الفصل الثاني
مقاطعات الوجه البحري
المقاطعة الأولى
هذه المقاطعة تُسمَّى بالمصرية «أنب حز» (الجدار الأبيض)، وهذه التسمية كانت في الأصل
خاصة بالتحصينات، وهي التي أُقيم بجوارها فيما بعد مدينة «منف»، وربما كان معناها
«الأثر الجميل». وقد أصبح كل من اسم «من نفر» و«أنب حز» يُطْلَق على اسم العاصمة
القديمة لهذه المقاطعة. وتخبرنا التقاليد الباقية أن مؤسس هذه المقاطعة هو الملك
«مينا»؛ وذلك مما يدل على أنها حديثة العهد بالنسبة للمقاطعات الأخرى. وقد كان المكان
الذي أقيمت فيه تلك العاصمة مغمورًا بالمياه؛ فعمل هذا الملك هناك سدًّا معروفًا في
التاريخ، ثم بنى مدينة «الجدار الأبيض» الذي كان بمثابة حصن لمقاومة الغزاة. وتوجد
علاقة بين اسم الإله «تا تنن» (رافع الأبيض) وبين إقامة هذا السد، والإله «تا تنن» هو
اسم للإله «فتاح» معبود هذه المقاطعة.
أهم المدن القديمة التي بقي اسمها في هذه المقاطعة محفوظًا بلفظه في العربية ما يأتي:
- ميت رهينة: (طريق الكباش).
- سقارة: (مكان الإله سكر).
- بر حول: أي أبو الهول (مكان المعبود حول).
- شنباري: (خنت نفر) وهي على مسافة ٢ كيلومتر شرقي «أوسيم» مركز
إمبابة.
- منش: (المنشية) ومعناها الكاملة وهي قريبة من «دهشور» مركز
العياط.
المقاطعة الثانية
اسم هذه المقاطعة بالمصرية «دواو»، وتُمَثِّل قطعة لحم أو فخذ على حامل تحته العلامة
الدالة على كلمة مقاطعة. وتقع هذه المقاطعة في الجنوب الغربي من الدلتا، وعاصمتها «خنت
خم» كما جاء في قائمة «سنوسرت» الأول، أو كانت تسمَّى «سخم»، وهو المكان الذي يشغل قرية
أوسيم الحالية الواقعة في مركز إمبابة. أما الاسم الديني لهذه العاصمة فكان يُطلَق عليه
لفظة «دواوت» بإضافة تاء التأنيث لاسم المقاطعة نفسها، كما نجد ذلك في كل أسماء
المقاطعات تقريبًا في الوجه القبلي والوجه البحري على السواء.
أما معبود هذه الجهة فهو الصقر الجاثم المحنط، ويسمَّى في المصرية «حور خنتي أرتي»
أي
حور الذي يشرف على العينين، وتفسير ذلك أن رجال اللاهوت قد جعلوا من حور معبود هذه
المقاطعة
Letopolite (حور الكبير) بالنسبة لكل معبود
آخر يسمى حور. وقد فسروا العينين بأنهما يمثلان الشمس والقمر. والواقع أن كلًّا من
مملكة «نخن» (الوجه القبلي) ومملكة «بوتو» (الوجه البحري) كانت شارة للتاج الأبيض
(قبلي) والتاج الأحمر (بحري) على التوالي؛ أي الشمس والقمر، فحور الذي يشرف على العينين
هو حور الكبير؛ وبذلك يكون هو «حور» الكبير الذي جاء قبل أي «حور» آخر.
١
البلاد القديمة التي وصلتنا بأسمائها المصرية القديمة:
- أوسيم: (سخم) مركز إمبابة.
- منوف: (بر نوب) بيت الذهب وهي منوف العليا.
- كوم بره: (بر أري) وهي على مسافة ٥ كيلومترات من قرية أوسيم السالفة
الذكر.
المقاطعة الثالثة
هذه المقاطعة يطلَق عليها في المصرية لفظة «أمنتي»، ومعناها مقاطعة اليمين أو الغرب؛
وذلك لوقوعها في الجهة الغربية على الشاطئ الغربي من النيل أي على الفرع الكانوبي، وهي
المقاطعة اللوبية عند الجغرافيين الإغريق واللاتين. وكانت تشمل الأراضي الواقعة شمالي
منطقة مريوط الحالية. ويعتقد الأستاذ «زيته» الألماني أن رمز هذه المقاطعة يدل في الأصل
على مكان عبادة الإله «حور»؛ ومن ثم انتشرت عبادة حور في كل البلاد تدريجيًّا وذلك قبل
العصر التاريخي، أما في العهد التاريخي فكانت هذه المقاطعة تعبد الإلهة «حتحور» باسم
«سخات حور» أي التي تعيد ذكرى حور؛ وعلى ذلك فإن اسم بيت حور يدل على أنها أم الإله
حور.
أما عاصمة المقاطعة التي كانت تُعبَد فيها هذه الإلهة حتحور فهي بلدة «مومنفس» التي
تشغل مكان كوم الحسن الحالية وهي بالمصرية تلفظ «آمو» ومعناها شجرة «آمو»؛ وذلك مما يدل
على أن الإلهة لم تكن في الأصل بقرة بل كانت شجرة تسكن فيها هذه الإلهة؛ وعلى ذلك كانت
هذه الإلهة تنسب إلى الغابات.
