الفصل السادس
ريتشارد الثالث
على الرغم من أن شيكسبير لم يكن تَحرَّر من تأثير مارلو، فإنه استطاع تحقيق نجاح
دائم
في مسرحية ريتشارد الثالث التي تُمثل تقدمًا هائلًا
على مباريات الشتائم في مسرحيات هنري السادس. وتحتفظ
هذه الميلودراما بحيويةٍ مدهشة، على الرغم من التفاوت بين مستوياتها إلى حدٍّ أكبرَ مما
توحي به سُمعتُها. فإن ريتشارد هو المسرحية، وليست للأدوار الأخرى أهمية كبيرة، حسبما
تعَلَّمَ رالف ريتشاردسون، فيما يبدو، من أداء دور بكنجهام في الفيلم المؤثِّر الذي
أخرجه لورنس أوليفييه بعنوان ريتشارد الثالث؛ إذ
حاوَل ريتشاردسون الإجادة قدرَ طاقته وإن يكن هذا الدورُ ظالمًا لقدراتِ أي ممثل.
ويُثير دور كلارنس اهتمامًا محدودًا، ولكن هذه الدراما تُركز على بطَلها الشرير تركيزًا
أكبر من أي شيء كتبه شيكسبير حتى عام ١٥٩١م، إلا إذا كانت النسخة الأولى من هاملت كانت قد كُتِبت قبل ذلك التاريخ. ويبدو أن مارلو قد
انتقَم لنفسه في مسرحيته إدوارد الثاني من مسرحيات
هنري السادس، ومن بالغ الصعوبة البتُّ فيما إذا
كانت ريتشارد الثالث تحاكي إدوارد الثاني لمارلو، أو أن الأخيرة ردٌّ على محاكاة مسرحية
شيكسبير.
لسنا على ثقةٍ وإن كان من المأمون أن نحدس أن الكاتبَين المسرحيَّين المتنافسين كانا
يتبادلان التأثيرَ والإيحاءات، عن وعيٍ. لم يترك لنا التاريخ أيةَ أقاصيص عن أيةِ
لقاءات بين مارلو وشيكسبير، لكن لا بد أنهما تلاقيا عدة مرات، وشارَكا الرياسة للمسرح
في لندن حتى قتَلَت الحكومة مارلو في أوائل عام ١٥٩٣م. وربما يكون مارلو قد أخاف
شيكسبير، وذلك إلى حدٍّ ما بالطريقة التي يصدم بها ريتشارد الثالث جماهيرَ المسرح، ولم
يكن شيكسبير يميلُ شخصيًّا إلى العنف على الإطلاق، في حينِ أن مارلو كان متمرِّسًا في
مُشاجرات الشارع، وعميلًا مناهضًا للجواسيس، وبصفةٍ عامة لا يُرجى منه خير، بطرائقَ
يمكن أن تُذكِّرنا بالشاعرين الفرنسيين الشقيَّين فيون ورامبو، ولم يكن أيُّهما من
أعمدة المجتمع. وأميل إلى تفسير ريتشارد الثالث باعتباره محاكاةً ساخرة أخرى لشخصية
باراباس، يهودي مالطة، مثل هارون المغربي، ومن ثم فهو يعتبر خطوةً أخرى تؤدِّي إلى رسمِ
صورةٍ رائعة لمارلو في شخصية إدموند في الملك لير،
بعد أن كان مارلو قد تُوفي منذ فترةٍ طويلة. وربما كان مارلو نفسُه يُمارس المحاكاةَ
الساخرة المريرة، إن استطعنا تصديقَ شهادة توماس كيد التي أدلى بها تحت وطْأة التعذيب
الحكومي.
أما المؤكد فهو أن ريتشارد الثالث يُجيد المحاكاة الساخرة، لمارلو، وللأعراف
المسرحيَّة، ولنفسِه. وهذا سرُّ سحره «المزعج»؛ وسُلطته العظمى على الجمهور وعلى
الأشخاص الأخرى في المسرحية مزيجٌ من السحر والرعب، ويصعب التمييزُ بينهما في إغوائه
الجامع بين الصادية والماسوكية لليدي آن، بعد أن قتل زوجها وحماها عمدًا. والمتعة
الصادية التي يجدُها في التلاعب بآن (وغيرها) ترتبط بصورته المتطرِّفة للمذهب الطبيعي
القائم على الشك، وهو يختلف تمامًا عن مذهب مونتاني ولكنه ربما يُشبه مذهبَ مارلو.
ومذهبُ الشك عند ريتشارد يستبعدُ الورَع، ومذهبه الطبيعي يُحيلنا جميعًا إلى حيوانات.
وعلى الرغم من أنه أشدُّ فظاظةً وغِلظة من ياجو وإدموند، فإنه مع ذلك يُبشر بمقدمهما،
خصوصًا في «احتفاليته» الواعية بذاته.
