النجاة
(حجرة جلوس، في الوسط مدفأة حائط مشتعلة، إلى اليمين من المدفأة باب
حجرة النوم، وإلى اليسار منها باب حجرة المكتب. في نهاية الجانب الأيمن لحجرة الجلوس
باب هو
باب الشقة، إلى اليسار يوجد بار وتليفزيون. رجل يجلس على مقعدٍ كبير أمام المدفأة، يرتدي
روبًا ويطالع في كتاب.)
(جرس الباب الخارجي يرنُّ بغتة رنينًا متواصلًا.)
(يقوم الرجل إلى الباب، يفتحه، تندفع إلى الداخل امرأةٌ جميلة مرتدية
معطفًا وبيدها حقيبة؛ تندفع وكأنها تجري ثم تقف وهي تلهث. الرجل ينظر إليها بدهشة ودون
أن
يغلق الباب .. واضح من نظراته أنه لا يعرفها ولم يكن ينتظرها.)
الرجل
(بتردد وارتباك)
:
ولا مؤاخذة .. حضرتك …؟
المرأة
(بلهفة)
:
أغلق الباب! من فضلك أغلق الباب!
(الرجل يغلق الباب بذهول.)
الرجل
:
وحدكِ؟
المرأة
:
نعم. (يقفان وهما يتبادلان النظرات)إني
مرهقة، تسمح لي بالجلوس؟
الرجل
:
تفضلي. (يجلسان على مقعدَين متقاربَين أمام المدفأة،
تسند المرأة رأسها إلى يدها في إعياء، يعلو صدرها وينخفض بشكلٍ محسوس. الرجل
يتفحصها بدهشة، ويبدو — رغم غرابة الموقف — أن محاسنها أثرت فيه بعض
الشيء) أنا وحدي، ذهبت الخادمة عقب إعداد العشاء، ولكني سأجيئك بكوب
ماء.(يقوم إلى البار فيملأ كوبًا من دورق ثم يقدمه
إليها، المرأة تشرب نصفه، ثم تضعه على خوان بين المقعدَين.)
المرأة
:
آسفة جدًّا لإزعاجك.
الرجل
:
أنا في خدمتك.
المرأة
:
شكرًا.
الرجل
:
يلزمك شيء؟
المرأة
:
أكرر الأسف، الواقع أنني لا أدري ماذا أقول.
(صمت.)
المرأة
:
سلوكي يتطلب تفسيرًا، ولكني لا أدري ماذا أقول.
الرجل
:
استردِّي أنفاسك أولًا.
المرأة
:
ماذا أقول؟ مهما يكن فإني أتوسل إليك أن تكرمني.
الرجل
:
وهل في ذلك شك؟
المرأة
:
أعني أن تعاملني معاملة تليق بامرأة في أشد حاجة إلى …
الرجل
:
إلى؟
المرأة
:
الحماية.
الرجل
:
ماذا يهددك؟
(صمت.)
الرجل
(مستدركًا)
:
لكني لم أتشرف بعدُ؟
المرأة
:
لا يهم هذا على الإطلاق.
الرجل
:
ولكنه ضروري فيما أعتقد.
المرأة
:
كلا، لن يقدم ولن يؤخر!
الرجل
:
لن أضايقك، ولكن ثمة سؤالٌ آخر، هل قصدتني بالذات؟ هل تعرفينني؟
المرأة
:
بابك أول باب فُتح لي، هذا كل ما هنالك.
الرجل
:
هل طرقتِ أكثر من باب؟
المرأة
:
نعم.
الرجل
:
ماذا يهددك؟
المرأة
:
أكرمني بألا تخبر أي طارق عني!
الرجل
(بقلق)
:
هل يُتوقَّع مجيء من يتعقبك؟
المرأة
:
نعم.
الرجل
:
رجل أم امرأة؟
المرأة
:
رجل.
الرجل
(بعد تردد)
:
زوجك؟
المرأة
:
كلا.
الرجل
:
صديق؟ .. قريب؟
المرأة
:
ألا تتكرم بحمايتي دون تحقيق؟
الرجل
:
ولكن …
المرأة
(مقاطعة)
:
لعلك تعمل حساب أهل بيتك؟
الرجل
:
لا يوجد في البيت سواي.
المرأة
:
ولكن عما قليل سترجع زوجتك؟
الرجل
:
لست متزوجًا.
المرأة
:
تنتظر ولا شك أحدًا ممن يقيم معك؟
الرجل
:
إني أقيم هنا بمفردي.
المرأة
:
عظيم، ستكون المهمة سهلة لو تكرمت بالموافقة.
الرجل
:
ولكن يلزمني بصيص نور.
المرأة
:
لن يمسك سوء.
الرجل
:
ولكني أود أن أعرف المسئولية التي سأتحملها!
المرأة
:
لن تمضي ساعات حتى أغادر مسكنك إلى الأبد كأني شيء لم يكن.
الرجل
(مداريًا ارتباكه بابتسامة)
:
ستظلين شيئًا لا يمكن نسيانه.
المرأة
:
غزل أم تحقيق؟
الرجل
:
كنت أفضل أن يكون غزلًا خالصًا.
