الفصل السابع

تايتوس أندرونيكوس

١

كان العرضان المسرحيان اللذان شاهدتُهما لمسرحية تايتوس أندرونيكوس — أحدهما في نيويورك، والآخر في لندن — يشتركان في أنَّهما ترَكا آثارًا متماثلة في الجمهور؛ إذ لم يكن المتفرجُ يعرف على وجه الدقَّة متى يشعر بالرعب ومتى يضحك ولو كان ضحكًا قلقًا. كان شيكسبير الشابُّ قد خرَج من تأليف ريتشارد الثالث، ومن المحتمل أنه كان يُبدي تمرُّده على تأثيرِ مارلو الذي ما زال غلَّابًا بمحاولةِ تقديم محاكاةٍ ساخرة لمارلو، وصدمة علاجية له ولجمهوره. في تايتوس أندرونيكوس شيءٌ قديم إلى حدِّ السخف؛ فكل شيء وكل فرد على خشبة المسرح بعيدٌ عنَّا بُعدًا شديدًا، وأكثرُهم بعدًا تايتوس البارد، باستثناء هارون المغربي ذي الجاذبية، والذي يعتبر صورةً أفضل من ريتشارد الثالث في التنافس المستحيلِ للتفوُّق على باراباس، يهوديِّ مالطة، الذي يعتبر أشدَّ الأوغاد وعيًا بذاته واستمتاعًا بنفسه.
لا تزال أفضلُ دراسة لمارلو الدراسةَ التي وضَعها هاري ليفين بعنوان المكابر (١٩٥٢م) وهي التي تبدأُ بتذكيرنا بأن الكثير من مُعاصري مارلو قد اتهَموه بأنه يجمع بين الإلحاد، والطابع المكيافيلي، والنزعة الأبيقورية. وكما يقول ليفين، كان الإلحادُ وثَنيًّا أو طبيعيًّا (أي مُضادًّا للأديان السماوية)، وأما المكيافيلية فنُسميها اليوم الواقعيةَ السياسية وحَسْب. وأضيفُ إلى ما يقوله ليفين إن النزعة الأبيقورية في عصرِ فرويد يُمكن استيعابها بسهولةٍ في مذهبنا المادي الميتافيزيقي الشائع. لقد ابتكر مارلو كلَّ ما كان ذا أهميةٍ حاسمة لفنِّ شيكسبير، فيما عدا تمثيلَ الشخصية الإنسانية، التي كانت تتجاوزُ اهتمام مارلو وعبقريته. فإن تمبرلين وباراباس شخصيَّتان كارتونيتان رائعتان تتغنَّيان بمبالغاتٍ مرموقة، وهي التي كانت تكتسبُ بعض التميز من بعضها البعض، ولكننا لن نجدَ ما يُميز شخصياته عن بعضِها البعض، بل من المُحال تمييزُها. إن عندي حماسًا شديدًا لباراباس، ولكن الذي يُبهجني هو موقفه المتحدِّي، لا الشخصية التي لا تزيد عن خطوطٍ عريضة. وقد خرَج شيكسبير ببطءٍ شديد من تحت سيطرة مارلو ليُقدم لنا التمثيل الحقيقيَّ للشخصية الإنسانية. فإذا صحَّ قولُ بيتر ألكسندر، الذي حاولتُ تطويره، بأن هاملت الأصلية كانت من بينِ أوائلِ ما كتَبه شيكسبير للمسرح؛ فإنَّ بطلها كان مجردَ صوت. وكان الخادم لونص في سيدان من فيرونا أولَ شخصية إنسانية رسمها شيكسبير، ولكن معظم الباحثين يعتقدون أنها وُضِعت بعد تايتوس أندرونيكوس.