وفي عام ١٩٥١م نشرَت جوزفين تي (Tey) روايةً بوليسية
رائعة بعنوان ابنة الزمن، وهي تُعتبر مرشدًا مفيدًا
لجانبٍ من جوانب إنجاز شيكسبير في ريتشارد الثالث،
ألا وهو فرضُه الدائم للنسخة الرسمية التاريخ التي وضَعَتها أسرةُ تيودور الحاكمة على
مخيلاتنا. وتقول رواية «تي» إنَّ مفتشًا في شرطة سكوتلانديارد البريطانية، مُلازمٌ
للفراش، لكنه يستعين بباحثٍ أمريكي شابٍّ في تبرئة ريتشارد من جرائمه، بما في ذلك قتل
الأميرَين الصغيرين في برج لندن. والمؤلفة تُقدم حُجةً بالغةَ القوة لصالح ريتشارد، كما
أن بعض المؤرخين المحْدَثين يؤيدون حُكمها، ولكن المؤلفة نفسَها تعترف ضِمنًا أن المرء
لا يستطيع أن يُنازل شيكسبير ويفوز. إن ريتشارد الثالث سوف يظلُّ أبدَ الدهر شريرًا
ممتعًا، وسوف يظل ريتشارد السابع (واسمه ريتشموند في المسرحية) محررًا بطوليًّا، على
الرغم أنه على الأرجح هو الذي أمَر بقتل الأميرَين في
برج لندن. وباعتبار المسرحية إنجازًا دراميًّا (في حدودها الخاصة) لن تتأثَّر ريتشارد الثالث بأية مراجعات تاريخية، ولكنها جديرةٌ
بالذكر؛ لأن التطرف الشديد الذي يُبْديه شيكسبير في تمثيل شرور ريتشارد قد يُخفي شكوكًا
ساخرةً عند الكاتب نفسِه. لم يكن شيكسبير ينظر إلى التاريخ من المنظورات السياسية للسير
توماس مور، أو هول، أو هولنشيد، ناهيك بأصحاب المدرسة البحثية التاريخية، قديمِها
وحديثها، بل — إلى حدٍّ بعيدٍ — من منظور السير جون فولسطاف. إذا نظرتَ إلى مسرحية
ريتشارد الثالث باعتبارها من تأليف فولسطاف فلن
تُخطئ خطأً يُذكَر. إنَّ لشيكسبير موقفَين عاقلين تُعبر عنهما عبارتان هما: «هَبْني
الحياة» و«تأمَّل الشرفَ المزعوم»، إنهما يُعبران عن حَصافةٍ بالغة أثناء تأمله باسمًا
السفَّاحين من الملوك والنبلاء الذين ينتشرون كالسوس في مسرحياته التاريخية. إن
فولسطاف، مثل شيكسبير، يُحب اللعب ويلعب، ويتجنَّب بحكمةٍ هُراء الولاء للأُسَر
الحاكمة. لن يُكتَب لنا أن نعرف يومًا ما كيف كان شيكسبير يرى ريتشارد الثالث التاريخي،
أما الصورة الكرتونية التي وضَعَتها أسرةُ تيودور فكانت مادةً شعرية رائعة لما تقتضيه
المسرحية، وكان ذلك يكفي ويزيد.
وينبغي أن تكون الحيوية الدافقة وفرحُه الجنوني في إطار نزعته الشيطانية الخاصة
قادرَين على الانتقال إلى الجمهور، على العكس من الحيوية الكبرى عند ياجو التي تُصيبنا
بالرهبة والخوف الصادقَين. وكان أفضل مَن لعب دور ريتشارد على المسرح أمامي، وهو إيان
ماكيلان، يوحي بقوةٍ ربما كانت أكبرَ من الدور بحيث قدَّم الوغد الكوميدي كأنما كان قد
تحول إلى مزيجٍ من ياجو ومكبث. ولكن ريتشارد عند شيكسبير لا يزال ينتمي انتماءً سافرًا
إلى مارلو؛ فهو أستاذٌ للغة المُقْنِعة لا عالم نفسي عميق، أو ذو رؤيةٍ إجرامية. فهذه
الصورة لريتشارد لا سريرة لها ولا دخيلة، وعندما يحاول شيكسبير أن يُضفِيَ ضميرًا حيًّا
قلقًا، عشية المعركة التي تقضي عليه، تكون النتيجةُ هبوطًا ساخرًا في الأسلوب وكارثة
درامية. فهو يفزع من بعضِ أحلامه المزعجة، ثم يُفاجئنا بأنه لا يبدو ريتشارد الحقيقي،
ولا يكاد شيكسبير يعرف كيف يُمثل التغيُّر الذي طرأ عليه؛ يقول ريتشارد:
هاتِ جَوادًا آخَرْ! ضَمِّدْ يا هَذَا كُلَّ جُروحِي!