ويتساءل الأستاذ «زيته» عن المكان الذي جاءت منه عبادة «حور» قديمًا قبل كوم الحسن
(آمو)؛ فيفسر ذلك قائلًا بأنه توجد بلدة على مسافة ٣٠ كيلومترًا شمالي كوم الحسن تسمَّى
دمنهور (بحدت)، ولا بد أنها قد لعبت دورًا هامًّا في عصر ما قبل التاريخ؛ ويدل على ذلك
نفس اسم البلد «مكان حور» أو «بلدة حور»، وهي دمنهور الحالية، ولا بد أنها كانت في
الأصل تابعة للمقاطعة الثالثة وكانت العاصمة، ثم نُقلت فيما بعد إلى كوم الحسن كما حدث
كثيرًا في بعض المقاطعات الأخرى مثل «الفنتين» و«أمبوس» و«أسوان».
غير أن قائمة «سنوسرت» ذكرت لنا اسم الإله الذي كان يعبَد في هذه المقاطعة، هو الإله
«حابي»، وأن العاصمة كانت تسمَّى «حتيت»، يضاف إلى ذلك أن هذه المقاطعة كانت تسمَّى في
العهد الإغريقي — وربما قبله — مقاطعة «أبيس» أي العجل أبيس،
٢ والواقع أن هذا الإله «حابي» قد ذكره قاموس برلين بأنه أحد أبناء حور. على
أنه يوجد معبود آخر اسمه حابي؛ وهو العجل أبيس. أما العاصمة «حتيت» فقد جاء في نفس
القاموس بمعنى إلهة برأس بقرة، فهل معنى كل هذا أن الإله «حابي» هذا كان إله المقاطعة
(كما ذُكِرَ سالفًا)، وأن العاصمة كانت «حتيت» أي بلدة البقرة أو أن «حابي» هو أحد
أولاد حور الذين خلفوا والدهم، وأن البلد «حتيت» بقيت كذكرى للأب الأكبر حور كما قاله
العالم «زيته»، كل ذلك لا يزال معلقًا قيد البحث.
البلاد القديمة الباقية أسماؤها في العربية:
- نقراش: (نوكرات) بمركز إيتاي البارود.
- مريوط: (بر مرت) مكان الماء.
- أورين: (حورن) مركز شبراخيت بحيرة.
- علقام: (راكام) بالدلتا الشرقية.
- قابيل: (كابان) على مسافة قريبة من دمنهور.
- دمنهور: (دمن حور) بلد حور (أي بلد الصقر).
ويعتبر «زيته» هذه المدينة في المقاطعة الثالثة، ولكنا لا نعرف شيئًا محددًا عن السبب
الذي من أجله لم تُسَمَّ عند اليونان باسم
Apollinopolis كما سُميت بذلك بلدة أدفو أي بلدة
الإله حور، بل على العكس سُمِّيَت هرموبوليس أي بلد الإله «تحوت» وهي عاصمة المقاطعة
١٥
قبلي. ونرى أنه في أواخر عصر البطالسة بُنيت مدينة ملحقة بدمنهور سُميت «بحدت»، ولكن
المصريين حافظوا على الاسم القديم كما هي عادتهم في القبطية «تمحور» مدينة حور؛ ومن ثم
جاءت إلينا «دمنهور».
أما اسم «هرموبوليس»، فقد نُقل كذلك من الإغريقية إلى القبطية، ويقابله في الصعيد
الأشمونين. وقد فحص «بركش» السبب في وجود هذا الاسم؛ فقال إنه كان يوجد بلدان مختلفان
الأول خاص بعبادة الإله «حور»، والثاني خاص بعبادة الإله «تحوت»، وأن الاسم الأول قد
طغى على «الثاني» وحل محله.
٣
ومن الذكريات الهامة في هذه المقاطعة أن في عاصمتها كوم الحسن وُجدت صورة من حجر رشيد
المشهور.
المقاطعة الرابعة
اسم هذه المقاطعة القديم «نيت شمع» مقاطعة «نيت» الجنوبية، وعاصمتها «بر زقع»، وتشغل
الآن مكان زاوية رزين مركز منوف، واسم المقاطعة عند اليونان
Prosopis وهي في الواقع جزء من مقاطعة «نيت» التي
كانت في عصر ما قبل التاريخ تتألف من مساحة عظيمة، ولكن في العصر التاريخي انقسمت إلى
قسمين إداريين منفصلين: المقاطعة الجنوبية والمقاطعة الشمالية للإلهة «نيت». ويلاحَظ
أنه في الجزء الجنوبي كان يُعبَد الإله «سبك»؛ وهذا هو السبب الذي من أجله نجد عدة
أماكن تحمل اسم هذا الإله مثل «سبك الثلاث وسبك الأحد وسبك الضاحك». وتنحصر شهرة
المقاطعة الجنوبية في عهد البطالسة في أنها كانت مقبرة مقدسة للعجل أبيس. ومن الجائز
أن
العجل الذي عُبد في المقاطعة الثالثة كان يُدْفَن هنا (؟). وقد قال هيرودوت إن كل
المصريين كانوا يضحون بالثيران والعجول، غير أنه لم يكن مسموحًا لهم أن يضحوا بالبقرات
الإناث ولا بصغارها؛ لأنها كانت مقدسة للإلهة «إزيس» وهي الإلهة التي تحمل على رأسها
قرني بقرة؛ لذلك كان القوم يلقون بإناث البقر في النهر، ويدفنون الذكور في ضواحي
مساكنهم ويتركون قرنًا أو قرنين بارزين فوق سطح الأرض بمثابة علامة على مكان
الدفن.