إن شيكسبير الشاب كان يستمتع ويمتع جماهيره المعاصرة بالتهكُّم على مارلو واستغلاله في تايتوس أندرونيكوس. ويبدو لي أنَّ مِن وراء حَمَّام الدم الذي نشهده كان لدى شيكسبير إحساسٌ باطن يقول «إن كانوا يريدون الطنطنةَ والفظائع فسوف ينالونها!» وذلك هو المعادلُ الشيكسبيري للذي نستجيب له هذه الأيامَ في روايات [الرعب] عند ستيفن كنج وعددٍ كبير من الأفلام السينمائية. لا أتردَّد في أن أزعم أن المسرحية ليس فيها سطرٌ واحد ذو دلالةٍ مباشرة؛ فكلُّ ما فيه حماسٌ ويمكن أن نتذكره ساخرٌ متهكِّم. ومن شأن هذا الحكم أن يبدوَ الآن خِلافيًّا وأن يطعنَ فيه كثيرٌ من الباحثين الذين تُحيرني استجابتهم إلى حدٍّ ما لهذه المسرحية. وهكذا يرفض فرانك كيرمود أن المسرحيةَ من نوع البرليسك [السخرية الصارخة الشائهة] على الرغم من إقراره بأنها تسمحُ ﺑ «إمكانياتٍ هَزْلية». وأما جوناثان بيت، الذي تعتبر طبعتُه للمسرحية حافلةً بالتفاصيل وذاتَ فائدة، فهو يُحاول تقديمَ دفاعٍ جَمالي عمَّا يستعصي على الدفاع، وهو دفاعٌ كان يمكن أن يفزع شيكسبير نفسه. وعلى الرغم من انبهاري بمسرحية تايتوس أندرونيكوس فأنا أراها محاكاةً ساخرة تقوم على الاستغلال، وغرضها الباطن تحطيمُ شبح كريستوفر مارلو. أما إذا قرأتُها باعتبارها تراجيديا حقيقيةً فسوف تؤكِّد رفض الدكتور جونسون لها، الذي يقول: «إن همجية المَشَاهد، والمَذبحة العامة التي تَعرضها، تجعل من المحال أن نتصوَّر أن أيَّ جمهور يمكن أن يحتملها». وبعد أن شاهدتُ لورنس أوليفييه وبريان بيدفورد يُكافحان للقيام بدور تايتوس، ويفصل بينهما سنواتٌ كثيرة، خرَجتُ بانطباع يقول إن المسرحية لا يمكن تمثيلها إلا باعتبارها محاكاةً ساخرة.
كان الجمهور الإليزابيثي مُتعطشًا للدم بدرجةٍ لا تقلُّ عن تعطُّش الجمهور العادي الذي يملأُ دور السينما ويُبحلق في بلَهٍ في شاشة التليفزيون، وهو نجاحٌ ربما لم يقبله إلا مع إحساسه بمفارقةٍ باطنة كبيرة. لقد اختلَط الحابلُ بالنابل في النقد الأكاديمي الراهن لشيكسبير، حيث نجد أشكالَ الدفاع عن الحكمة السياسية لتايتوس أندرونيكوس، بل وتوكيدات من جانب النقد النسوي بأن ألوانَ مُكابدة المسكينة لافينيا، ابنة تايتوس التي اغتُصِبَت وشُوِّهت، تشهد على أقصى صورِ قهر الأنثى في المجتمع الأبوي. ويعتقد بعضُ النقَّاد جادِّين أن المسرحية تُبشر ببعض ما يوجد في الملك لير، وفي كوريولانوس، بل ويُشبِّهون تامورا، ملكةَ القوط الشريرة، بليدي مكبث وكليوباترا. وربما أكون آخِرَ العاشقين الرومانسيِّين الجادِّين لشيكسبير، وأشعر بأنني لا أستطيع التصديق، ولا أزال أتمنى لو أن شيكسبير لم يرتكب هذه البشاعةَ الشعرية ولو من أجل التطهير، ولولا وجودُ هارون المغربيِّ الضاحك، لقلت إن تايتوس أندرونيكوس سيئةٌ إلى حدٍّ بعيد لو قبلت دلالاتها السطحية، ولكنني سوف أُثبت أن شيكسبير كان يعرف أنها غلطةٌ فاحشة مضحكة، وكان يتوقَّع من كبار الذوَّاقة أن يتلذَّذوا بها واعين. إذا كنت تُفضل الصيغة الصادية الماسوكية فإن تايتوس أندرونيكوس ستُجيب مطلَبَك، ولك أن تَلْحق بالملكة تمامًا في التهامِ لحوم البشر، على مائدتها، بدَفْقةِ الحيوية التي تستمتعُ بها في اغتصاب لافينيا، وتقطيع شرائحَ من لسانها، وقطع يدَيها من المعصمَين. وتوجد قضيةٌ أخطر، مهما تكن ذائقةُ المرء، وهي كيف نفهمُ تايتوس نفسَه. هل المقصود أن نتعاطفَ جميعًا مع ضروب معاناته التي لا تتوقَّف طَوال المسرحية، والتي إن قورِنَت بها مُكابدة أيوب — عليه السلام — لم تَزِد الأخيرة عن شَكاةٍ عالية النبرة لرجلٍ مُستغرق في ذاته وحسب؟

وقد حرَصَ شيكسبير على «تغريب» تايتوس عنا في بدايات المسرحية وأواخِرها، ولم يكن في طَوْق بريخت أن يتفوَّق عليه هنا، بل إن «تأثير التغريب» الذي اشتَهَر به بريخت مسروقٌ من شيكسبير. لا تكاد المسرحية تبدأ حتى يأمرَ تايتوس بالتضحية بالابن الأكبر لتامورا؛ تكريمًا لذِكْرى الموتى من أبناء تايتوس؛ إذ قُتل واحدٌ وعشرون من أولاده الخمسةِ والعشرين أثناء قِتالهم الشجاع على صعيد المعركة، وتتكون التضحيةُ من إلقاء أمير القوط على كومةٍ من الأخشاب، ثم تقطيع أطرافه للمساعدة على إذْكاء لهيبِ الأخشاب، وبعد تقطيع أطراف «ألاربوس» وإلقاء أحشائه «لزيادة وَقْدة نار التضحية» بفترةٍ قصيرة، يقتل تايتوس ابنه؛ لأنه عارَضَه في الخلاف الناشب حول الزوج المقترَح للآنسة لافينيا. وهكذا وقبل أن نقرأ ثَلاثمائة سطرٍ من المشهد الأول في الفصل الأول، يمكن اعتبارُ تايتوس وحشًا غريبًا، محاكاةً ساخرة لتمبرلين عند مارلو. ومن هذه اللحظة حتى نهاية المسرحية تقريبًا، تتوالى الجرائمُ المرتكَبة ضدَّ تايتوس، بما في ذلك محنةُ لافينيا، وقتل اثنين من أبنائه الباقين في قيد الحياة، وموافقته على جعلِ هارون يقطع يدَه في صفقةٍ مُفترَضة لإنقاذ أبنائه. ولكنَّ جميع ضُروب المكابدة الصارخة لا تُهيِّئنا لقتله ابنتَه الشهيدة في المشهد الختامي:

تايتوس :
مُوتِي يا لَافِينْيا يَهْلِكْ مَعَكِ العَارْ،
وبِذَا يَهْلِكُ حُزْنُ أبيكِ معَ العَارْ!

