مكبث
١
وعرافة الساحرات في مكبث، على الرغم من هيمنتها، لا تستطيع تغيير الأحداث المادية، ولكن الهلاوس تستطيع ذلك وتفعله. فالسحر الساذج في مكبث ينتمي كله إلى شيكسبير؛ إذ إن المؤلف يطلق العنان هنا لمخيلته، كما لم يفعل من قبل، طالبًا العثور على حدودها الأخلاقية (إن وجدت). وأنا لا أقول إن مكبث يمثل شيكسبير، بأي طريقة من الطرق المعقدة التي قد يمثل بها فولسطاف وهاملت بعض الجوانب الباطنة عند الكاتب المسرحي، ولكن مكبث يمكن أن يكون، في إطار مفهوم المخيلة في عصر النهضة (الذي يختلف عن مفهومنا)، رمزًا لتلك الملكة عند شيكسبير، ولا بد أن هذه الملكة قد أخافت شيكسبير، ولا بد أن ترعبنا، عندما نقرأ أو نشاهد مكبث؛ إذ تعتمد المسرحية على الرعب الذي تحدثه تخيلاتها. ويعتبر الخيال (أو الوهم) شيئًا ملتبس الدلالة عند شيكسبير وفي الحقبة التي عاش فيها؛ إذ كان يعني الإلهام أو الفورة الشعرية، وهو بديل من نوع ما للوحي الرباني، كما كان يعني في الوقت نفسه وجود ثغرة انفتحت في الواقع، كأنما كانت عقابًا على إزاحة المُقدَّس في داخل العلماني. ويخفف شيكسبير إلى حدٍّ ما من الهالة السلبية للتخيل في مسرحياته الأخرى، لا في مكبث، فهي تراجيديا المخيلة. وعلى الرغم من أن المسرحية تعلن بانتصار «لقد تحرر الزمان» عندما يُقتل مكبث، فإن الأصداء التي لا نستطيع الفرار منها ونحن نترك المسرح أو نغلق الكتاب لا صلة لها بحريتنا.
إن هاملت يموت في إطار التحرر، بل ربما يزيد من حريتنا، ولكن موت مكبث أقل قدرة على تحريرنا، ورد الفعل العالمي لمكبث هو تماهينا معه أو على الأقل تماهينا مع مخيلته. إن ريتشارد الثالث، وياجو وإدموند أشرار أبطال، واعتبار مكبث واحدًا من تلك العصبة خطأ فاحش. فهؤلاء يتلذذون بشرورهم، ومكبث يعاني مُرَّ المعاناة من معرفة ارتكابه للشر، وإدراكه أن عليه أن يواصل ارتكاب ما هو أسوأ. ويحرص شيكسبير، بفظاعة إلى حدٍّ ما، على أن نشعر أننا نحن مكبث، فتماهينا معه غير طوعي ولا مفر منه. فإن كلًّا منا يَتمتَّع، إلى درجة ما، بمخيلة مستقبلية وهذه المخيلة المستقبلية في مكبث مُطلَقة. وهو نادرًا ما يعي طموحًا أو رغبة أو أمنية له قبل أن يرى ذاته على الجانب الآخَر أو الشاطئ الآخَر، وقد سبق له ارتكاب الجريمة التي تُحقِّق طموحه تحقيقًا ملتبس المعنى.
ويرعبنا مكبث من جانب مُعيَّن لأن ذلك الجانب من مخيلتنا ذو رعب بالِغ؛ إذ يبدو أنه يحيلنا إلى قتلة، ولصوص، وغاصبين ما ليس من حقنا، ومُغتصِبِين للنساء.
ما سبب عجزنا عن مُقاوَمة التماهي مع مكبث؟ إنه يهيمن على مسرحيته هيمنة كاملة تسد طرق الفرار علينا منه. وزوجته، ليدي مكبث، شخصية قوية، ولكن شيكسبير يخرجها من المسرح بعد الفصل الثالث، المشهد الرابع، باستثناء عودتها لفترة قصيرة أثناء جنونها في بداية الفصل الخامس. كان شيكسبير قد قتل مركوشيو مبكرًا حتى يمنعه من سرقة الأضواء في روميو وجوليت، ولم يسمح لفولسطاف إلا بمشهد وفاة ترويه إحدى الشخصيات حتى يمنع السير جون من تحويل الأمير هال الذي «صلح حاله» إلى قزم في مسرحية هنري الخامس. وما إن تختفي ليدي مكبث حتى يصبح الحضور الحقيقي الوحيد على المسرح حضور مكبث. وتبدو حصافة شيكسبير في الامتناع تقريبًا عن تصوير الشخصيات المتميزة فرديًّا لدنكان، وبانكو، ومكدف، ومالكوم. والواقع أن البواب المخمور، وابن مكدف الصغير وليدي مكدف أشد حيوية، رغم قصر الفترات التي يظهرون فيها على المسرح، من جميع أدوار الذكور الثانوية في المسرحية؛ إذ يغشاهم لون «رمادي»، ولما كان مكبث يتكلم ثُلُثًا كاملًا من سطور المسرحية، ودور ليدي مكبث مبتور، فإن ما يريده شيكسبير منا واضح: إن علينا أن نتخذ سبيلنا إلى قلب الظلام داخل مكبث، حيث نجد أننا قتلة للروح وفي الروح بدرجة أصدق وأغرب.
إن الرعب في هذه المسرحية، الذي يجيد مناقشته ويلبر ساندرز، متعمد و«صحي». فإذا كُنَّا مضطرين إلى التماهي مع مكبث، ونجد أنه مُنفِّر لنا (ولنفسه) فلا بد أن نكون نحن أيضًا مصدرًا للخوف. إن شيكسبير يتبع عكس التعريف الذي وضعه أرسطو للتراجيديا، إذ يغرقنا في طوفان من الخوف والشفقة، لا ليطهرنا منهما، بل في إطار غرضية لا غرض لها، ولا يستطيع أي تفسير أن يفهمه فهمًا كاملًا. إن رفعة مكبث وليدي مكبث جبارة، وهُمَا شخصيتان إنسانيتان مقنعتان، يرتبطان بحب عميق بينهما. بل إن شيكسبير يقدم مُفارَقة فائقة إذ يقدمهما في صورة أسعد زوجين في كل ما كتب. ولكنهما ليسا شيطانين على الرغم من جرائمهما البشعة والكوارث التي يستحقانها. وتتسم مسرحيتهما بالسرعة وقصر الأبعاد الخلفية (إذ لا يزيد طولها عن نصف طول هاملت) إلى الحد الذي نُحْرَم فيه من أية فرصة لمواجهة سقوطهما في الجحيم أثناء حدوثه. إن جانبًا حيويًّا فينا يشعر بالحيرة إزاء تبخر طبيعتهما الخيرية، وإن كان شيكسبير يعطينا رموزًا كافية عن طريق السقوط والخروج.