رُحْمَاكَ يَسُوعُ بِنَا! (يُفيق) ماذا؟ لَمْ يَكُ إلَّا حُلْمًا!
أُوَّاهُ ضَمِيري الخَائِرَ ما أَعْمَقَ تَعْذِيبَكَ لي!
ضَوءُ شُمُوعِي مالَ إلى الزُّرْقَة! مُنْتَصَفُ اللَّيْلِ تَمَامًا!
قَطَرَاتُ الخَوْفِ البَارِدَةُ تَسَاقَطُ فوقَ الجَسَدِ
المُرْتَعِشِ!
ما مَصْدَرُ خَوْفِي؟ هَلْ أَخْشَى نَفْسي؟ لا أَحَدَ سِوَاي هُنا!
ريتشاردْ يُضْمِرُ كُلَّ الحُبِّ لريتشارد! لا يُوجَدُ إلَّايَ …
ونفسي!
هلْ في هذِي الخَيْمَةِ سَفَّاحٌ أخشاه؟ لا … ونعم! فَأَنَا سَفَّاحْ!
وإذَنْ أَهْرُبُ … عَجَبًا! أَهْرُبُ مِنْ نَفْسِي؟ هذا سَبَبٌ قاهِرْ
…
كي لا آخُذَ بالثَّأْر؟ ماذا؟ نفسي تَثْأَرُ مِنْ نفسي؟
وا أَسَفَا فأَنا أَعْشَقُ نفسي … ولماذا؟ ولأيٍّ مِنْ أَفْعَالِ
الخَيْرِ
أتَيْتُ بِهَا مِنْ قَبْل … ولِنفسي؟
كلَّا! وا أَسَفَا! إنِّي بالحَقِّ لَأَكْرَهُ نفسي
ولِمَا ارْتَكَبَتْ نفسي مِنْ أَفْعَالٍ نَكْرَاءْ!
أنا شِرِّيرْ! لا! هذا كَذِبٌ لَسْتُ بِشِرِّيرْ! يا أَحْمَقُ قُلْ
قولًا حَسَنًا عن نَفْسِكْ! يا أَحْمَقُ لا تَمْتَدِحِ النَّفْسَ بلا
حَق!
لِضَمِيري ألْفُ لِسَانٍ … ولِكُلِّ لِسَانٍ مَنْطِقُهُ،
ولِكُلِّ لِسَانٍ قِصَّتُهُ الخَاصَّة،
لكنْ كُلُّ لِسَانٍ يَدْمَغُنِي بالشَّر!
حِنْثٌ وخِيَانَة … في أَبْشَعِ صُورَة!
والقَتْلُ المُتَعمَّدُ والسَّافِرْ … وإلى أَبْشَعِ دَرَجَة!
وجَميعُ ذُنُوبِ الدُّنْيا المُخْتَلِفَةِ وبِكُلِّ الدَّرَجَاتْ
تَتَزَاحَمُ في المَحْكَمَةِ وتَهْتِفُ وبِصَوْتٍ واحِدْ «مُذْنِبْ!
مُذْنِبْ!»
الآنَ إلى اليَأْسْ! لا يُضْمِرُ لي أَحَدٌ حُبًّا!
وإذا مُتُّ فَلَنْ يَرْثِيَنِي مَخْلُوقْ!
ولماذا يُشْفِقُ أحدٌ أو يَرْثِي ما دُمْتُ أنا نفسي
لا أَجِدُ بِنفسي إشْفَاقًا مَهْما كانَ علَى نفسي؟
خُيِّلَ لي أنِّي أُبصِرُ أَرْوَاحَ مَنِ اغْتَالَتْهُمْ يُمْنَايَ
جَمِيعًا
في هَذِي الخَيْمَةِ … وبأَنَّ الكُلَّ تَوَعَّدَني بالثَّأْرِ غَدًا
مني!
