حفريات الصورة الإشهارية بالمغرب

إذا كان الإشهار قد حظي بالدرس والتحليل والتأويل، وكُرِّست له بعض الأبحاث الجامعية ببلادنا، فإن ذلك يعود إلى الاهتمام البحثي المطرد، لا بالصورة أصلًا وإنما بالسيميائيات عمومًا وبسيميائيات الصورة حصرًا، وحين يتعدَّى الأمر ذلك فلدراسة علاقة الإشهار بالتسويق والماركيتنغ واستراتيجيات العرض والطلب. وهو ما يعني من منظورنا أن الإشهار، إن كان يتطلَّب ذلك، فهو يستوجب أيضًا، علاوةً عليه، منظورين متكاملين يمكِّنان من توسيع النظر للإشهار، ونعني بذلك دراسته أيضًا في سياق علاقة الصورة بالمجتمع وتاريخهما، ومن ناحية أخرى دراسته من منظور وسائطي لا يُلغي علائقه المتعددة بالإنتاج والاستهلاك وترويج تصوُّر خطابي بصري لهما معًا.١

من ثم، تأتي هذه الحفريات الأولية في سياق اهتمامنا بتاريخ التصوير بالمغرب، من جهة، وبإنتاج الصورة وتبلور الحداثة البصرية بالمغرب. وهو ما يجعلنا نُوازي بين التحليل الثقافي العام والتأويل الملموس للمعطى الإشهاري، مُوازنين بين المقصديات الثقافية والمقصديات الخصوصية ﻟ «النص الإشهاري». ومن ثم، فإن دراستنا لا تنضوي تحت لواء السيميائيات بقدر ما تنزع إلى التأريخ والتحليل انطلاقًا من وسائطيات الصورة وما تفترضه من معارف.

•••

ظل المغرب يعيش في إنكاره للتصوير iconoclasme لقرون عديدة، بالرغم من أن التصوير لم ينتفِ إطلاقًا من الممارسات الثقافية، بل ظل مرتبطًا إما بالممارسات السحرية أو بالانفتاح الجمالي الذي عاشته بعض الأسر المالكة، أو بالتصوير الشعبي الذي مارسته بعض القبائل من ضمن طقوسها التعبيرية أو بالتمثيل illustration التعليمي والعلمي وخاصةً في الكتب الطبية.٢ ولعل الانكماش الذي عاشته البلاد بانفلاتها من الهيمنة العثمانية، كان مساعِدًا على تكريس هذه الطهرانية التصويرية وتعميقها، بحيث نجد لها صدًى كبيرًا لدى الفقهاء المغاربة في بدايات القرن مع تفشي التصوير وارتباطه بالممارسات البصرية والملبسية والتقنية التي جاءت مع التوغل الكولونيالي آنذاك.٣

الصورة والواقعة الكولونيالية

إلى أي حدٍّ تُشكِّل الصورة والتقنية والحداثة جزءًا لا يتجزأ من الفعل الكولونيالي؟ في المغرب على الأقل، حيث اتخذ الوجود الغربي الحديث أشكالًا متعدِّدة منذ العلاقات السفارية بين السلطان مولاي الحسن والبعثات الطلابية والعسكرية، يمكن القول بأن العلاقة بالآخر ظلَّت تتحكم فيها ثنائية الحذر والحيطة، من جهة، والافتتان والانبهار من جهة ثانية. ولا شك أن قراءة، ولو سريعة، للرحلات السفارية التي قام بها المغاربة منذ أواسط القرن التاسع عشر (رحلة الصفَّار، ١٨٤٥-١٨٤٦م ورحلة محمد بن إدريس العمراوي، ١٨٦٠م، ورحلة الكردودي سنة ١٨٨٥م، وحتى رحلة الحجوي سنة ١٩١٩م ورحلة محمد بن عبد السلام السايح سنة ١٩٢٢م) تُفصح عن ذلك المزيج من الافتتان بالتقدم الاقتصادي والفِلاحي والصناعي والعلمي والقانوني والسياسي للأوروبيين، مقابل التحذير من مغبة تقليدهم في الأمور الاجتماعية والدينية والثقافية. وليس من شك في أن هذه الازدواجية نابعة أساسًا من كون القرن التاسع عشر كان مجالًا للاحتكاك المطرد بالأقوام الغربية من فرنسيين وإيطاليين وألمانٍ وبريطانيين وإسبانٍ من خلال العلاقات التجارية، باعتبار أن أغلب هذه البلدان كانت لها تمثيليات بمدينة طنجة، وباعتبار أن العديد من المغاربة آنذاك كانوا يمارسون التجارة معها. بل إن بعضهم، كما جاء في الرحلات السابقة، كان مستقرًّا بفرنسا أو إنجلترا لممارسة تجارته.