عن الأخلاق في المسرح: كل من يظن أن مسرح شيكسبير ذو تأثير أخلاقي وأن مُشاهدة مكبث تُرغِم المرء على النفور من شر الطموح مخطئ، وهو يخطئ أيضًا إذا ظن أن شيكسبير نفسه يشعر بما يشعر هو به. إن الذي يَتملَّكه الطموح الفَوَّار حقيقة يتطلع إلى صورة طموحه فرحًا، وإذا فني البطل بسبب هذا الولَع الجارف فإن ذلك هو المذاق الحرِّيف اللاذع في المشروب الساخن لهذا الفرح. هل يمكن للشاعر أن يشعر بغير هذا؟ ما أشبه الطريق الذي يتبعه بطلُه الطَّموح بالطريق الملكي وأبعده عن سمات الأشرار منذ اللحظة التي يرتكب فيها جريمته العظمى! وهو لا يبدأ إلا منذ تلك اللحظة في التَّمتُّع بجاذبيته «الشيطانية» وحث الطبائع المماثلة له على منافسته أملًا في التَّفوُّق عليه. وصفة «الشيطانية» هنا تعني التَّحدِّي المُوَجَّه ضد الحياة والمزايا من أجْل دافع مُعيَّن وفكرة مُعيَّنة. هل تفترض أن تريستان وإيزولدا يُقدِّمان وعظًا للقارئ ضد الزنا، ما دام الزنا يقضي عليهما معًا؟ إن معنى هذا قلبُ الشعراء رأسًا على عقب؛ إذ إنهم، وخصوصًا شيكسبير، مُولَعون بالعواطف المَشبوبة في ذاتها، ولا يقل حبهم لها ولو كانت تعني الترحيب بالموت، وهي حالة نفسية لا يستمسك القلب فيها بالحياة بشدة إلا كما تستمسك قطرة ماء بالكأس. فالذي يشغل قلوبهم ليس الإثم والشر الناجم عنه، ويستوي في ذلك شيكسبير مع سوفوكليس (في إيجاكس، وفيلوكتيتيس، وأوديب): وكم كان يسهل في هذه الحالات جعل الإثم محور الدراما، ولكن هذا بالقطع قد تَجنَّبه الشعراء. فالشاعر التراجيدي لا يرغب في اتخاذ موقف منحاز ضد الحياة بصور الحياة لديه! إنه يهتف على العكس من ذلك قائلًا: «هذا مثير المثيرات كلها، هذا الوجود المنعش، والمُتغيِّر، والخطر، والكئيب الذي كثيرًا ما تغمره أشعة الشمس! إن العيش مُغامَرة، وبِغضِّ النظر عن الموقف الذي تتخذه فيه، فسوف يحتفظ بهذا الطابع دائمًا!» إنه يتكلم إذن مُستلهِمًا عصرًا قلقًا شديدَ البأس، نصفَ مخمورٍ، مُغَيَّبَ العقل، بسبب ازدياد الدم المسفوك والطاقة، أي بلسان عصر أكثر شرًّا من عصرنا، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحتاج أولًا إلى التكيُّف ثم تبرير الهدف من أية دراما شيكسبيرية، أو بتعبير آخَر ألا نفهمها.
ويشارك نيتشه هنا وليم بليك في قوله المأثور إن أرفع الفنون الفن اللاأخلاقي، وإن «الجمال يكمن في الحياة الدفاقة الثرية». ولا شك أن مسرحية مكبث تتميز «بازدياد الدم المسفوك والطاقة» وقد تكون ضروب الرعب فيها أقرب إلى المسيحية منها إلى الطابع اليوناني أو الروماني، ولكنها في الحقيقة أزلية إلى الحد الذي يجعلها تبدو لي أقرب للشامانية [ديانة آسيوية قائمة على العِرافة] منها إلى المسيحية، بل إن «الباقيات الصالحات» في السونيتة ١٤٦ تُوحِي لي بأنها أقرب إلى الأفلاطونية منها إلى المسيحية. وتتسم مكبث بأنها أشد «تراجيديا دموية» عند شيكسبير لا من حيث عدد القتلى فيها وحسب، بل أيضًا من حيث الدلائل القصوى لمُخَيِّلَة مكبث التي يسودها سفك الدماء. فالغاصب مكبث يتنقل في مشاهد دموية وهمية مُتغَيِّرة ومُتَّسِقة معًا؛ أي إن الدم هو العنصر الأول الذي يُشكِّل مخيلته. إنه يرى أن ما يعارضه دم من جانب مُعيَّن — فَلْنُسَمِّه الطبيعة بمعنى أنه يعارض الطبيعة — وأن هذه القوة المُعارِضة تدفعه إلى سفك المزيد من الدماء «إن الدماء تطلب الدماء … كما يقال! والدم يأتي بالدم!»
ويقول مكبث هذه الكلمات في أعقاب مواجهة شبح بانكو، وكدأب مخيلته، يَتغلَّب اتساقها على تَشوُّشه المعرفي. فالدم «هو» العنصر الطبيعي — ولندعه الملك دنكان — و«الدم» الثاني هو كل ما يستطيع مكبث أن يشعر به. إن اغتصابه عرش دنكان يَتعدَّى سياسات المملكة، ويُهدِّد الخير الطبيعي القائم في أعماق مكبث وزوجته، وإن كانَا قد هجراه، وهو الذي يسعى مكبث الآن لتحطيمه، ولو على المستوى الكوني، إذا كان ذلك في طوقه. ولك أن تَصِف هذا الخير الطبيعي أو المعنى الأول «للدم» بأنه مسيحي، إذا شئتَ، ولكن المسيحية دين سماوي، ومكبث يَتمرَّد على الطبيعة حسبما يتصورها. وذلك يُؤدِّي إلى قطع علاقة المسيحية بمكبث، إلى حدٍّ كبير، مثل قطع علاقتها بالملك لير بل بجميع التراجيديات الشيكسبيرية فعلًا. وأما عطيل الذي اعتنق المسيحية فإنه لا ينحرف عنها بل ينحرف عن طبيعته الفُضْلى، وأما هاملت فهو الصورة المثلى لجميع المواهب الطبيعية، لكنه لا يستطيع الالتزام بها. وأنا لا أقول، هنا أو في أي موقِع آخَر في هذا الكتاب، إن شيكسبير نفسه كان غُنُوصيًّا، أو عدميًّا، أو مؤمنًا بمذهب الحيوية النِّيتشِيَّة قبل نيتشه بثلاثة قرون. لكنه، باعتباره كاتبًا مسرحيًّا، كان ينتمي إلى جميع هذه المذاهب أو إلى أحدها بقدر انتمائه إلى المسيحية. وليست مكبث، كما ذكرتُ آنفًا، احتفالًا بمخيلة شيكسبير، كما أنها ليست أيضًا تراجيديا مسيحية. إن شيكسبير، الذي كان يفهم كل ما نفهم وزيادة (ولن يتوقف البشر عن محاولة اللحاق به)، كان قد صرف عفريت مارلو منذ فترة طويلة، وتخلص من التراجيديا المسيحية المصاحِبة لذلك العفريت (مهما يكن انحرافها). ولا يشترك مكبث في أية صفة من صفات تمبرلين أو فاوستوس. فالطبيعة التي ينتهكها مكبث بجهد جهيد طبيعته الخاصة، لكنه على الرغم من أنه يتعلم ذلك عندما يبدأ انتهاكه إياها، فإنه يرفض أن يلحق بالليدي مكبث في جنونها وانتحارها.
