الغنوصية ونشأة المسيحية
إن المسيحية السائدة اليوم، على اختلاف طوائفها، ترجع في أصولها إلى صيغةٍ من المسيحية اتخذت ملامحها العامة في نهاية القرن الثاني الميلادي، عندما تبنت كنيسة روما الأناجيل الأربعة المعروفة، إضافة إلى رسائل بولس التي كانت متداولة بشكلٍ مكتوب قبل تدوين الأناجيل الأربعة بوقتٍ طويلٍ، وفي نهاية القرن الرابع الميلادي تم اعتماد الكاتالوج الأخير لأسفار العهد الجديد الذي نعرفه الآن، والذي يتضمن الأناجيل الأربعة، ورسائل بولس، وأعمال الرسل، ورسالة يعقوب، ورسالتين لبطرس، وثلاث رسائل ليوحنا، ورسالة ليهوذا، ورؤيا ليوحنا، وعددها جميعًا سبعة وعشرون سفرًا.
ولقد انتقت الكنيسة الرسمية، التي أطلقت على نفسها اسم الكنيسة الأرثوذكسية (أي القويمة الإيمان) هذه الأسفار من بين عشرات الأسفار المقدسة التي كانت متداولة بين المسيحيين، وأسبغت عليها صفة القداسة، ووصمت بقية الأسفار بالزيف ودعتها بالأسفار المنحولة، وحرمت بعضها ودعت أولئك الذين يتداولونها بالهراطقة، أي المنحرفين عن الإيمان القويم.
وهذا يعني أن الأيديولوجيا المسيحية الرسمية لم تتشكل إلا عبر صراعٍ طويلٍ بين مجموعةٍ من الفرق التي نشأت وتنازعت فيما بينها، عقب موت يسوع مباشرة، فلقد حصل الانشقاق الأول بين كنيسة أورشليم وهي (كنيسة الختان)، التي فرضت على أتباعها عادة الختان اليهودية، وبقي فهمها لتعاليم يسوع متلونًا بالأيديولوجيا التوراتية، وبين كنيسة الأمم التي تأسست بين الوثنيين بتأثير تعاليم بولس، على مساحةٍ تمتد من أنطاكية وآسيا الصغرى إلى روما، وحررت أتباعها من شريعة الختان، وتخلصت إلى هذا الحد أو ذاك من سلطة الأيديولوجيا التوراتية، ذلك أن مسيح بولس ليس المسيح الذي انتظره اليهود ليحمل الخلاص لهم وحدهم، بل المسيح الكوني الذي افتدى بدمه البشرية جمعاء.
وعلى الرغم من هذا الانقسام الأيديولوجي والجغرافي، فقد بقيت عناصر من كنيسة الختان فاعلة في كنيسة الأمم، وعناصر من كنيسة الأمم فاعلة في كنيسة الختان، كما كان لكل من الكنيستين أتباعٌ في مناطق الكنيسة الأخرى، وكان المسيحيون اليهود هم الخصوم الذين جادلهم بولس حيثما ذهب، سواء في غلاطية، أم في إفسوس وكولوسي ورومة، وغيرها، بينما كانت كنيسة الأمم تتوسع على حساب كنيسة الختان في مصر وسورية.
وعلى الرغم من أن هذا الانقسام قد تبعه انقسامات أخرى داخل كل كنيسة، فإن كنيسة الأمم كانت تتغلب على خلافاتها وترسخ أقدامها، حتى طغت على كنيسة الختان، واستقرت معتقداتها عندما توصلت في نهاية القرن الثاني الميلادي إلى صياغة الشكل المبكر من «قانون الإيمان المسيحي»، الذي ما زال حتى اليوم القاسم المشترك بين الكنائس المسيحية المختلفة، والذي بُني على تفسير خاص للأناجيل الأربعة ولتعاليم الرسل، كما ونظمت الكنيسة نفسها في مؤسسةٍ ذات هيكلية مراتبية، يشرف عليها ثلاث شرائح كهنوتية، هم الأساقفة والقساوسة والشمامسة، الذين نظروا إلى أنفسهم باعتبارهم حماة الإيمان الحق، والمصدر الوحيد لتفسير الكتاب المقدس.
وقد تربعت كنيسة روما على رأس الكنائس الأممية، وصار لها دور الرياسة والقيادة الروحية والتنظيمية، فهناك الآن كنيسة واحدة أرثوذكسية أي مستقيمة الإيمان، وهي في الوقت نفسه كاثوليكية أي مسكونية عالمية، وأما ما عداها فهرطقات ينبغي محاربتها واجتثاث أصولها، خلال هذه الفترة كانت كنيسة الختان تخسر مواقعها أمام الكنيسة القويمة، حتى تبدد أتباعها في الغرب واختفوا تمامًا، أما في الشرق فقد انقسمت إلى شيعٍ مختلفةٍ أهمها الأبيونيون والنصارى، واضمحلت تدريجيًّا حتى لم يبقَ منها أثرٌ بعد الفتح الإسلامي لأقطار المشرق.
إضافةً إلى تعاليم يسوع السرية التي بثها في نخبةٍ من تلاميذه خلال حياته، يقول الغنوصيون بأن يسوع قد تابع اتصاله بالمختارين من تلامذته بعد صلبه وقيامه، وذلك عن طريق الرؤى الذهنية، وهم يستشهدون بالرؤيا التي حصلت لبولس وهو على طريق دمشق، عندما كان يهوديًّا متعصبًا، وموكلًا من قبل المجمع اليهودي بملاحقة اليهود المتحولين إلى المسيحية (أعمال الرسل: ٩)، كما يستشهدون برؤيا أخرى له عندما صعد إلى السماء في حالة انخطاف روحي، حيث رأى وسمع ما لا يمكن التلفظ به، وقد تحدث بولس عن تجربته هذه مستخدمًا الضمير الثالث عندما قال في رسالته الثانية إلى أهالي كورنثة ١٢: ٢–٤: «أعرف رجلًا اختُطف إلى السماء الثالثة منذ أربع عشرة سنة، أبجسده؟ لا أعلم، أم بغير جسده؟ لا أعلم، الله أعلم وإنما أعلم هذا الرجل اختُطف إلى الفردوس … وسمع كلماتٍ لا تُلفظ ولا يحل لإنسانٍ أن يذكرها.»
في خضم هذا الخلاف الذي استعر بين الجانبين، وكلٌّ منهما يدعي تمثيله للكنيسة الحقة، وقف أتباع المعلم الغنوصي فالنتينوس في نقطة الوسط بين الطرفين، فَهُم في إصرارهم على البقاء داخل إطار الكنيسة المسكونية يرفضون المحاولات الرامية إلى وضعهم في صف الهراطقة، ويعتبرون أنفسهم أعضاء فعالين في هذه الكنيسة نفسها، وفي هذه المسألة يقول المعلمان الفالنتينيان بتولمي وهيركاليون، بأن الكنيسة تتألف من فريقين: الأول روحاني ويشتمل على الغنوصيين، والثاني غير روحاني ويشتمل على القويمين، وذلك استنادًا إلى قول يسوع: «لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.» فالكثرة التي دعيت هم القويمون، والقلة التي اختيرت هم الغنوصيون، الذين وهبهم الله الفهم الروحي لكي يُعلموا الكثرة طريق العرفان، إن كلا الفريقين ينتميان إلى كنيسة واحدة، ويتشاركان في طقوس وعبادات واحدة.
