نحن والمسكرات١
صرنا إلى زمان لو قلنا لحكومتنا: إن الطريقة الفلانية في الحكم أو منهج كذا في القضاء والإدارة لا توافق بلادنا، ولا تنطبق مع عاداتنا، وشرعنا هزت رأسها، وأعرضت عنا إعراضًا، وصرنا إلى زمان لو قلت لأكثر أهل الطبقة العليا والوسطى من قومنا قال الله وقال الرسول رأيتهم ينأون عنك، ويصدون صدودًا.
فلعل الحاكم والمحكوم عليه إذا أتيتهما بكلام جديد، قاله غيرنا يلقيان إليك بالأسماع، وتلين لمقالك القلوب والطباع، قال بنتام المتشرع الإنكليزي (١٧٤٨–١٨٣٢) في كتابه أصول الشرائع: «الخمر في الأقاليم الشمالية يجعل المرء كالأبله، وفي الأقاليم الجنوبية يصبح به كالمجنون، ففي الأولى يُكتفى بالمعاقبة على السكر؛ لأنه عمل فظيع، وفي الثانية يجب منعه بطرق أشد؛ لأنه أشبه «بالتشرر». ولقد حرمت ديانة محمد ﷺ جميع المشروبات الروحية، وهذا التحريم من محاسنها.»
نعم، حرم الإسلام الخمر، ولكن أمتنا عز عليها إلا أن تزهد في كل ما أتى به شرعها من المحاسن، وأن تقلد غيرها فيما هم منه يشكون ويئنون، ولو كنا أخذنا عن الغربيين النافع كما تلقفنا الضار لهان الأمر، وسلمنا من النقد بعض السلامة، ولكننا أجدنا التقليد في المضار، ولم نحسن الجري على مثالهم في المنافع.
قضى الله أن تمنى هذه البلاد بحكومة ليست منها ولا مزاجها مما يلتئم مع مزاج من تحكم عليهم، فكان من الغرب أنه أخذ منذ عشرات السنين، يحارب المسكرات بكل قوته، ونحن نفتح لها السبل ونهيئ الأسباب، الغرب يضرب عليها المكوس الفادحة، ونحن باسم الحرية التجارية، وبفضل تهاون الحكومة نقبل من ضروبها ما نعرف جوهره وما لا نعرفه، يقوم قادة الأفكار في الغرب فيبينون مضار الخمور، وينعون على شاربيها، ويضيقون المسالك في وجوه عاصريها وبائعيها، وأغلب قادة الأفكار منا يشربونها بلا حرج ولا نكير، بل يسخرون ممن لا يشاركونهم في إثمهم، ويريدونهم على أن يتشبهوا بهم ليُعدوا من المتمدنين العصريين.
فالذنب إذن ليس على الحكومة وحدها، بل عليها وعلى الأهالي أيضًا، بيد أن هؤلاء يعذرون بعض الشيء؛ لأن الحكومة لم تعلمهم التعليم الصحيح، حتى يتبين لهم الضار من النافع، وما دام السواد الأعظم جهالًا وخيرة الناس ليس لهم من الأمر شيء، فاللوم يرجع على الحكومة في الأكثر.
والغالب أن عميد الاحتلال أدرك ما تتوقع البلاد من الشرور، إذا هي ظلت مسترسلة في الخمور، فقال في تقريره: إن الحكومة وجهت التفاتًا خاصَّا إلى مسألة المسكرات؛ لأنها من المسائل المهمة، وإنها رفضت عام ٩٠٥م ٣٧٠ عريضة طلب أربابها رخصًا ببيع المسكرات، وأنها لم تُعط رخصة إلا بعد أن ظهر من البحث الدقيق أن معظم الأوروبيين المقيمين في جوار الحانة لا يستغنون عنها، وأنه نقص ٢٧٨ من الأماكن ذات الرخصة وغيرها منها ١٧٨ محلًّا ليست ذات رخصة.