البلاد القديمة التي انحدرت إلينا من الأصل المصري:
- البتانون: (آت تنن) مكان المعبود تنن (صورة من صور بتاح) مركز شبين
الكوم.
- مصطاي: (مسدت) مركز قويسنا منوفية.
- وادي النطرون: (سخت نتير: حقل النطرون).
- كوم الكلبة: (بر أنب) بيت الثعلب أو الكلب بالقرب من دمليج مركز منوف.
المقاطعة الخامسة
واسمها بالمصرية «نيت محيت»: مقاطعة نيت الشمالية، وعاصمتها «ساو» أي صا الحجر
الحالية.
ومعبود هذه المقاطعة هي الإلهة نيت كما جاء في قائمة «سنوسرت».
البلاد التي بقيت بأسمائها القديمة:
- رمسيس: (حت رعمسيس) قصر رمسيس، وهي قرية من صا الحجر على مسافة ساعة وعشر
دقائق مشيًا من إتياي البارود وبالبقر من «كوم جعيف».
- صا الحجر: (ساو) بالقرب من كفر الزيات.
المقاطعة السادسة
هذه المقاطعة تسمَّى بالمصرية «خاست»، وقد بقي اسمها في اسم المدينة الحالية «سخا»،
ومعناها مقاطعة الصحراء. وتسمَّى كذلك العاصمة «خاسوت» أو «سخوت»؛ ومن هنا جاء الاسم
سخا كما ذكرنا. غير أن الأستاذ «زيته» يقول: إن عاصمة هذه المقاطعة هي بلدة «بوتو»
(أبطو الحالية) أي تل الفراعين الواقع في مركز دسوق.
ومعبودا هذه المقاطعة هما الإله «رع» ثم الإله «آمون رع». أما في قائمة «سنوسرت» فلم
نعرف بالتأكيد اسم المعبود، والظاهر أن المعبودة «إزيس» كانت المعبودة السائدة هناك في
الدولة الوسطى وما قبلها، ويدل اسم المقاطعة على أن نوعًا من العجول كان يُعْبَد هناك
أيضًا.
المدن القديمة:
- كوم الخبيزة: (خبيت) وحرفه اليونان وسُمي خميس؛ ومن ثم جاءت كلمة خبيزة (مركز كفر
الشيخ). وهذه البلدة لها علاقة بأسطورة «إزيس» وطفولة الإله «حور»، وقد
كانت تُسمَّى في بادئ الأمر «أخبيت». والظاهر أن خبيت قد حلت محلها،
وهي قريبة من بلدة «بوتو» التي بحثت فيها إزيس طويلًا عن جثمان زوجها
«أوزير» الذي قتله «ست». وتُعَد جزيرة «خبت» ذات أدغال وهي تقع في
بحيرة «بوتو» أي أبطو الحالية.
- شباس الشهداء: (كا حسب) وتقع في مركز دسوق.
- كوم الأمان: (أم) وهي بلدة كانت قد زارتها «إزيس» أثناء سياحتها التي قامت بها
من «خميس» لتبحث عن ابنها حور. ويؤحد بركش هذا المكان بكوم الأمان
القريب من الشاطئ الغربي من بحيرة البرلس.
المقاطعة السابعة
وتُسمَّى هذه المقاطعة في المصرية «رع أمنتي» أو «نفر أمنتي»، ومعناها المقاطعة
الأولى غربًا. وقد سماها اليونان Metlite، وتقع في
النهاية الغربية من الدلتا، وقد كانت في العصور الأولى من التاريخ المصري تكون مع
المقاطعة الثامنة المقابلة لها من الجهة الثانية من الدلتا مقاطعة واحدة، ولكنهما
انفصلتا عن بعضهما فيما بعد؛ ولذلك نجد بقايا التقسيم في اسم كل من المقاطعتين؛ إذ
يُسمَّى كل منهما النصف الغربي والنصف الشرقي على التوالي، وعاصمة هذه المقاطعة تُلفَظ
مثل اسم المقاطعة نفسها مع زيادة تاء التأنيث، ومن أسماء هذه العاصمة أيضًا «سنتي نفر»،
وكذلك «بر-نب-أمغت» (أي سكن الإله حور رب الغرب). أما اليونان فكانوا يسمون العاصمة
متليس، وقد فسر ذلك الاسم «بركش» بقوله إن معناه بلد الأجانب، مشيرًا في ذلك إلى السكان
الهيلانيين الذين هاجروا إلى الشمال الغربي من الدلتا على الشاطئ الأيسر من الكانوبي
للنيل بالقرب من البحر. والتسمية الإغريقية قد نشأت من القبطية «مجيل» أو «مخيل». وقد
اقترح دارسي أن يجعل موضع خرائب هذه البلدة في كوم النجيل الحالي القريب من فوة مديرية
الغربية، وقد سماها العرب «مصيل».
البلاد المصرية التي ظهرت بلفظها في العربية:
- رقودة: (رع قد) وهي مكان الإسكندرية تقريبًا.