 [يقتلها.]

ساتورنينوس : ماذا ارْتَكَبَتْ يُمْنَاكَ، أيَا شَاذًّا مَعْدُومَ الإشْفَاقْ؟
تايتوس : أَهْلكْتُ فَتَاةً أبْكَتْنِي، حتَّى أَعْمَتْ عَبرَاتِي الآمَاقْ.
(٥ / ٣ / ٤٦–٤٩)
يشعر المرءُ أنه كان ينبغي على الأقلِّ أن يكون للافينيا التي تعرَّضَت للتعذيب خيارٌ ما في هذه القضية! وعلى أيةِ حال فقد فعل شيكسبير كل ما في وُسعه ليكفلَ نفورنا من تايتوس الذي يكاد يتساوى في وحشيَّته مع تامورا وهارون. ولا تتميَّز تامورا بأية جوانبَ في شخصيتها تُرجح كفةَ الميزان في صالحها، على عكس هارون؛ فهو مولعٌ بالفكاهة، بل إنه يُثير حبَّنا بحبِّه للرضيع الأسود الذي أنجبَه من تامورا. لكنك لا تستطيع الدفاعَ عن تايتوس أندرونيكوس جماليًّا إلا إذا ركزتَ على هارون، أقرب شخصياتها إلى شخصيات مارلو، وإذا اعتبرتَ المسرحية كلها هزلية دموية، على غِرار يهودي مالطة لمارلو.

٢

دائمًا ما يُبْدي الباحثون في شيكسبير ومعاصريه انبهارَهم بالتراجيديات الرومانية المنسوبة إلى سينيكا، معلم نيرون؛ لأن الخُطَب الباردة فيها كان لها تأثيرٌ مؤكد في الدراما الإليزابيثية. ولا شكَّ أن نسخة هاملت الأولى لشيكسبير كانت تتَّصف ببعض صفات مسرح سينيكا، ومسرحية تايتوس أندرونيكوس تستمد، قطعًا، جانبًا من رداءتها من سينيكا. لا نستطيع أن نحدس كيف كان أيُّ جمهور روماني قادرًا على قَبول تراجيديات سينيكا؛ لأنها لم تُعرَض على الجمهور، في حدودِ ما نعرف. وأما سمعتها العالية بين الإليزابيثيين فترجعُ بلا مِراءٍ إلى عدم وجود منافسٍ لها، فلم تكن التراجيديا الأثينيةُ متوافرةً لهم، وكان عليهم الاكتفاءُ بصورتها الممسوخة عند سينيكا. ولم تكن مسرحيات سينيكا مسرحياتٍ مُحكَمةَ الصنع بالمعنى المفهوم؛ فلم يكن مؤلفها يهتم في المقام الأول بالشكل الدرامي، بل كان غرَضُه الأول يكاد يقتصر على البلاغة الرفيعة. وقد لجأ مارلو وشيكسبير من بعده إلى سينيكا باعتباره حافزًا على اللغة العالية والمشاعر الرِّواقية الجديدة، ولكن مارلو تفوَّق بسهولة على ما تعلمه من سينيكا، وأما شيكسبير فقد عجز عن التخلُّص من تأثير مارلو في ريتشارد الثالث، كما تمثل تايتوس أندرونيكوس، حسبما أفهمها، محاولةً لإخراج عفريتِ مارلو من مسرحه، ويُواصل فيها الصراعَ مع مارلو. وقد تطلَّب هذا الصراعُ المبالغةَ في استخدام لغة مارلو إلى الحدِّ الذي تصبح فيه محاكاةً ساخرة لنفسها؛ وبذلك يضعُ لها حدًّا، ومن ثَم نهايةً للنَّهْج الخاص بسينيكا. والسلاحُ الأساسي الذي يستخدمه شيكسبير في هذا الصراع هو هارون المغربي، وهو مثل ريتشارد الثالث، نسخةٌ من باراباس عند مارلو، ويمكن أن نرى ذلك بسهولةٍ ويسر إذا وضَعْنا خِطابَين لباراباس وهارون جنبًا إلى جنب:
باراباس: هارون:
أمَّا عَنْ نفسي فَأَنَا أَتَجَوَّلُ وَحْدِي أَثْنَاءَ اللَّيْلِ، إني أَنْدَمُ إذْ ما اكْتَسَبَتْ نفسي أَلْفًا مِنْ آثَامٍ أُخْرَى،
وأَقْتُلُ مَرْضَى تَصَّاعَدُ أَنَّاتُهمُو تَحْتَ الجُدْرَانْ، بَلْ إنِّي أَلْعَنُ زَمني حَتَّى الآنَ وَمَعَ ذلِكْ،
أَحْيَانًا ما أَتَجَوَّلُ كي أَضَعَ سُمُومًا في الآبَارْ، مُقْتَرِفًا آثَامًا كُبْرَى؛
بَيْنَ الفَيْنَةِ والفَيْنَةِ أُسْعِدُ بَعْضَ لُصُوصٍ مِنْ دِينِ يَسُوعْ؛ كالْقَتْلِ أَوِ الدَّفْعِ إلَى حَيْثُ المَوْت،
إذْ أَرْضَى أنْ أَفْقِدَ بَعْضَ العُمْلَاتِ الفِضِّيَّة، أوْ أنْ أَغْتَصِبَ فَتَاةً أوْ أَبْتَكِرَ طَرِيقًا للِظَّفَرِ بِهَا،
حَتَّى أَشْهَدَهُمْ أَثْنَاءَ مُرورِي في الحَيِّ، أوْ تَوْجِيهِ التُّهْمَةِ لِبَريءٍ والحِنْثِ بِمَا أَقْسَمْتُ عَلَيْه،
وَقَدْ وُضِعُوا في الأَصْفَادِ بِجَانِبِ بَابي! أوْ إِشْعَالِ عَدَاءٍ قَتَّالٍ بَيْنَ صَدِيقَيْن،
في أَيَّام شَبَابي كُنْتُ دَرَسْتُ الطِّب … أو جَعْلِ الأبْقَارِ المُنْتَمِيَةِ لِفَقِيرٍ تَهْلِكْ،
وبَدَأْتُ مَمَارَسَتِي بِعِلَاجِ الإيطَالِيِّينْ، أوْ إِشْعَالِ النَّارِ بأَجْرَانٍ لَيْلًا أوْ في أَكْوَامِ القَش؛
حَتَّى أَغْنَيْتُ الكَهَنَةَ بِرُسُومِ الدَّفْن، كي تَدْعُو أَصْحَابَ الأَجْرَانِ إلَى إِطْفَاءِ النَّارْ
وشَغَلْتُ أَيَادِي حَفَّارِي كُلِّ كَنِيسَة، بِدُمُوعِ العَيْن،
في حَفْرِ قُبُورٍ وبِدَقِّ الأَجْرَاسِ لِنَعْي المَوْتى، وكَثِيرًا ما أُولِعْتُ بِنَبْشِ قُبُورِ المَوْتى؛
لكنِّي بَعْدَ قَلِيلٍ أَتْقَنْتُ الهَنْدَسَةَ هُنَاكْ، كي أُخْرِجَ تِلْكَ الجُثَثَ فَأَجْعَلَها تَنْتَصِبُ علَى بَابِ صَدِيقٍ مَحْبُوبٍ،
إذْ نَشِبَتْ حَرْبٌ بَيْن فَرَنْسَا في الحَالِ وأَلْمَانْيَا، كادَ يُوَدِّعُ أَحْزَانَ الفَقْدِ ويَنْسَاهَا،
فَتَظَاهَرْتُ بأنِّي كُنْتُ أُسَاعِدُ مَلِكًا يُدْعَى شَارْلْ الخَامِسْ، وكذلِكَ أَحْفِرُ فَوْقَ أَدِيمِ الجُثَّةِ مِثْلَ لِحَاءِ الشَّجَرةِ،
حَتَّى أَقْتُلَ وبِفَضْلِ مَكَائِدَ مِنْ تَدْبِيرِي مَنْ عَادَانَا أوْ صَادَقَنا، بالمُدْيَةِ بِحُروفٍ رُومانيَّة:
لكنْ لَمْ أَلْبَثْ أنْ مَارَسْتُ رِبَا الأَمْوَالْ أي: أعملُ عَمَل مُرَابٍ «لا يَسْمَحْ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِوَفَاةِ الحُزْنِ وإنْ كُنْتَ أَنَا قَدْ مُت.»