(صمت.)
الرجل
:
إذا شرفتني وقتًا ثم ذهبت دون أن يعلم أحد فلا حرج، ولكن إذا جاء أحدهم يتعقبك
فيلزمني بصيص نور قبل أن أنكر وجودك.
المرأة
:
لن تقع عليك مسئولية ما.
الرجل
:
بل قد أُجرُّ إلى متاعب لا تخطر ببالٍ!
المرأة
:
لا تهوِّل.
الرجل
:
لا تتركيني في ظلام.
(صمت.)
الرجل
:
أرجوك، لا تضطريني إلى …
المرأة
:
إلى تسليمي لأول طارق!
الرجل
:
أرجوكِ أن تفهمي موقفي جيدًا.
المرأة
:
إني أتعلق بأملٍ وحيد؛ ببقية من الشهامة البطولية القديمة.
الرجل
:
من المؤسف أن عهد الفروسية والملاحم قد ولَّى.
المرأة
:
في حالة اليأس يفزع القلب إلى زمن الأساطير.
الرجل
:
أنا يا سيدتي رجل لا أسطورة.
(صمت.)
الرجل
:
فكِّرِي من فضلك وأجيبي.
المرأة
:
لكني عاجزة تمامًا.
الرجل
:
قبل أن تفوت الفرصة؟
المرأة
:
كن كريمًا إلى النهاية.
الرجل
(غاضبًا)
:
إني أشم رائحةً مقلقة للأعصاب.
المرأة
:
أي رائحة؟
الرجل
:
جريمة ما!
المرأة
:
لا تدفعني إلى الانتحار!
الرجل
:
ماذا فعلتِ؟ (جرس الباب يرنُّ، المرأة تقف فزعة، تهرع إلى
باب حجرة النوم، تدخل ثم تغلق الباب من الداخل، الرجل يحاول فتح الباب فلا
يستطيع، الجرس يرنُّ مرة أخرى) افتحي.
المرأة
:
كن كريمًا.
الرجل
:
لا تجريني إلى مأزق.
المرأة
:
كن رحيمًا.
الرجل
:
سأتصرف كما ينبغي لي.
المرأة إذا اعترفت بوجودي هنا رميت بنفسي من النافذة.
الرجل
:
أنت مجنونة!
المرأة
:
أنا عاقلة جدًّا.
الرجل
:
إنكِ تجازيني خير جزاء.
المرأة
:
إني آسفة ولكنني مضطرة.
الرجل
:
انتظري .. لا تتعجَّلي.
(يذهب إلى الباب لاعنًا متسخطًا، يفتح الباب، يدخل رجل ضاحكًا ثم
يرد الباب.)
الصديق
:
كنتَ نائمًا؟
الرجل
:
أنت! عليك اللعنة!
الصديق
:
يا له من استقبال! (يتجهان نحو المدفأة).
ماذا حدث في العمارة؟
الرجل
:
لا شيء.
الصديق
:
وأنا قادم إلى زيارتك وجدت الشرطة تحاصر العمارة، لم أستطع المرور إلا بعد س و
ج.
الرجل
:
حقًّا! ماذا حدث؟
الصديق
:
لم أفهم شيئًا، لم يردَّ على أسئلتي أحد، ولكن ثمة حادث أو جريمة، والأمر المؤكد
أنهم يبحثون عن امرأةٍ هاربة.
الرجل
:
أين؟
الصديق
:
في مكانٍ ما بالعمارة، العمارة محتلة بالقوات، ألم تشعر بشيء؟
الرجل
:
أبدًا.
(يجلسان، الصديق يجلس في مكان المرأة، يتشمم الجو بدهشة.)
الصديق
:
رائحة امرأة.
الرجل
:
ترى أي جريمة؟ وأي امرأة؟
الصديق
:
لا تشغل بالك، ستعرف كل شيء صباح الغد، ولكني أقول إنه توجد رائحة امرأة.
الرجل
:
رائحة امرأة؟!
الصديق
:
رائحةٌ زكية، هل عندك حبوبة؟
الرجل
:
كلَّا.
الصديق
:
وهذه الرائحة؟!
الرجل
:
كان ثمة صديقة تزورني …
الصديق
:
مبارك عليك، ولكن مالك؟
الرجل
:
على خير ما يرام.
الصديق
:
كلا، لستَ كعادتك.
الرجل
:
لعله البرد.
الصديق
(مشيرًا إلى المدفأة)
:
إنك تنعم بفردوس في هذا الشتاء القاسي.
(صمت.)
الصديق
:
أهي ممن أعرفهن؟
الرجل
:
من تعني؟
الصديق
:
المرأة التي كانت هنا.
الرجل
:
كلا.
الصديق
:
ولِمَ انصرفت مبكرة؟
الرجل
:
يكفي تحقيقٌ واحد في العمارة.
الصديق
:
ذكَّرتني، ترى ماذا حدث؟
الرجل
:
أجل ماذا حدث؟
الصديق
:
إنك تعرف عن فيتنام أكثر مما تعرف عن شقة مجاورة في عمارةٍ حديثة.