(١) الغنوص: معرفة النفس
إن إنكار القيامة يستتبع عند الغنوصيين إنكار مفهوم التاريخ الدينامي الذي يسعى نحو مستقبل مجيد وباهر، عندما يتخلص العالم من بذور الشر التي زرعت فيه منذ القدم، فالعالم ليس حسنًا وخيرًا في أصله، بل هو شر من حيث الأساس، والتاريخ لا يسعى نحو غاية وليس له معنى، وما على الإنسان إلا الهروب من العالم ورفضه، بدلًا من انتظار النهاية السعيدة؛ لأن الروح الحبيسة في المادة لن تنعتق إلا من خلال الغنوص الذي يرجع بها إلى عالم النور.
من هنا يأتي عدم ثقة الغنوصيين بالجسد، واعتباره مصدرًا للألم والمعاناة، وعدم ثقتهم بالعالم المليء بالشرور التي لا تقتصر على الشر الأخلاقي الذي يركز عليه القويمون، وإنما تشمل الشرور الطبيعانية التي تصيب الإنسان مثل المرض والشيخوخة، وأنواع الأذى الأخرى التي تلحق الجسد والنفس، ولكن بينما أكد فريقٌ من الغنوصيين على ترك الزواج، والعلاقات الجنسية أو الإنجاب، وعدم الانهماك في مسائل الحياة العملية كوسيلة للانسحاب من عالم وجدوا أنفسهم غرباء فيه، فإن فريقًا آخر وهم الفالنتينيون، قد مارس حياته الطبيعية فتزوج وأنجب وشارك في الحياة العامة، ولكنه اعتبر ذلك كله أمرًا ثانويًّا بالنسبة إلى حياة التأمل والمعرفة.
(٢) إله الغنوصيين ليس إله العهد القديم
إن العالم الذي نعرفه ونعيش فيه ليس عالمًا حسنًا وخَلقًا طيبًا؛ لأنه قد ظهر إلى الوجود نتيجة عملية سقوط تمت في عالم الألوهة، شبيهة بسقوط إبليس، وقادت إلى تكون المادة الكثيفة المظلمة المناقضة لعالم الأنوار الروحاني الأعلى، وإلى تشكيل عالمنا انطلاقًا من هذه المادة، من قبل الديميرج الذي صنعه بجهل وصلف متأصلين في طبيعته، فجاء عالمًا ناقصًا سمته الألم والمرض والموت، وينجم عن هذه العقيدة المركزية لدى الغنوصيين رفضهم للعالم، ورفضهم لإله هذا العالم ومتطلباته التي تعرقل سعي الروح إلى الانعتاق، وتجاوز حالة السقوط إلى حالة الكمال.
وهكذا فقد حلت الغنوصية مشكلة وجود الشر في العالم بطريقة مبدعة وجديدة على الفكر الديني، وذلك بابتكارها لفكرة الأب الأعلى مصدر عالم النور الروحاني، والإله الأدنى مصدر العالم المادي عالم الجهل والظلمات، فهذا العالم لم يُخلق كاملًا ثم داخله النقص والشر من خارجه، كما هو الحال في المعتقدات الزرادشتية واليهودية والمسيحية القويمة، بل إن المادة بعينها هي الشر، ومصدر الشر هو إله التوراة الذي لجهله بوجود العالم النوراني الأسمى، تربع على عرش الكون الذي صنعه وصاح متفاخرًا: «أنا الرب ولا إله غيري، إله غيور» (راجع: الخروج ٢٠: ٥، وإشعيا ٤٥: ٢١)، ولكن هذا الإله وعالمه سيئولان إلى الدمار عندما يتعرف الإنسان على النور الأسمى في داخله، وهي المعرفة التي تعتقه من دورة الميلاد والموت والتناسخ في الأجساد، فالإنسان ليس خاطئًا منذ البداية، ولكنه مأسور وراء حجاب الجهل، ولا فكاك له إلا بالعرفان الذي يعد النشاط الأسمى للنفس الإنسانية، هذا العرفان هو الذي يجعل صاحبه طيبًا وأخلاقيًّا دونما حاجة إلى لوائح أخلاقية مفروضة من الخارج؛ لأن الشر هو الجهل والخير هو المعرفة، أما الطقوس والعبادات الشكلانية فليست في حقيقتها إلا خضوعًا لإله العالم المادي، وتطبيقًا أعمى لشرائعه، بينما لا يتطلب الأب الروحاني الأعلى من الإنسان إلا أن يعرفه ويتلمس منابع الخير في داخله، وهو ملتزم بتخليصه واستعادة روحه إلى بيتها الذي ضاعت عنه، إذا استجاب لنداء رحمته.
(٣) آلام المسيح وموته وقيامته
في دراما السقوط هذه، يلعب يسوع دورًا مركزيًّا باعتباره محررًا للبشرية الواقعة في إسار العالم المادي، والراسفة في أغلال إله هذا العالم، ولقد هبط من السماء الروحانية العليا التي تقع وراء السماء المادية التي نعرفها، لا ليضحي بنفسه من أجل تخليص البشر من الخطيئة، وإنما ليفتح بصيرتهم ويحرك العرفان الغافي في النفس الإنسانية، التي تنتمي إلى الله الحق لا إلى الديميرج، ولعلنا واجدون في الإنجيل الرابع ما يتفق وهذه الرؤية الغنوصية، فقد قال يسوع لليهود الذين يعبدون الديميرج: «أنتم لا تعرفونني ولا تعرفون أبي، ولو عرفتموني لعرفتم أبي» (إنجيل يوحنا ٨: ١٩). «أنتم من الدرك الأسفل وأنا من الملأ الأعلى، أنتم من العالم وأنا لست من العالم» (يوحنا ٨: ٢٣). «إنكم أولاد أبيكم إبليس، وأنتم تريدون إتمام شهوات أبيكم … من كان من الله سمع كلام الله، فإذا كنتم لا تسمعون فلأنكم لست من الله» (يوحنا ٨: ٤١-٤٢).
يتفق الغنوصيون والقويمون بخصوص تاريخية حادثة صلب المسيح وموته وقيامته، ولكنهم يختلفون في تفسير هذه الحادثة وفي نتائجها، فبينما يؤكد القويمون على أن يسوع ابن الله الحي قد تألم على الصليب ومات ثم بعث جسديًّا، فإن الغنوصيين يؤكدون على أن آلام يسوع وموته لم تكن سوى مظهر خادع، وبالتالي فإنهم ينكرون قيامته الجسدية، ولا يرون فيها أي معنًى؛ لأن مثل هذه الفكرة تحمل في طياتها مباركة للجسد المادي الذي يسعون إلى التخلص منه.