إذْ أَبْتَزُّ النَّاسَ وأَخْدَعُهُمْ وأُزَيِّفُ عُمْلَتَهُمْ، لكنِّي أَقْدَمْتُ علَى أَلْفٍ مِنْ تِلْكَ الآثَامِ المُرْعِبَةِ،
وأُمَارِسُ حِيَلَ السَّمْسَرَةِ وقَبْضَ عُمُولَاتٍ، بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ مِثْلَ رِضَائي عَنْ قَتْلِ ذُبَابَة،
حَتَّى أَفْلَسَ عَدَدٌ لا يُحْصَى في عَامٍ وَاحِدْ، بَلْ لا يُحْزِنَني حَقًّا في أَعْمَاقِي،
وامْتَلأتْ كُلُّ سُجُونِ البَلْدَةِ بالنُّزُلَاءْ، إلَّا أنِّي لَا أَقْدِرُ أنْ أَرْتَكِبَ الآنْ
وامْتَلأَتْ بالأَيْتَامِ صِغَارًا أَكْثَرُ مِنْ مُسْتَشْفى، عَشْرَةَ آلَافٍ أُخْرَى.
لا يَمْضِي شَهْرٌ إلَّا أَنْجَحُ في أنْ يَفْقِدَ رَجُلٌ عَقْلَهْ، (٥ / ١ / ١٢٤-١٤٤)
أوْ قَدْ يَشْنُقُ نَفْسَهْ … مِنْ وَطْأَةِ أَحْزَانِهْ
وتَرَاهُ وقَدْ عَلَّق فَوْقَ الصَّدْرِ هُنَا لَافِتَةً مِنْ وَرَقٍ مَمْدُودَة،
تَشْرَحُ كَيْفَ تَلَذَّذْتُ بِتَعْذِيبِهْ،
لكنِّي أَدْعُوكَ إلَى أن تَنْظُرَ كَيْفَ أَتَتْنِي البَرَكَةُ بالتَّنْكِيلِ بِهِمْ؛
إذْ إنَّ لَديَّ مِنَ العُمْلَاتِ كُنُوزًا تَكْفي لِشِرَاءِ البَلْدَة!
لكنْ قُلْ لي الآنْ: كَيْفَ قَضَيْتَ سَحَابَةَ يَوْمِكْ؟
شيكسبير يكسب! (ولو أن الصراع يظلُّ في صالح مارلو) لأن تصويره الرائع للرجل المشنوق الذي عَلَّق على صدره لافتةً ورقية طويلة؛ لا تصل إلى إبداع المغربي الذي يحفر «تحياته» مباشرةً على بشَرة الموتى، وإيقافهم منتصِبين على أبواب أصدقائهم المقرَّبين. أي إن هارون يضمُّ إلى اللغة السوقية عند تمبرلين موهبةَ باراباس في جَعْل المتفرجين متواطئين معه. والنتيجة تشكيلُ وحش فظيع بأسلوب مارلو، لكنه أبشعُ من أي نظيرٍ له عند مارلو. فإذا حذَفنا شخصية هارون أصبحَت تايتوس أندرونيكوس مسرحيةً لا تُحتمَل؛ فالفصل الأول يبدو ممتدًّا بلا نهاية؛ لأنه لا يتكلم فيه، على الرغم من وجوده على خشبة المسرح. وفي الفصل الثاني يقترح على ولدَيْ تامورا تسويةَ مُنازعتهما للظفَر بلافينيا بالاغتصاب الجماعي لها، وهما يفعلان ذلك بسرور؛ إذ يقتلان زوجها أولًا، ثم يجعلان من جُثته فِراشًا ينتهِكان عليه عِرْضَها، ويقطعان يدَيها ولسانها فيجعلان من الصعب عليها أن تُحدد مَن عذَّبها، ثم ينجح هارون في تحويل المسئولية عن قتل زوجها إلى اثنين من أولادِ تايتوس الذين ما زالوا في قيد الحياة. بل إن تلخيصَ ما يحدث هنا نفسه يضعُنا بين فكَّيْ كمَّاشة؛ هما الصدمة والضحك «الدفاعي»، ولكن ليس إلى الحدِّ الذي يُثير فينا الحنقَ عندما نسمع تايتوس يحثُّ أخاه ولافينيا على أن يُساعداه في حمل الرأسَين المقطوعَين لولدَيه، مع يده المقطوعة، إلى خارج المسرح:
تايتوس :
هَيَّا خُذْ رَأْسًا يَا أَخْ،
وسَأَحْمِلُ في هذِي اليَدِ ذَاكَ الرَّأْسَ الآخَرْ!