الرجل
:
أي جريمة؟ وأين اختفت المرأة؟
الصديق
:
لا تشغل بالك، الجرائم وجباتٌ يومية.
الرجل
:
والمرأة؟
الصديق
:
قاتلة .. شريكة في جريمة قتل .. سر جريمةٍ ما.
الرجل
:
وأين يمكن أن تختفي؟
الصديق
:
لعلهم عثروا عليها، إلا إذا كانت أصلًا من سكان العمارة.
الرجل
:
فكرة.
الصديق
:
أو تكون لجأت إلى شقةٍ ما.
الرجل
:
لا أحد في اعتقادي إلا إذا كان له ضلع في الحكاية. (الرجل يقوم، يبتعد إلى جناح الحجرة البعيدة عن حجرة النوم، يشير إلى صاحبه أن
يتبعه فيلحق به) (هامسًا) أنا واقع في مشكلة.
الصديق
:
أي مشكلة؟ (جرس الباب يرن) هل تنتظر أحدًا؟
(الرجل يمضي إلى الباب بعد تردد، يفتح.)
صوت من الخارج
:
تسمح لي بالدخول؟
الرجل
:
تفضل.
(يدخل ضابط، يقدِّم نفسه.)
الضابط
:
نحن نبحث عن امرأةٍ هاربة في العمارة.
(الرجل يتظاهر بالدهشة ويتساءل.)
الرجل
:
أية امرأة؟
الضابط
:
امرأةٌ هاربة، ويهم الأمن العام القبض عليها.
الرجل
:
لم يلجأ إلى شقتي أحد.
الضابط
:
حضرتك رب الأسرة؟
الرجل
:
إني أقيم بمفردي هنا، (ثم مشيرًا إلى صديقه) هذا صديقٌ زائر.
الضابط
:
تسمح بالبطاقة الشخصية (الرجل يذهب إلى حجرة المكتب، ثم يعود بالبطاقة، الضابط
يقرأها بعناية، ثم يقدم له ورقة مكتوبة ويقول) هذا إقرار بأن المرأة لم تلجأ إلى
شقتك هذا المساء، وقِّعه بإمضائك، وأود أن أذكرك بخطورة الأمر إذا ثبت ما
يخالفه.
(الرجل يوقع الإقرار، الضابط يتناوله وينصرف، الرجل يغلق الباب،
يعود إلى صديقه حيث كان يقف في وسط الحجرة.)
الصديق
:
الظاهر أن الجريمة أخطر مما نتصور.
الرجل
:
ليست إلا إجراءاتٍ روتينية.
الصديق
:
لا تشغل بالك، كنتَ تتحدث عن مشكلة.
الرجل
:
مشكلة؟
الصديق
:
الضابط شتت عقلك.
الرجل
:
ربما.
الصديق
:
لنعد إلى مشكلتك.
(صمت.)
الصديق
:
ألا تريد أن تحدثني عن مشكلتك؟
الرجل
:
جدَّ ما هو أهم.
الصديق
:
لا تشغل بالك بهموم لا تخصُّك.
الرجل
:
أليس من الجائز أن تستصدر الشرطة أمرًا بالتفتيش العام إذا لم تعثر على المرأة؟
الصديق
:
جائز.
الرجل
:
وقد يفتشون شقتي!
الصديق
:
إنه احتمال ضعيف على أي حال.
الرجل
:
ولكنه جائز.
الصديق
:
عندك فرصة للتخلص من الأشياء المحرجة.
الرجل
:
كيف؟
الصديق
:
النافذة.
الرجل
:
العمارة محاصرة.
الصديق
:
النار.
الرجل
:
ليست جميع الأشياء قابلة للاحتراق.
الصديق
:
أنت مجنون. طالما حذرتك، ولكن احتمال التفتيش احتمالٌ ضعيف، إنها امرأة وليست
إبرة وسيعثرون عليها عاجلًا.
الرجل
:
تستطيع أن تقدم لي خدمة.
الصديق
:
اسمع، أنت تعلم أنه لا شأن لي بهذه الأمور الخطرة، دع صداقتنا في المنطقة
البريئة.
الرجل
:
نحن في زمن الخوف من الشرطة، أما شهامة الأساطير فقد ولَّى زمانها!
الصديق
:
الخوف من شيء حقيقي، أما الأساطير …
(صمت.)
الصديق
:
أود أن أطمئن عليك.
الرجل
:
دون أن تُقدِّم خدمةً ما.
الصديق
:
كلانا يعرف الحدود التي يتحرك فيها الآخر.
الرجل
:
إني في حاجة إلى الانفراد بنفسي، وكل ما أطلبه منك أن توافيني بأية معلوماتٍ
جديدة بالتليفون.
الصديق
:
بمجرد عودتي إلى مسكني.
(يتصافحان، يوصله حتى الباب الخارجي، يغلق الباب، ثم يعود مسرعًا
إلى باب حجرة النوم.)
الرجل
:
سيدتي .. تعالي .. لا أحد بالشقة سواي. (تفتح الباب، تخرج، يقفان وجهًا لوجه) إنك
تلقين بيأسك فوق رأسي.