لا أذكر فِقرةً أخرى، حتى في وسط الضجيج المملِّ في مسرحيات هنري السادس، يبدو فيها شيكسبير بهذا الضعف. ولكنْ سرعان ما
يتجاوز مؤلف ريتشارد الثالث أسلوبَ مارلو، ولكن حافزه
إلى تجاوُز الشخصية الكرتونية الناطقة إلى تصويرِ دخائل النفس؛ لا يجد الفنَّ القادرَ
على احتواء الفقرة، حتى لو غيَّرنا السطر السابعَ فجعلناه «ريتشارد يَهْوى ريتشارد! أي
إنَّ أنا نفسي أنا» فسوف يظلُّ سطرًا بشعًا، والسطور الستة التالية أسوأ. و«السوء»
الغريب هنا يصعب وصفُه، وإن كانت الفقرة أفضلَ ما يُمثل خُرافة «الشكل المحاكي» [أي
الذي يُحاكي ما في النفس]. فالمقصود بحالات القطع في الوعي الذاتي عند ريتشارد أن تتجلى
في الأسئلة الإنكارية والعبارات التعجبية المتقطعة في السطور ١٨٣–١٨٩، ولكنْ لا يستطيع
أيُّ ممثل أن يُنقِذ ريتشارد من نبراتِ البلاهة في هذه الفَورة المتقطِّعة. نستطيع أن
نفهم ما يحاول شيكسبير إنجازَه عندما ندرسُ الخطاب، لكننا لا نستطيع أن ننوب عن الشاعر
في فعلِ ما لم يتعلَّم أن يفعله. ومع ذلك فإن شيكسبير لا يحتاج إلى دفاع؛ فلم ينجَح إلا
تشوسر، على الأقل بين كتَّاب اللغة الإنجليزية، في إتقانِ بلاغة «سماع نفسه»، بل وفي
أماكنَ قليلة، في حكاية «الغافر» وحكاية «زوجة من باث». وسرعان ما يثبُ شيكسبير إلى
الكمال في الثلاثية الرومانسية روميو وجوليت،
وريتشارد الثاني وحلم ليلة
صيف، حيث يُمثل دخيلةَ النفس وما يدفُّ بين جوانحها من تحوُّلات. قارن
ريتشارد الثالث بشخصية بوطوم الذي يُفيق من حُلمِه الذي لا قاع له، يتَّضحْ لك إبهارُ
الانتقال.
ومن العيوب الأخرى في ريتشارد الثالث شخصيةُ
مارجريت البشعة، أرملةُ هنري السادس؛ إذ لم يُفلح
شيكسبير في نَظْم سطرٍ شعري مقبول واحد لها. ولما كانت مسرحية ريتشارد الثالث أطولَ مما ينبغي فليتَ شيكسبير حذَف شخصية مارجريت ذاتِ
اللسان الذَّرِب، والتي تتدفق لعناتها الثلاثية بل وتَزيد على ذلك. وعلى أية حال فإن
مسرحية ريتشارد الثالث كابوس في نظر أية ممثلة؛ إذ لا
يصلح أيُّ دورٍ نسائي للتقديم على المسرح، سواءٌ دور آن المسكينة بعد أن يُغوِيَها
ريتشارد بالإرهاب، أو دورُ إليزابيث، أرملةِ الملك إدوارد الرابع، أو دوقة يورك، والدة
ريتشارد. فالخطابية هي كلُّ ما يسمح شيكسبير به لهن، كأنما كانت شتائمُ مارجريت تتَّسم
بطابَعٍ أنثوي. لقد قُدِّرَ لشيكسبير، ابتداءً من جوليت، أن يتفوَّق على جميع أسلافه،
من الكتاب المقدَّس إلى تشوسر، في تمثيلِ النساء، ولكن المرء لا يستطيع أن يحدس ذلك من
قراءة ريتشارد الثالث. وشخصيات الرجال في المسرحية،
باستثناء ريتشارد المشوَّه بدنيًّا، لا تتميَّز بالتفرد الكبير هي الأخرى، وأما
الاستثناء الحق فهو دوق كلارنس، الذي يُصوره شيكسبير تصويرًا حيًّا بفضل حلمٍ مدهش رآه.
إننا نذكر كلارنس بسبب مصيره المؤسف؛ إذ يُطعَن أولًا ثم يغرق في برميلٍ من النبيذ،
وأيضًا بسبب حُلمه العظيم، وهو حلم شيكسبير من وجهةِ نظري الخاصة، ما دام يتَّسم بأنه
الأقوى في كلِّ ما كتبه، وكلارنس الحبيس في برج لندن، يقص الحلم على حارسه
قائلًا:
كلارنس
:
أقولُ خِلْتُ أنني هَرَبْتُ من سِجْني هنا في البُرْج،
وأنَّني أَبْحَرْتُ في سَفِينَةٍ إلى إقْلِيمِ بيرْجَنْدِي
الفرنسي،
وأنَّ ريتشاردَ أخي يَصْحَبُني،
وأنه أهابَ بي أنْ أَتْرُكَ الغُرْفَة،
وأنْ أسيرَ فوقَ ظَهْرِ هذه السفينة،
وعندها تَطَلَّعْنَا إلى سَوَاحِلِ انْجِلْتِرهْ،
فشاهَدَتْ عُيُونُنَا أَلْفًا مِنَ المَشَاهِدِ العَصِيبَةِ التي
مَرَّتْ بنا،
أثناءَ تلكَ الحَرْبِ بَيْنَ بَيْتِ يُورْك … وبَيْتِ
لَنْكَاسْتَرْ!