قال: وقد تم الاتفاق مع سكة الحديد على إقفال الحوانيت التي تفتح تحت اسم «بوفيه» في جميع المحطات ما عدا الكبيرة، فكلما انتهت رخصة واحدة منها لا تجدد لها ما لم تكن المحطة مهمة، وإن القانون الحاضر لا يسري على بيع المسكر في زجاجات أو براميل؛ ولذلك لم تراقب دكاكين البقالين، وغيرهم من الذين يبيعون المسكرات.
قال: ويظهر أن العمال في الأرياف قلما يتعاطون المسكرات! وقل أن يرى ساكنو الأرياف رجلًا سكران! أما البنادر فالسكر فيها أكثر انتشارًا ولكنه ليس كثيرًا لحسن الحظ، وقال المستر متشل: من أعظم عيوب نظام الامتيازات الأجنبية أننا نسعى جهدنا في منع بيع المسكر بالمفرق ولا نستطيع منع عمله وبيعه براميل.
هذا كلام زعيم الاحتلال، وهو — كما تراه — لو أنصفت لا يخلو من جمجمة، فقد تلطف في قوله: إن أهل الأرياف قلما يرون ثملًا، وإن السكر شائع في البنادر، وإن الحكومة لا تعطي رخصًا ببيع المسكرات إلا في المحال التي لا يستغني عنها الغربيون النازلون في جوارها.
كل من طاف الأرياف وخبر حال البنادر والدساكر يتضح له أن الحانات في القرى تزداد سنة عن سنة بل شهرًا عن شهر، فيجيء الرومي يفتح دكان «بقالة»، ويضع برميلًا من الكحول، فما هو إلا أن تمضي سنة حتى يقتل كثيرين بما يسقيهم من السم الزعاف ويروح بالمغانم، فيكون له الغنم وعلى غيره الغرم، وتستوي في ذلك القرى التي فيها أوروبيون لا يستغنون عن الحانات، فتُفتح من أجلهم والقرى التي لا يكثر في جوارها الغربيون.
كلما نادى المنادون في التماس تعديل الإدارة الحاضرة قالت لهم الحكومة: كنت أفعل لولا ما هناك من الامتيازات الأجنبية، فإنها تعوقني عن مباشرة أي عمل، وتغل مني اليد والساعد، ولكن حصون الامتيازات ليست بالذي يصد في الحقيقة من عمل ينتفع به الأجانب كما ينتفع به الوطنيون.
تسمح الحكومة لمأموري الإدارة في بعض المسائل كضبط الأشخاص المشتبه فيهم من الأجانب بدون أن يتداخل القناصل، فهلا سمحت بمثل ذلك لرجال الإدارة في المسكر، فتعهد إليهم أن يفتشوا المحال المشتبه في أنها تبيع المسكرات بلا رخصة أو تبيعها من الأجناس الرديئة، ولا يتوقف ذلك على أخذ الشراب المشتبه به وانتظار شهرين ريثما يحلل التحليل الكيماوي، فإن شوهد أنه رديء فيكون صاحبه قد صرف ما كان عنده منه، وإن ثبت أنه جيد يحق للبقال أو الخمار أن يرفع قضية على رجال الإدارة والصحة، وربما ربح القضية خصوصًا إذا كان من غير رعايا الحكومة المحلية.
نعم، كيف يسوغ لرجال النيابة أن يفتشوا أي مكان يرتابون أن فيه أمرًا محظورًا وعملًا يخل بالراحة، فإذا لم يجدوا فيه شيئًا يعفون من العقاب ولا تقام عليهم القضايا، وكيف تقام القضايا على رجال الإدارة إذا فتشوا محلًّا عموميًّا، ولم يجدوا فيه شيئًا من المسكرات وغيرها، فكما عُهد لمأموري الإدارة أن ينظروا في المسائل البسيطة مباشرة بدون توسط القضاة وحسنت نتيجة ذلك، فقد كان الأحرى أن يُعهد إليهم النظر في مسائل المسكرات لمطاردتها وتخفيف ويلاتها عن البلاد.