وهنا ينقسم الغنوصيون إلى فريقين في موقفه من القيامة، فأتباع المعلم فالنتينوس يميزون بين يسوع الأرضي المولود من امرأة، والمسيح السماوي، ويقولون بأن المسيح السماوي قد هبط على يسوع وتطابق معه لحظة خروجه من الماء، بعد أن اعتمد على يد يوحنا المعمدان، ثم غادره عندما مات على الصليب، وبذلك تكون قيامة المسيح قيامة روحانية، عندما تخلى عن جسد يسوع الأرضي. ونستطيع تلمس مثل هذه الأفكار في عدد من النصوص المنسوبة إلى فالنتينوس أو تلامذته، ولا سيما في نص «حوار المخلص» و«الرسالة الثلاثية» و«إنجيل الحقيقة» و«تفسير الغنوص»، وجميعها من نصوص مكتبة نجع حمادي.
(٤) أصول الغنوصية
وفي الحقيقة، فإن القول بوجود غنوصية يهودية سابقة على المسيحية، استنادًا إلى وجود نصوص في مكتبة نجع حمادي تعتمد مادة توراتية من دون أن تعكس رؤية مسيحية واضحة، هو قول مردود، فهذه النصوص وجدت في سياق مسيحي لا في سياق يهودي، وضمن عدد أكبر من النصوص الغنوصية ذات التوجه المسيحي الواضح، وقد تم تداول هذه النصوص خلال القرن الثاني الميلادي، إبان فترة مد المسيحية الغنوصية، لا قبل ذلك، ولا من قبل أي جماعةٍ غنوصية يهودية معروفة لنا، أما عن الشخصيات التوراتية التي تظهر في نصوص نجع حمادي، فجميعها ينتمي إلى الإصحاحات الأولى من سفر التكوين، ومن جيل آدم إلى جيل نوح تحديدًا، من دون بقية إصحاحات السفر التي تقص عن أسلاف بني إسرائيل من إبراهيم إلى يوسف، ومن دون بقية أسفار الكتاب، وهذا يدل على أن المسيحية الغنوصية قد استخدمت هذه المادة وتلك الشخصيات التي تنتمي إلى مرحلة الخلق والتكوين وأصول العالم، في سياق مطابقتها بين الإله الديميرج صانع العالم والإله اليهودي يهوه، وفي سياق نقدها العام للعالم المادي باعتباره صنيعة الشيطان–يهوه.
ومن ناحيةٍ أخرى، لا يوجد لدينا أي دليل تاريخي على قيام نظام ديني غنوصي واضح الملامح وراسخ التنظيم قبل ظهور المسيحية الغنوصية، ومن الأفضل لنا في هذا المجال أن نتحدث عن إرهاصات غنوصية، ومفكرين ذوي طابع غنوصي، وجماعات غنوصية صغيرة مبعثرة غير ثابتة التنظيم، مثل هذه الجماعات وُجدت في منطقة الجليل بتأثير تعاليم سمعان ماجوس الشخصية السامرية الغامضة، التي عاصرت يسوع والرسل الأوائل، كما وجدت في الإسكندرية بتأثير التعاليم الهرمزية (أو الهرمسية)، ويضاف إلى هذا بعض الجماعات اليهودية غير الأرثوذكسية التي اقتربت بفكرها من الغنوصية، دون أن تتوصل إلى إنتاج فكر غنوصي متسق، بعض هؤلاء اليهود قد تحول إلى المسيحية وساهم في إغناء الفكر الغنوصي بعد أن صار مسيحيًّا لا قبل ذلك، خلال الفترة التي شهدت تحول كثير من اليهود إلى المسيحية الناشئة بكنائسها الثلاث: كنيسة الأمم وكنيسة الختان وكنيسة الغنوص، وفي هذا السياق يمكننا تفسير أقوال بعض هؤلاء المتحولين، كقول جماعة من أتباع المعلم باسيليد: «لم نعد يهودًا، ولكننا لسنا بعد مسيحيين.» وقول جماعة من أتباع المعلم فالنتينوس: «عندما كنَّا عبرانيين كنَّا يتامى.»
إن كل النصوص الغنوصية في مكتبة نجع حمادي قد دُونت بأقلام مسيحية، وجرى تداولها بين المسيحيين، ولم يتوفر لدينا حتى الآن ما يشير إلى أنها كانت متداولة قبل ذلك لدى أي شيعة غنوصية أخرى، سواء بشكلها الذي وصلنا أم بأي شكل آخر، ولكن هذا لا يعني أن الغنوصية المسيحية قد نشأت في فراغ، بل لقد أفادت من عدد من التيارات الفلسفية والدينية التي نمت فيها، وبشكل جنيني، أفكار ومفاهيم غنوصية لم تصل مرحلة النظام الغنوصي المتكامل.
وليس من المستبعد أن تكون إحدى هذه الشيع قد طورت في الإسكندرية مفهوم «الإله الوكيل» إلى نتيجته المنطقية بأن عزت إليه مهمة خلق العالم، وتصورت وجود إله خفي أعلى يسمو فوق ثنائيات الكون، ولكننا لا نملك بالفعل دليلًا على أن مثل هذه الخطوة قد حصلت فعلًا داخل الفكر اليهودي، وإذا كانت مثل هذه الأفكار قد توضحت فعلًا، فإنها لم تجد سبيلًا إلى التعبير الكامل عن نفسها إلا عندما تحول أصحابها إلى المسيحية الغنوصية التي وجدوا فيها موئلًا وملاذًا من سطوة الشريعة التوراتية، التي لم تعد مقبولة في ثقافة عالمية منفتحة مثل ثقافة مدينة الإسكندرية خلال العصر الهيلينستي.
أخيرًا، ينبغي ألَّا ننسى الأثر الذي تركته أفكار سمعان ماجوس، السامري، على السميحية الغنوصية الناشئة، وسوف نفرد لأفكار سمعان هذا حيزًا في الفقرة المقبلة التي نعرض فيها لأهم المدارس الغنوصية.
(٥) في المدارس الغنوصية
فيما عدا الغنوصية المانوية، التي تحوَّلت على يد معلمها ماني إلى ديانة مؤسساتية خلال أواسط القرن الثالث الميلادي، فإن الفكر الغنوصي لم يطور أيديولوجيا دينية موحدة ومنظمة، وبقيت الفرق الغنوصية أشبه بالطرق الصوفية الإسلامية، التي يتبع كل منها معلمًا روحيًّا له نهجه الخاص وفكره المتميز، مع اشتراكها جميعًا بعددٍ من الأفكار العامة التي ميَّزتها عن غيرها من التيارات الدينية والفلسفية، التي كانت تتمازج وتتلاقح خلال فترة تُعد من أخصب فترات التاريخ الروحي والثقافي للمنطقة المشرقية، ولسوف أقدم فيما يلي عرضًا لأفكار بعض من أهم المعلمين الغنوصيين.