- أدقو: (تاجو) وتقع في الشمال الغربي من الدلتا.
- كرباني: (قارباني) على البحر الأبيض قريبة من بحيرة «أدقو».
المقاطعة الثامنة
واسمها في المصرية «واع آب» أو «نفر آب»، ومعناها المقاطعة الأولى شرقًا، واسمها
باليونانية Herpoonpolite ومعناه مقاطعة الإله «حرون»
الذي كان يمثل في صورة صقر، ويقال إن هذا الإله أصله كنعاني ورد على مصر منذ أزمان
سحيقة، ومن الجائز أن اسم «حوو» وهو الإله الذي وُجد على قائمة سنوسرت معبودًا لهذه
المقاطعة، له صلة بهذا الإله.
وتقع هذه المقاطعة في النهاية الشرقية من الدلتا في وادي طميلات والبحر الأحمر،
وعاصمتها هي «نفر آبت»، وكذلك كانت تُسمَّى: «بر-رع-حر-محيت-أون» أي بيت رع في الجهة
الشمالية من عين شمس، وهي تل اليهودية الحالية. غير أن بعض الجغرافيين يجعل مكانَها تل
المسخوطة بمركز الزقازيق، وهذا لا يتفق قط مع موقع المقاطعة إذا قلنا إنها كانت قد
قُسمت إلى قسمين بعد أن كانت موحدة؛ لأن هذين الجزأين يكونان بعيدين عن بعضهما تمامًا
بوضع العاصمة عند تل المسخوطة.
أما المعبود الذي كان يُعبَد في هذه المقاطعة بشقَّيْها فهو الإله «وع-نب-حوو» الرب
الوحيد «حوو»، كما جاء في قائمة «سنوسرت». وفيما بعد وجدنا الإله «آتوم» وهو صورة من
صور الإله رع، وهذا الإله كان يُعتبَر عند المصريين بأنه أكبر الآلهة وأعظمهم في كل
العصور التاريخية.
الأسماء القديمة للمدن المصرية التي بقيت بلفظها في العربية:
- عين موسى: (عين) وقد قال بركش إنه يوجَد ١٢ عينًا، وقد فرضت اسمها على هذه
الجهة. وقد جاء في ورقة «هرس» أن «رعمسيس الثالث» جعل هذا المكان
خزانًا للمياه.
- الطيبة: (بانفر) الطيبة، وهذا الاسم قد حفظت لنا ترجمته في العربية، وتقع على
مسافة ١٢ كيلومترًا من الزقازيق.
- تنيس: (ثني) وهي التي كانت قائمة في بحيرة المنزلة ثم مُحِيَتْ.
- جبل الخير: (حنوتا خرتا) ويقع أمام بحيرة التمساح في وادي الطميلات، وقد عُثر
على هذا الاسم في خريطة كتاب وصف مصر؛ ولذلك جوز بعض علماء الجغرافية
أنه مأخوذ من الاسم المصري القديم.
المقاطعة التاسعة
تُسمَّى هذه المقاطعة «عنزت»، ومعناها مقاطعة الإله «عنزتي» وهو الذي خلفه الإله
«أوزير» على عرش ملكه. ولفظة عنزتي معناها الحامي، وقد كانت العاصمة في بادئ الأمر
تُسمَّى «عنزت» أيضًا، ولكن لما خلف «أوزير» «عنزت» أصبحت العاصمة تُسمَّى «بر أوزير»
أي مكان الإله «أوزير»؛ ومن ثم اشتُق اسم بلدة أبو صير الحالية. والواقع أن بلدة أبو
صير كانت أول عاصمة لاتحاد عظيم قام به «عنزتي» أول ملوك الدلتا في عصر ما قبل
التاريخ.
ويقص علينا هيرودوت أن في هذه البلدة يُقام ثاني الأعياد العظيمة التي كان يُحتفل
بها
للإلهة «إزيس»، وكان القوم يصومون قبله وكان يُذبَح ثور عظيم ضحية، ويُرمى برأسه في
النهر بعد لفها، كذلك كانت تُنتزع أحشاؤه ويُرمى بها بعد لفِّها. وآثار «أوزير» الباقية
في هذا المكان هي العمود الفقري والفكان، وكانت موضوعة في مكان السكوت. والمفهوم في علم
الخرافات المصرية أن قبر «أوزير» كان في هذا المكان؛ ولذلك كان لا بد لكل مصري أن يحج
إليه، ثم انتقل هذا القبر إلى العرابة المدفونة؛ وذلك تبعًا للتقلبات السياسية كما
يشاهَد ذلك في أنحاء شتى من ممالك العالم؛ وذلك يحدث في كل زمان لأن العامة تنساق وراء
المعتقدات الدينية التي يستغلها رجال السياسة.
وفي قائمة «سنوسرت» نجد أن الإله الذي كان يقدَّس في هذه المقاطعة هو الإله «أوزير»
صاحب «زدو» أي أبو صير.
البلاد القديمة:
كوم سجين (شجنات) مركز طنطا على مسافة ١٤ كيلومترًا من أبو صير بنا.
ميت٤ حارون: (حورن) ومعناها الإله «حورنا» الذي يرسَم في صورة صقر، وتقع جنوبي
ميت غمر على الضفة اليسرى للنيل.