٢
يُعتَبر مكبث أقل مَن يتمتع بالحرية بين جميع الأبطال التراجيديين عند شيكسبير، فكما يقول ويلبر ساندرز، تُشْبِه أفعال مكبث وقوعًا إلى الأمام من نوع ما (يصفه ساندرز بأنه «وقوع في المكان نفسه») وسواء كان نيتشه على حق أم لم يكن (وفرويد من بعده) في الاعتقاد بأن قُوى غريبة عنَّا هي التي تملي علينا حياتنا وأفكارنا وإرادتنا، فإن شيكسبير قد سبق نيتشه في هذا الاعتقاد. والواقع أن ساندرز يتبع نيتشه بدقة في تصوير مكبث في صورة الرجل الذي لا يملك برجماتيًّا أية إرادة، على عكس ليدي مكبث، التي تُعْتَبر إرادة خالصة حتى تَتفتَّت. وقد تكون نظرتها مفتاحًا يرشدنا إلى الطرائق المختلفة التي يشتهي بها التاج مكبث وزوجته: فهي تريده وهو لا يريد أي شيء، ومن المفارقات أنها تنهار وأنه يكتسب المزيد من القدرة على بث الرُّعب، فيؤذي الآخَرِين ويؤذي نفسه حتى يصبح «العدم» الذي تنبأ به. ومع ذلك فإن هذا العدم يظل رفعةً سلبيةً، ذات جلال جدير بوقار المنظورات التراجيدية. وسوف يظل لغز مكبث، باعتبارها عملًا دراميًّا، كامنًا في استيلاء بطلها على رهبة تعاطفنا. فلقد كان شيكسبير يحدس التصورات الآثمة التي نشارك مكبث فيها، فهو مستر هايد ونحن الدكتور جيكيل. وتؤكد القصة الرائعة التي كتبها ستيفنسون أن هايد أصغر سنًّا من جيكيل، وذلك لأن الحياة العملية لجيكيل تتسم بالشباب في الشر وبالشيخوخة في الأعمال الصالحة. ويشبه هذا إحساسنا الغريب أن مكبث أصغر منا عمليًّا بصورة ما. وسواء كنا فضلاء «أو لم نكن» فإننا نخشى أن يكون مكبث، مستر هايد في أعماقنا، ذا طاقة على تحقيق نزوعنا الكامن للشر الفعَّال. وجيكيل المسكين يَتحوَّل آخر الأمر إلى مستر هايد ولا يستطيع العودة، وفن شيكسبير يوحي بأننا يمكن أن نواجه ذلك المصير.
هل يُعتبَر شيكسبير نفسه، على أي مستوى، دكتور جيكيل أيضًا بالقياس إلى مستر هايد في مكبث؟ كيف لا يمكنه أن يكون، وقد نجح في الوصول إلى رفعةٍ سلبيةٍ عالميةٍ من خلال تَخيُّله تصورات مكبث؟ إن مكبث يشبه هاملت (الذي يرتبط به بروابط عجيبة) في أنه يثير هالة حميمية، مع الجمهور، ومع الممثلين المساكين، ومع المؤلِّف الذي أبدعه. ونقاد شيكسبير الشكليون — من الحرس القديم والمُحدَثين — يُصرُّون على أنه لا توجد شخصية أكبر من مسرحيتها، ما دامت الشخصية «دورًا» لأحد الممثلين. أما أفراد الجمهور والقُراء فليسوا شَكليين إلى هذا الحد، فإن شايلوك، وفولسطاف، وروزالند، وهاملت، ومالفوليو، ومكبث، وكليوباترا «وبعض الآخَرين» يمكن نقلهم بسهولة، فيما يبدو، إلى سياقات تختلف عن مسرحياتهم. فإن سانشو بانزا، على نحو ما أوضح كافكا في أمثولته الرائعة «حقيقة سانشو بانزا» يمكن أن يصبح خالق دون كيخوته، وقد يبرز من بيننا كافكا جديد أقرب إلى نهج بورخيس، ليثبت أن أنطونيو هو الذي ابتكر شايلوك، أو أن الأمير هال والد السير جون فولسطاف.
وتُعتَبر مكبث إلى حدٍّ بعيد مسرحية تكتنفها ظلال الليل، واسكتلندا التي تصورها أقرب إلى أن تكون بلدًا أسطوريًّا من بلدان الشمال من كونها الأمة الحقيقية التي ينتسب إليها الملك الراعي لشيكسبير، ولا شك أن الملك جيمز الأول قد أوحى ببعض الظواهر التي تُؤكِّدها المسرحية، ولكن تلك أبعد من أن تكون أشدها حسمًا، ألا وهي الإحساس بأن الليل قد اغتصب النهار. والقتل هو الفعل المميز لمكبث؛ إذ لم يقتصر ضحاياه على الملك دنكان، بل تَعدَّاه إلى بانكو، وليدي ماكدف وأطفالها. والفكرة المضمرة المُؤكَّدة تقول إن كل شخص في المسرحية يمكن أن يكون هدفًا لمكبث وزوجته. وقد يكون شيكسبير قد سخر من بشاعات خشبة المسرح عند المسرحيين الآخرين في تيتوس أندرونيكوس ولكنه يتبع نهجًا تجريبيًّا خفيًّا وهو إشاعة هالة من القتل العمد في مكبث. ولا يعني هذا أن كل فرد منا، نحن أفراد الجمهور، يمكن أن يكون ضحية، بل يعني أن مكبث الصغير الكامن في كل فرد من أفراد الجمهور يُمْكِن إغراؤه، بصورة مقلقة، بقتل شخص أو اثنين من اختياره.
٣
يقول هازلت إن مكبث «لا يثق بشيء إلا اللحظة الحاضرة.» ومع تقدم أحداث المسرحية يفقد مكبث حتى تلك الثقة، وبواعث قلقه الغيبية تدفع فيكتور هوجو إلى إقامة تماهٍ بين مكبث وبين نمرود، أول صائد للبشر في الكتاب المُقَدَّس، ومكبث جدير بهذا التماهي؛ فإن حيويته المذهلة تبعث العنف في الشر بقوة الكتاب المُقَدَّس وجلاله، وهو ما يقدم لنا مُفارَقة تقول إن المسرحية تبدو مسيحية لا بسبب أي تعبير حميد عن الخير بل في حدود ما تتجاوَز أفكارها عن الشر الشروح الطبيعية المُجرَّدة. فإذا كان أي لاهوت يمكن تطبيقه على مكبث، فلا بد أن يكون لاهوتًا شديد السلبية، أو قُل إنه لاهوت ينكر التجسيد. إن عالَم مكبث، مثل عالَم موبي ديك، لا يعرف أي مُخَلِّص، فالربوة والبحر على حدٍّ سواء أكفان عظمى، والموتى فيها لا بعث لهم.
لا يرغب أحد في أن تفقد مسرحية مكبث ساحراتها، بسبب حضوريتها الدرامية، ولكن الرؤيا الكونية في المسرحية تجعلها غير لازمة إلى حدٍّ ما.