وبينما كُنَّا نَسِيرُ فوقَ ظَهْرِ المَرْكَبِ المُتَأرْجِحْ
إذا بِرِجْلِ ريتشاردْ تَتَعَثَّرْ … وإذْ بِهِ يَقَعْ!
حاولْتُ أن أُقِيلهَ مِنْ عَثْرَتِهْ … لكنَّهُ أزَاحَنِي،
وعندها وَقَعْتُ في لُجَجِ المحيطِ العَاتِيَة!
وخِلْتُ أنني أقولُ في نفسي: ما أَفْظَعَ الآلَامَ عندَ
الغَرَقِ!
ما أَبْشَعَ الضَّجِيجَ في الآذانِ من تِلْكَ المِيَاهْ!
ما أَقْبَحَ المشاهِدَ التي تُؤْذِي العُيونَ لِلْمَوْتِ
الكريهْ!
إذْ خِلْتُ أنَّني أرَى ألْفًا من السَّفَائِنِ الغَارِقَةِ
المُرْعِبَة!
وبَعْدَهَا عَشْرَةَ آلافٍ مِنَ البَشَرْ … وتَنْهَشُ الأَسْمَاكُ
لَحْمَهُمْ!
رأيتُ قُضْبَانًا من الذَّهَبْ … وأَضْخَمَ المَراسِي … وأكْوَامَ
الَّلآلِئْ …
وأحجارًا نفيسةً … بِجَانِبِ الجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ التي يَفُوقُ
سِعْرُها الخَيَالْ!
وكُلُّها قد انْتَثَرْ … منْ فوقِ قاعِ البَحْر!
وكان بَعْضُها قد اسْتَقَرَّ في جَمَاجِمِ المَوْتَى
وبَعْضُها
في داخلِ المَحَاجِرِ التي كانتْ بِها عيُونُهُمْ
كأنما تَسْخَرُ منها! كانتْ من الجَوَاهِرِ التي تَألَّقَتْ
زَاهِيَةً،
كأنها تَخْطُبُ وُدَّ القَاعْ — ذلك القاعَ اللَّزِجْ —
هازِئَةً من العِظَامِ السَّاجِيَاتِ حَوْلَهَا!
الحارس
:
أتُرَى يَتَسنَّي الوَقْتُ لكي تَتَأَمَّلَ أَسْرَارَ البَحْرِ
المذكورةَ في
أَثْناءِ مُوَاجَهَةِ المَوْتْ؟
كلارنس
:
خُيِّلَ لي أَنَّ الوَقْتَ تَسَنَّى لي! وكثيرًا ما كنتُ
أكافحُ
حتى أُسْلِمَ رُوحي للبارِئِ، لكنَّ عُبَابَ الماءِ الحَاقِدِ
كانَ يُصِرُّ على إِبْقاءِ الروحِ بِجَسَدِي! لم يَكُ يسمحُ للرُّوحِ
بأنْ
تَصْعَدَ حتَّى تَتَنَسَّمَ أي هَوَاءٍ في الجَوِّ الشَّاسِعِ
والخَاوِي،
بل يُبْقيها قَسْرًا في جَسَدِي اللاهِثِ —
إذْ يُوشِكُ أنْ يَنْفَجِرَ لِيَنْفُثَهَا في البَحْر!
الحارس
:
أَفَلَمْ تَسْتَيْقِظْ في غَمْرَةِ هذا الأَلمِ البَالِغْ؟
كلارنس
:
لا لا! بل إنَّ الحُلْمَ اتَّصَلَ وطَالْ … حتَّى بَعْدَ
المَوْت!
وهنا بَدأَتْ عاصِفَةُ الرُّوحِ تَهُبُّ! إذْ خِلْتُ بأني
أعبرُ نَهْرَ الأحزانْ — نهر ستيكْسْ — في دُنْيَا المَوْتَى،
ومعي في القَارِبِ خارونُ المَلَّاحُ المُتَجَهِّمُ … مَن يَحْكي
الشُّعَرَاءُ
حِكَايَتَهُ … فَدَخَلْنَا مَمْلَكَةَ اللَّيْلِ الأَبَدِي!
كانَ حَمَايْ — الرجلُ الأَشْهَرُ والأَعْظَمُ «واريك» —
أولَ مَنْ قابَلَ رُوحِي الزَّائِرَةَ لِتْلكَ الأصْقَاعْ!
ما كادَ يُشَاهِدُنِي حتَّى صاحْ «أي عِقَابٍ يَنْتَظِرُ
كلارِنْسَ
المُرْتَدَّ الحَانِثْ؟ أي عِقَابٍ يَنْتَظِرُ الخَائِنَ في
مَمْلَكَةِ الظُّلْمَة؟»
لكنْ لَمْ يَلْبَثْ أنْ ذَهَبَ الطَّيْف! وإذا بِجِوَارِي ظِلٌّ
عَابِرْ —
مثلُ مَلاكٍ ذِي شَعْرٍ لَطَّخَهُ الدَّمْ — وإذَا بالظِّلِّ
يَصِيحُ
بأَعْلى صَوْتٍ: «قد حَلَّ كلارِنْس الخائنُ والمُتَقَلِّبُ
والحَانِثْ!