المرأة
:
جئت باندفاع لا اختيار فيه، ثم وقعت في فخ.
الرجل
:
سيعودون للتفتيش.
المرأة
:
لا تهتم بي فإني أعرف كيف أتصرف.
الرجل
:
إني لا أهتم إلا بنفسي في الواقع.
المرأة
:
هذا حقك، وإني آسفة لحد الموت.
الرجل
:
إنك تخلِّفين لي مشاكل ومضاعفات.
المرأة
:
لم تعد بيدي حيلة.
الرجل
:
لِمَ تبحث الشرطة عنك؟
(صمت.)
الرجل
:
لِمَ تبحث الشرطة عنك؟
المرأة
:
إنهم يبحثون عن كثيرين!
الرجل
:
شركائك؟
المرأة
:
وغيرهم.
الرجل
(محتدًّا)
:
ماذا تعنين؟
المرأة
(باسمة)
:
سمعت ما دار بينك وبين صديقك.
(صمت وهو ينظر إليها غاضبًا.)
الرجل
:
تهددينني؟
المرأة
:
ربما كنا في الهوى سوا.
الرجل
:
افتراء.
المرأة
:
آسفة.
الرجل
:
أنا رجلٌ محترم.
المرأة
:
وأنا امرأةٌ محترمة.
الرجل
:
هذا يتوقف على مضمون الاحترام عند كلينا.
المرأة
:
بمعنى آخر فكلانا غير محترم.
الرجل
:
هل نمضي الوقت في جدل وسمر؟
المرأة
:
إني آسفة وحزينة.
الرجل
:
فاتني أن أعترف للضابط بالحقيقة.
المرأة
:
لِمَ لَم تفعل؟
الرجل
:
أعترف بأنني لم أُحسن التصرف.
المرأة
:
بل أحسنتَ التصرف وإلا لأثرت الشبهة في وجود علاقة بينك وبين المرأة المنتحرة.
الرجل
:
كانت الحقيقة ستظهر على أي حال.
المرأة
:
ربما، ولكن بعد تفتيش غير مرغوب فيه، ترى ماذا تحوي شقتك الأنيقة من أسرار
خطيرة؟
الرجل
:
سخريتكِ تقطع بأنكِ معتادة للإجرام.
المرأة
:
أو غاية من اليأس.
الرجل
:
ماذا ارتكبتِ؟
المرأة
:
محض فعلٍ مألوف في التاريخ، ولكن الشرطة تصفه بأنه جريمة، وأنتَ؟
الرجل
:
لا أسمح بالتحقيق معي، ولكن خبِّريني أي جريمة ارتكبتِ؟
المرأة
:
ما أهمية ذلك؟ أي تحسُّن يمكن أن يضيفه إلى موقفنا؟
الرجل
:
هل عرفوا شخصك؟
المرأة
:
محتمل جدًّا.
الرجل
:
ليس مؤكدًا؟
المرأة
:
لا يوجد في هذه الليلة شيء مؤكد.
الرجل
:
جربي أن تغادري شقتي بوصفك امرأةً أخرى.
المرأة
:
لن يدعوني أمرُّ دون تحقيق، وغالبًا يوجد مخبر في الطرقة الخارجية، وسيجرونك
للتحقيق، وسوف تنكشف الحقيقة.
الرجل
:
أية حقيقة؟
المرأة
:
حقيقتي وحقيقتك.
الرجل
(غاضبًا)
:
لا تدفعيني للخروج عن حدود اللياقة.
المرأة
:
معذرة.
الرجل
:
أنت تؤجلين الخطر ليس إلا.
المرأة
:
لا حيلة لي.
الرجل
:
لو كنت مكانك!
المرأة
:
لو كنت مكاني؟
الرجل
:
لسلمت نفسي إلى الشرطة.
المرأة
:
هذا حلٌّ طبيعي ومعقول لمشكلتك.
الرجل
:
ولمشكلتك أيضًا ما داموا سيجيئون في النهاية حتمًا.
المرأة
:
ليس حتمًا!
الرجل
(غاضبًا)
:
ولكنك تراهنين بحياتي!
المرأة
:
أمرٌ مؤسف حقًّا، ولكنني أفضِّل الانتحار على التسليم.
الرجل
:
افعلي بنفسك ما تشائين ولكن بعيدًا عني.
المرأة
:
ليته ممكن!
الرجل
:
أي قدر قذفني بك.
المرأة
:
هو الذي رماني إليك.
(تضحك ضحكةً عصبية.)
الرجل
:
تمزحين كما لو كنتِ في حفل استقبال.
المرأة
:
إذا انقطع الأمل فعلينا أن نعاشر اليأس معاشرةً حسنة.
الرجل
:
ولكن الأمل لم ينقطع بعدُ.
المرأة
:
حقًّا؟
الرجل
:
أستطيع أن أطردك.
المرأة
:
سأحاول الانتحار كآخر وسيلة دفاع في يدي.
الرجل
:
تهددينني؟
المرأة
:
موقفٌ مؤسفٌ مخجل، ولكنني لم أخلقه بإرادتي.