لا يوجد بين ما يتخيله مكبث وبين ما يفعله غير ثغرة زمنية، يبدو فيها — هو نفسه — بلا إرادة. فالساحرات يمثلن ربات الفنون في مكبث، وهي تشغل مكان تلك الإرادة، ولا نستطيع أن نتصور أنها تظهر لياجو أو لإدموند؛ لأنهما عبقريتا إرادة. وليست الساحرات رجالًا جوفاء، بل إن مكبث هو الرجل الأجوف. وما يحدث لمكبث محتوم، على الرغم من الإثم الذي يتحمله، ولا تجري أية مسرحية أخرى من مسرحيات شيكسبير حتى ولا الهزليات المبكرة، بالسرعة التي تجري بها مكبث (على نحو ما لاحظه كولريدج). وربما كانت السرعة عاملًا يزيد من الرعب في المسرحية، فلا يبدو أن العقل لا يملك أية سُلطة على «كون الموت»، وهو كون يكاد يتماهى مع الأوهام المُتغيِّرة في مُخَيِّلَة مكبث ومع الساحرات.
ولا يمنح شيكسبير أية طاقة معرفية تقريبًا لأي شخص في مكبث، وخصوصًا للبطل نفسه. فالطاقات الذهنية عند هاملت، وياجو، وإدموند لا صلة لها بمكبث ولا بمسرحيته. أي إن شيكسبير ينشر طاقات الذهن، بحيث لا تمثل شخصية واحدة في مكبث أية مَقدرة خاصة على فَهْم التراجيديا، بل ولا يستطيع الشخوص جميعًا ولو تكاتفوا أن يفهموها. فالذِّهن غائب عن مكبث، فلقد هجر البشر والساحرات جميعًا، ويقيم بأسلوبه الحر حيثما يشاء؛ إذ يُغَيِّر وفقًا لأهوائه، وبسرعة، مكان وجوده، من أحد أركان الفراغ المحسوس إلى ركن آخر. كان كولريدج يكره مشهد البواب (الفصل الثاني، المشهد الثالث) الذي اشتهر بالطَّرْق على الباب، ولكن كولريدج تَعمَّد أن يُصِم سمعه عن التَّعجُّل المعرفي للطرق على الباب، ألا وهو أن الذهن هو الطارق، وهو يقتحم المسرحية، بالمشهد الكوميدي الأول والوحيد المسموح به في هذه الدراما. إذ يستعين شيكسبير بالممثل الكوميدي الأول في الفرقة (ونفترض أنه كان روبرت آرمن) على تقديم لمسة شافية من الطبيعة بعد أن أخافنا مكبث بالخوارق، وبالأوهام المُتغيِّرة المُتبادَلة بين مكبث وزوجته عن القتل والسلطة:
الواضح أن البواب لديه صداعٌ من السُّكْر في البارحة ولكنه فَرِح مَرِح، وهو يسمح بدخول مكدف ولينوكس مما أصبح الآن حقًّا باب الجحيم، أي مكان القتل الذي قضى فيه مكبث على الملك الصالح دنكان. وقد يكون شيكسبير يشير إلى نفسه من طرف خفي عندما ذكر الفلاح الذي انتحر لأنه كان يخشى وفرة المحاصيل وانحطاط أسعارها؛ إذ إن الاستثمار في الحبوب كان من الميادين التي يفضلها شيكسبير في تشغيل رأس المال. وأما التَّفكُّه الأعمق فمصدره التضاد في المستقبل المنظور بين البواب ومكبث. فالبواب الذي يقول إنه حارس لباب الجحيم، يحيي بصخب ومراح من نسميه «المتلاعب» بالألفاظ بحيث يمكن لكلامه أن يعني الشيء ونقيضه، والمُفترَض أنه كان أحد اليسوعيين مثل الأب جارنيت، فالمأثور عنه أنه حَلَّلَ أو أَحَلَّ التلاعب بالألفاظ للنجاة من العقاب أي من إدانة الذات في محاكمة المتهمين بتدبير ما يسمى «بمؤامرة البارود»، أي مؤامرة نسف البرلمان في أوائل عام ١٦٠٦م، العام الذي قُدِّمَت فيه مكبث على المسرح أول مرة. ويبدو لي أن وضع مكبث في سياق تاريخي باعتبارها رد فعل على «مؤامرة البارود» يمثل مُضاعَفة الظلام بظلام آخر؛ إذ إن شيكسبير دائمًا ما يتجاوز الشرح من خلال لحظة زمنية مُعيَّنة. بل أظن أن المقصود أن نرى التضاد بين البواب السكران الذي يشير إلى تحليل «المراوغة في التعبير»، وهو ما يقصده بالتلاعب بالألفاظ، وبين مكبث نفسه، الذي سوف يُذكِّرنا بالبواب، في الفصل الخامس، المشهد الخامس، عندما يشاهد غابة بيرنام مُقبِلة إلى دنسينان؛ إذ يقول: «ها أنا ذا أبدأ في الشك الآن … في شر مراوغة الشيطان/إذ يكسو الأكذوبة لون الصدق.» ويقتصر دي كوينسي في تحليله للطَّرْق على الباب على الدقات الأربع نفسها، ولكن هذا البلاغيُّ الحاذق كان ينبغي أن يزيد اهتمامًا بحوار البواب التالي مع مكدف، حيث يدين البواب إلى الأبد فكرة «المراوغة» بإيضاح تأثير الخَمْر الذي يُحَفِّز على ثلاثة أشياء:
أي إن السُّكْر تلاعُب آخَر أو مُراوَغة؛ إذ إنه يُثِير الشهوة ثم يُنْكِر على الذَّكَر قُدْرَته على الأداء. ترى يدفعنا موقف البواب إلى التساؤل إن كان مكبث، مثل ياجو، يُدبِّر ارتكاب القتل لأن قدرته الجنسية قد وهنت؟ إذا كانت لديك مُخيِّلة مستقبلية عميقة مثل مُخَيِّلَة مكبث، فإن رغبتك أو طموحك يسبق إرادتك، ويُلْقِي بك على الضَّفَّة الأخرى للزمن بسرعة أكبر مما ينبغي. إن العاطفة الجنسية الضارية عند مكبث وزوجته تتميز بشدة وتركيز يثير الحيرة، ربما كان يرجع إلى عدم إنجاب الأطفال، وهكذا فربما كان البواب يشير من طرف خفي إلى حالة تتجاوز ما يمكن له أن يعرف، ولكنها لا تفوت على ما يستطيع الجمهور أن يحدسه.
إن وحشية مكبث باعتباره آلة قتل تتجاوز قدرة الجميع حتى سفاكي الدماء الكبار عند شيكسبير، مثل هارون المغربي وريتشارد الثالث، بل والضراوة الحربية البطولية الرومانية عند أنطونيو وكوريولانوس، ومن الممكن أن يكون ياجو عاجزًا جنسيًّا، وربما تكون له علاقة لإحساسه بالمَهانة بسبب تخطيه في الترقية، أي ترقية كاسيوس بدلًا منه. ولكنْ إذا كانت فُحولة مكبث قد أُعِيقَت، فلا يوجد أمامه عطيل يمكن إلقاء الذَّنْب عليه؛ فإذا كان لديه ضعف جنسي فإنه ذاتي المصدر؛ أي إنه جاءت به مخيلة شديدة الجزع بما يأتي به الزمان إلى الحد الذي يجعله يَتطرَّف دائمًا في الاستعداد لكل حادث. وقد يكون هذا عنصرًا من عناصر تقريع ليدي مكبث له، كأنما تتوقف استعادة رجولة مكبث على قتله دنكان أثناء رقاده، وهو الذي لا تستطيع ليدي مكبث أن تفعله؛ لأن الملك الصالح يشبه أباها في نومه. وارتفاع موجة العدمية عند مكبث التي تصل إلى ذروتها في صورته للحياة باعتبارها حكاية لا معنى لها، ربما يكون لها ارتباط بتخفيض قيمة الواقع عند ياجو أكبر من ارتباطها بالقوة الجنسية الباردة عند إدموند.