المقاطعة العاشرة
يسمَّى هذا الإقليم «كم»، ومعناه مقاطعة الثور الأسود، واسمها باليونانية
Athribite وعاصمتها «أتريبيس»، ولا تزال خرائبها
محفوظة في اسم «تل أتريب» الملاصق لمدينة بنها الحالية، وكذلك تُسمَّى العاصمة «كم
ورت» (بلدة الثور الأسود العظيم). غير أن «جونيه» يقول إن هذه البلدة ليست العاصمة
ولكنها بلدة بالقرب منها، وإن الاسم الحقيقي للعاصمة هو «حات-نا-حري-آب»؛ ومن ثم اشتُق
اسم «أتريب». ويقول إن هذا الاسم هو العاصمة السياسية للمقاطعة (ومعناها: قصر إقليم
الوسط أو قصر أرض الوسط). ويعتقد «دارسي» أن التعبير «أرض الوسط» يعني وسط الدلتا وهو
ما يسمى بالعربية الريف؛ وذلك لموقعه بين منطقتين: الأولى منها تُسمَّى «باررد أبتي»
الشاطئ الشرقي للدلتا المصرية، وهو ملاصق للصحراء العربية، ويقول دارسي إنها تسمية
للشريط الأخضر المزروع الواقع بين الفرع البيلوزي للنيل والصحراء الشرقية، ويكون الحد
الفاصل الشرقي للدلتا المصرية وهو تسمية العرب «الحوف الشرقي». أما الحوف الغربي فكان
يسمَّى «با رود إمنتت»، وهو اسم أُعطي للحد الفاصل للدلتا الغربية ممتدًا من الصحراء
اللوبية من «منف» في الجنوب حتى كريانا (القريبة من أبي قير) شمالًا، وهذا الإقليم
اليانع هو الذي كان يبحث اللوبيون لاجتيازه أثناء غزوتهم لمصر في عهد «منفتاح» وفي عهد
«رعمسيس» الثالث.
وهذه المقاطعة لها تاريخ مجيد، كما جاء في نصائح الملك «خيتي» لابنه «مريكارع»، ومن
هذه النصائح نعرف عصر الحكم الديمقراطي في مصر في ذلك الوقت في الدلتا، كما أشرنا إلى
ذلك من قبل.
البلاد القديمة:
- بنها: (برنها) بيت الجميزة.
- تل أتريب: (حث حراب) ومعناها مكان الوسط كما ذكرناه.
المقاطعة الحادية عشرة
هذه المقاطعة من المقاطعات البحرية التي يُرمز لها بثور كمخصص واسمها «حسب»، ويطلق
عليها اليونان اسم Babcite أي الشباسية. ولما كانت هذه
المقاطعة في بادئ أمرها تُعزَى إلى المعبود «ست» الذي يُعد إله الشر، فقد لاحظنا أن
المؤرخين كانوا يمرون على اسم المقاطعة دون ذكرها، ويذكرون بدلًا من اسمها الأصلي اسم
«شدن» وهي مكان بلدة «خربيط» الحالية التي يسميها الإغريق
Pharabotis، وعاصمة المقاطعة القديمة تُلفَظ كذلك
«حسبت» بإضافة تاء التأنيث. والظاهر أن اليونان نطقوا اسم المقاطعة «كاسب» لأن خصصها
ثور؛ ومن ثم اشتُق الاسم اليوناني Kabsasa ومنه جاءت
كلمة شاباس، أما الاسم القديم «حسب» فقد بقي في العربية في قرية «الحبش» الحالية التي
على بعد ٤ كيلومترات من «هربيط».
البلاد القديمة التي بقيت بلفظها في العربية:
- هربيط: (بر مرتي) وتقع على بحر موسى مركز كفر صقر.
- السنيط: (شدن) على مسافة قريبة من هربيط على الشاطئ الآخر للفرع
البيلوزي.
المقاطعة الثانية عشرة
واسمها بالمصرية «ثب نتر» أي العجل المقدس، وكذلك تُسمَّى عاصمتها «ثب نثرت» وهي
بلدة
سينوني التي ذُكرت في المتون الأشورية وخمنوتي في القبطية
Sebenotos عند الإغريق، ومن اللفظ الأخير الذي نقل
إلى القبطية متأخرًا جاءت تسمية بلدة «سمنود». وقد كُتب هذا الاسم في الديموطيقية كما
يأتي:
«تبنو نتر» وكذلك كتب «دي ب ن نوت»، وكان يُعبَد في هذه المقاطعة الإله «أنحور» —
شو
«أنوريس» وزوجتاه «محيت وتفنوت».
وتُعتبر بلدة سمنود آخر معقل لفراعنة الأسرة الثلاثين حسب رأي «مانيتون»، ولم
تستقِلَّ بعدَها البلادُ إلى يومنا هذا استقلالًا حقيقيًّا على يد أحد أبنائها.
وأهم مدينة قديمة بقي لنا اسمها في العربية بلدة «بهبيت الحجر»، وهي بالمصرية
«برحبي» (مكان العيد)، وهذه البلدة مقدسة للإلهة إزيس، وقد سميت باسمها «أزيوم»، ويقال
إنها المكان الذي وضعت فيه ابنها حور وربَّتْه، وهي من قرى مركز طلخا.