من ناحية أخرى، شكَّلت الرحلات التي قام بها المستكشفون الأوروبيون إلى المغرب، منذ نهاية القرن التاسع عشر سبيلًا للإطلال التعرفي على هذه البلاد التي كانت تُعتبر منغلقةً على نفسها. فاضطُر بعضهم إلى التنكر (الأب دوفوكو) وآخرون إلى الاعتماد على المخبرين (مولييراس)، فيما كانت رحلات البعض الآخر سفاريةً (دو ميسيس الإيطالي ١٨٧٥م) أو رسميةً (أوجين أوبان ١٩٠٠م) أو عبارةً عن بعثة علمية (إدمون دوطي ١٩٠٤م و١٩١٣م) … أسفرت عن مصنفات كان الهدف من ورائها وصف هذا البلد ونظم الحياة فيه وعوائده.

بيد أن المغرب، الذي ظل لقرون طويلة منزَّهًا عن التصوير، لم يلبث أن اجتذب إليه أنظارَ الفنانين التشكيليين والمصورين السينمائيين والفنانين الفوتوغرافيين الذين اتخذوا منه موضوعًا لأعمالهم المتسمة إلى هذا الحد أو ذاك بالغرابية أو بالواقعية. وهكذا فإن أول حدث حاسم في هذا المضمار يتمثل في حلول الفنان أوجين دولاكروا إلى المغرب مصاحبًا لبعثة ملك فرنسا لويس فيليب بقيادة الكونت دو مورني، الذي ترك لنا دفاتر عن الحياة المغربية وأحوالها مما أبصرته عين الفنان.٤ ثم إن الرسام المصاحب للسفارة الإيطالية قد وصف أيضًا، بهذا القدر أو ذاك من الدقة، الحياة بمدينة فاس بالأخص.٥ وسوف يجد الفنان الحديث ماتيس في طنجة مرتعًا لتحولاته الفنية بحيث كان لقاؤه بالمغرب علامةً بارزة في تغيُّر منظوره التشكيلي متأثرًا بالنور والعلامات المغربية.٦ كما أن غابرييل فيير، مهندس السلطان مولاي عبد العزيز، والطبيب المصوِّر غايتان غاتيان دو كليرامبو سوف يتركان لنا، من خلال إقامتهما بالمغرب في العَقدين الأول والثاني من القرن العشرين، مجموعةً هامة من الصور الفوتوغرافية؛ الأول عن الطبيعة والحياة الاجتماعية والسياسية، والثاني عن اللباس وأنماطه لدى المغاربة.

إرهاصات الإشهار بالمغرب

قد يندهش المرء، إن هو علم أن الإشهار بالمغرب ليس وليدًا مباشرًا لفترة الحماية وإن كان تطوره مدينًا لها، وإنما هو مُحَصِّلة عامَّة للتواصل بين المغاربة والغرب. ويعود ظهوره في صورته الشائعة الحديثة إلى ظهور وتطور الصحافة بالمغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي. ومن غير أن نخوض هنا في التفاصيل التي تهم هذا الجانب، يمكننا المجازفة بالقول بأن الانتقال من الصيغة الشفهية للإشهار، المتمثلة في «البرَّاح»، إلى الصيغة المكتوبة والمصوَّرة، يُعتبر بشكل ما أحد المؤشرات الكبرى للحداثة التي بدأت رياحها تهب على المغرب من جميع الجهات والجوانب. إنها حداثة اضطرارية تمَّت من خلال الانتقال من الشفهي إلى الكتابة، من جهة، ومن الكتابة ذات الأسندة التقليدية (النسخ والوراقة، الطباعة الحجرية المحدودة النسخ) إلى أسندة وحوامل جديدة تعتمد على الطباعة العصرية ونسخ الصور.٧
لقد كان التصوير المرسوم منه والضوئي قد بدأ يأخذ مكانه في التأريخ للبعثات المغربية إلى بلدان أوروبا، وصارت الصور الشخصية للسلاطين والوزراء متداوَلة، وأصبحت المُعامَلات التجارية مع الغرب تدفع بالكثيرين إلى اقتناء الأثاث الأوروبي والتهافت على مظاهر الحضارة الغربية. وبلغ هذا الافتتانُ أوْجَه في تجرِبة فريدة عرفها المغرب مع المولى عبد العزيز الذي كان مولَعًا بركوب الدراجة الهوائية والبخارية والعربة البخارية وكذا بالتصوير الفوتوغرافي والسينمائي، إلى الحد الذي اقتنى فيه هذه التقنيات الجديدة بكاملها وصار يتعلم الرسم التشكيلي والتقاط الصور وإخراجها والتصوير بالسينيماتوغراف، وهو الأمر الذي جلب عليه غضب العلماء والفقهاء وعجَّل بتنحيته من العرش على يد المولى عبد الحفيظ سنة ١٩٠٨م.٨