والملاحظ أن جنون ليدي مكبث يتجاوز الصدمة الأليمة النابعة من الإحساس بالذَّنْب وحسب، فإنَّ زَوْجَها يَتجنَّبُها بانتظام (وإن لم يُناصِبْها العداء) بعد مَقتل دنكان. ومَهْمَا يَكُن الزوجان قد قصداه بتعبير «العَظَمة» المشتركة التي وعد كل منهما زوجه بها، فإن التورية الساخرة من جانِب شيكسبير تختزل هذه العظمة بحيث تقتصر على الابتعاد عن العلاقة عمليًّا بعد تحقيقهما اغتصاب التاج. فإننا نشعر بشَجَن مخيف في هتاف ليدي مكبث، بعد أن جُنَّتْ «إلى الفراش»، وتورية مستقبلية مرعبة في صيحتها من قبل، داعية الشياطين، قائلة: «فلتنزعي أنوثتي من جسدي.» قد لا نُعبِّر عن الحقيقة كلها إذا قلنا إن الإحساس بالحياة الجنسية الإنسانية عند أي مُؤلِّف آخَر لا يضارع إحساس شيكسبير بها في نطاقها ودقتها. والرعب الذي نشعر به، مُشاهدِين وقُرَّاء، عندما نعاني مكبث، يبدو لي ذا طبيعة جنسية من عدة زوايا، وإن لم يكن ذلك إلا لأن القتل يَتحوَّل بصورة متزايدة إلى أسلوب التعبير الجنسي عند مكبث. أي إن عجز مكبث عن إنجاب الأطفال يدفعه إلى قتلهم.
٤
ما دامت التقاليد قد جَرَت على اعتبار مكبث مسرحية مُرعِبة بصورة مُتفرِّدة بين مسرحيات شيكسبير، فسوف أبدو غريب الأطوار حين أرى أن الرُّعب في هذه التراجيديا ذو أصول جنسية على نحو ما، وأنها ذات طابع جنسي في جوانبها السائدة. لا شك أن العنف في مكبث يُؤثِّر فينا أكثر مَمَّا كان يُؤثِّر في الجمهور المعاصر للدراما. فإن عددًا كبيرًا، إن لم يكن مُعْظَم مَن شاهدوا مكبث على المسرح، كانوا بين الجماهير الغفيرة التي كانت تتزاحم لتشهد تنفيذ الإعدام علنًا في لندن، بما في ذلك إخلاء الأحشاء وتقطيع الأوصال، إلى جانب قطع الرءوس، وهو الأسلوب الأقرب للتَّحضُّر. وكان شيكسبير في شبابه، كما رأينا، قد جمع على الأرجح عددًا كبيرًا من هذه الفظائع في مسرحيته تيتوس أندرونيكوس حتى يسعد جمهوره ويسخر في الوقت نفسه من مثل هذه السعادة. ولكن الأحداث الهمجية في تيتوس أندرونيكوس ذات تأثير بالِغ الاختلاف عن تأثير المَظاهر الوحشية في مكبث، وهي التي لا تدفعنا إلى الضحك المتوتر:
لا أستطيع أن أذكر أي شخص آخر عند شيكسبير تَلقَّى جُرْحًا قاتلًا من السُّرَّة صاعدًا حتى الفكَّيْن، وهو أسلوب في شق الجسم يُقدِّمُنا إلى الضراوة التي تُدهِشُنا فعلًا عند مكبث. إنه يُوصَف بأنه «عريس بيلادونا» أي زوج ربة الحرب، وضرباته التي تشق الجسم تنفذ وظيفته الزوجية. وعلى الرغم من الإخلاص المُتبادَل بينه وبين زَوجَتِه بصورة ملموسة، فإن حبَّهما له عناصره الإشكالية. إن مصادر شيكسبير أعطته ليدي مكبث التي سبق لها الزواج، وربما كانت لا تزال حزينة على طفلها الذي أنجبته من ذلك الزواج وتوفاه الله. والعاطفة المُشترَكة بينها وبين زوجها تَعتَمِد على حلمهما «بعظمة» مُشترَكة، وربما كان رجاء تحقيقها عنصرًا من عناصر جاذبية مكبث في مرحلة الخطبة، فهي تُذكِّره به حينما يُبدي التردد. وتسَلُّطها عليه، بطعنها الغاضب في رجولته، ربما كان نابعًا من إحباطها، فهو إحباط قطعًا للطموح، وإحباط واضح للأمومة، وربما يكون إحباطًا نتيجة عدم الإشباع الجنسي. وعندما قال فيكتور هوجو إن مكبث من سلالة نمرود، أول «صائد للرجال» في الكتاب المُقَدَّس، ربما كان يُلمح إلى أن عددًا قليلًا منهم ظفروا بشهرة العشاق. ومكبث يرى نفسه دائمًا في صورة الجندي، ومن ثم فهو ليس قاسيًا ولكنه قاتِل محترف، وهو ما يسمح له بالحفاظ على سلبيةٍ شخصيةٍ غريبة، بحيث يصبح هو الحلم لا الحالم. وعلى الرغم من صيته بصفة المثل الأسمى للشجاعة، ومن ثم فهو غير جبان، فإنه على الدوام في حالة خوف. مَمَّ يخاف؟ يبدو لي أن جانبًا من الإجابة يتمثل في خوفه من العجز الجنسي، وهو خوف يرجع إلى قوة مُخيِّلَته الجبارة مثلما يرجع إلى حلم العظمة المشترك مع ليدي مكبث.
لا يكاد يَتوقَّف النُّقاد عن الإشارة إلى وجود عنصر من عناصر العنف الجنسي في قتل مكبث لدنكان الصالح النائم. ويُؤكِّد مكبث ذلك الاكتشاف النَّقدي عندما يشبه تقدمه إلى الجريمة بتَرْكُوِين قائلًا: «فَإِذْ بِهِ يَهُبُّ مُسْتَرِقًا خُطَاهُ الوَاسِعَة/مُحَاكِيًا صَنِيعَ تَرْكوِينَ المُغْتَصِبْ.» أثناء ذهاب ذلك الطاغية إلى فراش لوكريس ذات العفاف حتى يغتصبها، وهي بطلة قصيدة شيكسبير.