مَنْ وَجَّهَ لِي الطَّعْنَةَ في المَيْدَانْ … عند تيوكسبري!
فَلْتَقْبِضْنَ عليه أيَا رَبَّاتِ النِّقْمَة! ولْتُلْقِينَ بِهِ في
شَرِّ عَذَابْ!»
وتخيلتُ بأنَّ فريقًا حَوْلي مِنْ شَرِّ شياطينِ جَهَنَّمَ
تَعْوي في أُذُنَي بِصَرَخَاتٍ بَشِعَة!
وعَلَى أَصْوَاتِ الصَّخْبِ اسْتَيْقَظْتُ وجِسْمي يَرْتَعِدُ
ويَرْتَجِفُ،
وظَلَلْتُ زَمَانًا أُوقِنُ أنِّي في عُقر جَهَنَّمَ؛
فَمَنَامِي كانَ شديدَ الدِّقَّةِ في تَصْوِيرِ الرُّعْب!
وقد اقتبستُ هذا كلَّه لأن اكتماله لا يسمح بالاختيار؛ إذ لا يجاريه
نصٌّ آخر في ريتشارد الثالث من زاوية الطابع الشعري،
فإن كلارنس الذي كان شخصيةً قلقةً مرتدَّة في مسرحيات هنري
السادس، يتنبَّأ الآن في حُلمه بموته. إنه لا يغرق في الماء وَفْق ما
كان يريد، بل «ينفجر ليتجشَّأ» في النبيذ الجَهنَّمي، فيما يعتبر محاكاةً ساخرة
للقُربان المقدس (الخاص بتناول العشاء الرباني). ويَفشل كلارنس في فهم ريتشارد بسبب
عمقه، ويتعثر ريتشارد، وعندما يحاول كلارنس صديقه أن يُقيله من عثرتِه يجد نفسه في
البحر. والأسافينُ الذهبية والأحجار الكريمة وهي غير واقعية، ترمز لكلارنس، المرتدِّ
سياسيًّا؛ إذ تَعرِضُ لبيعه وشرائه مرات عديدة، كما تلمح إلى ما يُسمى في «الطرق
الصوفية» الإحساسَ بالقرب من الموت، وإن كان الحلم يُقدِّم محاكاةً ساخرة لها. وعندما
يَصيح أمير ويلز، الذي ساعد كلارنس على اغتياله، طالبًا وداعيًا ربَّات الانتقام،
تستجيبُ هذه الربَّات له بصراخ وعويل مرتفع يوقظ كلارنس مِن نومه حتى يواجه قتَلتَه
الحقيقيِّين الذين أرسلهم ريتشارد. ففي عالم مسرحية ريتشارد
الثالث تتحكَّم في أحلامك العبقرية الشريرة للأحدب الكابوسي [ريتشارد
الثالث]؛ فهو الرئيس الشيطاني للمسرحية التي وضعها بنفسه.
وأما الأصالة العُظمى التي يُثبتها شيكسبير في ريتشارد
الثالث، وهي الصفة التي تُنقذ هذه الدراما من أن تصبح ثقيلةً مثقلة، فلا
تكمن في ريتشارد نفسه، بل في العلاقة الحميمة المفزعة التي يُقيمها هذا البطل الشرير
مع
الجمهور، فنحن نرتبط به ارتباطًا مقلقًا، وينوب عنا بكنجهام فيه، وعندما يسقط بكنجهام
فيحكم عليه بالنفي والإعدام، نرتعدُ حين نُدرك ما يمكن أن يؤديَ إليه نظام حكم ريتشارد
إذا انقضَّ على واحدٍ منا: «أهذا شأن الجمهور؟ دُقُّوا عنقَه!» ونحن نستحق قطع الرقبة
لأننا لم نستطع أن نقاوم سحر ريتشارد الفظيع، وهو الذي جعلنا جميعًا مكيافيليين. إن
تمبرلين الأكبر يصرخ صرخاتٍ تُغرقنا بشلالات من النظم المرسَل، ولكن باراباس يُعتبر من
جديد السابقَ الحقيقي لشخصية ريتشارد. إن يهودي مالطة السعيد، الذي يتواثبُ أمامنا
بضراوةٍ مزدهية فخور كأنه اخترع البارود لتوِّه، يُصر على أن يقول لنا كل شيء، ولكنه
في
الواقع يفضل أن يستفزَّنا على أن يُغوينا. وأما ريتشارد فيتواثب تواثبًا يفوق تواثبَ
باراباس، ويُحيلنا جميعًا إلى الليدي آن، مستغلًّا الصادية الماسوكية التي لا يخلقها
أيُّ جمهور إلا بالجمع والمزج، فنحن حاضرون للتسلي بمعاناة الآخرين. أي إن ريتشارد
يستقطبنا باعتبارنا شركاءَ فيما يقوم به من تعذيب، ونحن نشترك في مباهج الإحساس بالذنب،
مضافًا إليها رعشةُ انبهارٍ بأننا يمكن أن نلحق بالضحايا؛ إذ استشفَّ الأحدبُ المهيمن
أننا عجزنا في أية لحظة عن التواطؤ معه. كان مارلو يتصف بالصادية الماسوكية ولكن بصورةٍ
سافرة، على نحوِ ما يتضح في المشهد البشع لإعدام إدوارد الثاني، الذي قُتل بخازوق هو
إيلاجُ قضيبٍ مُحمى بالنار في استه. ولكن شيكسبير الذي تخلو نصوصُه من أمثال هذه الشهوة
القاسية، يصدمنا صدمةً أعمق بجَعلِنا عاجزين عن مقاومة ضروب السحر المرعبة عند
ريتشارد.