لم يعرف المغرب الإشهار بمفهومه الحديث إلا في مطلع القرن العشرين، وإن كان قد ظل موضوعًا للإشهار منذ توطُّن السفارات الغربية في مدينة طنجة في أواخر القرن التاسع عشر. وهو إشهار ظل يبين عن الطابع الإكزوتيكي (الغرابي) والاستشراقي الذي عمَّم في الغرب منظورًا معينًا عن الشرق، تم الانتقال به من مجال التصوير إلى النمذجة البلاغية الإشهارية. كما ظل يهم أيضًا، في مرحلة لاحقة، التعريف بالمغرب وإمكانية الاستثمار فيه والسعي إلى نزع الطابع المُلغِز عنه، عِلمًا أن العديد من الاتفاقيات التجارية قد تمت بين الإدارة المغربية (المخزن) والدول الإمبريالية آنذاك سواء منها فرنسا أو بريطانيا العظمى أو ألمانيا أو إسبانيا.

وإليكم نماذج من هذه اللوحات الإشهارية:

وبالرغم من أن أول جريدة ناطقة باللغة العربية قد ظهرت سنة ١٨٨٩م بعنوان «المغرب»، في مدينة طنجة، فقد كان من اللازم انتظار سنة ١٩٠٤م كي تبرز للوجود جريدة «السعادة»، التي كان يديرها صحافي لبناني هو وديع كرم، وتظل من تلك اللحظة إلى الخمسينيات الجريدة العربية الموالية للمصالح الفرنسية. وليس أبدًا من غريب الصدف أن تبدأ هذه الجريدة في أواخر السنة الأولى من وجودها في التعامل مع الإعلانات المكتوبة منها والمصورة.٩ وقد كانت الإعلانات الأولى للجريدة تتعلَّق بإعلان السلع؛ أي بتشجيع الترويج التجاري للتجار الفرنسيين واليهود المستقرين بطنجة، وبإشهار الشركات الملاحية المتخصصة في نقل السلع، وتجار الخشب المغاربة وبعض الشركات الجزائرية التي كانت تُقيم علاقات تجاريةً مع المغاربة والأجانب المقيمين بطنجة، وكذا المطابع الفرنسية التي كان بعضها يُطبَع باللغتين العربية والفرنسية. ومن الطريف في الأمر أن بعض الصور كانت عبارةً عن رسوم توضيحية تُرافق بعض هذه الإشهارات كرسم السفينة للشركات الملاحية.١٠ ومن ثم يمكن القول، عدا الإعلانات التي كانت توضع على المحلات التجارية في تلك المرحلة بطنجة، والتي لا نملك عنها ما يفيد باستعمال الصور، إن الإعلانات التي جاءت بها جريدة السعادة قد شكَّلت الإرهاصات الأولى للإشهار المصور بالمغرب وباللغة العربية طبعًا؛ فالمعروف أن الإعلانات التي التقطتها بعض الصور في الدار البيضاء قبل الحماية تُبيِّن عدم استعمال الصور كما تُوضِّح ذلك الصورتان التاليتان:

وتظهر في الصورة الثانية مُلصقات إشهارية تحمل شخوصًا إنسانية في وضعيات معينة، لم نستطع تبيُّن طبيعتها؛ وهو الأمر الذي يدل على أن الجالية الفرنسية التي أقامت مبكرًا في طنجة والدار البيضاء والرباط وفاس قد حملت معها ولعها بالصورة، واهتماماتها اليومية التي تعتمد في جانب منها على التصوير، كالإعلان عن الحفلات الراقصة أو المواد الاستهلاكية وغيرها. أما في الصورة الأولى فيظهر الإعلان عن البنك المخزني للمغرب باللغة الفرنسية بحرف كبير جدًّا وغليظ وتحته بالخط المغربي، وهو بنك حظي منذ السنوات الأولى لظهور جريدة السعادة بالإعلان المستمر باللغة العربية ثم بالعربية والفرنسية.

بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بمقاصد الإشهار باللغة العربية والأهداف المتوخاة منه، علمًا أن جريدة السعادة آنذاك لم تكن توزَّع بشكل رسمي إلا بطنجة، وأن الأعداد القليلة التي كانت تصل المخزن والإدارة المغربية عمومًا، كانت تتم من خلال البريد المخزني التقليدي (الرَّقاص).

إن ولادة الإشهار الحديث بالمغرب، وباللغة العربية التي تُهمنا هنا، تعود من ثم بالأساس إلى طبيعة هذه الجريدة التي تتحلَّى بتجربة مشرقية في هذا المضمار، من جهة، وتخضع للمصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية، من جهة ثانية، وتتزامن مع تنامي العلاقات التجارية بين الأجانب والمغاربة يهودًا منهم ومسلمين في تلك الفترة، من جهة ثالثة. ولهذا الغرض، فجريدة السعادة تقدِّم نفسها باعتبارها جريدةً إخبارية سياسية وثقافية واقتصادية. وما إن استتبَّ الاستعمار الفرنسي بالمغرب، حتى أصبحت جريدةً فِلاحية آنذاك؛ إذ لم يكن من الممكن أن تصبح فِلاحيةً من غير أن يكون الفرنسيون قد استوطنوا الأراضي المغربية. واستعمال اللغة العربية في الإعلان والإعلام، كما كان يسمَّى الأمر آنذاك، يتصل جوهريًّا بكون هذه الجريدة تقدِّم نفسها باعتبارها جريدةً حديثة منفتحة على مجمل التطورات التقنية؛ فهي لذلك لم تتورَّع عن التطور والتحسن شكلًا ومضمونًا، ولم تحرم نفسها من الاستعمال المبكِّر لتقنيات الطباعة الحديثة، وطبع الصور وتحيين الخطوط، وتطوير التبويب منذ ظهورها، مما جعلها الجريدة الثانية التي عمَّرت أكثر بالمغرب لحد اليوم بعد جريدة «العلم» طبعًا.

من اللغة إلى الصورة

انتبه الرحالة الغربيون مُبكِّرًا إلى أهمية اللغة في استكشاف بلدان المغرب العربي وخاصةً منها المغرب الأقصى الذي ظل يبدو، لأكثر من ثمانية عقود من الزمن، بلدًا غريبا منغلقًا على نفسه ومتشبثًا بشراسته تجاه الأجنبي. وليس من قبيل الصدفة أن يصرِّح أوغست مولييراس، صاحب «المغرب المجهول» و«زكارة قبيلة معادية للإسلام بالمغرب» في مقدمة كتابه الأول، الذي كتبه من غير أن يزور المغرب، بِناءً على استنطاق المُخبِرين والرسل، بما يلي: «للولوج إلى المغرب واستكشافه حتى أقصى أقاصيه، ثمة عِلْمان ضروريان لكل رحالة أوروبي يرغب في المغامرة في هذا البلد. عليه أن يكون عالمًا باللغة العربية الفصحى إلى حد ما، وعليه أن يكون متكلمًا جيدًا بالعربية الدارجة … أيها الفرنسيون الشباب الراغبون في ممارسة الأسفار، لا تغب عن بالكم هذه الحقيقة التي طالما تُجوهلت: لقد فشل كل المستكشفين الأوروبيين، أو إنهم سوف يفشلون نظرًا لجهلهم باللغة العربية. إن الترحال في بلد لا نعرف لسانه يعني السفر فيه كالمصاب بالصمم والبكم … والمغرب قد انفلت لحد الآن من نظرة الغرب الفاحصة، وهو أمر بديهي …»١١ إن كلامًا من قبيل هذا هو الذي جعل المؤلفات الإثنوغرافية عن المغرب التي كان أصحابها عارفين باللغة العربية لا تزال تمتلك قيمةً علمية ومعرفية لم تؤثر عليها تقلُّبات الزمن، كمؤلفات مولييراس وإدمون دوطي، وميشو بلير، ولوطورنو، وماسينيون وغيرهم.