مرقيون
ولد مرقيون في منطقة بونتوس على البحر الأسود، في أواخر القرن الأول الميلادي، وانتمى في مطلع شبابه إلى الكنيسة القويمة، ولكنه سرعان ما أخذ بصياغة عقيدته الخاصة المتلونة بالغنوصية، والتي تسببت أخيرًا في حرمانه من الكنيسة عام ١٤٤م. ينطلق مرقيون في تفكيره من مبدأ الفصل التام بين العهد الجديد والعهد القديم، وكان معارضًا للطريقة المسيحية في تأويل العهد القديم لجعله متلائمًا مع العقيدة المسيحية، فإله العهد القديم بالنسبة إليه ليس الأب السماوي الذي بشر به يسوع، بل هو الديميرج الذي صنع العالم المادي والناقص، وصنع الإنسان أيضًا وفرض عليه الشريعة التي كانت بمثابة لعنة، على حد تعبير بولس الرسول (غلاطية ٣: ١٣)، هذا الإله الحقود والمنتقم، الذي يقول مرقيون إنه يعرفه حق المعرفة، لا يستحق بالفعل الطاعة والعبادة التي يطلبها، وهو ليس أبا يسوع كما يعتقد المسيحيون القويمون، أما الأب السماوي الذي يدعوه مرقيون بالإله المتعالي، والإله المجهول، فليس له علاقات بمجريات الأحداث في العالم لأنه لم يكن صانعه، وهو لم يتدخل إلا بأن أرسل ابنه يسوع المسيح، الذي هبط من السماء إلى هذا العالم السقيم والتافه، وصلب من أجل الإنسان الذي أحبه وأراد الخلاص، اعتمد مرقيون إنجيلًا خاصًّا به ضم إنجيل لوقا فقط بعد تشذيبه من قبله، فقد حذف منه قصة ميلاد يسوع وسلسلة النسب التي تربطه بالملك داود، كما ضم إلى الإنجيل عشر رسائل لبولس الرسول، وبذلك كان مرقيون أول من وضع كتالوجًا معتمدًا للعهد الجديد.
إن مفهوم اغتراب الله عن العالم هو مفهوم كلي لدى مرقيون، فبينما تعقد الأنظمة الغنوصية الأخرى صلة قربى من نوع ما بين الديميرج صانع العالم وبين الإله المتعالي، فإن نظام مرقيون يصر على عدم وجود أي رابطة بين الإلهين، وعلى عكس الأنظمة الأخرى أيضًا، فإن الإنسان لدى مرقيون، روحًا وجسدًا، هو من صنع الديميرج وهو لا يملك قبسًا مسروقًا من نور الأعالي، وبالتالي فإن خلاصه لن يؤدي إلى تحرير إله التوراة نفسه، على ما يقول بعض المفكرين الغنوصيين، لقد ظهر المسيح فجأة بين الناس وهو يُعلِّم ويبشِّر بملكوت الروح، فظنه بعض اليهود المسيح القومي المنتظر، كما أن تلاميذ يسوع أنفسهم لم يفقهوا المغزى الحقيقي لرسالته، ونظرًا لجهل يهوه بقيمة المخلص، فقد دفع به إلى الصلب.
وعلى الرغم من معارضة مرقيون لإله العهد القديم، وتوكيده على تحرير الإنسان من حكمه، إلا أنه يعتقد بأن عليه متابعة مهمته في تسيير شئون هذا العالم؛ لأن العالم من حيث الأصل لا قيمة له، والجسد الإنساني لا يساوي شروى نقير، وكذلك الحياة الإنسانية؛ لذلك فقد عارض مرقيون الزواج لأنه يؤدي إلى إنجاب رعايا جدد يقعون تحت سلطة إله هذا العالم، على أن ما يجعل مرقيون في نقطة الوسط بين المسيحية الغنوصية والمسيحية القويمة، هو توكيده على عنصر الإيمان المسيحي في مقابل العرفان الغنوصي، فالخلاص عنده يتحقق من خلال الإيمان وعن طريق يسوع المسيح بالذات، لا من خلال العرفان، وهو لم يقدم للمؤمنين وعدًا باستنارة الروح، بل بمباركتها عن طريق شفاعة ابن الله المتعالي.
فالنتينوس
اتخذت الغنوصية شكلها الناضج على يد معلمها الكبير فالنتينوس، الذي ولد بمنطقة الدلتا المصرية من أسرة ذات أصول يونانية عام ١٠٠م. تلقى علومه بالإسكندرية، مدينة العلم والثقافة في ذلك العصر، وبؤرة إشعاع الفكر الأفلاطوني والهرمسي. اتصل بالمسيحيين واعتبر نفسه مسيحيًّا، ولكنه شكَّل لنفسه مجموعة من الأخويات الغنوصية داخل كنيسة الإسكندرية، وأسس أكاديمية للبحث الحر. اعتبر نفسه المفسر الحقيقي لتعاليم المسيح، بعد أن نقل إليه معلمه ثيوداس تعاليم بولس السرية، وأدخله إلى حلقة العارفين بمعتقد الأب السماوي الأعلى، وقد بلغ من ثقته بنفسه أنه رشح نفسه لمنصب أسقف روما في أواسط القرن الثاني الميلادي، على الرغم من أن تعاليمه تشكل انشقاقًا تامًّا عن لاهوت العهد القديم، وتقدم تفسيرًا متطرفًا لحياة يسوع ورسائل بولس.
يرى فالنتينوس أن بؤس الإنسان ناجم عن سجن روحه في المادة المظلمة من قبل يهوه إله العهد القديم، وأن هذا الإله الذي يعبده البسطاء ليس إلا ظلًّا للإله الحقيقي، وأن تعاليم الكنيسة القويمة التي يبشر بها رجال الهرمية الكنسية التقليدية لا تنطبق على الله العلي الخفي، بل على الديميرج الذي يحكم العالم كملك وسيد ويتصرف كقائد عسكري، والذي فرض الشريعة ويعاقب على انتهاكها، ولكن أولئك البسطاء الذين عبدوا إله هذا العالم، سوف يتعلمون كيف يرفضون سلطته ويعتبرون كل ما ورد في الشريعة بمثابة حماقة، وذلك بعد تلقيهم الأسرار ودخولهم حلقة العارفين، وهذا ما يقودهم بالتالي إلى نبذ سلطة الهرمية الكنسية التي تستمد سلطتها من الديميرج لا من الأب الأعلى، إن العرفان يؤدي إلى الخلاص والتحرر من عالم المادة، بعد أن يتعرف الغنوصي على الله الحق وعلى طبيعته الروحانية التي هي جزء من طبيعة الله، وعلى الرغم من أن هذا العرفان ذو طابع فردي في أساسه، ويؤدي إلى خلاص فردي في النهاية، فإن كل فعالية عرفانية فردية سوف تؤثر على صيرورة الكون برمته، وتساعد في النهاية على تخليص العالم، كما تساعد على إصلاح إله هذا العالم نفسه؛ لأنه جاهل ومحروم من العرفان اللازم لخلاصه، ولكن الإنسان قادر على معونته وتحريره من خلال عرفانه الداخلي.
