رَذائلَ نكراء، وأعصابًا باردة، تنتمي لمن يتولى الحكم
بين أفراد شعبٍ من طبعه العنف، كما أنه لا يتَّسم إلا بقدرٍ ضئيل من الوداد
لأصدقائه بحيث يُلقي بهم خارج الباب عندما ينفدُ زمنهم. وهو لا يعرف الرحمة
ولا الندم، ولا يتميز بشيء قط، مثل قوةٍ ما من قُوى الطبيعة، وأبدع ما في
هذه المسرحية هو الصورة التي ينتهي بها أصدقاؤه القدماء خارجين من المسرحية
بقلبٍ كسير، أو في طريقهم إلى المشنقة.
وأنا أقرأ المسرحيةَ كما قرأها ييتس، ولكنَّ جانبًا كبيرًا من البحوث في شيكسبير
تقرؤها قراءة مختلفة. والسبب الأول لشهرة هنري
الخامس الآن هما الفيلمان السينمائيان اللذان استخرج مادتهما لورنس
أوليفييه وكينيث براناج، وكلٌّ منهما يتَّسم بالحيوية، والوطنية، واللهو والمرح،
والطنطنة الدفاقة، وهي التي يقدمها شيكسبير نفسه، أما عن درجة السخرية فيها فلا
نستطيع القطعَ وإن كنا أحرارًا في أن نحدسها:
نَحْنُ القِلَّة! نَحْنُ السُّعَدَاءُ القِلَّةُ والإخْوَانُ
العُصْبَة،
مَنْ يَبْذُلْ دَمَهُ اليَوْمَ معي … فَهْوَ أَخِي،
وسَيَرْفَعُهُ اليَوْمُ لمَرْتَبَةِ السَّادَة،
مَهْمَا يَنْحَطَّ بهِ نَسَبُه،
أمَّا السَّادَةُ في انْجِلْتِرَةَ وقَدْ هَجَعُوا،
فَلَسَوْفَ يَرَوْنَ بأنَّهمُو لُعِنُوا لِغِيَابِهِمُو عَنَّا،
ولَسَوْفَ يَرَوْنَ رُجُولَتَهُمْ رَخُصَتْ
إنْ سَمِعُوا أَحَدًا يَتَكَلَّمُ مِمَّنْ شَهِدُوا
عيدَ القِدِّيسِ كِريسْبين.
هذا هو الملك، قبيل معركة أجينكور. إنه منفعلٌ بشدة، وكذلك نحن
ولكننا لا نُصدق، مثلما لا يُصدق هو، حرفًا واحدًا مما يقوله، فالعامة من الجند
الذين يُقاتلون مع مليكهم لن يُصبحوا سادة، ناهيك بأن يُصبحوا نبلاء، وادِّعاء
«نهاية العالم» استلهامٌ مبالَغ فيه للحثِّ على الاستيلاء الإمبريالي على أرض لن
يكتب لها البقاء طويلًا مستعمرةً بعد موت الملك هنري الخامس، وهو ما كان جمهور
شيكسبير يعلمه حقَّ العلم. وها هو ذا هازليت، بالفصاحة التي اشتهر بها، ينضم إلى
الشاعر ييتس باعتباره المفسرَ الحقيقي لهنري الخامس ومسرحيته:
كان بطلًا؛ أي إنه كان على استعدادٍ للتضحية بروحه في سبيل متعة تدمير
آلاف الأرواح الأخرى … كيف إذن نُحبه؟ إننا نُحبه في المسرحية. فهو يبدو
فيها وحشًا بالغَ الجاذبية، وصورةً بالغةَ الرُّواء …
لا يمكن أن نجد تعبيرًا أفضلَ من هذا، ولكن هل نضج الأمير هال فأصبح مجردَ وحشٍ
جذاب وصورةً ذاتَ رواء؟ نعم. ولهذا السبب، لُفِظَ فولسطاف، وشُنِقَ باردولف، وفُقد
جانبٌ كبير من تعليم اللماحية. وبصيرةُ شيكسبير الساخرة تظل
ذاتَ دلالة مباشرة، فالسلطة لا تتخلى عن عادتها
على مرِّ العصور. وقد يقول البعض إن هنري الخامس الخاص بالأمة الأمريكية كان جون
فيتزجيرالد كينيدي الذي منَحَنا [الغزوة الفاشلة لكوبا في حادث] خليج الخنازير،
وزيادة إضرام سعير الحرب في مغامرة فيتنام. وقد يلجأ بعضُ الباحثين إلى ترديد
الدروس الأخلاقية ورصد الظروف التاريخية حتى يزدَهوا فخرًا وعُجبًا، لكنهم لن
يُقنعونا أن شيكسبير (الكاتب المسرحي والإنسان) كان يفضل وحشه الجذاب على عبقريَّة
فولسطاف، أو يفضل الصورة البهية التي رسمها هنا على مسرحيتَي هنري الرابع اللتين تمتازان بالتنوع والحيوية.