ونحن نسوق هذا، نرغب فقط في التوكيد على أن المطامع الكولونيالية بالمغرب، على الأقل قبل الحماية وفي مرحلتها الأولى، كانت على وعي كامل بهذه «الحقيقة»، الأمر الذي جعل الفرنسيين يسعَون إلى إنشاء جريدة باللغة العربية قبل الحماية بسنوات، سوف تساير مسيرهم الاستيطاني ولن تتوقف إلا بجلائهم عن البلاد سنة ١٩٥٦م. من ثمَّ، لا يمكن اعتبار السياسة الإسلامية للمقيم العام لحماية الفرنسية بالمغرب الجنرال ليوطي بدعةً شخصية، بقدر ما يلزم النظر إليها في هذا السياق، باعتبارها سياسةً خصوصية أخذت بعين الاعتبار التخصيص الذي منحه المستكشفون الأوائل للمغرب ومن ضمنهم مولييراس أستاذ إدمون دوطي وهذا الأخير بنفسه.

لذا، فإن الاستراتيجية التواصلية التي نهجتها جريدة السعادة، منذ أعدادها الأولى، كانت تتمثَّل في كونها جريدةً تبتغي تشجيع التواصل التجاري بين المغاربة والأجانب. ويجد القارئ، منذ الأعداد الأولى، وفي الصفحات الأولى في الأعلى على اليسار، جدولًا متعلِّقًا بأثمان الإعلانات وحسب الصفحات. وهو ما يجعلنا نُقرُّ، منذ البداية، بالطابع الاحترافي للجريدة، التي دأبت منذ أعدادها الأولى أيضًا، وفي حلقات متسلسلة، على الحديث عن علاقة النقد المغربي بالنقود الأوروبية، ثم في ما بعد، في الصفحة الأخيرة، بتخصيص حيز لمبادلة العملات. إن هذه الاستراتيجية ذات الطابع التجاري الواضح لا يمكن إلا أن تتماشى مع إشهار السلع الأوروبية والإعلان عنها بشكل واضح ومبسَّط؛ لأن الأمر يتعلق بجريدة باللغة العربية موجَّهة لقُراء مغاربة وعرب بالأساس. وكما أن الإشهار ممارسة للوساطة النشيطة بين المنتج والمستهلك، فإن الدور الذي لعبته جريدة السعادة هو الوساطة بين الأجانب والعرب من خلال استعمال اللغة العربية، والوساطة بين التجار الأجانب والتجار المغاربة (مسلمين ويهودًا) ومعهم عموم المستهلكين. بيد أن هذه الواجهة التجارية كانت تخضع لاستراتيجية سياسية أدركها الإسبان في مساعيهم للحيازة على موطئ قدم بالمغرب، فسارعوا سنوات قليلةً بعد صدور جريدة السعادة إلى إطلاق جريدة «الحق» لخدمة مراميهم وأهدافهم.

إن المُتابع للإعلانات التي جاءت في الجريدة سيُدرك تطور «الاستراتيجية» الإشهارية، والانتقال السريع من الشركات والبنوك تدريجيًّا إلى المواد الاستهلاكية اليومية كالصابون (أول مرة سنة ١٩٠٦م)، وخدمات الترجمة (أول مرة سنة ١٩٠٧م)، وتطبيب العيون مجانًا والأدوية وعيادات الأطباء الأجانب (أول مرة سنة ١٩١٠م)، والشمع والعطر والماء المعدني إيفيان والأدوية والزيوت من السنة نفسها. ثم بدأ الإشهار ينحو المنحى الذي نعرفه حاليًّا ليشمل السيارات والآليات المنزلية والمشروبات الغازية …

من الطريف بمكان أن يطَّلع المرء على الإعلانات الإشهارية الأولى ليرى إلى أي حد يكون غياب الصورة البصرية حافزًا للغة على الوصف والتصوير، خاصةً وأن القارئ المغربي لم يكن متعودًا في بدايات هذا القرن على التمثيل البصري، مقدار تعوده على التمثيل الوصفي والبلاغي. من ثمَّ، فإن العديد من الإشهارات الأولى كانت عبارةً عن وصف دقيق للمادة ومديح خطابي لمزاياها وتوضيح لكل ما يتعلق بها:

تشتغل اللغة هنا باعتبارها السند الوحيد للإشهار، بحيث تغدو المقصدية التبليغية هي المهيمنة؛ فالمرمى ليس فقط هو استهواء القارئ، بقدر ما هو إقناعه بكون المعلَن عنه مستعدًّا لخدمته. ويبدو أن الوسائل البسيطة التي كانت تتوفر عليها الجريدة تقنيًّا، لم تمكِّنها منذ البداية من تطوير العناصر البصرية، فاكتفت بالرسوم التوضيحية المساعِدة ذات الطابع الرمزي، كالسفينة الشراعية المؤسلبة، تعبيرًا عن الإشهار للشركات الملاحية والنقل البحري. بيد أن ذلك لم يمنع الجريدة، التي التزمت لسنة كاملة بالتعبير الإشهاري العربي، ولم تضمن إشهاراتها اللغة الفرنسية إلا عندما تعلَّق الأمر بالعناوين في الديار الفرنسية، من أن تخطو خطوةً جريئة لتنشر أول إشهار حديث متكامل لكن هذه المرة باللغة الفرنسية كلية. وإليكم الإشهار:

ومن الطابع المتقن لغةً وتعبيرًا بصريًّا للإشهار، ومن لغته الفرنسية حصرًا، يتبدى واضحًا أنه قد صُنع في البلاد الفرنسية، وأن الجريدة تلقَّته أو نقلته على صورته الأصل من غير أي تدخُّل من جانبها. بيد أن الأمر سوف يتغيَّر، وكأن أصحاب الجريدة أحسوا بالمفارقة الكائنة بين انتهاجهم لغة الضاد وبين اختيارهم القسري للغة الفرنسية، في وقت تزامن مع معاهدة الجزيرة الخضراء سنة ١٩٠٦م وما حقَّقته فيه فرنسا من استفراد مالي واقتصادي بالمغرب على حساب القوى الاستعمارية الأخرى، فسارعوا تدريجيًّا إلى المزاوجة في الإشهارات، التي تتطلَّب ذلك، بين اللغتين العربية والفرنسية، سامحين لأنفسهم بالتدخل في النص أو تعريبه جملةً كما هو الحال في هذين الإعلانين.

ونحن نلاحظ في الأول المحافظة على الصورة اللاتينية لاسم الماركة، كما هي في المنتج بحيث، يمكن التعرف عليه من دون تعريب. أما المنتج الثاني فإن التوازي يتم بصدده، من دون حرج، بين تقديم صورة رسمية له، وبين النص العربي الموضِّح للمنتج والمترجِم لطبيعته وخواصه. بل إن النص لا يتورَّع عن كتابة عنوان باريس باللغة العربية، الأمر الذي لم يكن مستعمَلًا من قبل، مما يدل على شيوع الكُتاب العموميين والمترجمين إلى اللغة الفرنسية، كما أشهرتهم الجريدة نفسها سنوات عدةً من قبل.

هكذا يغدو الازدواج اللغوي في «النص الإشهاري» ازدواجًا بيِّنًا واضطراريًّا، وهو يغدو اضطراريًّا أكثر حين يتعلق الأمر بالمزاوجة بين الصورة والخطاب؛ فالخطاب للتوضيح والصورة للتعيين، بحيث يمكننا القول بأن هذه التجربة الهامشية تُعتبر إحدى مظاهر ولادة الازدواج اللغوي بالمغرب، إلى جانب الممارسة الترجمية التي كانت معروفةً وكان أحد رُوادها المترجم الشهير للسلاطين المغاربة منذ المولى عبد العزيز محمد بن غبريط الجزائري الأصل. من ناحية أخرى، إذا كان الإشهار السابق لمعمل السكر بمرسيليا أول إشهار مكتمل الاستراتيجية بصريًّا، فإن هذا الإشهار لدواء «أغراز» أولُها اكتمالًا بالعلاقة مع لغة الجريدة، وأكثر جماليةً من الناحية البصرية أيضًا.