ولَسَوْفَ نُكَلِّفُكِ بِعَمَلٍ مَعَنَا يا لَافِينْيَا؛
أي إنَّ عَلَيْكِ، فَتَاتِي الحُلْوَةُ، حَمْلَ يَدِي المَقْطُوعَة،
بَيْنَ الأَسْنَانِ بِفِيكِ!
(٣ / ١ / ٢٧٩–٢٨٢)
إنَّ هذا يستعصي على الوصف، لكنني أحثُّ جميع الباحثين الذين يظنون أن تايتوس أندرونيكوس تراجيديا جادَّة «مخلصة» أن يقرَءوا هذه الأسطرَ بصوتٍ عالٍ عدةَ مرات متوالية، مع التركيز الخاصِّ على «وعليك فتاتي الحلوة حمْلَ يدي المقطوعةِ بين الأسنان بفيك.» فالواقعُ أن شيكسبير كان قد كتَب قبل ذلك كوميديا الأخطاء وترويض الشرسة وعلى وشك تأليف خاب سعي العشاق، وعبقريته في كتابة الكوميديا كانت بارزةً أشدَّ بروزٍ للجمهور ولنفسِه. ولا يكفي فيما يبدو أن نعتبرَ تايتوس أندرونيكوس مجردَ سخرية من مارلو وكيد، بل إنها انفجار؛ أي تفجيرٌ للسخرية المريرة التي تجاوزَت إلى حدٍّ بعيد حدودَ المحاكاة التهكمية. لا يوجد شيء آخر في شيكسبير يُجاري هذه المسرحيةَ في جنونها، فهي لا تتنبَّأ بالملك لير وكوريولانوس بل [بمسرح القسوة] عند أرتو.
وفي مسار المسرحية نحوَ غايتها العبثية يزداد طابعها السيريالي بل المضادُّ للواقعية. ففي الفصل الثالث، المشهد الثاني، يستخدم تايتوس وأخوه سكاكينهم في قتل ذبابة، ويستغرق حوارُهما الخاص بذلك ثلاثين سطرًا من التخيلات. وعلى الرغم من اقتراب هذا من فنِّ الباروك، فإنه يُعتبر مألوفًا حين يُقارَن بالمشهد الأول من الفصل الرابع، حيث تستخدم لافينيا التي فُرِض عليها الصمتُ باقيَ ذراعَيها [بعد قطع يدَيها] في تقليب صفحاتِ مجلدٍ يتضمن مَسْخ الكائنات لأوفيد حتى تصلَ إلى حكاية فيلوميل التي اغتصَبها تيريوس. وإذا بها تُمسك عودًا بفمها وتُحركه بذراعيها المشوهتَين حتى تخطَّ على الرمل كلمة stuprum (وهي لاتينية تعني «الاغتصاب») وتخطُّ اسمَي المذنِبَين من أبناء تامورا شيرون وديميتريوس. ويردُّ تايتوس على ذلك باقتطافِ كلماتٍ من مسرحية هييوليتوس لسينيكا، وهي المسرحية نفسُها التي استمد ديميتريوس عنوانها توطئةً لاغتصاب لافينيا وتشويهها.
ولا يستخدم شيكسبير أوفيد وسينيكا باعتبارهما من مصادر إحالاته الأدبية بقدرِ ما يستخدم نصوصَهما في زيادة الابتعاد عن المحاكاة الواقعية في تصوير ضروب المعاناة البشعة لتايتوس وأسرته. ومن ثَم فمِن المناسب فيما يبدو أن يُدبر تايتوس هجومًا على القصر الإمبراطوري، الذي تنهال عليه سهامٌ خيالية، وعلى كلٍّ منها ما يفيد بأنه موجَّه إلى ربٍّ معين. وعلى الرغم مما في هذا من غرابة، فإن شيكسبير يتجاوز حدود مناهضة الواقعية بأن يجعل تامورا، متنكرةً في زيِّ ربةِ انتقام مجسَّمة، تقوم بزيارة عادية إلى تايتوس، في صحبة ديميتريوس، المتنكِّر في شخصية رب القتل، وشيرون متنكرًا في شخصية ربِّ الاغتصاب. والغرض من الزيارة حثُّ تايتوس على تقديمِ وليمةٍ لتامورا وزوجها، ساتورنينوس الإمبراطور المريب، بحيث يحضرها لوشيوس، ابنُ تايتوس الوحيد الذي لا يزال في قيد الحياة. وتلخيص كلِّ هذا يُشبه