إن مكبث و«الخراب» وحدة واحدة، والإيحاء الجنسي في «خرق لباب في الطبيعة» وفي الدخول المهدر بالِغ القوة، ويعتبر الكفة المقابلة [أي الرد على] كلمات اللوم المريرة من فم ليدي مكبث بسبب رفض مكبث إعادة الخنجرين، وهو ما يعني مشاهدته الجثمان مرة أخرى. وهي تصيح في وجهه أولًا قائلة: «مزعزع العزيمة.» وعندما تعود بعد أن أعادت الخنجرين، فإن إيحاءها بفشله الجنسي يصبح أكثر سفورًا؛ إذ تقول له: «لقد تَخلَّت عنك قوة الشكيمة.» وهو تذكار آخَر بأن صلابته قد هجرته. ولكن ربما تكون الرغبة قد تَخلَّت عنه إلى الأبد، باستثناء اقتصارها على تخليد اسمه على مر الزمن. أي إنه حكم على نفسه بأن يكون «الممثل المسكين»، أي الممثل الذي ازداد قلقه فأصبحت تفوته مواقع بداية كلامه. إن ياجو وإدموند، كل منهما بأسلوبه الخاص، مؤلِّفان مسرحيان يُقدِّمان ما ألَّفاه على خشبة المسرح، وذلك حتى فضحت إميليا ياجو وتلقَّى إدموند جرحه القاتل من الفارس المجهول، الشخصية التي تَنكَّر فيها إدجار. وعلى الرغم من أن ياجو وإدموند قامَا بدوريهما التمثيليين اللذين ابتكراهما ببراعة، فإنهما أظهرَا عبقريتيهما في المقام الأول باعتبارهما من واضِعِي الخطط، ومكبث يضع خططًا بلا توقُّف ولكنه لا يستطيع توجيه مسار الدراما حسبما يريد، بل إنه يفسد خططه في كل مرة، ويَزداد حنقه باطراد كلما أدَّى تنفيذ أشد أفكاره سفكًا للدماء إلى تَرْك آثار أو بقايا من ورائها تُواصِل تهديده. إن مالكوم ودونالبين، وفليانس ومكدف، يَفِرُّون جميعًا، ونجاتهم تحمل في نظر مكبث صورة الكابوس.
ولا شك في أن المسرحية تَرِث كونهن لا كونًا مسيحيًّا. إذ إن هيكات، ربة اللعنات السحرية، هي إلهة عالَم الليل، وعلى الرغم من أنها تصف مكبث بأنه «ابنها الشارد»، فإن أفعاله برجماتيًّا تجعله شريكا مخلصًا للساحرة الشريرة. ويشعر المرء عندما يعيد قراءة مكبث بوجود طاقة خارقة في باطن مكبث نفسه أكبر من الطاقة المتاحة لهيكات أو للساحرات. وتعاطفنا المتضاد معه، والذي نشعر به على الرغم من أنفسنا، يستند من جانب مُعيَّن إلى أن شيكسبير يستبعد أي مركز بشري آخَر ذي أهمية، باستثناء زوجته التي خُسف كيانها قبل موعده، ويثير من جانب آخر خوفنا من أن تكون مخيلته مخيلتنا نفسها. ولكن أكبر عامل من عوامل تعاطفنا غير العقلاني ينجم من رفعة مكبث. فدائمًا ما ينطق بأقوال رائعة تنفذ من خلال سحابات التشويش، ويبدو أن قوة ما، لا هي ربانية ولا هي شيطانية، تختاره بوقًا للنبوءات:
ونحن لا نحس هنا، مثلما لا نحس في غير هذه السطور عند شيكسبير، أن الفصاحة النبوئية غير ملائمة له، فإن لغته وخيالاته تنتمي إلى نبي، وهو ما يزيد من رُعب تَفتُّتِه وتدَهْوُره إلى أن يصبح أشد سافك للدم بين جميع الأشرار الطغاة عند شيكسبير. ومع ذلك فنحن نتساءل كيف ولماذا انطلق هذا الصوت العظيم من خلال وعي مكبث؟ فالواضح أنه يأتيه من دون أن يطلبه. نعرف أنه أحيانًا ما يتعرض لنوبات إغماء، وتقول ليدي مكبث: «ذي نوبة تعتاد مولانا كثيرًا/منذ أيام صباه.» أي إنه يتعرض لنوبات رُؤى تأتي حينما وحيثما تشاء، وميله إلى كشف الغيب يرتبط بوضوح بتخيلاته المستقبلية وبانشغال الساحرات به. ولا يوجد عند شيكسبير شخص مستغرق في خفايا الوجود وأسراره مثل مكبث، حتى ولا الساحر الهرمسي بروسبرو.
٥
تعتبر مكبث، بسبب هذه الغرابة إلى حدٍّ ما، المسرحية التي تنافس هاملت والملك لير منافَسة كاملة، وهي تَتخطَّى مثلهما ما يمكن أن يبدو لنا حدود الفن. ومع ذلك فإن المسرحية تمتنع على الوصف والتحليل النقدي، لأسباب تختلف اختلافًا كاملًا عمَّا نصادفه في هاملت والملك لير. فالطابع الباطني عند هاملت هوة سحيقة، ومعاناة لير ومكابدته تبدو لنا فوق إنسانية، وأما مكبث فإنه إنساني الطبع إلى أقصى الحدود. وعلى الرغم من العنف الذي يَتَّسم به مكبث، فإنه أقرب إلينا من هاملت ولير. ما الذي يجعل هذا الغاصب ذا علاقة وثيقة بنا؟ إن الممثلين، حتى أعظمهم، لا يجيدون أداء دوره، باستثناءات جد قليلة، مثل إيان ماكيلين، الذي يبدو أفضل من شاهدته في هذا الدور، ولكن ماكيلين نفسه كان، فيما يبدو، مشغولًا بالتأرجح الذي يحدثه انفتاح الدور على الجمهور. وأعتقد أننا نتماهَى إلى أبعد حدٍّ مع مكبث؛ لأننا نشعر أيضًا أننا ننتهك طبائعنا الخاصة، مثلما يفعل مكبث. وتعتبر مسرحية مكبث من بين أعمال شيكسبير ذوات الأصالة الصادمة، فهي أول دراما تنتمي إلى المذهب التعبيري. إن وعي هاملت أشد اتساعًا من وعينا، على عكس وعي مكبث؛ إذ إنه يَتَّسم، فيما يبدو، بملامحنا ذاتها على وجه الدقة، مهما نكن. ولقد أكدتُ آنفًا العنصر المستقبلي في انطلاقات مُخَيِّلَة مكبث، قائلًا إنها تصل إلى أفهامنا وخشيتنا بمعنى ذلك الإحساس البشري العام بأن شيئًا رهيبًا يوشك أن يقع، وأننا لا خيار لنا إلا أن نشارك فيه.
وعندما يشير مالكوم، بالقرب من نهاية المسرحية، إلى «سفاك الدماء الميت … والملكة زوجته الشبيهة بالشيطان»، نجد أننا في موقف غريب؛ إذ لا بد من الموافقة على ما يقوله ابن الملك دنكان، ومن أن نهمس لأنفسنا قائلين إن هذا التصنيف لمكبث وليدي مكبث تصنيف قاصر فيما يبدو. فالتوريات الساخرة في مسرحية مكبث لا تتولد من صدام المنظورات بل من انقسامات داخل الذات، عند مكبث وعند الجمهور، وعندما يشير مكبث إلى أن خاطِر تَولِّيه المُلك «يَشل ذهنه بكل وهم يخنقه.» كما يقول أولًا، فلا بد لنا أن نُوافِقَه، ثم نتأمل كيف يَصْدُق «خنق الوهم» لنا إلى درجة محدودة. ويقول الدكتور جونسون عن مكبث إن «الأحداث أكبر من أن تسمح بتأثير مواقف نفسية معينة.» ولما لم يكن يفوق أحدٌ الدكتور جونسون فيما كان يطلق عليه «الهيمنة الخطرة للمخيلة»، فلا بد لي أن أفترض أن أعظم النقاد قاطبة شاء ألَّا يعترف بأن الموقف الخاص للمخيلة المستقبلية لمكبث يحتم مسار أحداث المسرحية. ورسم مسار بعض الأقوال التي تثب إلى المستقبل في ذهن مكبث لا بد أن يساعدنا على الوثوب قُدُمًا في أعقابه.