الإشهار الاستعمالي وابتكار الجسد

يمرِّر الإشهار مجموعةً من القيم المتصلة لا بطبيعة المنتج المعلَن عنه فحسب، ولكن أيضًا بطريقة تقديمه. لكن الإشهار في هذه المرحلة كان يرتبط بقيم إضافية تتصل أساسًا بالدخول العنيف للحداثة إلى المغرب، من خلال ولادة التواصل الجماهيري عبر الجرائد والملصقات الإشهارية ثم السينما، وتسارع التواصل بين البلدان (الملاحة البحرية)، ودخول الصورة اليدوية والتقنية للمغرب، خاصةً منها السينما والصورة الفوتوغرافية؛ لذلك، ليس من الغريب أن يكون المدخل الأكيد لهذه العناصر قناتين: الفعل البصري المتصل بالوجود الأجنبي بالمغرب، ثم المغاربة الذين تبنَّوا هذه الأنماط التواصلية الجديدة المدهشة، وأشهرهم المولى عبد العزيز سلطان البلاد نفسه. كما تتصل تلك القيم بإدخال نماذج اجتماعية جديدة كالعطور الحديثة والصابون الجديد، والأحذية العصرية، وأدوات المطبخ والإنارة الحديثة، والسيارات، والهاتف، والعوائد الطبية الجديدة، والمشروبات الصناعية غير المعروفة.

وإذا كان شيوع تداول الصورة الفوتوغرافية لدى المغاربة ثم التشكيل المسندي (كما بينَّا ذلك سابقًا)١٢ قد ساهم بشكل واضح، لدى الفئات المثقفة من المجتمع، في ولادة الذات الحديثة sujet، ومن بداية تجذُّر الحداثة بمفهومها الاجتماعي والفلسفي، فإن إشهارات من قبيل هذه كانت تروم، بشكل مقصود أو غير مقصود، إلى ولادة الفرد المهتم بزينته ونظافته وشبابه وبمظهره، على الطريقة الغربية، بما أن العديد من الإشهارات كانت مصحوبةً برسوم لأشخاص بزي غربي، ثم في ما بعدُ بنماذج للعائلة الغربية. بل إن ثمة إشهارات تدعوه للتخلي عن ماء العين والبئر لتناول ماء إيفيان مع الطعام، وأخرى سارت أبعد من ذلك ودعته لتناول أقراص فالدا ضد الزكام!
figure
figure

وبمتابعتنا للإشهارات التي نشرتها الجريدة حتى الثلاثينيات، سوف نقف على كون التغلغل الاستعماري لفرنسا بالمغرب، وتكريس نفوذها عليه، قد جلب معه اهتمامًا خاصًّا بمكونات الحداثة واهتمامًا خصوصيًّا بالمواد التي تدخل فيما يمكن اعتباره اهتمامًا بالذات (مشيل فوكو). وهكذا انصب الاهتمام على مجموعة من المواد ستبدأ بالصابون لتمر بأدوات الإنارة والطهي والسيارات وصولًا إلى المشروبات الغازية.

figure
ولقد كان أول إشهار للصابون عبارةً عن إعلان صغير غير مصاحَب بالصورة، ثم صار مع الوقت إشهارًا له طقوسه البصرية. بل يمكننا القول إن الاهتمام بالصياغة الخطابية للإشهار وتحويله إلى محفِّز للاستهلاك وللمتعة النصية في الآن نفسه قد تمَّت ملاحظته في الإشهارات التي همَّت بالأساس الموادَّ الخاصة بالزينة الجسدية، من عطور وصوابين وغيرها. وفي هذا السياق، صار النص الإشهاري يزاوِج بين الغواية المبنية على مبدأ الرغبة وبين الجاذبية القائمة على مبدأ الإبلاغ؛ ففي الإعلان الأول تحته يغيب النص تمامًا ليتم الاكتفاء بوجه بشوش لصبي ذي ملامح غربية، وتتم المزاوجة بين اللغتين في التواصل؛ وكأن هذه العافية البالغة التي يتمتع بها وجه وجسم الصبي كافية لتبين عن فعالية المنتج. أما في الإعلانين الثاني والثالث، فإن الأمر يتعدى ذلك لبناء مفهوم جديد للكائن من خلال تحويل الإشهار إلى حكاية بصرية مشفوعة بعلاقة مبنية على المحافظة على الحُسن والنضارة. يقول الرجل للمرأة بعد عودته من السفر: «ما زال لونك مثل لون صبية.» بهذا الشكل تنبني العلاقة بين الجنسين في التصور القيمي للإشهار على مفهوم الشباب الدائم والجمال الخالد la jouvence؛ أي على بناء أساطيرية جديدة تجعل من الصابون ذا مفعول سحري. الأمر نفسه يؤكِّده الإشهار التالي الذي يجعل المرأة بمحافظتها على جمال «الصبايا»، تحظى وهي تعزف على البيانو بهوى العين وهوى الأذن كما يقول ابن عربي. إن النص هنا يُبَنْيِن هيكل المعنى الإشهاري؛ فالصورة غير دالة بذاتها إلا في علاقة باسم المنتج، وكأن هذا الأخير أصل للصورة والحكاية المتضمنة فيها. من ثم فإن النص، كما يقول رولان بارت «يقود القارئ بين مدلولات الصورة؛ فهو يجعله يتجنَّب بعضها ويتلقَّى البعض الآخر. إنه يتحكم في إرشاده نحو معنًى منتقًى سلفًا.»١٣ وهذا المعنى يخلق أسطورة المفعول العميق الذي يدعو له «إشهار العمق».١٤