المقاطعة الثالثة عشرة
يُطلَق على هذه المقاطعة اسم «تحوتي» أي المنسوبة للإله «تحوت»؛ ولذلك سُمِّيَتْ
باليونانية Hermopolite نسبة إلى الإله «هرميس» إله
العلم، الذي يقابل في المصرية تحوت. وعاصمة هذه المقاطعة بلدة «بعح»، ومن المرجح أنها
كانت مكان «تل البهو» الحالي مركز أجا، على مسافة قريبة جدًّا من تل البقلية، واسم
العاصمة الديني «برتحوت» أي بيت تحوت. على أنه ليس من السهل تحديد موقع هذه المدينة
بالضبط؛ وذلك لأن «استرابون» قد ذكر لنا ثلاثة أماكن بهذا اللفظ.
غير أن القريب إلى الصواب هو «تل البهو»، ولكن العالم «دورجيه» يرى أن العاصمة كانت
مكان بلدة أشمون البحر في الشمال الغربي من «تمى الأمديد»؛ وذلك لأن الإله تحوت ينسب
إليه ثمانية آلهة أخرى؛ ومن ذلك اشتق اسم أشمون بلد الثمانية، ويقابل ذلك في الوجه القبلي
بلدة الأشمونين
٥ التي كان يعبد فيها كذلك تحوت، غير أن تحوت كان موطنه الأصلي
الدلتا.
وأهم البلدان القديمة التي وصلت إلينا بلفظها المصري ما يأتي:
- تل البهو: (بعح) مركز أجا.
- كوم بلله: (باير) بين الإسماعيلية والقنطرة.
- البقلية: (بر آقر) أي بيت الحكمة، وهو الاسم المقدس للمقاطعة مركز المنصورة،
وقد سُمِّيَ بيت الحكمة نسبة للإله تحوت إله الحكمة.
المقاطعة الرابعة عشرة
وتُسمَّى بالمصرية «حات محيت» نهاية السمكة، وترجمها بعض العلماء بأنها مقاطعة
«الشلبة: خا». أما العالم «زيته» فيقول إنها سمكة الدرفيل، وعاصمتها «خات»، وهي منديس
عند اليونان، ويشغل مكانها الآن «تل الربع» القريب من «تمى الأمديد». وقد ذكرت لنا
قائمة سنوسرت أن العاصمة هي «زدوت» وهو الاسم المدني، أما الاسم الديني فهو «بربا نب
زدوت»، وقد حُفظ في الإغريقية في لفظة Smendes والاسم
المصري قريب جدًّا من كلمة تمى الأمديد.
ومن الأسماء التي بقيت من المصرية حتى العصر الإسلامي:
شونة يوسف: (شاشنت رع) أي شونة رع، وتقع على مسافة
١٦ كيلومترًا من تل «تمى الأمديد».
وقد كان يُعبَد في هذه المقاطعة الإله خنوم في صورة كبش، وكذلك الإله أوزير «انظر
كتاب مصر القديمة، فصل المقاطعات ودياناتها».
المقاطعة الخامسة عشر
هذه المقاطعة تُسمَّى بالمصرية «حكا عنز» أي عصا الحكم السليمة، ويقول الأستاذ «زيته»
في كتابه ما قبل التاريخ المصري إنه من الجائز وجود علاقة بين كلمة «عنز» والإله عنزي
رب المقاطعة التاسعة وعاصمة المقاطعة هي بلدة «أون» أي العمود، وكذلك تُسمَّى «بر رع»
أي بلد رع وهي عين شمس المشهورة، ومن هنا جاءت الكلمة اليونانية هليوبوليس «مدينة
الشمس».
أما أهم الآلهة التي كانت تقدَّس في هذه المدينة فهي الإله «أتوم» أو «رع» وتاسوعه،
وكذلك «الفنكس» (طائر مالك الحزين) والإلهة حتحور، غير أننا نجد أن قائمة «سنوسرت» قد
وكذلك «الفنكس» (طائر مالك الحزين) والإلهة حتحور. غير أننا نجد أن قائمة «سنوسرت» قد
ذكرت لنا أن المعبودتين اللتين كانتا تعبدان في هذه المقاطعة هما الإلهتان «إزيس»
و«باست» (القطة). وكذلك ذكرت لنا هذه القائمة أن العاصمة لم تكن في ذلك الوقت عين شمس
بل بلدة أخرى تُسمَّى «سو».
ومن البلاد التي بقيت باسمها الأصلي إلى عصرنا هذا بلدة:
بابلون: وقد حللها الأستاذ زيته بأنها «بر حاب
ليون» أي بيت العجل أبيس في «أون» أي عين شمس.
المقاطعة السادسة عشرة
يُكتب اسم هذه المقاطعة بالمصرية «خنت أبت»، وقيل إن معناه الإقليم الذي يأتي قبل
الشرق؛ أي في نهاية شرق مصر، وهذا الاسم يُطلَق على المقاطعة السابعة عشرة في القوائم
الأخرى المتأخرة (Tanite). وكانت عاصمتها في بادئ الأمر
هي «ثارو» وموقعها بالقرب من القنطرة، ثم نُقلت إلى صان أي «تانس»؛ ومن ثم جاءت التسمية
الإغريقية Tenitis. وقد كانت هذه المقاطعة تُسمَّى في
العصر الإغريقي Setroites سترويتس. ومن المحقق أن هذه
التسمية تُنسَب إلى الإله «ست» الذي كان يُعبَد في هذه الجهة منذ الأسرة
الرابعة.