تقديمَ حبكةِ مسلسل تليفزيوني، ولكن الحدَث في تايتوس أندرونيكوس يعتبر في جوهره روايةَ رعب، كأنما انطلَق ستيفن كنج ينسجُ قصص الرعب بين الرومان والقوط. وتايتوس يسمح لتامورا/ربَّة الانتقام أن تنصرف، وذلك بلا شكٍّ حتى ترتديَ الملابس اللائقة للوليمة، ولكنه يستبقي «ربَّ القتل» و«رب الاغتصاب»؛ إذ يُقيدهما ويضع عِصابةً على عيونهما، حيث يقفان على استعداد، في حين نستمتع نحن برعشةِ انبهار حين نقرأ الإرشاد المسرحي الذي يقول: «يدخل تايتوس حاملًا سكينًا ولافينيا حاملة حوضًا». وأما خُطبة تايتوس، أُولى خطبه البهيجة في المسرحية كلِّها، فلا تُخيب آمالَنا:
فَلْتُنْصِتَا يا تَاعِسَانْ! إنِّي سَأكْشِفُ خُطَّةَ التَّمْثيلِ بالجَسَدَيْنِ حَالًا بَعْدَ قَتْلِكُمَا،
هذِي يَدِي بَقِيَتْ لِقَطْعِ رِقَابِكُمْ،
لكنَّ لَافينْيَا سَتَحْمِلُ بالبَقِيَّةِ مِنْ ذِرَاعَيْها الإنَاءَ لِتَجْمَعَ القَطَرَاتِ،
مِنْ دَمِ كُلِّ شِرْيَانٍ أَثِيمٍ في البَدَنْ،
قدْ تَعْلَمَانِ بأنَّ أُمَّكُما انْتَوَتْ أنْ أَلْتَقِي مَعَهَا بِمَائِدَتِي القَرِيبَة،
وَتَنكَّرَتْ في زِي رَبَّةِ الانْتِقَامْ … وتَظُنُّني مَجْنُونًا!
فَلْتُنْصِتَا يا أَيُّهَا الوَغْدَانْ! إنِّي سَأَسْحَقُ كُلَّ عَظْمٍ فِيكُمَا؛
حَتَّى يَكُونَ هُنَا دَقِيقًا يَسْتَحِيلُ إلَى عَجِينٍ بالدِّمَاءِ السَّائِلَة،
ومِنَ العَجِينِ أُقِيمُ تَابُوتًا ومِنْ رَأْسَيْكُمَا،
وبِكُلِّ عَارٍ فِيهِمَا بَعْضَ الطَّوَاجِنْ!
ولَسَوْفَ أَدْعُو العَاهِرَة … ذَاتَ النَّجَاسَةِ أُمَّكُمْ … إلَى الْتِهَامِكُمَا؛
كي تُشبِهَ الأَرْضَ التي تَطْوِي بِدَاخِلِهَا هُنَا مَنْ أَنْجَبَتْهُمْ!
هذَا إذَنْ ما كُنْتُ أَقْصِدُ بالوَلِيمَةِ عِنْدَ دَعْوَتِهَا إلَيْهَا،
أوْ قُلْ بِمَأْدُبَتي التي لَا بُدَّ أنْ تُتْخِمَهَا،
عَامَلْتُمَا ابْنَتَنا بِأَسْوَأَ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَذَلَّتْ فِيلُومِيلْ،
ولَسَوْفَ يَزْدَادُ انْتِقَامِي قَسْوَةً عَمَّا تَوَلَّتْهُ برُوجْنِي،
والآنَ هَيَّا فاسْتَعِدَّا للِرَّدَى وتَجَهَّزِي لَافِينْيَا؛
كي تَجْمَعِي كُلَّ الذي قَدْ سَالَ مِنْ ذَاكَ الدَّمِ المَسْفُوكِ بَعْدَ المَوْت،
أَمَّا أنَا فَلَسَوْفَ أَطْحَنُ كُلَّ عَظْمٍ كي يكُونَ لَدَيَّ مَسْحُوقٌ دَقِيقْ،
وهُنَا سَأَخْلِطُهُ بِذَاكَ السَّائِلِ المَكْرُوهِ حَتَّى يَسْتَوِي العَجِينْ،
وَبِهِ سَأُلْقِي كُلَّ رَأْسٍ مُذْنَبٍ قَبْلَ الدُّخُولِ لموْقِدٍ يُشْوَى بِهِ شَيَّا،
هَيَّا إذَنْ فَلْنَجْتَهِدْ حَتَّى نُعِدَّ المَأْدُبَة،
إني لأَرْجُو أنْ تَفُوقَ صَرَامَةً وبَشَاعَةً،
ما ذَاعَ بَاسْمِ وَلِيمَةٍ للقَنْطَرُوسْ.
 [يقطع رقبتَيهما.]
آتُوا إذَنْ بِهمَا إليَّ هُنَاكَ إنِّي سَوْفَ أُصْبِحُ طَاهِيًا،
وَلَسَوْفَ أُنْجِزُ ما وَعَدْتُ بهِ مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِي هُنَا أُمُّهُمَا.

 [يخرجون.]