إذا أطلقت يد رجال الصحة والشرطة للبحث في الحانات، وعُين مثلًا يوم للكشف عن المشروبات، ورأى البوليس شبهة قوية في فساد الفاسد منها، وأساغت له الحكومة أن يحجزها كلها، حتى تتضح نتيجة التحليل الكيماوي، وجوزت الحكومة للبوليس إذا اشتبه في أي زجاجة كانت أن يفتحها في الحال، ويعمل بما يراه طبيب الصحة بدون تسويف ولا إمهال، إذا أساغت الحكومة ذلك فقل: إن هذه المسألة سارت الخطوة الأولى نحو الإصلاح.
كل هذه الملاحظات سهلة الإجراء، ولا يظن أن الامتيازات الأجنبية تحول دون تحقيقها، بل إن اللوائح والقوانين الموجودة لو جرى العمل بها، ولم تكن كعلم جابر — اقرأ تفرح جرب تحزن — توقف تيار المسكرات عن جريه بعض الشيء.
تقرأ في القانون المصري الجديد أنه يعاقب السكران ولو لم يعربد، وكان القانون القديم مثل القانون الفرنساوي لا يعاقبه إلا إذا عربد، فكم سكران يعربد كل يوم وليلة يا ترى، وكم سكران يُقبض عليه ليعاقَب فيكون عبرة لغيره؟
وكذلك ترى في لائحة المحال العمومية أنه لا يجوز فتحها قبل الساعة ٦ صباحًا من ١٥ أكتوبر إلى ١٤ أبريل، وقبل الساعة ٥ صباحًا من ١٥ أبريل إلى ١٤ أكتوبر، وأن ميعاد إقفال هذه المحال يكون في نصف الليل ابتداء من ١٥ أكتوبر إلى ١٤ أبريل، وفي الساعة الواحدة بعد نصف الليل من ١٥ أبريل إلى ١٤ أكتوبر، وفي المادة السابعة عشرة من هذه اللائحة لا يجوز لأصحاب المحال العمومية أو لمستخدميها أو للخدمة فيها قبول أشخاص في حالة السكر، أو بقاؤهم فيها، ولا صرف المشروبات لهم، ولكن متى نُفذت هذه اللائحة؟ وإذا لم تنفذها الحكومة حتى الآن فمتى يكون تنفيذها؟ أو أنها من جملة اللوائح التي هي حبر على ورق طول بلا طول ولا طائل.
ويا ليتنا نعرف على وجه الصحة كم يدخل المواني المصرية كل سنة من الخمور المغشوشة وغيرها، وكيف تكثر سنة عن سنة، ويا ليت الحكومة تضرب على واردات الخمر ضرائب فاحشة كالتي ضربتها حكومة السودان ليصعب تناولها على الفقير، ويوكل — كما قلنا — أمر المشروبات التي تصنع في القطر لرجال الإدارة والصحة ينظرون فيها، ويضيقون على شاربيها وبائعيها تضييقًا فعليًّا لا اسميًّا، فقد ثبت لأهل النظر أن الخمور المصنوعة في معامل الغرب الكبرى هي أجود ما يعمل من نوعها في المعامل الصغرى، وكذلك ما يصنع في هذه لا نسبة بينه وبين ما يصنع منه في القطر.
وليت شعري لِمَ لا تجري عليه حكومة مصر في مسألة المسكر على نحو ما تجري حكومة السودان، ولو فعلت ذلك لما أتى بضع سنين حتى يخف شاربوه، ويقل بائعوه بيننا، ولكن حكومة تلك الجهات تريد هناك رجالًا يعملون وهم صحاة لا سكارى، وفي مصر لا يهمها سَكَرَ القوم أم عربدوا، نعم، إن إنكلترا نفسها في بعض الأقاليم من أفريقيا منعت المسكرات بتاتًا، ولكن حكومتنا المباركة عندنا لم تتسامح بالكحول، بل أضافت إليه الحشيش، فتأمل حالة أمة ينخر سوس فساد هذه المواد القتالة عظمها، ويعبث في دمها ولحمها.