الرجل
:
أنت مجرمة بالسليقة.
المرأة
(باسمة)
:
لعلنا من سليقةٍ واحدة.
الرجل
(ثائرًا)
:
لتنشقَّ الأرض وتبلعك.
المرأة
:
أول مرة يعاملني رجل بهذه المعاملة.
(الرجل ينقض عليها فاقدًا أعصابه ليشدها ناحية الباب، هي تقاوم
بيأس، يقوم بينهما شد وجذب.
يختل توازنه فيقعان على ديوان ويستمر الصراع بينهما. وبالاستمرار لا
تكاد تختلف حركاتهما عن مبادلات العشق، ويتغير مذاق الصراع وحدَّته، ويُخلق جوٌّ جديد
لم
يكن في الحسبان؛ فتستغله الأعصاب المتوترة اليائسة، وإذا به يضمُّها بين ذراعَيه، وينهال
عليها تقبيلًا.
ينخفض الضوء رويدًا حتى يسود الظلام، ثم يعود رويدًا رويدًا حتى يبلغ حاله الأولى.
الآن كلاهما يجلس على مقعد كما كانا أول الأمر.
هي تنظر إلى السقف وهو يرنو إلى نيران المدفأة.)
الرجل
:
ترى ماذا يحدث في الخارج الآن؟ (صمت) ترى
ماذا يحدث في الخارج؟
المرأة
:
كما يحدث في الداخل.
الرجل
:
ماذا تعنين؟
المرأة
:
جرائم ترتكب باهتمام، وجنس يمارس بلا اهتمام.
الرجل
:
وبلا حب؟
المرأة
:
لحظات عناق تُنتزع من بين الكلمات وليِّ الأذرع.
(صمت.)
الرجل
:
والعمل؟
المرأة
:
هل تحاول طردي مرةً أخرى؟
(صمت.)
الرجل
:
وما جريمتك؟
المرأة
:
وما جريمتك؟
الرجل
:
من حقي أن أسألكِ، وليس ذلك من حقكِ.
المرأة
:
من واجبي ألا أتكلم.
الرجل
:
لستُ على أي حال من الشرطة.
المرأة
:
على سكوتي تتوقف سلامة آخرين.
الرجل
:
تزييف نقود؟ .. مخدرات؟ .. دعارة؟ سياسة؟
المرأة
:
جميعها ظاهراتٌ اجتماعية.
(صمت.)
الرجل
:
متزوجة؟
المرأة
:
لا أجيب على هذا السؤال بعد ما كان.
الرجل
:
هل كانت أول مرة تخونينه؟
المرأة
:
ألا ترى أنني أفضِّل الموت على الخيانة؟
الرجل
:
إذن سلمتِ حبًّا وكرامة؟
المرأة
:
حالة هستيرية ليس إلا.
الرجل
:
نادمة؟
المرأة
:
لا وقت للندم.
الرجل
:
هبيني دعوتُك مرةً أخرى؟
المرأة
:
مرت فترةٌ كافيه لبلوغ سن الرشد.
الرجل
:
هل نفترق كغريبين؟
المرأة
:
كما التقينا!
الرجل
:
لا شيء يجمعنا؟
المرأة
:
الجريمة هي ما يجمعنا. (صمت) هل أنت أعزب؟
الرجل
:
نعم.
المرأة
:
لِمَ لَم تتزوج؟
الرجل
:
لم أطعن في السن بعدُ.
المرأة
:
ومتى تطعن في السن؟
الرجل
:
لعلي أنتظر أن تجرفني امرأة إلى الزواج، ولكن ألا ترين أننا نسمر كأننا نستمتع
بسهرةٍ طيبة؟!
المرأة
:
هو خير من الصمت.
الرجل
:
الأغلال تقترب من أعناقنا.
المرأة
:
لا تذكِّرني بذنبي حيالك.
الرجل
:
ثمة فرصة لتجربة الحظ.
المرأة
:
وهي؟
الرجل
:
أن تخاطري بالذهاب.
المرأة
:
لو كان الأمر يتعلق بي وحدي لفعلت.
الرجل
:
تدوسينني في طريقك بلا رحمة.
المرأة
:
كما داسني آخرون.
الرجل
:
ما لي أنا وذلك كله!
(يتملكه غضبٌ مباغت، ينهض قائمًا بعنف، يقبض على ساعدها ليشدها،
ولكنها تخلص ساعدها بهدوء.)
المرأة
:
كلا .. لا يتكرر شيءٌ واحد مرتَين بطريقةٍ واحدة.
الرجل
:
أنت .. أنت (جرس التليفون يرن، ينتقل إليه حيث يوجد على حامل قرب البار)
آلو.
:
…
الرجل
:
تأخرت .. أين كنت؟
:
…
الرجل
:
ماذا تقول؟
:
…
الرجل
:
غير معقول، ألم تعرف السبب؟
:
…
الرجل
:
شيءٌ عجيب حقًّا!
:
…
الرجل
:
بخير كما تركتني.
:
…
الرجل
:
لست وحدي .. أقصد أنني منفرد بهمومي!