باسيليد
يعتبر باسيليد المعلم الثاني للمسيحية الغنوصية بعد معاصره فالنتينوس، اعتبر نفسه مسيحيًّا أيضًا، وبقي عضوًا في كنيسة الإسكندرية حتى آخر أيامه، بالرغم من أن أتباعه كانوا يقولون بأنهم لم يعودوا يهودًا ولم يصبحوا بعدُ مسيحيين، أسس باسيليد مدرسة غنوصية اجتذبت الكثير من الأتباع خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، أنتج باسيليد ميثولوجيا على غاية من الغموض والتعقيد في موضوعات النشأة الأولى والتكوين، فوفق ناقده المسيحي هيبوليتوس يقول باسيليد إنه في البداية لم يكن سوى العدم، والله الخفي المتشح بالعدم، ثم أنتج الإله الخفي بشكل تلقائي بذرة الكون التي تنطوي على كل الممكنات التي تحققت فيما بعد، مثلما تحتوي حبة الخردل على ممكنات الجذور والساق والأوراق، من هذه البذرة خرج الأركون الأكبر المدعو يهوه، وباشر بخلق العالم المادي دون أن يعلم بوجود الله الخفي الأسمى منه.
سمعان ماجوس
سمعان ماجوس، أو سمعان الساحر، هو مؤسس المدرسة الغنوصية السورية، وهو أكثر الشخصيات الغنوصية غموضًا؛ لأن مؤلفاته قد ضاعت، ولم يبقَ منها إلا أفكار متفرقة وصلت إلينا عن طريق نقاده المسيحيين، وقد امتلأ ما وصلنا إليه من سيرته بالخوارق والمعجزات، حتى ضاعت ملامح سيرته الحقيقية. نشط سمعان خلال أواسط القرن الأول والميلادي، وهذا يعني أنه قد عاصر يسوع ونشط خلال فترة نشاط الرسل الأوائل، ومن اليسير الذي وصلنا عنه، لا يبدو لنا سمعان يهوديًّا راديكاليًّا ثائرًا على الأرثوذكسية اليهودية، ولا مسيحيًّا غنوصيًّا متطرفًا، وإنما تنبع غنوصيته من مصدر ثالث، هو على ما يبدو الغنوصية المبكرة التي نشأت عن الموروث الوثني التقليدي للمنطقة.
يروي سفر أعمال الرسل في العهد الجديد عن سمعان ماجوس ما يلي: «فنزل الرسول فيليبس مدينة سامرية وجعل يبشر بالمسيح … وكان في المدينة قبل ذلك رجلٌ اسمه سمعان، يفتري السحر ويفتن أهل السامرة، زاعمًا أنه رجلٌ عظيم، فكانوا يلزمونه من صغيرهم إلى كبيرهم، ويقولون: هذا هو قوة الله العظيمة، وإنما لزموه لأنه أخذ يفتنهم بأساليب سحره من زمن طويل، فلما آمنوا بكلام فيليبس الذي بشرهم بملكوت الله واسم يسوع، اعتمدوا رجالًا ونساءً، وآمن سمعان أيضًا» (٨: ٤–١٢).
(٦) هل كان يسوع غنوصيًّا؟
إن الحديث الذي سقناه أعلاه عن المدرسة الغنوصية السامرية، يعطينا مفتاحًا لفهم مقطع غامض ورد في إنجيل يوحنا، حيث وصف اليهود يسوع بالسامري: «فقال اليهود: ألسنا على صواب إذا قلنا إنك سامري، وإن بك مسًّا من الشيطان؟» (يوحنا ٨: ٤٨)، فكيف يكون يسوع سامريًّا وكل الأناجيل الأربعة تروي أنه ولد في بيت لحم، وعاش حياته وبشر برسالته في الجليل، ثم مات في أورشليم؟ إن التفسير الوحيد لصفة السامري هنا، هو أن اليهود قد شعروا منذ البداية بوجود صلة بين تعاليم يسوع الغريبة عليهم، وبين تعاليم الغنوصية السامرية، فهل كان يسوع غنوصيًّا؟
مع ذلك فإن الأناجيل الرسمية قد حافظت على ملامح من الوجه الآخر للمسيح ذي صبغة غنوصية واضحة، وسنبدأ في استجلاء هذا الوجه من أول ما قام به يسوع، بعد أن هبط عليه الروح القدس عقب اعتماده بالماء على يد يوحنا المعمدان، عندما مضى وحيدًا يتأمل في الصحراء، وأتى الشيطان ليختبره، وهذه حادثة لم تلقَ من الباحثين حتى الآن عناية كافية، على الرغم من أنها في اعتقادي مفتاح لفهم العهد الجديد برمته، نقرأ في إنجيل لوقا، وما يوازيه في إنجيل متَّى ما يلي:
«فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه، وصوت من السموات قائلًا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت … ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس، فاقتاده الروح في البرية أربعين يومًا، وإبليس يجربه، ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام حتى انقضت، فأحس بالجوع، فقال له إبليس: إن كنت حقًّا ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير أرغفة، فأجابه: مكتوب أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل من كل كلمة تخرج من فم الله. فمضى به إبليس إلى المدينة المقدسة، وأقامه على شرفة الهيكل وقال له: إن كنت ابن الله فألقِ بنفسك إلى الأسفل، فإنه مكتوب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم فلا تصطدم رجلك بحجر. فقال له يسوع: مكتوب أيضًا: لا تجرب الرب إلهك. ثم مضى به إبليس إلى جبل عالٍ جدًّا، وعرض عليه ممالك الأرض في لحظة من الزمن، ثم قال له: أجعل لك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك؛ لأنه سُلم إليَّ وأنا أجعله لمن أشاء، فإن سجدت لي يعود إليك ذلك كله. فقال يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. فلما أفرغ إبليس جميع ما عنده من تجربة، انصرف عنه إلى حين» (لوقا ٤: ١–١٣)، و(متَّى ٣: ١٦-١٧)، و(٤: ١–١٣).
إن هوية الإله الذي تجلَّى ليسوع بعد خروجه من ماء العماد، تعلن عن نفسها من خلال الهيئة الرمزية التي تجلى بها، فإله العهد القديم لم يتجلَّ في أسفار التوراة أبدًا في هيئة حمامة، بل تجلى في ظواهر تمثِّل القوة والجبروت والغضب والانتقام، في عمود الدخان الذي كان يتقدم جماعة موسى في الصحراء نهارًا، وعمود النار الذي كان يقودهم ليلًا، وفي الأوبئة والأمراض التي أرسلها على المصريين، وفي النار الآكلة على جبل سيناء ودخانه يصعد كدخان الأتون، وفي الرعود والبروق عندما كان يعلن شريعته للشعب، وفي العاصفة وقصف الرعد عندما كان يخاطب أيوب، أما الحمامة فكانت في ديانات الشرق القديم رمزًا للحب والخصب والعطاء، وكانت في عبادات الأسرار رمزًا للانخطاف الروحي في لحظات الكشف والاستنارة، ومن خلالها أعلن إله يسوع عن نفسه كإله محبة لا إله غضب، محبة الإنسان ومحبة العالم: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا ٣: ١٦-١٧).