(٥ / ٢ / ١٨٠–٢٠٥)
يُشير تايتوس إلى أنه ليس أولَ من يفعل ذلك؛ إذ يَرْوي أوفيد قصةَ العَشاء الذي قدَّمَته بروجني، أختُ فيلوميلا، إلى تيريوس الذي اغتصَب أختها؛ إذ إنه التهَم دون أن يدريَ ولدَه، وقد يكون في الخلفيَّة مسرحية سنيكا وعنوانها ثييستيز (Thyestes)، التي تبلغ ذروتَها بالوليمة التي يعدُّها أتريوس [لأخيه حيث يجعله يلتهمُ أبناءه]. ويتفوق شيكسبير على مصادره بأن يجعل تايتوس يُعد فطيرةً في طاجن يُشبه التابوت، وله قشرته المعتادة، والمظهر الخلاب لرأس ديمتريوس وشيرون بعدما أصبح اللحمُ اللذيذ داخل الفطيرة. ونحن مُهيَّئون للوليمة؛ إذ نرى تايتوس لابسًا قبعةَ الطباخ وهو يجهز المائدة. فهو يقضي على المسكينة لافينيا أولًا، ثم يطعن تامورا الأكبرَ جدارةً، ولكن بعد أن يُخبرها بأنها أكلَت لحم ابنَيها. ولا شك أن شيكسبير قد شبع إلى حدٍّ ما فلم يسمح لتايتوس بأن يَشغل مقتلُه مشهدًا مَهيبًا؛ فإن ساتورنينوس يقتله، ثم يقتل لوشيوس ساتورنينوس، ولوشيوس هو آخر الإخوة الخمسة والعشرين، وإمبراطور روما الجديد. أما هارون المغربي، فإنه بعد أن أظهَر شجاعته وأنقَذ الرضيع الأسود الذي أنجبه من تامورا؛ يُدفَن حَيًّا حتى صدرِه في الأرض ويُترَك حتى يموتَ جوعًا. وربما يُشاركنا شيكسبير حبنا اليائس لهارون، فيسمح له بأن يقول كلماتٍ أخيرةً يُعلن فيها رفضه للتوبة، مثل باراباس عند مارلو:
هارون :
هَلْ يَظَلُّ الحِقْدُ أَخْرَسْ؟ وتَظَلُّ الغَضْبَةُ الكُبْرَى هُنَا بَكْمَاءْ؟
لَسْتُ طِفْلًا كي أُصَلِّي نَادِمًا نَدَمًا حَقِيرًا،
مُعْلِنًا أنِّي أتوبُ اليَوْمَ عَمَّا قَدْ فَعَلْتُهْ،
لَيْتَ أنِّي قَادِرٌ أنْ أَفْعَلَ اليَوْمَ مِنَ الآثَامِ
ما يَرْبُو علَى ما كَانَ آلَافًا مُؤَلَّفَةً،
وإذَا كانَ سِجِلِّي فِيه شيءٌ صَالِحٌ كُنْتُ فَعَلْتُهْ؛
فَأَنَا أَنْدَمُ مِنْ أَعْمَاقِ رُوحِي أنَّ يُمْنَايَ ارْتَضَتْهُ!
(٥ / ٣ / ١٨٤–١٩٠)
وأما الإخراج الإنجليزيُّ لمسرحية تايتوس أندرونيكوس الذي شاهدتُه فكان من إخراج بيتر بروك في عام ١٩٥٥م، وكان تجريديًّا ذا رمزيةٍ نمطية، وكان من مَزاياه على الأقل أنْ أبقى الفظاعة على مسافةٍ رمزية معينة، وإن كان ذلك على حساب المبالغات التي اقتضَتْها المحاكاةُ الساخرة عند شيكسبير. ولا أظنُّ أنني يمكن أن أشاهد المسرحية مرةً أخرى إلا إذا كانت من إخراج ميل بروكس، ومثَّلَتها فرقتُه من المجانين، أو ربما أمْكَن تحويلُها إلى عرضٍ مسرحي موسيقي. وعلى الرغم من وجودِ قوة خبيثة واضحة في النص كلِّه، فلا أستطيع التسليمَ بوجود قيمةٍ أصيلة في تايتوس أندرونيكوس. ولا ترجع أهميتها إلا إلى أن شيكسبير قد كتَبها قطعًا، مع الأسف، ومن خلال ذلك استطاع تطهير مُخيلته من آثار مارلو وكيد إلى حدٍّ كبير. كان شيءٌ من مارلو لا يزال قائمًا فترةً تكفي للمساعدة على إفساد الملك جون، كما رأينا، وأما عندما ظهرَت خاب سعي العشاق في إطار الكوميديا، وريتشارد الثاني في إطار المسرحيات التاريخية، وروميو وجوليت في إطار المسرحيَّات التراجيدية، فكان شيكسبير قد وقَف أخيرًا على مَبْعَدةٍ من سابقه العبقريِّ الذي لا قلبَ له. لقد أدَّت تايتوس أندرونيكوس وظيفةً جوهرية لشيكسبير، ولكنها لا تستطيع أن تقومَ بالكثير عند سائرنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