:
…
الرجل
:
أبدًا، أبدًا .. وحدي كما تركتني.
:
…
الرجل
:
أنت مجنون .. أي أفكارٍ جنونية تساورك؟
:
…
الرجل
:
لا موجب لإساءة الظن، إلى اللقاء.(يضع السماعة ثم
يعود إلى مقعده، يتبادل مع المرأة نظراتٍ حائرة) إنه الصديق الذي كان
هنا.
المرأة
:
وماذا قال لك؟
الرجل
:
ماذا حصل للدنيا؟ الشوارع المحيطة بنا غاصة بالجنود! من أنت؟
المرأة
:
لستِ إلا امرأةً سيئة الحظ كما ترى!
الرجل
:
بيدك حل هذا اللغز.
المرأة
:
يستوي لدينا أن يُضرَب الحصار حول العمارة أو حول الحي كله.
الرجل
:
ولكن لا يجمعهم بهذه القوة إلا شيءٌ خطير.
المرأة
:
لست هذا الشيء.
الرجل
:
لعلكِ الخيط الذي يوصل إليه.
المرأة
:
جنِّبنا مناقشةً عقيمة.
الرجل
:
لن أسمح لكِ بالقضاء عليَّ.
المرأة
:
ضيعت فرصة الاعتراف بالحقيقة، وهي غلطتك.
الرجل
:
لن أضيع بسبب غلطة.
المرأة
:
لماذا تعود إلى الغضب ولم يَجِدَّ جديد على الموقف؟
الرجل
:
الهلاك بات أقرب مما نتصور.
المرأة
:
نحن مقامرون، والمقامر العاقل يجب أن يوطن نفسه على الهلاك.
الرجل
:
أنت امرأةٌ مقامرة.
المرأة
:
وأنت أيضًا، لا سبيل إلى النكران.
الرجل
:
لم أتوقع أبدًا أن أضيع بمثل هذه الطريقة السخيفة.
المرأة
:
جميع طرق الضياع سخيفة.
الرجل
:
أود أن أقتلك ولو اضطررت إلى قتل نفسي.
المرأة
:
هاك طريقة سخيفة أخرى.
الرجل
:
كل هذا وأنا لا أعرف من أنتِ، ولا أدرك شيئًا مما يقع حولي.
المرأة
:
لا أهمية للتفاصيل، حسبك أن تعرف أننا مطاردون، وأن حولنا وفوقنا وتحتنا أعداء
مصممون! (صمت)، (وهي تبتسم متوددة) لا تضخم سوء
الحظ بالغضب. (صمت) عندي اقتراح (ينظر نحوها بامتعاض ودون أن ينبس) نحن في حاجة إلى ترفيه.
الرجل
:
ترفيه؟
المرأة
:
لم لا؟ .. إنهم يسألون المحكوم عليه بالإعدام عن رغبته الأخيرة.
الرجل
:
أنت مجنونة!
المرأة
:
لنشرب كأسَين.
الرجل
:
وما حولنا وفوقنا وتحتنا؟
المرأة
:
أنا أعتبر نفسي منتهية، وأعترف لك بكل أمانة أن جانبًا مني راضٍ كل الرضا، ويخيل
إليَّ أنك تماثلني إلى حدٍّ كبير، وأمامنا وقت غير محدود، فإما أن نقضيه في تبادل
السباب، وإما أن نرفِّه عن أنفسنا، ما رأيك؟
الرجل
:
كيف تتحمل أعصابك الترفيه وهي تتوقع الموت بين لحظة وأخرى؟
المرأة
:
هي حال الإنسان بصفةٍ عامة مع فارقٍ بسيط هو أننا أعظم وعيًا بالنهاية. (صمت) فلنجرب!(المرأة
تقوم إلى البار فتجيء بزجاجة وكأسين، تملأ الكأسَين، ترفع إحداهما إلى فم الرجل
وتمسك بالأخرى) صحة لقائنا دون تعارفٍ سابق. (تشرب وتدفع بالشراب إلى فيه فيتقبله بفتور، ثم تملأ الكأسين مرةً
ثانية) صحة افتراقنا القريب بعد تعارفٍ عميق! (تشرب، تنظر إليه بتوسل حتى يشرب كأسه أيضًا، ثم تملأ الكأسين
للمرة الثالثة) صحة أسباب الهلاك التي لا حصر لها. (تشرب، يشرب، تملأ الكأسين للمرة الرابعة) صحة
الأحلام التي تقود إلى الهلاك. (تشرب، يشرب، تنبسط
أساريرهما بتأثير الخمر، يملأ هو الكأسَين للمرة الخامسة) صحة الجنس
الذي يمارَس وسط العنف والشجار.(تشرب، يشرب، يتأكد أثر
الخمر، يملأ الكأسَين للمرة السادسة.)
الرجل
:
صحة الشرطة عدوة الأحلام.(تشرب، يشرب، يتأكد أثر
الخمر، يملأ الكأسَين للمرة السابعة.)
المرأة
:
صحة أول من اخترع حروف الهجاء.(تشرب، يشرب، يتضح أثر
السكر في الحركة والصوت، يملأ الكأسين للمرة الثامنة.)