•••
ماذا عرفنا من مضار الخمور؟ عرفنا أنها تحدث نشوة في النفس، وطربًا في الفؤاد، ونفعًا في الصحة، ونشاطًا في الجسم، ونضرة في الوجه، وعرف الغرب منذ أوائل القرن التاسع عشر مضارها في إزهاق الأرواح، وتشويه الخلقة الطبيعية، وتأثيرها في النسل والعقل، وأنها يزيد بها عدد المعتوهين، بل كاد بعضهم لا يرى استعمالها حتى في الأدوية، يكثر السكر في الأصقاع الباردة مثل روسيا والسويد وشمالي فرنسا ونورمنديا وإنكلترا، ولكن يكثر مناهضوه وتفكر حكوماته في الخلاص منه، فأين هي مجتمعاتنا التي نخطب فيها بمضاره؟ وأين حكومتنا من مناهضته؟ بل إنك ترى زعيم الاحتلال في تقريره مغتبطًا بأن الخمور التي دخلت السودان في العام الماضي «كانت ولله الحمد» من النوع الجيد، أي الذي لا يضر بصحة المأمورين والموظفين من الإنكليز والوطنيين.
آه، متى يكون شأن الشرق في السعي وراء المنافع سعي الغرب فيها؟ الغرب لم يكتف بتأليف المجتمعات لمقاومة المسكرات، والنعي على شاربيها، والتنفير منها بالقدوة والتعليم والإرشاد، بل عمد إلى سن القوانين، فاستعان بها لإنقاذ أبناء الجيل الحاضر والجيل الآتي من مضار الألكحول، وكانت أبدًا قوانينه تابعة للزمن سائرة بحسب سُنة التكامل.
هذه بلاد السويد، وهي من البلاد التي يقرص فيها البرد إلى التي لا فوقها، ومع هذا نراها كما وصفها مكاتب الطان هذه الأيام بعد أن كان يصيب الفرد فيها سنة ١٨٣٠م ٤٠ ليترًا من المكسرات، أصبح لا يصيبه أكثر من ٦ ليترات سنة ١٨٩٥ بفضل ما قام به قادة الأفكار وتابعتهم عليه حكومتهم، أي إنه نزل معدل مقطوعية كل فرد في السنة من المسكر إلى سدس ما كان عليه قبل ٦٥ سنة.
بدأ الإفراط في تعاطي المسكرات ببلاد السويد منذ أواخر القرن الثامن عشر، لما احتكرت الحكومة الألكحول، فاسترسل أهل البلاد في تعاطيها حتى كاد سيلها يجرف كل ما وقف في سبيله، ولم يسكر إلا بسكر منيع أقامته فئة من أهل الخير، وفي مقدمتهم رجل اسمه بطرس ويزلكران عميد مدينة غوتمبورج، جاهد هذا الرجل ثلاثين سنة حتى وُفق عام ١٨٥٥ إلى وضع حد لهذا السم القتال، فبدأ دور الإصلاح، وكان ما عرضه من الأفكار أساسًا لوضع القوانين الحاضرة في هذا السبيل، وكلها ترمي إلى معاملة بائعي المسكرات وصانعيها بالقسوة الزائدة.
ضربت الحكومة السويدية على صانعي المسكرات ضرائب فاحشة، وأخذت تزيدها الحين بعد الآخر حتى بلغت سنة ١٨٨٨م ١٣٨ فرنكًا على كل هكتولتر، أي مائة لتر، فعجزت المعامل الصغيرة عن صنع المسكرات إذ قضي على كل معمل، إما أن يخرج أربعة هكتولترات في اليوم من الألكحول الخالصة أو يغلق أبوابه، ولم تسمح الحكومة بتنزيل هذا المعدل إلى هكتولترين ونصف إلا سنة ١٨٧١، وحظرت أيضًا صنع الألكحول إلا في شهرين من السنة فقط، ثم تسامحت ورخصت على توالي السنين بأن تصنع سبعة أشهر في السنة.
وكان من نتائج هذه الذرائع الشديدة أن قلَّ في البلاد عاصرو الخمر، فبعد أن كان سنة ١٨٢٩م ١٢٤ و١٧٢ معملًا في السويد نزل سنة ١٨٩٨ إلى ١٢٨ معملًا.