ونحن نرى في مسرحية هنري الخامس اثنين من رجال
الدين الشرهين، وهما رئيس أساقفة كنتربري والأسقفُّ إيلي، اللذَين يُمولان حرب
الملك في فرنسا؛ ابتغاءَ إنقاذ الممتلكات الدنيوية للكنيسة من مُصادرة الملك لها،
وكلاهما يمتدحُ ورع الملك، كما أنه يحرص على إبلاغنا بمدى إخلاصه للمسيحية. وعلى
صعيد المعركة في أجينكور، يدعو الله أن يهَبه النصر، ويعدُ بأن يذرف المزيدَ من
دموع الندم على قيام والده بقتل ريتشارد الثاني، ويتبع هذا بأن يأمر بذبحِ جميع
الأسرى الفرنسيين، وذلك من باب «الرحمة» الواجب أداؤها. وقد اهتمَّ الباحثون في
الآونة الأخيرة بهذه المذبحة، ولكن التركيز عليها لن يؤثِّر في حب الجمهور
والدارسين لهنري الخامس؛ إذ إن هنري ذو حصافة غاشمة، وغَشَمْشَمَةٍ حَصيفة، وهما
خصيصتان لازمتان لعظَمته الملكية، وهنري الخامس التاريخي الذي مات في الخامسة
والثلاثين من عمره، حقَّق نجاحاتٍ باهرة في السلطة والحرب، ولا شك أنه كان أقوى
ملوكِ إنجلترا قبل هنري الثامن، ولا يتخذ شيكسبير في المسرحية موقفًا واحدًا إزاء
هنري الخامس، وهو ما يسمح لك بتشكيلِ منظورك الخاص للملك الذي نبذ فولسطاف. وأما
موقفي الشخصي فأستمدُّه من الشاعر ييتس؛ إذ إن آراءه في شيكسبير وفي الدولة ممتعةٌ
ما دامت لا تكاد تشتركُ في شيءٍ مع آراء الباحثين المثاليين بالأسلوب القديم، أو
آراء أصحاب الموجة الجديدة من مذهب المادية الثقافية.
يقول ييتس:
لم يكن شيكسبير يأبهُ كثيرًا للدولة، باعتبارها مصدرَ جميعِ أحكامنا، إلى
جانب استعراضاتها البهيجة الرائعة، واضطراباتها ومعاركها، وإشعالها
النيرانَ في القلب غير المتحضِّر.
وإذا خطرَت الدولةُ على بال شيكسبير، فإنها كانت تُذكِّره بأنها اغتالت كريستوفر
مارلو، وعذَّبَت توماس كيد حتى حطمَت روحه المعنوية، ووصَمَت بن جونسون بالعار حين
عجزَت عن كسرِ شوكته ونحن نرى ذلك كلَّه وأكثرَ منه في النعي العظيم في السونيتة
رقم ٦٦:
وكَمَالُ الإنْسَانِ الحَقُّ إذا ظَلَمَتْهُ رَبْقَة،
والقُوَّةُ إنْ يَسْلُبْهَا صَاحِبُ سُلْطَانٍ بَاطِلْ،
والعِلْمُ إذَا أَخْرَسَتِ السُّلْطَاتُ لِسَانَهْ.
كان الوعي بوجود الرقيب، الخارجي والداخلي، ملازمًا لشيكسبير، إذ
أورثه الحذرَ المصيرُ الرهيب الذي حاق بكريستوفر مارلو. وهكذا فأنا أتفق مع ما
انتهى إليه الشاعرُ ييتس، من أن مسرحية
هنري
الخامس، على الرغم من ثراء حياتها الدافقة، توريةٌ ساخرة أساسًا.
يقول ييتس:
لم يكن شيكسبير ينظر إلى هنري الخامس من الزاوية التي كان ينظر منها إلى
أعظم النفوس في موكبها الخيالي، ولكن بالبهجة التي ينظر بها المرء إلى
جَوادٍ ذي روح جميلة وثَّابة، وقص قصته، كما قص كلَّ قصصه، بتورية تراجيدية
ساخرة.
والتورية الساخرة لا تتضح لنا مباشرة؛ لأن المسرحية تنتمي إلى هنري الخامس في
المقام الأول؛ إذ لا يَحظى أيُّ فرد في المسرحية بدور كبير إلا الملك المقاتل.