وبالمقابل، فإن الذي اقتاد يسوع ليجربه في البرية، يعلن عن هويته من خلال قوله ليسوع بعد أن عرض عليه ممالك الأرض في لحظةٍ من الزمن: «أجعل لك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك؛ لأنه سُلم إليَّ وأنا أجعله لمن أشاء»، فهو الديميرج إله هذا العالم، الذي رفض يسوع السجود له، وأعلن انتهاء سلطانه على المؤمنين بالأب السماوي الأعلى: «اليوم دينونة هذا العالم، واليوم ينبذ سيد هذا العالم، فإذا رُفعت من هذه الأرض جذبت إلى الناس أجمعين» (يوحنا ١٢: ٣١–٣٢)، وأيضًا: «لأن رئيس هذا العالم قد حُكم عليه» (يوحنا ١٦: ١١)، «لن أخاطبكم بعد الآن لأن سيد هذا العالم آتٍ وليس له يد عليَّ، وما ذلك إلا ليعرف العالم أني أحب الآب، وأعمل بما أوصاني الآب» (يوحنا ١٤: ٣٠)، وفي مشهد المحاكمة أعلن يسوع أن كل سلطة دنيوية في هذا العالم تستمد قوتها من هذا الإله، قال له بيلاطس الوالي الروماني: «أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطانًا أن أصلبك وسلطانًا أن أطلقك؟ أجاب يسوع: لم يكن لك سلطان عليَّ ألبتة لو لم تكن أعطيت من فوق لذلك، الذي أسلمني إليك له خطية عظيمة» (يوحنا ١٩: ١٠–١١).
إن الغنوصية هي النظام الديني الوحيد الذي يطابق بين الشيطان وإله هذا العالم، والشيطان الذي جرب يسوع في البرية ما هو إلا إله العهد القديم نفسه، ولقد فهم بولس الرسول، بعد ذلك، أكثر من غيره هوية المجرب عندما دعاه بإله هذا الدهر الذي يعمي بصيرة غير المؤمنين (٢ كورنثة ٤: ٤)، مستخدمًا أحد ألقاب يهوه في العهد القديم، نقرأ في سفر إشعيا ٤٠: ٢٧: «إله الدهر، الرب خالق أطراف الأرض.» إن إله هذا الدهر هو الذي سلَّم يسوع إلى الصلب، جاهلًا بقيمته الحقيقية، على ما قال به مرقيون، ولكن يسوع بموته على الصليب قد غلب العالم وإله هذا العالم: «ستعانون الشدة في العالم، فاصبروا لها، فقد غلبت العالم» (يوحنا ١٦: ١٣).
بعد هذا الخيار المبدئي ليسوع هل تشف الأناجيل الأربعة عن أفكار غنوصية بسطها يسوع لتلاميذه؟ في الحقيقة، لقد بقيت في الأناجيل أقوال عديدة ليسوع تُفصح عن خلفيته الفكرية، فيسوع لم يستخدم أيًّا من أسماء الإله التوراتي، أو صفاته أو ألقابه، في الإشارة إلى إلهه، بل دعاه دومًا بلقب الآب، والآب السماوي، فهو أب ليسوع وأب للمؤمنين جميعًا: «فاغفروا لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم» (مرقس ١١: ٢٥)، «إن الأعمال التي أعملها باسم أبي تشهد لي» (يوحنا ١٠: ٢٥)، «لأن لكم أبًّا واحدًا هو الأب السماوي» (متَّى ٢١: ٩)، «صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك … إلخ»، «فكونوا أنتم كاملين لأن أباكم الذي في السموات كامل» (متَّى ٢٥: ٤٨)، إن كل الآلهة السابقة على يسوع كان لها أسماء إلا إله الغنوصية الذي لم يدع باسم معين، وإنما أشاروا إليه بلقب الأب، والأب الأعلى، والأب النوراني، والإله الخفي … إلخ، وهذا الإله الخفي هو إله يسوع.
وقد ركَّز يسوع على ثنائية النور والظلمة اللذين يرمزان إلى الأب النوراني الأعلى، والإله الديميرج سيد العالم المادي الكثيف والمظلم، قال يسوع: «أنا نور العالم، من يتبعني لا يخبط في الظلام، بل له نور الحياة» (يوحنا ٨: ١٢)، «من سار في النهار لا يعثر لأنه يرى نور هذا العالم، ومن سار في الليل يعثر لأنه ليس فيه نور» (يوحنا ١١: ٩)، «النور باقٍ معكم وقتًا قليلًا، فامشوا ما دام لكم النور مخافةَ أن يدرككم الظلام؛ لأن الذي يمشي في الظلام لا يدري أين يسير، آمنوا بالنور ما دام لكم النور فتكونوا أبناء النور» (يوحنا ١٢: ٣٥-٣٦)، «جئت إلى العالم نورًا، فمن آمن بي لا يقيم في الظلام» (يوحنا ١٢: ٤٦)، «النور يشرق في الظلمات ولا تغشاه الظلمات … الكلمة هو النور الحق الذي ينير كل إنسان» (يوحنا ١: ٥–٩).
وفي مقابل ملكوت الرب الذي يؤسسه يهوه على الأرض في نهاية الزمن، فإن مملكة إله يسوع لا تنتمي إلى هذا العالم، فعندما سأله بيلاطس في المحاكمة: أنت ملك اليهود؟ أجاب يسوع: «ليست مملكتي من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم لدافع عني رجالي لكي لا أُسلم إلى اليهود، ولكن مملكتي ليست من هنا» (يوحنا ١٨: ٣٦)، هذا الملكوت لن يتأسس في زمن مقبل يسعى إليه تاريخ الإنسان، بل هو حاضرٌ هنا والآن في داخل المؤمن، سأله الفريسيون متَّى يأتي ملكوت الله، فأجابهم: «إن مجيء ملكوت الله لا يُستدل عليه بشيء، ولا يقال ها هو ذا هنا، أو ها هو ذا هناك، فإن ملكوت الله هو فيكم» (لوقا ١٧: ٢٠-٢١).
كما استخدم يسوع مصطلحات غنوصية واضحة عندما تحدث عن غربة المؤمنين في هذا العالم، قال يسوع: «ستعانون الشدة في هذا العالم، فاصبروا لها، لقد غلبت العالم» (يوحنا ١٦: ٣٣)، «إن أبغضكم العالم فاعلموا أنه قد أبغضني قبل أن يبغضكم، لو كنتم من هذا العالم لأحب العالم من كان منه، ولكن العالم أبغضكم لأنكم لستم منه» (يوحنا ١٥: ١٨–٢٠)، «بلغتهم كلامك فأبغضهم العالم؛ لأنهم ليسوا من هذا العالم، كما أني لست من هذا العالم» (يوحنا ١٧: ١٤)؛ لهذا فإن يسوع إنجيل يوحنا لم يأتِ ليدين العالم، كما هو الحال في الأناجيل الثلاثة الإزائية، بل ليخلص العالم: «ما جئت لأحكم على العالم بل لأخلص العالم» (يوحنا ١٢: ٤٧)، وهذا الخلاص هو في طبيعته هروب من عالم فاسد لا أمل في إصلاحه؛ لأنه واقع تحت سلطان الظلمة: «من أحب حياته هلك، ومن كره حياته في هذه الحياة الدنيا حفظها للحياة الأبدية» (يوحنا ١٢: ٢٥)، والحياة الأبدية تبدأ عندما تنكشف البصيرة على الحقائق السرية، عندها يولد الإنسان ولادة جديدة، ولادة من الأعلى الروحاني لا من الأسفل المادي: «ما من أحد يمكنه أن يرى ملكوت الله إلا إذا ولد من علٍ … إلا إذا كان مولودًا من الماء والروح، فمولود الجسد يكون جسدًا، ومولود الروح يكون روحًا» (يوحنا ٣: ٣–٦).