ويقدمنا مكبث إلى طبيعة مخيلته في حديث جانبي مُنْتَشٍ في أوائل المسرحية قائلًا:
ويحاول مكبث وهو في قلعته، مستضيفًا الملك دنكان، نسخ مونولوج بأسلوب هاملت، لكنه سرعان ما ينتقل إلى أسلوبه الخاص، قائلًا:
وهنا تدخل ليدي مكبث فلا يستكمل مكبث استعارته؛ إذ لا يقول [الجانب] بل «الآخَر» وحسب. ولكن كلمة «الجانب» ليست الكلمة الصحيحة، فإن جواده الذي يمثل إرادته، قد هُمِزَ «جنباه»، وهو ما يعني أن الطموح ينكفئ بوضوح على «الشط» الآخَر للزمن، ما دام طموح قتل دنكان قد ثبت أنه الرغبة المقصودة. وهذه الصورة من الصور الرئيسية في المسرحية، ويحرص شيكسبير على الحفاظ على طابعها الوهمي بعدم السماح لنا بمشاهدة مقتل دنكان. وفي الطريق إلى اغتيال الملك، يرى مكبث رؤيا تَتوغَّل به في المجال الذي لا يكون فيه إلا ما لا يكون:
ولحظة القوة المذكورة تبدأ انتشارها من خلال ظاهرة جديدة في تاريخ الرؤى عند مكبث؛ إذ يتعرض الوهم إلى تُحوُّل زمني، فتظهر قطرات ضخمة من الدم على النصل والمقبض. وهو يحاول أن يُؤكِّد لنفسه أن ذلك ليس موجودًا، ولكنه يستسلم لإحدى تلك الانطلاقات الرائعة من الفصاحة التي تهبط عليه. ففي ذلك الاستسلام لسحر هيكات، يدهشنا مكبث بأن يُماهِي بين خطاه قاصدًا دنكان النائم وبين خطى تاركوين المغتصبة، أي نحو الفتاة التي سوف يغتصبها في القصة الشعرية التي كتبها شيكسبير بعنوان اغتصاب لوكريس. لن يغتصب دنكان طبعًا بل سوف يغتصب حياته، ولكن لا بد أن هذه الإحالة قد أثارت الكثير من أفراد الجمهور. وأقول من جديد إن هذه الجرأة تُمثِّل «التوقيع» الخاص لشيكسبير، حيث يثبت تواطؤه مع مُخَيِّلة بطله، و«أمضي فأنتهي منه.» عبارة تُشكِّل ذروة الرؤية المقبلة، ونحن نشارك فيها، شاعرين أن دنكان قد مات فعلًا، قبل أداء الطعنات.
ولكن علينا أن ننتظر إلى ما بعد جريمة القتل الثانية، قتل بانكو، وبعد مُواجَهة مكبث لشبح بانكو، حتى تبدأ هذه الأقوال المستقبلية في الاستسلام لإحساس الغاصب بأن البشاعة التي يحس بها تفوق البشاعة التي ارتكبها:
وما دامت السياقات الأخلاقية، على نحو ما يبين لنا نيتشه، لا علاقة لها وحسب بمكبث، فإن إحساس بطل المسرحية المتزايد بالبشاعة ربما لا يكون مثيرًا للبشاعة على نحو ما ينبغي له، فالساحرات يراوغنه بالتلاعب بالألفاظ، ولكنها كانت مراوغة على أية حال. وأنا أحب ملاحظة برادشو التي يقول فيها إنهن «فيما يبدو مُتقلِّبات الأهواء وطفولية بصورة غريبة، ولَسْن أقلَّ اهتمامًا برَبابِنَة السُّفن والكستناء من اهتمامهن بمكبث واسكتلندا.» إنهن أبعد ما يكُنَّ عن حكم الكينوما أو الخواء الكوني، الذي تقع فيه مسرحية مكبث، فإنهن يظهرن من مكوناتها الأشد ضآلة من مكبث نفسه. فالعالم الذي سقط أثناء خلقه ليس مسيحيًّا على الإطلاق. وعلى الرغم من أن هيكات تتمتع ببعض القوة في هذه الطبيعة فإنَّا نشعر بوجود قوة غنوصية، خاصة بالرب التنفيذي، أعظم منها وبأنها طليقة في هذه المسرحية. ولا يمنحها شيكسبير اسمًا، بل يدعوها «الزَّمَن» وحسب، ولكن هذا زمن مَجازي إلى حدٍّ بعيد، فليس هو «العهد الماضي» أو الليالي الجميلة الخوالي، عندما كنتَ تستطيع تحطيم رأس شخص وتنتهي منه، ولكنه «الآن» أي الزمن الذي تشغل فيه الأشباح أماكننا.
فهنا نرى أن الليل يصبح صقرًا ملكيًّا يمزق الشمس إرْبًا، وأن مُخَيِّلَة مكبث تصبح رُؤَويَّة تمامًا. أما في أنشودة «يأتي غد … من بعده غد … من بعده غد.» فالدلالة ما بعد رُؤَويَّة، مثلما تصبح عند استقبال الأنباء التي تقول إن غابة بيرنام قد جاءت إلى دنسينان:
الحياة ظل يمشي في ضوء تلك الشمس، أي تمثيل سبق إعداده مثل الممثل الخائب الذي لن تستمر ساعة زهوه وثورته إلى ما بعد مغادرتنا المسرح. ولما كنت لا أزال أحمل في أذني ذبذبات صوت رالف ريتشاردسون أثناء أدائه دور فولسطاف، منذ نصف قرن كامل، فإنني أتصور أن (شيكسبير لا مكبث) قد قَرَّر أن صوت ريتشاردسون «سوف يغيب» حتى يأتيني الموت. وأبدع لمسة لفظية يبدعها مكبث تعديل استعارته؛ إذ تنقلب صورة الحياة فجأة من ممثل سيئ إلى قِصَّة أَبْلَه؛ أي إنها عَدَمِيَّة بالضرورة. واللغة الرائعة عند مكبث، وفي المسرحية، تختزل في «الضجيج والغضب»، ولكن هذه العبارة ترتد إلى نحر مكبث؛ إذ إن ألفاظه نفسها، بكل بَهائها تنقضه نقضًا، فكأنما ينتهي أمره إلى أن ينكر على نفسه أي تعاطف خيالي، وهو إنكار من المحال على جمهوره قبوله.