ولكن هذه المداهنات لا تنبع من الروعة البلاغية، أو القوة المعرفية، أو البصيرة
التحليليَّة؛ فإن ريتشارد الثالث بعيدٌ كلَّ البعد عن العبقرية المركَّبة عند ياجو، أو
الذكاءِ البارد عند إدموند. وليست علاقتُنا الوثيقة بريتشارد غيرَ بشيرٍ بقدرة هاملت
الشاملة على تحويل الجمهور كلِّه إلى أعدادٍ كبيرة من هوراشيو صديقه. لا يمكن تقديمُ
بكنجهام في صورة هوراشيو، فما الدوق إلا متآمرٌ كبير، مِخلَبُ قِطٍّ نافع آخَر لملك
القطط. إذن ما السحرُ العجيب الذي يتميَّز به ريتشارد، والذي دائمًا ما يقوم وحده
بإنقاذ هذه الميلودراما المحبوبة؟ إن العلاقة الجنسية «الصادية الماسوكية» من
المكوِّنات الحاسمة بلا شك! ومَن يحدس سلوكَ ريتشارد الثالث في غرفةِ نوم آن البائسة
يُمارس أشدَّ التخيُّلات مرضًا واعتلالًا. ولا أحد يُخبرنا كيف ماتت؛ كلُّ ما يُقال لنا
هو «إن زوجتي آن قالت طابت ليلتُك للدُّنيا» ولا شك أن نبرة إلقاء الجملة كانت تنمُّ
على متعةٍ معيَّنة. ولكن الشذوذ وحده لا يمكنه تفسير جاذبيته البهيجة، بل إن الحيوية
الدفاقة التي لا تنتهي تُمثل، فيما يبدو، سِرَّه، أي الطاقة التي تسرُّ وترعب. إنه مثل
شخصية «بانورج» الوغد الظريف [عند رابيليه] لكنه يتحول من «الشقاوة» المرحة إلى الشرِّ
والأذى؛ أي إنَّ النزعة الحيوية قد مُسِخَت فأصبحَت دافعًا على القتل. إننا جميعًا
باعتبارنا جمهوره نحتاج إلى الراحة من وقتٍ لآخَر؛ لإعادة «شحن» قدراتنا، ولكن ريتشارد
يواصل انطلاقه بلا راحةٍ ولا توقف، منتقلًا من ضحيةٍ إلى ضحية، نِشْدانًا لمزيدٍ من
القدرة على الإيذاء. ويؤدِّي ربْطُ شيكسبير بين الحيوية الدافقة والنزعة الاحتفالية إلى
وضعِ نوعٍ جديد من كوميديا الشر، على ما نرى في ابتهاج ريتشارد بعد إغوائه السيدة «آن».
يقول ريتشارد:
هل سبقَ لِرَجُلٍ أنْ خَطَبَ بهذا الأُسْلوبِ امرأةً ما؟
هل سبقَ لرجلٍ أنْ فازَ بهذا الأسلوبِ بقلبِ امرأةٍ ما؟
سأنالُ المرأةَ لكنْ لنْ أُبقِيَها عندي إلَّا زمَنًا غيرَ طَوِيلْ.
يا عجبًا! إنِّي قاتلُ زوجِ المرأةِ وأبيه!
كيفَ إِذَنْ أرضاها وبقلبِ المرأةِ هذا البُغْضُ البالغُ لي،
وبِفَمِها اللَّعَنَاتْ … وبِعَيْنَيْها العَبَراتْ،
كالدَّمِ سَيَّالًا يَشْهَدُ بالمَقْتِ الرَّاسِخِ لي؟ غَضَبُ اللهِ
عليَّ ولَفْظُ ضمير المرأةِ لي والعقباتُ المذكورةُ تمنعني!