ووفاة فولسطاف التي تَرويها السيدة كويكلي لا تأتي بصاحب الروح العظيمة إلى خشبة
المسرح، ولا يُعتبر حاملُ الراية بيستول إلا ظلًّا من ظلال قائده، وأما فلويلن،
الدور الفكاهي الآخر فهو تمثيلٌ بديع ولكنه محدود، ربما باستثناء الأوقات التي
يستغل شيكسبير فيها بدهاءٍ ذلك القائدَ الويلزي في تقديم نظيرٍ فَكِه لنبذ
فولسطاف:
فلويلن
:
أظن أن الإسكندر وُلد في مقدونيا، وأقول لك أيها النقيب [رتبة عسكرية]
إنك إذا نظرتَ إلى خرائط العالم فسوف تجد، بالتأكيد، تشابهًا بين حالة
مقدونيا وحالة مونموث إذا قارنتَ بينهما. ففي مقدونيا نهر، وفي مونموث نهرٌ
أيضًا، ويُسمى نهرَ واي. ولكن مخِّي طار منه اسم النهر الآخر، ولكن الحالة
واحدة، فالنهران متشابهان مثل تشابُه أصابعي فيما بينها، وتوجد أسماك
السلمون في كلٍّ منهما. وإذا تأمَّلتَ حياة الإسكندر بدقة، وجدتَ أن حياة
هنري صاحب مونموث تُشبهها شبهًا كبيرًا: والتماثل قائمٌ بينهما. فالله
يعلم، وأنت تعلم، أن الإسكندر كانت تنتابهُ حالاتُ غضب وحنق، وضيقٍ وغيظ،
والاستياء وانحراف المزاج، وانفلات الأعصاب، وحالات سُكْر يغيب فيها العقل،
وفي حالات سُكره وسخطه، وانظر ما فعل: قتل أقربَ أصدقائه لقلبه، وهو
كلايتوس.
جاور
:
مليكنا لا يُشبهه في ذلك، فلم يقتل قطُّ أيًّا من أصدقائه.
فلويلن
:
عيبٌ عليك، وانتبه؛ فأنت تأخذ الحكاية من فمي قبل استكمالها والانتهاءِ
منها. فأنا أتكلَّم عن أوجه التشابُه، قاصدًا المقارنة. فمثلما قام
الإسكندر أثناء السُّكْر والغضب بقتل صديقه كلايتوس، قام هنري صاحبُ
مونموث، أثناء صحوِه وإصدار أحكامه الصائبة، بطرد الفارس البدين، لابس
الصِّدار الذي يُغطي خاصرته المستفيضة، والذي لم يكن يكفُّ عن الفكاهات
والنوادر، وألوان الهزل والتهكُّم. وقد نسيتُ اسمه.
جاور
:
سير جون فولسطاف.
قام الإسكندر الأكبر أثناء سُكره بقتل صديقه الصدوق كلايتوس، ويُذكرنا شيكسبير،
بنبرةِ سخرية، بأن الأمير هال «أثناء صحوه وإصدار أحكامه الصائبة» قام «بقتل» أعزِّ
أصدقائه، الرجل الذي «لم يكن يكفُّ عن الفكاهات والنوادر وألوان الهزل والتهكم».
وتقول حُجة فلويلن إن الفاتحين العظماء يتساوَون مثل «الخنازير»، وليست هنري الخامس بالقطع مسرحيةَ فولسطاف، بل تنتمي إلى «نجم
إنجلترا المشار إليه»، الذي صنعَت ربةُ الحظوظ سيفه. ولكن التوريات الساخرة في
المسرحية ملموسةٌ وكثيرة، وتتجاوز حماسي الشخصي لفولسطاف. فعندما يحثُّ الملك هنري
جنودَه على القتال ودخول الصدع في منطقة هارفلور، يُعلي من شأن آبائهم، قائلًا إنهم
«أنماطٌ كثيرة من الإسكندر.» وإقامة المسافات الفاصلة في هنري الخامس لا تبعث على الحيرة بقدرِ ما تتَّسم بالشكل الجميل
والخداع. وهنري الخامس سياسيٌّ داهية، وهاشمٌ جبار للرءوس، مِقدام على صعيد
المعركة، فلديه كاريزما لا تُجارَى ولا تُبارَى. ونحن نبتهج، مع شيكسبير، بوجوده،
كما نخشاه إلى حدٍّ ما أيضًا، ولكنها خشيةٌ قائمة على الحرص؛ إذ إننا لا نبتعد إلى
حدِّ الاغتراب عن التلميذ المتألق لفولسطاف في اللماحية. ويبدو لنا، من بعض الزوايا
أن نفاق الملك هنري أشدُّ قَبولًا لدينا من نفاق الأمير هال، ما دام الملك المقاتل
ليس على الإطلاق غلامًا نابهًا طاهرَ الذيل يبذل قصارى جهده في سبيل الرفعة. فهنري
الخامس يملك إنجلترة والإنجليز، ويستولي على فرنسا وأميرها، وإن لم يستولِ على
الفرنسيين، وسوف يموت في رَيْعانه مثل الإسكندر، فهو فاتحٌ آخر لم يعد أمامه ما
يفتحه. وهذا الملك المثالي لا يعمل حسابًا لضروب الإخلاص الشخصي؛ فهو يشنق باردولف،
وربما كان سيشنق فولسطاف أيضًا لو أن شيكسبير قرَّر المخاطرة بالروعة الفكاهية
المصاحبة للحملة على فرنسا. ونحن نحسُّ ونحن نشاهد المسرحية أو نقرؤها بوجود ما
يحرص شيكسبير على جعلِنا نتجاوز الحرص عليه.