الرجل
:
صحة أول رجل اخترع آلة للزينة.(تشرب، يشرب، يملأ
الكأسين للمرة التاسعة.)
المرأة
:
صحة أول من كتب رسالةً غرامية.(تشرب، يشرب، يملأ
الكأسَين للمرة العاشرة.)
الرجل
:
صحة الحلقة المفقودة.
المرأة
:
صحة المخبر الواقف بالطرقة خارج الشقة.
الرجل
:
صحتك.
المرأة
:
صحتك.
(يغرقان في الضحك، يقفان وهما يترنحان.)
الرجل
:
لننسَ العمر الذي عشناه فينتهي كل شيء.
المرأة
:
انتهى كل شيء.
الرجل
:
ولكني لن أنسى أول أمنية داعبت فؤادي وأنا طفل.
المرأة
:
ما هي؟
الرجل
:
أن أكون بياع كسكسي!
(يغرقان في الضحك.)
المرأة
:
لنستمتع بشيء من الفن.
الرجل
:
فكرة. (يذهب إلى التليفزيون، يديره، يظهر موقف من فيلم
رعاة بقر يشتد فيه تبادل إطلاق النار، المرأة تصرخ متراجعة محتجة فيطفئ الرجل
التليفزيون) هلمي نرقص.(يرقصان بلا موسيقى،
يتعمد ضمها إلى صدره، يقبلها من آن لآنٍ، يتوقف عن الرقص ويرفعها بين يديه
ليمضي بها، ولكن توازنه يختل فيسقطان وهما يضحكان، ينطرحان جنبًا لجنب وهما
يضحكان، وهو يقبلها كلما سكت عن الضحك، لا مقاومة من ناحيتها، ولكنها تزحف
قليلًا وتمد يدها فتتناول سماعة التليفون تطلب رقمًا، وفي أثناء الحديث يتابعها
الرجل بانتباه قليل لشدة سُكره، ولا يكف عن تقبيلها.)
المرأة
:
آلو.
:
…
المرأة
:
مساء الخير، أنت قلق طبعًا، آسفة.
:
…
المرأة
:
شربت كأسين تحت ظروف اضطرارية.
:
…
المرأة
:
لا وقت للإجابة، ليس الظرف مناسبًا، ستعرف كل شيء من الصحف.
:
…
المرأة
:
لا تنتظرني .. ولكن ثق من إخلاصي .. حتى آخر لحظة .. أستودعك الله.
(تغلق السكة.)
الرجل
:
تخونيني جهارًا؟
المرأة
:
الماضي يستحق أن نودعه.
الرجل
:
عفريتة.
المرأة
:
سأكون لك إلى الأبد.
الرجل
:
حتى الموت.
المرأة
:
حتى الموت.
الرجل
:
ولو امتد بنا العمر ساعةً كاملة؟
المرأة
:
ولو امتد ساعة وربعًا!
(جرس الباب يرن، ينظران نحو الباب بانزعاج رغم سكرهما،
ينهضان بصعوبة وتعثر. تمضي نحو المقعد حيث تركت حقيبتها) سيجدونني جثةً هامدةً منتصرة.
الرجل
:
لن أفتح الباب.
المرأة
:
سيكسرونه.
الرجل
:
فلنتفق على الاعتراف بأننا زوجان.
المرأة
:
قلتَ للضابط خلاف ذلك.
الرجل
:
نعترف بأننا تزوجنا عقب ذهابه!
المرأة
:
هذه فترةٌ كافية لموتنا، أما الزواج فيستغرق عامًا على الأقل.
(الجرس يرنُّ متقطعًا ولكن في إصرار.)
(الرجل يلتفت نحو الباب موليًا المرأة ظهره، المرأة تتناول من
الحقيبة أنبوبة، تستخرج منها حبة، تزدردها ببقية كأسها. تترنح ثم تسقط فوق الديوان
منكفئة على وجهها، جثةً هامدة، الرجل لم ينتبه إلى ما حدث، يتردد بين الوقوف وبين الذهاب
إلى الباب، ينظر وراءه فيرى المرأة منكفئة على وجهها.)
الرجل
:
غلبكِ السكر؟ نمتِ؟ (يتأملها دون مبالاة بجرس
الباب) يا لك من شابةٍ جميلة حقًّا! (الجرس
يرن) أضعنا في الخصام وقتًا لا يعوَّض. (الجرس يرن) استريحي، تخاصمنا كغرباء على حين تجمعنا طبيعةٌ واحدة.
(يقترب منها، يميل فوقها كأنما ليقبلها، وإذا بصوت
صديقه ينادي من وراء الباب صائحًا «افتح»، يمضي مسرعًا نحو الباب فيفتحه
ضاحكًا، الصديق يدخل ويغلق الباب وراءه) سيِّبت ركبنا عليك اللعنة.
الصديق
:
من المرأة التي عندك؟
الرجل
:
الغيرة رجعت بك رغم الحصار، يا لك من أحمق! ما فكرت في خيانتك قط.
(الصديق ينظر إلى المرأة ويضحك عاليًا.)