هذا وبإمكاننا استكمال صورة يسوع الغنوصي اعتمادًا على إنجيل توما الذي اعتُبر بمثابة الإنجيل الخامس على الرغم من عدم ضمه إلى أسفار العهد الجديد، وذلك بسبب قربه الشديد إلى إنجيل يوحنا، واحتوائه على عدد كبير من أقوال ليسوع وردت في الأناجيل الرسمية. يعود تاريخ تدوين هذا الإنجيل إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، أي إلى وقت قريب من تاريخ تدوين إنجيل يوحنا، وقد عُد بين الأناجيل الغنوصية على الرغم من عدم إغراقه في الغنوصية، وما ذلك إلا لتركيزه على عدد من الأفكار الغنوصية مثل معرفة النفس والبحث عن الله في الداخل، لا يحتوي النص على سيرة حياة يسوع التقليدية، وإنما على مجموعةٍ من أقواله المتفرقة التي دوَّنها المؤلف من غير أن يذكر المناسبة في قولها، وهو يبتدئ بالقول: «هذه هي الكلمات السرية (أو الخفية) التي قالها يسوع الحي»، وبما أن كلمات يسوع هذه قد دوِّنت لكي يطلع عليها كل من يشاء، فإن صفة السرانية هنا لا تعني الخفاء المادي، بل سرانية المعاني وخفاءها على علوم الظاهر؛ ولهذا فقد تابع المؤلف قائلًا: «إن من يتوصل إلى تأويل هذه المعاني لا يذوق الموت»، ومن ناحية أخرى فإن السرانية هنا تدل على أن هذه الأقوال لم تُعلَن للعامة، وإنما أُعلِنت للخاصة فقط.
وذلك لأن رسالة يسوع هي رسالة راديكالية تهدف إلى قلب عالم قديم وخلق عالم جديد، ولهذين القولين ما يشبههما في الأناجيل الرسمية، فقد ورد في إنجيل متَّى: «لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلامًا بل سيفًا» (متَّى ١٠: ٣٥)، وورد في إنجيل لوقا: «جئت لألقي على الأرض نارًا، وكم أرجو أن تكون قد اضطرمت … أوَتظنون أني جئت لألقي السلام على الأرض؟ أقول لكم لا، بل الخلاف» (لوقا ١٢: ٤٩–٥١)، قال يسوع في إنجيل توما: «عندما تعرفون أنفسكم عندها يعرفونكم، وتعرفون أنكم أبناء الآب الحي، ولكن إذا لم تعرفوا أنفسكم أقمتم في الفقر، وكنتم الفقر» (الفقرة ٣)، ومعرفة النفس هي جهد حثيث متواصل يصاحبه الاضطراب الداخلي قبل الحصول على الهدوء: «على من يبحث ألا يتوقف عن البحث إلى أن يجد ضالته، وعندما يجد ضالته سوف يضطرب، وعندما يضطرب سوف يدهش ويسود على الكل» (الفقرة ١)، «من يبحث يجد، ومن يريد الدخول يُفتح له» (الفقرة ٩٤).
ومن خلال العرفان تحل القيامة الفردية، ويفتح باب الملكوت؛ لأن القيامة لن تأتي في زمن موعود قادم، بل هي متاحة في أي وقت، قال له التلاميذ: «متى راحة الموتى، ومتى يأتي العالم الجديد؟ فقال لهم: إن ما تنتظرونه قد أتى ولكنكم لم تتبينوه» (الفقرة ٥١)، وقالوا له أيضًا: «متى يأتي الملكوت؟ فقال يسوع: لا يأتي حين تنتظره، لا يقولون لكم هو ذا هنا، أو هو ذا هناك؛ لأنه يملأ الأرض ولكن الناس لا يرونه» (الفقرة ١١٣)، وهو يسخر من الفهم اليهودي لمملكة الرب باعتبارها تنتمي إلى مكان ما وزمان ما: «إذا قال قادتكم هو ذا الملكوت في السماء، عندها تكون طيور السماء أقرب إليه منكم، وإذا قالوا لكم إنه في البحر، تكون أسماكه فيه قبلكم، ولكن الملكوت في داخلكم» (الفقرة ٣)، إن القيامة المرتقبة لن تجلب الحياة لمن لم يجدها قبل موته، ومن وجد الحياة قبل موته لن يموت أبدًا: «هذه السماء ستزول والتي فوقها ستزول، ولكن الذين هم أموات لن يحيوا، والذين هم أحياء لن يموتوا» (الفقرة ١١).
والنفس العارفة تدرك أنها جاءت من عالم النور، وتدرك أن سجنها في عالم المادة مؤقت: «إذا سألكم الناس من أين أتيتم؟ قولوا لهم أتينا من النور» (الفقرة ٥٠)؛ ولذلك فإن قبسًا من النور يبقى في النفس الغافلة، وما عليها سوى إضرامه، سأله التلاميذ: «أرنا المكان الذي أنت فيه؛ لأننا يجب أن نطلبه، فقال لهم: هنالك نور داخل مخلوق النور من شأنه أن يضيء العالم، ولكن إذا لم يضئ كان ظلمة» (الفقرة ٢٤).
في رحلة العارف هذه، لا يلعب المعلم سوى دور ثانوي بالنسبة إلى الدور الرئيسي الذي يلعبه المريد نفسه، وعلى عاتقه وحده تقع مسئولية الكدح الروحي، بينما يقوم المعلم بدور الموجه الذي يكشف لتلميذه من الأسرار ما يتلاءم وقابليته للتقدم والارتقاء، فإذا ما بلغ مرحلة النضج، تجاوز التلميذ أستاذه وانطلق وحيدًا، قال يسوع في إنجيل توما لتلميذ ناداه يا معلم: «لست معلمك؛ لأن شربت فسكرت من النبع الفوار الذي سكبته.» (الفقرة ١٣)، وقال أيضًا: «من يشرب من فمي يصبح مثلي، وأنا أكون هو، وسوف تنكشف له الأشياء الخبيثة» (الفقرة ١٠٨)، وهذا يعني أن من حقَّق العرفان تماهى مع المسيح، وذابت الفواصل بين الإلهي والإنساني.
ولعل من أهم ما تنكشف عنه بصيرة العارف هو أصل الروح في العالم الأسمى وغربتها في هذا العالم الذي ليس سوى معبر مؤقت. قال يسوع في إنجيل توما: «طوبى لمن وُجد قبل أن ينشأ» (الفقرة ٩)، وقال: «طوبى للمتوحدين والمختارين؛ لأنكم تجدون الملكوت؛ لأنكم عنه نشأتم وإليه تعودون» (الفقرة ٤٩)، «كونوا مثل عابرين» (الفقرة ٤٢)، وعندما سألته مريم المجدلية: من يشبه تلاميذك؟ قال لها: «يشبهون أطفالًا يعيشون في حقل لا يخصهم» (الفقرة ٢١).