وقد دأب هنري على نعي عدم تمتعه بالحرية ما دام ملكًا، ومع ذلك فعندما كان الأمير
هال، كان كلامه يتَّسم بقدرٍ كبير من السخرية، وتعلم من فولسطاف درسًا من أشدِّ
دروسه نفعًا، ويقول هذا الدرس إن الحفاظ على الحرية يقتضي الفطنة إلى ما وراء كلِّ
فكرة عن النظام وكل قاعدة سلوكية، سواءٌ كانت تتعلق بشهامة الفروسية، أو كانت
أخلاقية أو سياسية. ولا يدَعُنا شيكسبير نحدد موقع الذات الحقيقية للأمير هال/الملك
هنري الخامس؛ فالملك بالضرورة كيانٌ زائف، وهنري ملك عظيم. أما هاملت، الذي يتسم
بتركيب شخصيته تركيبًا لا حدود له، فإنه يصبح دورًا مختلفًا كلما اضطَلَع بأداءِ
دوره ممثلٌ قدير. وأما هنري الخامس فهو مُلَّمٌ لا مُركَّب، ولكن النتيجة
البرجماتية هي أن الممثلين لا يتشابهون في أداء هذا الدور. وقد يكون من المناسب أن
يصبح عُنوان المسرحية هنري الخامس أو ما شئت. ويحرص شيكسبير على ألا تصمد أشدُّ السخريات
لذعًا أمام موقف الجوقة الثابت، فهي تُضمر حبًّا شديدًا «لهاري المحارب»، النموذج
الحق أو «المرآة لجميع الملوك النصرانيين». وحتى إن أردت أن تسمعَ نفاقًا في هذا
فسوف تسحرُك الجوقة بما تُسميه «قطرة صغيرة من هاري أثناء الليل».
ولا حاجة لشيكسبير أن يُذكرنا بأن فولسطاف، ذا الذكاء واللماحية الحادة بما
يتجاوز كلَّ حد، كان يُضمر حبًّا بالغ الشدة للأمير هال. لم يكن أحد يستطيع أن
يرتبط برباطِ الحب مع هنري الخامس، ولكن مقاومته كانت تستعصي على الجميع، فهو
شخصيةٌ إنسانية شيكسبيرية عظيمة، لا يُجاري هاملت أو فولسطاف بطبيعة الحال، ولكنه
أعظم من هوتسبير. ويتمتع هنري الخامس ببهاء الإسكندر وهو الذي يرهن كلَّ شيء على
نجاح مشروع حربي واحد، ولكن هذا الإسكندر قد وُهب دخيلةً خاصة، وهو يستغلها
استغلالًا حاذقًا للظفر بمزاياها البرجماتية. وتقول رؤيةُ هنري إن الذات الباطنة
المتنامية تتطلَّب مملكةً ما تفتأ تتَّسع، وفرنسا هي المجال المحدد للتوسع، وأما
الإثم الذي حمله هنري الرابع، وهو إثمُ اغتصاب العرش وقتل الملك، فتتمثل الكفارة
عنه في فتوح البلدان وطرد فولسطاف، وتدعيم ذلك كلِّه بإحساسٍ جيد بالمجد الحربي
والسمو الملكي. إن الآباء الذين تجاوَزَهم أبناؤهم تَشحب صورتُهم بعد حلول البريق
الساطع للعرش المؤلَّه. ولا تتوقف التورياتُ الساخرة، ولكن ما قيمتها في إطار هذا
المشهد المتجاسر المتألق؟ كان فولسطاف يحمل أكثرَ من قلب شيكسبير؛ أي كان يحمل ذهنه
أيضًا، وأما هنري فلا يَزيد عن السياسة. ولكن السياسة قادرةٌ على إعداد مشاهد
رائعة، وفي باطن كلٍّ منا شيءٌ يستجيب لطابع الفرح والمرح في مسرحية هنري الخامس. إن البطل الملك على عرش إنجلترا يشعُّ
ضياءً يمنع من ظهور النهج الحربي، والوحشية، والنفاق عند المتظاهرين بالورع،
فكاريزما الملك تسود، وهو ما يفيد المسرحية، ويحرص شيكسبير على فعل ما يكفل لنا أن
نتذكَّر حدودَ المسرحية.