الصديق
:
بعض الظن إثم.
الرجل
:
أنت أحمق.
الصديق
:
متى جاءت هذه الحبوبة؟
الرجل
:
كانت هنا من قبل زيارتك الأولى.
الصديق
:
ولمَ أخفيتها عني؟
الرجل
:
إنها المرأة التي تبحث عنها الشرطة.
الصديق
:
كم كأسًا شربت؟
الرجل
:
لم أفكر في حصرها.
الصديق
:
وهل الحبوبة نائمة؟
الرجل
:
من السكر والتعب .. ولكن ما حال الحصار؟
الصديق
:
القيامة قائمة.
الرجل
:
وحبيبتي نائمة.
الصديق
:
إنها جميلة .. من هي؟
الرجل
:
المرأة التي قامت القيامة من أجلها.
الصديق
:
أنت سكران.
الرجل
:
السكران لا يكذب.
(صمت.)
الصديق
:
لو صح هذا …
الرجل
:
تعاهدنا على الحب إلى الأبد.
الصديق
:
كنت تعرفها؟
الرجل
:
عرفتها منذ ساعةٍ هجرية.
الصديق
:
وما جريمتها؟
الرجل
:
جريمة قامت لها القيامة.
الصديق
:
قتل .. مؤامرة؟
الرجل
:
سألتها فاعترفت لي بحبها.
الصديق
:
لعنة الله على البار الأمريكاني .. خبِّرني من هي؟
الرجل
:
امرأة.
الصديق
:
اسمها، أسرتها، مهنتها؟
الرجل
:
لا اسم، ولا أسرة، ولا مهنة لها.
الصديق
:
ألا تعرف عنها أي شيء؟
الرجل
:
عرفنا أهم شيء، وهو أننا سنموت بعد ساعة أو ساعتين.
الصديق
:
إنك مضجر ولا خير فيك.
الرجل
:
نحن ننتظر الشرطة فلا تفسد علينا ساعة الانتظار.
الصديق
:
لا سبيل إلى التفاهم معك، سأذهب، أستودعك الله.
الرجل
:
مع ألف سلامة.(يتحرك الرجل للذهاب، جرس الباب يرن
رنينًا متواصلًا) أخيرًا.
الصديق
(في اضطراب)
:
ماذا أنت فاعل؟
الرجل
:
سأفتح الباب قبل أن يحطموه.
(أصوات من الخارج تصيح «افتح .. افتح.» الرجل يذهب إلى الباب، يفتحه،
تندفع إلى الداخل قوة من الشرطة المسلحة على رأسها ضابط غير الضابط الأول.)
الضابط
:
أين الحجرة المطلة على الطريق العمومي؟
(الرجل يشير إلى حجرة النوم، الضابط والقوة يهرعون إلى الحجرة
ويختفون داخلها.)
الصديق
:
ما معنى هذا؟
الرجل
:
عليَّ اللعنة إن كنت أفهم حرفًا مما يقع حولي.
الصديق
:
يستحسن أن توقظ المرأة، أي نوم هذا؟
الرجل
:
رد فعل طبيعي للإنهاك والاضطراب والسُّكر، دعها تنعم بآخر هدوء يتاح لها في
حياتها.
(فجأة تترامى من الحجرة أصوات طلقاتٍ نارية كثيرة، تستمر وتتزايد،
الرجلان ينحطان على ركبتيهما بحركةٍ قاسية وهما في غاية من الذعر.)
الصديق
:
إنها معركة.
الرجل
:
إنها معركة بكل معنى الكلمة.
الصديق
:
هل العدو في الطريق؟
الرجل
:
ولكنك رأيت الطريق محاصرًا.
الصديق
:
لعله في العمارة القائمة على الجانب الآخر.
الرجل
:
لا أفهم شيئًا.
الصديق
:
يجب أن نغادر الشقة فورًا قبل أن نصرع بالرصاص.
(الصديق يزحف على أربع حتى يغادر الشقة. الضابط يظهر في باب الحجرة.
يرى المرأة لأول مرة.)
الضابط
:
هل أصيبت السيدة؟
الرجل
:
كلا .. إنها .. إنها مريضة.
الضابط
:
الشقة معرضة للخطر .. غادرها بلا تردد!
(الضابط يرجع إلى الحجرة، الضرب في تصاعدٍ مستمر، رصاصة تصيب المصباح
الكهربائي فيسود الظلام، شبح الرجل يزحف نحو المرأة، يهزُّها ليوقظها.)
الرجل
:
استيقظي .. يجب أن تستيقظي. (يهزها بشيء من
الشدة)، سأحملك بين يدي وأمري لله. (يحملها
بين يديه ويمضي بها نحو الباب بتعثر ومشقة وبطء) لم يجيئوا للقبض
عليك ولا للتفتيش. لقد نجوتِ يا حبيبتي .. ونجوتُ أنا أيضًا .. نجونا معًا. سيمسي اليأس
في خبر كان .. نجوتِ ونجوتُ .. وستكونين لي إلى الأبد.(يغادر
الشقة بحمله، الضرب مستمر.)