ومن أسماء عاصمة هذه المقاطعة «بر-حور-نب-مسنت» أي مسكن حور رب مسنت. وقد قال «جوتيه»
عن هذا الاسم: إنه معبد مخصص لعبادة الإله حور في بلدة «مسنت» أي «ثارو» السالفة الذكر،
وهي الآن تقع مكان «تل أبو سيفا» في شرقي القنطرة، وهذه المدينة يقابلها في الوجه
القبلي مدينة أدفو (التي كانت تُسمَّى كذلك مسنت). وهنا يجب أن نُنَوِّهَ بأن كل البلاد
المصرية القديمة الهامة التي كانت في الوجه البحري كان لها نظائرها في الاسم في الوجه
القبلي. وتدل البحوث الأخيرة على أن بلاد الوجه البحري كانت هي الأصل، ثم تمثلت بها
بلاد الوجه القبلي.
ولكننا نجد أن قائمة «سنوسرت» قد جعلت عاصمة هذه المقاطعة بلدة تُسمَّى «بنو»، وقد
قال عنها «جوتيه» إن هذا المكان من الصعب تحديد موقعه لأنه توجد ثلاثة أماكن بهذا
الاسم. وقد حددت لنا قائمة «سنوسرت» الآن أن هذا المكان الذي يقع في المقاطعة السادسة
عشرة (الرابعة عشرة حسب القوائم الحديثة) هو العاصمة لهذه المقاطعة، أما الإله الذي كان
يُعبَد فيها فهو الإله «حور» كما كان حور يُعبَد في أدفو نظيرتها.
البلاد القديمة:
- الفرما: (بارا-من) على الحدود المصرية.
- تل أبو سيفا: (با ثوفي) وتقع بين صان الحجر وثارو، ومعنى الاسم يعبر عن الأراضي
المستنقعة في شمالي الدلتا.
- تل دفنة: (تنيت) وتقع في مديرية الشرقية، مركز فاقوس.
- منية القلزم: (تامينوت) منية القلزم.
- الصالحية: (تاروحو) جنوبي بحيرة المنزلة.
المقاطعة السابعة عشرة
اسم هذه المقاطعة «أم خنت» مقاطعة «أم» الجنوبية، وكان موقعها في الجنوب مباشرة
للمقاطعة التاسعة عشر، وكانتا على ما يظهر تؤلفان مقاطعة واحدة، وعاصمتها «أم خنت» وهي
«تل بسطة» الحالي. ويقول الأستاذ «زيته» في كتابه ما قبل التاريخ
(Urgesch. P. 65) إن هذه المقاطعة التي شارتها طفل
يحمل تاج الوجه البحري ويسمَّى «إمتي»، أي الذي من بلدة أمتي، هي مدينة كانت مشهورة
بنبيذها، وكانت معبودتها في العصر التاريخي الإلهة «وازيت» التي كانت تُنعَت بالتي من
«إمتت» (أي بلدة إمتت) وكانت تُسمَّى «بوتو»؛ مثل «بوتو» الواقعة في المقاطعة السادسة
حسب رأي «زيته». وخرائب «بوتو» عاصمة المقاطعة ١٧ توجد في «تل نبيشة» الحالي، وكانت
«بوتو» هذه هي عاصمة القسم الشمالي من المقاطعة، أما القسم الجنوبي فهو «تل بسطة»،
والمقاطعتان تسمَّيان «الطفل الملكي الأعلى» و«الطفل الملكي الأسفل»، هذا هو رأي
الأستاذ: «زيته». وسنتكلم على الآراء الأخرى عند الكلام على المقاطعة التاسعة
عشرة.
البلاد القديمة:
- تل بسطة: (برباست) مكان القطة، وهي بالقرب من الزقازيق الحالية، ويرجع تاريخها
إلى أقدم عصور التاريخ.
- بلبيس: (بربالس) وكانت تقدس الإله «رع».
- مشتول: (مجدول) وهي قريبة من الزقازيق «مشتول القاضي».
المقاطعة الثامنة عشرة
وتُسمَّى «سما بحدت» ومعناها المنضم للعرش، وفي قائمة «سنوسرت» تُسمَّى فقط «بحدت»،
وكانت خاصة بعبادة الإله «آمون»؛ ولذلك سماها اليونان
Diospolis ذويسبوليس السفلى، وعاصمتها لها أسماء
عدة، أهمها «يا أو آمون» بحيرة «آمون» وهو الذي بقي لنا حتى الآن في «تل البلمون»
الحالي، مركز شربين، وكذلك يُطلَق على اسم عاصمة هذه المقاطعة «واست محيت» أي طيبة
الشمالية. وقد برهن الأستاذ «جاردنر» على أن هذا الاسم هو نفس مكان «تل البلمون»؛ فنجد
الثنائية عند المصريين لا تنفك مستمرة في مصر في كل عصورها، هنا طيبة في الشمال كما نجد
طيبة في الجنوب، وهكذا في معظم الأسماء. والاسم العربي بلمون هو في الواقع «بر آمون»
بيت آمون أو جزيرة آمون كما ذكرت آنفًا، أما الإلهة التي كانت زوج آمون فلم تكن «موت»
كما في الجنوب بل هي «تفنوت». وقد كان يُطلَق على هذه العاصمة كذلك كلمة «نوت» أي
البلد، كما كان يُطلَق على طيبة لفظة بلد فحسب كما ذكرنا، ولكنا لا نعلم أيهما أقدم،
والظاهر أن «البلمون» كانت أقدم من طيبة، إذا راعينا عراقة الوجه البحري في
القدم.