ما ناصَرَني أيُّ صديقٍ قَطْ … في أثناءِ الخِطبةِ
إلا الشَّيْطَانُ السَّافِرُ وأفانينُ مظاهرَ خَدَّاعَة!
لكنِّي فُزْتُ بِهَا وإنِ انْعَدَمَتْ فُرَصُ الفَوْز!
عجبًا! أَتُرَاهَا نَسِيَتْ إدوارد؟
أتراها نَسِيَتْهُ زَوْجًا وأميرًا سَمْحًا مِقْدامًا،
كنتُ طعنتُ حشاهُ في نَوْبَةِ غَضَبٍ منذ ثَلَاثَةِ أَشْهُرْ —
في موقعةِ تيوكسبري؟ لن تشهدَ هذي الدنيا الرَّحْبَةُ
رَجُلًا أَعْذَبَ طَبْعًا وأرقَّ خِصَالًا،
أُوتِي في الخَلْقِ شَمَائِلَ زاخرةً ثَرَّة!
فهو الباسلُ والشابُّ العاقلُ ذو الطبعِ الملكيِّ الحق!
أتراها سوف تُدَنِّسُ عينيها بعدُ بأنْ تنظرَ لي،
وأنا من قَطَعَ الغُصْنَ الذَّهَبِي اليانعَ لأميرٍ عَذْبِ
الحَاشِيَةِ
رقيقٍ فَغَدَتْ أرملةً تَأْوِي لِفَراشٍ من أحزانْ؟
هل تنظرُ لي وأنا لا أَعْدِلُ نِصْفَ صفاتِ الرائعِ إدوارد؟
هل تنظرُ لي وأنا الأعرجُ ذو الجسدِ الشَّائِهْ؟
إني لأُرَاهِنُ بالدُّوقيَّةِ جمعاءْ … ومقابلَ فِلْسٍ واحدْ،
إني أَبْخَسُ ذاتي طولَ الوقتِ جَدَارَتها الحَقَّة!
أُقسِمُ بحياتي إنَّ المرأةَ تشهدُ فيَّ صفاتِ الرجلِ الرائعِ،
حتى إنْ لَمْ أَتَبَيَّنْهَا في نفسي!
لِمَ لا أبتاعُ إذن مرآةً غاليةَ الثَّمَنِ،
وكذلك أستأجرُ عشراتِ الخَيَّاطِينَ،
ليبتكروا لي أَزْيَاءَ تُجَمِّلُ جِسْمي؟!
ما دُمْتُ غَدَوْتُ على ثِقَةٍ من حُسْنِ المَنْظَرِ؛
فلسوفَ أؤكدهُ بزيادَةِ بعضِ النَّفَقَاتْ!
لكنْ فَلْأَبْدَأْ بمواراةِ الجثمانِ السَّاجي في قَبْرِهْ
ثم أعودُ بِعَبَراتِي ونُوَاحِي لحِبَيبَةِ قَلْبي!
ولْتسطَعْ هذي الشمسُ الرائعةُ إلى أنْ تَأْتي مِرْآتي؛
كي أتأمَّلَ فيها عند مَسِيرِي صُورَةَ ذَاتي!
إنَّ هذا الحديث يسترجع بتلخيصٍ رائع خطابَ ريتشارد الذي تُفتتَحُ به
المسرحية؛ حيث يقول إنه لا يجد «المتعة في تَزْجية الوقت/سوى بتأمُّل ظلِّي في الشمس».
ولكن ريتشارد الآن يتولَّى قيادة مسار الشمس، ويُرحب بنا في بشاشةٍ حتى نُشاركه
انتصارَه على شَرف «آن»، وهو الذي يُعبر عنه باعتباره مجردَ عنصرٍ واحد من عناصرِ نفاق
الدنيا: «لكني فزتُ بها وإن انعدمَت فرص الفوز!» ثم يصيح صيحةَ كلِّ ممثل عظيم:
فالواقعُ أن الحيويَّة الدافقة عند ريتشارد ذاتُ أبعادٍ أكثرَ من مسرحية؛ فنزعته
«الانتصارية» تمتزج بنزعته «المسرحية» وتتحوَّل إلى احتفالٍ من جانب شيكسبير بوَسيطه
الفني وهو المسرح؛ ومن ثَم بفنِّه الذي يتطوَّر بسرعة. إن ابتكار ريتشارد يعني خَلْق
وحشٍ شائهٍ عظيم، ولكنه سوف يتعرَّض للتهذيب والتشذيب في غضونِ ابتكارِ شيكسبير للشخصية
الإنسانية، وهي التي سوف يُمثل فيها ياجو عنصرًا بالغَ الأهمية، يبهج الجميعَ
ويحزنهم.