وجعلت تلك الحكومة بيع المسكرات حرًّا في الجملة، إلا أنها جعلت معدل ما يباع منه بالجملة ٢٥٠ لترًا، وألَّا يباع بالمفرق أقل من لتر واحد؛ ليأخذها المبتاع معه، ولا يشربها في المحل الذي يشتري منه، وعاملت الحانات بالشدة الزائدة، وكذلك محال بيع المسكرات، فأمرت أهلها أن يغلقوا محالهم الساعة الثامنة مساء في القرى والساعة العاشرة في المدن، ولم تسمح لبائع أن يتقاضى مالًا من رجل ثمن خمر باعه إياه بالنسيئة.
وجعلت السويد ٤٢ فرنكًا ضريبة على كل هكتولتر من الألكحول الصافي وهي ضريبة فاحشة، ومنعت كل مديرية من بيع الخمر في دائرة اختصاصها، فأدى ذلك إلى إلغاء معظم المحال التي تبيع بالمفرق، بحيث أصبحت لا ترى في قرى بلاد السويد — وسكانها نحو خمسة ملايين — سوى ١٢٣ محلًّا لبيع المسكرات، بل إنك تمر في أربع ولايات، ولا تجد محلًّا واحدًا لبيعها.
وابتدعت مدينة غوتمبرغ طريقة لفتت إليها الأنظار في جميع الأقطار ألا وهو أن تعهد بتجارة العرقى في كل مقاطعة إلى جمعية تضع منها رأس المال، ولكنها لا تأخذ من الأرباح إلا الفائدة المعتدلة المتعارفة، وتترك ما زاد عن ذلك يُصرف في أعمال نافعة؛ فنتج من ذلك أن كل جمعية من هذه الجمعيات لم تر من مصلحتها أن تطلب المزيد في توسيع أعمالها، وبلغت الحال بكثير من أمثال هذه الجمعيات أنها لم تعط جانبًا عظيمًا من الرخص التي يحق لها إعطاؤها، وإذا كانت كل حانة تقدم طعامًا أصبح صاحبها لا يربح من الشراب بقدر ما يربح من الطعام؛ ولذلك كان من مصلحته ألَّا يكثر من بيع الألكحول.
وأنشأت هذه الجمعية في مدينة غوتمبورغ مثلًا مطاعم حسنة لا تقدم فيها للمستطعمين غير نوع من المشروبات فقط، رأت أنه يعين على اشتهاء الطعام، وأنشأت في أنحاء كثيرة من المدينة غرفًا للمطالعة، يدخلها في السنة نحو ثلاثمائة ألف مطالع، وبهذه الطريقة نزل معدل تناول المسكرات في العشرين سنة الأخيرة إلى ٤٠ في المائة بمدينة أستوكهلم وإلى ٤٥ في مدينة غوتمبورغ، وسنت السويد عام ١٨٩٢ قانونًا إجباريًّا يقضى فيه على جميع المدارس أن تلقي دروسًا في طبيعة المشروبات الروحية وتأثيراتها المضرة.
هذا ما قامت به حكومة السويد، التي لا يحظر دينها تعاطي المشروبات، وهي البلاد المشهورة ببردها وزمهريرها، فما الذي قامت به الحكومة المصرية التي تحظر شريعتها كل مسكر وحرارة إقليمها لا تعذرها في الاستهتار والاسترسال في كرع كل ما يخترعه المخترعون من أنواعها، وما يصنعه الصانعون في أرضها ليبيعوا من فقيرها الكأس بمليم، فيورده موارد الهلاك في دار الجحيم، فليت أهل شمالي أفريقيا يعملون هم وحكومتهم ببعض ما عملت به حكومة السويد في شمالي أوروبا.
فإن قالوا في الإحصاء الأخير: إن في نيويورك وسكانها ثلاثة ملايين ونصف ١٠٨٢٠ محلًّا لبيع المسكرات بالمفرق، وفي باريز وسكانها مليونان ونصف ٣٠٠٠٠، وفي لندرة وسكانها أربعة ملايين ونصف ٥٨٦٠ محلًّا، فأنا أقول: إن في هذه العاصمة الأسيفة أكثر من هذا العدد، يبيع لأهلها الصبوح والغبوق من فاسد الألكحول، فيُفسد الأجسام والعقول.