ومن الأسماء القديمة غير البلمون بلدة تيرة: «ثار»، وقد أحَّدها دارسي ببلدة تيرة
الواقعة شمالي بهبيت الحجر.
المقاطعة التاسعة عشرة
هذه المقاطعة تُسمَّى «أم محت» ومعناها «أم» الأمامية أو الشمالية، وتقع في شمال
المقاطعة السابعة عشرة، وهذه المقاطعة تُسمَّى
Leontoplite حسب رأي دارسي في العهد البلطيموسي،
وعاصمتها تُسمَّى كذلك «أم خنت» أو تُسمَّى آمنت فقط، وموقع هذه البلدة موقع خلاف بين
العلماء. وقد كتب أخيرًا دارسي مقالًا في Bul. Inst. France. Vol. XXX.
P. 625 برهن فيه أن هذا البلد يقع في مكان «تل المقدام» الحالي
بمركز ميت غمر. وقال عنه المرحوم أحمد باشا كمال إنها «تل فرعون» الحالي. أما «جاردنر»
فيقول إنه «تل نبيشة» الواقع على مسافة ستة أميال غربي المناجي. واسم عاصمتها «أمت»
(لحاجبين) أي حاجبا أوزير، ونظن أنهما كانا محفوظين فيهما بمثابة أثر. وهذا الإقليم كان
مشهورًا منذ القدم بنبيذه. والظاهر أن آخر مقال كتبه دارسي قد وصل فيه إلى حل شافٍ، جاء
فيه أن تل المقدام الحالية كانت موقع العاصمة فعلًا، ويسمَّى هذا المكان «نوت نت محسا»
بلدة السبع، ولا يزال الأهالي إلى الآن يسمون التل تل السبع. أما الاسم الحالي «تل
المقدام» فيظهر أن الدلتا كانت مقسمة إلى قسمين منفصلين بواسطة فرع دمياط؛ فالقسم
الشرقي كان يسمى إقليم Augustamanique، والقسم الغربي
كان هو مصر الأصلية، وكان كل قسم من هذين القسمين مقسمًا إلى إبراشيتين، وكانت
الإبراشية الثانية من قسم أغسطس تُسمَّى عاصمتها
Lentopolis، وقد بقيت حتى عصر هيروكليس Hierocles في القرن السادس حافظة لهذا الاسم، ولما
جاء الفتح العربي لم يغيروا نظام الحكم شيئًا بل ترجموا فقط الألفاظ الرومانية إلى
العربية؛ فأصبح حاكم هذه الإبراشية يسمى «مقدم»؛ ومن ثم بقي لنا اسم تل المقدام الذي
ليس له أية علاقة بالمقداد الصحابي. ومن المحتمل أن عاصمة هذه الإبراشية قد انتقلت إلى
بلدة يرجع اسمها إلى أصل فرعوني «حا سا رع» أي قصر الاقتراب للإله رع.
المقاطعة العشرون
وتُسمَّى بالمصرية «حور سبد» وعند الرومان مقاطعة العرب
Arabious أو Arabia
ثم أضاف القبط على الاسم الثاني أداة التعريف عندهم وهي «تا» فأصبح يُنطق
Tarabia؛ ولذلك كتبها مؤرخو الإسلام طرابيتة، وأصبح
هذا الاسم يطلَق على المدينة والمنطقة نفسها، وتقع هذه المقاطعة عند الحدود الشرقية
للدلتا بين المقاطعة ١٩ في الجنوب الغربي والمقاطعة الثامنة في الشمال الشرقي.
البلاد القديمة التي بقيت بلفظها في العربية:
- صفط الحنا: (بر سبد) مكان الإله سبد، وهو الإله الذي كان معبودًا لهذه المقاطعة،
ويرسَم في صورة صقر جاثم على سريره، أما كلمة «حنا» فإنها ترجع إلى أصل
مصري أيضًا وهو «سختو حنو» حقل الحنا، وهو اسم يطلَق على الإقليم الذي
توجَد فيه بلدة صفط الحنا، وله اسم آخر «تا حنو» أي أرض الحنا.
- هلا: (هالو) مركز ميت غمر.
هذا مختصر شرحت فيه البلاد التي على الخرائط الملحقة بهذا البحث، وليس القصد منه أن
يكون شرحًا مستفيضًا عن المقاطعات ومعبوداتها وعوائدها؛ فإن ذلك يحتاج إلى مجلدات ضخمة
ليس هذا مكانها، ومن أراد المزيد فليراجع قاموس جوتيه الجغرافي وقاموس بركش. وقد تكلمت
في بعض النقط عن المقاطعات بشيء من التفصيل في كتابي مصر القديمة كما ذكرت في المقدمة.
والواقع أن دراسة مقاطعات مصر وجغرافيتها لم يُعْتَنَ بها حتى الآن من الوجهة المصرية،
وإننا ننتظر من بعض شبابنا النابهين أن يقوموا بهذا العمل خدمة للبلاد، والله الموفق
لما فيه سعادة الوطن.