٦
ويستكشف ولبر ساندرز، الذي يستشهد برأي ويلسون نايت، مكبث باعتبارها المسرحية الشيكسبيرية التي «نخضع فيها لخوف مجهول» أكثر من كل ما عداها. وخِبْرَتي الخاصة بالمسرحية هي أنَّنَا نستجيب لها مُحِقِّين بالرُّعب، تمامًا مثلما نستجيب لمسرحية هاملت بالدَّهْشَة والتعجب. ومهما يكن تأثير مكبث، بخلاف ذلك، فإنها قطعًا لا تُقدِّم لنا تطهيرًا من ضروب الرعب التي تثيرها. وما دُمْنَا مضطرين إلى استيعاب مكبث في نفوسنا، فإن «الخوف المجهول» في نهاية المَطاف خوف من أنفسنا. فإذا استسلمنا له — ولا يكاد شيكسبير يُقدِّم لنا خيارًا آخَر — فإننا نَتبع مكبث إلى داخل عدمية تختلف اختلافًا شاسعًا عن رحلات الهوة التي يقوم بها ياجو وإدموند، فإنهما أصحاب عدمية مُؤكَّدة، آمنين في خيارهما الذاتي. ولكن مكبث ليس آمنًا قط، ولسنا آمنين نحن أيضًا قط، باعتبارنا صحبته على الرغم من أنفسنا، فهو ينجبنا، وهو والد لنا، ونحن الأطفال الذين لم ينجب غيرهم.
طالما كان مكبث يعيش في صراع مع نفسه، برز الشقاء والشر والخوف، وأما حين يتماهَى هو وغيره تماهيًا صريحًا في النهاية مع الشر، فإنه يواجه الدنيا من دون خوف، بل إنه لم يَعُد يبدو لنا شريرًا بعد ذلك.
أعتقد أنني أفهم ما كان ويلسون نايت يرمي إليه، ولكن بعض التنقيحات لازمة، فإن مسار مكبث العام مسار من الرعب المستقبل إلى الإحساس بتوقعات مُحَيِّرة، يحل فيها إحساسه بما يتعرض له من البشاعة محل الخوف. فأما «الشر» فنستطيع أن ننحيه جانبًا، فهو من قبيل تحصيل الحاصل، قل كأنك تصف هتلر أو ستالين بالشر، وأما حين يتعرض مكبث للخيانة، من جانب هلاوس أوهامه ونبوءاته، فإنه يَتجلَّى فيه الحنق العميق ذو الطاقة الهائلة، مثل مُمثِّل أصابه الهلع بسبب قدره الذي يفرض عليه دائمًا فقدان مواقع بداية كلامه. ويواصل غاصب العرش ارتكاب القتل، فلا يحوز النصر على الزمن أو الذات. وأحيانًا ما أتساءل إن كان شيكسبير قد اطلع على الشذرات الغُنُوصِية والمانوية المنتشرة أو المُبعثَرة في أقوال آباء الكنيسة، وهم لا يستشهدون بها إلا لكي يدينوها، وإن كنت أشك في أن شيكسبير كان مولعًا بأمثال هذه القراءات الكهنوتية. وأما مكبث، فمهما يبلغ تماهينا معه، فهو يبث خوفًا أكبر من أي شيء يواجهه، وبذلك يلمح إلى أننا نحن قد نكون أكبر مصدر للرعب من أي شيء في عالمنا. ومع ذلك، فإن دنيا مكبث، مثل دنيانا، قد تمثل سياقًا رهيبًا:
لا مراء في العظمة الجمالية لمسرحية مكبث، فهي وإن لم تكن تقدر على مُنافَسة النِّطاق والعمق في مسرحيتي هاملت والملك لير، أو الصراحة المُتألِّقة في عطيل، أو انفساح الدنيا بلا نهاية في ساحة أنطونيو وكليوباترا، لا تزال أفضل مسرحية في نظري من بين التراجيديات الرفيعة. وتتبدى قوة شيكسبير الأخيرة في الاستيعاب الباطن إلى أعمق أعماقه، وهذه أشد مسرحياته استيعابًا باطنًا، حسبما تتجلَّى أحداثه في المُخيِّلة الأثيمة التي نُشارك مكبث إياها. ولا يوجد منهج نقدي يستطيع تحقيق النجاح على قدم المساواة في تناول توماس ميدلتون أو جون فلتشر مع شيكسبير، ويصلح لإلقاء الضوء على شيكسبير لنا. لا أعرف إن كان الإله قد خلق شيكسبير، ولكنني أعرف أن شيكسبير خلقنا، بل إلى درجة مذهلة. ففي علاقة شيكسبير بنا، جمهوره الدائم، يبدو شيكسبير ربًّا من البشر الفانين، والأدوات التي نستخدمها لقياس أبعاده تَتحطَّم حين نحاول استعمالها. ولا تقول لنا مكبث، على نحو ما اهتدى إليه أفضل نقادها، إن الجرائم المرتكبة ضد الطبيعة يمكن إصلاحها إذا أعيد إقرار النظام الاجتماعي المشروع. فالطبيعة نفسها جريمة في مكبث، ولكن ذلك ليس من الزاوية المسيحية التي تُطالِب بالخلاص للطبيعة برحمة من الإله ونعمة منه، أو بالتكفير عن الذنوب والفوز بالغفران. وكما هو الحال في مسرحية الملك لير، لا ملجأ لنا نقصده، لا مكانًا حرامًا نأوي إليه في مكبث. ويتفوق مكبث نفسه علينا في الطاقة وفي العذاب، ولكنه أيضًا يمثلنا، ونحن نكتشف وجوده بحيوية تزداد كلما ازداد تعمقنا فيه.
وأما irony فذات دلالات متعددة ليس أصلها الضحك كما رأينا في السخرية العربية، بل في اختلاف المعنى المراد من الكلام وخصوصًا تضاده مع المعنى الظاهر، فالأصل اللاتيني ironia مشتق من اليونانية eirõneia من الاسم eiron الذي يعني الكاذب في كلامه أو المُتظاهر أو المُتصنِّع في حديثه من الفعل eirein أي يتكلم. وأما المعنى الأول ﻟ irony فهو أن تقول شيئًا وتعني ضده، وعادة ما يكون هذا من باب السخرية بأحد معانيها المُبيَّنة أعلاه، وأما المعنى الثاني فهو أن يظن أحد الشخوص على المسرح أن ما يعرفه هو الحق، ولكن الحق متوارٍ عنه؛ إذ لا يعرفه إلا الجمهور، فهذه هي تورية مسرحية ونسميها اصطلاحًا التورية الدرامية dramatic irony وهي لا تتضمن السخرية بالضرورة أو الضحك، وأما المعنى الثالث فهو حُدوث غير ما كان المرء يَتمنَّاه؛ إذ تتكاتف الظروف على إحباطه وهو ما نسميه مفارقة القدر (irony of fate) والمعنى الرابع فلسفي وهو مَوقِف الذِّهن الذي يُدرِك تناقضات الحياة وتعقيداتها فلا يأخذها مأخذ الجد دائمًا، ويُوصَف بأنه ironist أي الساخر، والمعنى الخامس هو التَّظاهُر بالجهل في النقاش إما بطرح الأسئلة، وإما بالتَّلاعب اللفظي وهو يُسمَّى التلاعب السقراطي (socratic irony). (المترجم)