إن بؤس الشرط الإنساني يعود إلى الجهل لا إلى الخطيئة، ويسوع قد جاء كمعلم روحي لإنقاذ النفوس من جهلها، لا لتحريرها من الخطيئة؛ لذلك فإنه يشبه في إنجيل توما الجهلاء الذين يعزفون عن المعرفة بالسكارى الغافلين عن أنفسهم: «لقد وقفت في وسط العالم، وبالجسد ظهرت لهؤلاء، فوجدتهم سكارى كلهم، ولم أجد أحدهم ظمآن، فحزنت نفسي على بني البشر لأنهم عميان القلوب، لقد أتوا إلى العالم فارغين ويسعون إلى الخروج منه فارغين» (الفقرة ٢٨).
والعارف يركز على المدلولات الداخلية للأحداث ولا تهمه سلسلة الأحداث التوراتية كما فهمتها الكنيسة القويمة باعتبارها تاريخًا للخلاص. من هنا فإن الأقوال النبوية التوراتية التي تتنبأ بمجيء المخلص لا قيمة لها، وهي تنتمي إلى منظومة دينية مغايرة لما يؤمن به الغنوصي، فعندما قال التلاميذ ليسوع: «أربعة وعشرون نبيًّا في إسرائيل أخبروا بك، قال لهم: لقد تجاهلتم الحي الحاضر بينكم (يعني نفسه) وتحدثتم فقط عن الأموات» (الفقرة ٥٢). وفي قول آخر له اختصر الشريعة إلى معرفة داخلية فردية بالخير والشر: «سأله تلاميذه: هل تريدنا أن نصوم؟ كيف نصلي؟ هل نتصدق؟ ما الذي يحل لنا أكله وما الذي لا يحل؟ قال يسوع: لا تقولوا كذبًا ولا تفعلوا ما تكرهون» (الفقرة ٦)، وفي قول آخر سخر من الشريعة ممثلة بعادة الختان: «قال له التلاميذ: هل الختان مفيد؟ فقال لهم: لو كان مفيدًا لأنجبهم أبوهم من أمهم مختونين، ولكن إذا كان ختانًا حقيقيًّا فبالروح، عندها يكون مفيدًا» (الفقرة ٥٣).
ولقد بث يسوع في تلاميذه تعاليم خاصة غير التي بثها في عامة الناس، ومع ذلك فقد خص جماعة من هؤلاء التلاميذ بتعاليم أكثر سرية: «قال يسوع لتلاميذه: بمن تقارنونني وتشبهونني؟ قال له سمعان بطرس: أنت تشبه ملاكًا بارًّا، وقال له متَّى: أنت تشبه رجلًا حكيمًا وفيلسوفًا، وقال له توما: يا معلم، إن فمي عاجزٌ عن تشبيهك بأحد … فأخذه يسوع وتنحى به جانبًا وقال له بضع كلمات، وعندما رجع توما إلى رفاقه سألوه: ماذا قال لك يسوع؟ فأجابهم: لو أني أخبرتكم بكلمة ممَّا قال لي لحملتم حجارةً ورجمتموني، وتخرج نار من الحجارة تحرقكم» (الفقرة ١٣).
(٧) مصادر خلفية يسوع الغنوصية
في الحديث عن خلفية يسوع الثقافية نحن لا نملك سوى التكهنات، فالأناجيل الغنوصية لم تهتم بسيرة يسوع بقدر ما اهتمت بأقواله، وركزت بشكل خاص على ظهوراته الروحانية التي تلت حادثة الصلب، أما الأناجيل الرسمية فإنها تبدأ سيرة يسوع من اليوم الذي اعتمد فيه على يد يوحنا المعمدان، عندما كان في نحو الثلاثين من عمره، وليست قصص الميلاد، وقصة ظهور يسوع في الهيكل وهو في سن الثانية عشرة يحاور الشيوخ بفهم وحكمة، إلا نوعًا من السرد العجائبي الذي يروق للخيال الشعبي، مما عرفناه في أناجيل الطفولة المنحولة، مثل إنجيل يعقوب التمهيدي، وإنجيل الطفولة العربي، وكتاب توما الإسرائيلي، المليئة بالمعجزات التي اجترحها يسوع في سن الطفولة.
وحتى صورة يسوع الفتى وهو يساعد أباه يوسف النجار في حانوت النجارة، ممَّا تحدثت عنه بعض الأناجيل المنحولة الأخرى، فصورة غامضة ولا يوجد شواهد كافية عليها، وفي الواقع فإن صفة النجار تطلق على يوسف أو على ابنه يسوع، لم ترد إلا مرة واحدة في العهد الجديد، وبصورة عرضية جدًّا، وقد لا تدل هذه الكلمة على مهنة النجارة بل على شيء آخر.
حول هذا الموضوع، يقول ه. سبنسر لويس، وهو من مؤرخي الحركات السرانية العرفانية، شارحًا خلفية يسوع الثقافية، ما ملخصه:
إن الصورة التي سنتابع تقصي ملامحها ليسوع المسيح، بصرف النظر عن مصادر خلفيته الثقافية التي لا نستطيع الإدلاء بقول قاطع بشأنها، هي صورة حكيم جليلي عاش في بيئة الجليل التي اختلطت فيها عقائد وثنية تقليدية، ويهودية، وعرفانية سرانية، وانطلق في تعاليمه من نقد الجمود العقائدي اليهودي، والنزعة الطقسية اليهودية، والشريعة التوراتية، مؤسسًا بذلك لمفاهيم ذات طابع إنساني شمولي يتجاوز الانغلاق الأيديولوجي، والتعصب الإثني والديني، بعض هذه التعاليم كان سريًّا ولم يبثه يسوع إلا في حلقة ضيقة من تلاميذه، وهو الذي قاد إلى تكوين المسيحية الغنوصية، التي لم تتجاوز اليهودية فقط، بل وقفت منها موقف العداء السافر، واعتبرت إلهها بمثابة الشيطان الساقط الذي صنع العالم المادي.
في الفصل القادم سوف نستخدم مقاربةً تاريخية شاملة، تساعدنا على استقصاء البيئة الدينية والثقافية والإثنية لمنطقة الجليل، وذلك من خلال إطلالة عامة على السياق التاريخي لنشوء الدين اليهودي، والمدى الجغرافي لانتشار اليهودية داخل المنطقة الفلسطينية، وذلك لغرض توفير المعلومات اللازمة للإجابة على عدة أسئلة تتعلق بخلفية يسوع، وجميعها تؤدي إلى سؤال مهم أخير يتعلق بصلة يسوع باليهود واليهودية.
-
Gnosticism, in: The Internet Encyclopedia of Philosophy.
-
Marcion, in: M. Eliade, edt, Ecnyclopedia of Religion, vol. pp. 194–196.
-
Willis Barnstone, Marcion, in: W. Barnstone, ed, The Other Bible, pp. 642–644.
-
Willis Barnstone, edt., The Other Bible, pp. 286–289.
-
Eliane Pagels, The Gnostic Gospels, pp. 43–51.
-
Geza Vermes. Jesus the Jew, London, 1973, p. 21.
-
Desmond Stewart, The Foreigner-A Search for First Century Jesus, pp. 31-32.