الإشهار والغرابة

قبل الخوض في مضمار الأمور الغريبة التي عثرنا عليها في الإشهارات التي نُشرت بالجريدة المذكورة، لنُشِرْ بدءًا إلى أن مطلع الغرابة يتجلى في عنوان الجريدة نفسها؛ فالسعادة مفردة أخلاقية ووضعية نفسية لا يصلها المرء إلا إذا وازن بين معتقده وحياته، وبين دينه ودنياه، ونفسه وبدنه، وإلا فإن عليه أن ينتظر دار البقاء لينعم ببعض نفحاتها. ليس من المدهش إذن أن يتم اختيار هذه اللفظة الأخلاقية الفضفاضة المحايدة في الظاهر (والحرية بلعبة اللوطو أو اليانصيب) للتعبير عن النشوة الاستيهامية التي قد يُحسها القارئ وهو يطالع أعمدة هذه الجريدة، التي ظلت مليئةً في بداياتها بأخبار العلاقات الفرنسية المغربية، ثم بعد استتباب الشأن الفرنسي بالمغرب، بأخبار المقيم العام والحماية عمومًا.

ولقد عثرنا على العديد من الإشهارات الغريبة، ولعل أغربها هنا هي هاته التي سوف نقدمها ونقوم بتحليلها.

الإشهار الأول

وهو من ضمن الإشهارات الأولى التي استُعملت فيها الصورة، بل إنه أول إشهار استُعمل فيه الكاريكاتور واللغة العربية والفرنسية كما نلاحظ.

متن الإشهار

«إعلان عجيب واختراع غريب
غبرة كرزا

تشفي من الأمراض المتسبَّبة من شرب الخمر والكحول وتصحي من السكر. وترسَل عينةٌ خصوصية منها مجانًا بلا ثمن لمن يطلبها … إن هذا الدواء قد صالح عائلات كثيرة … وولَّد في الوطنية مواطنين يعتمد عليهم الوطن … وقاد كثيرًا من الشباب إلى جادة الصواب …» (انظر صورة الإشهار).

يقدم الإعلان الدواء باعتباره، منذ العنوان، ذا طابع سحري. ومعروف أن التطبيب والسحر بالمغرب كانا يمارَسان معًا ولا فارق فيهما بين الحكيم والساحر. ولا أدل على ذلك أكثر من كتاب السيوطي «الرحمة في الطب والحكمة»،١٥ الذي كان متداولًا بالمغرب، والذي تُزاوِج فصوله بين الوصفات الطبية الخالصة والوصفات السحرية. وبالرغم من أن اسم السحر غير وارد إطلاقًا هنا، فإن الإحالة الضمنية إليه موحًى بها في عنوان الإشهار. ويؤكِّد الرسم الكاريكاتوري ذلك لأنه مثبت قبالة العنوان، وهو عبارة عن يد تخنق أنفاس زجاجة نفهم أنها زجاجة نبيذ أو كحول.١٦ والإعلان في استعماله للغة العربية، لا يكتفي فقط بإشهار الدواء العجيب وإنما يستفيض في تبيان فضائله ومحاسنه وطرائق استعماله وكل ما يتعلق به، من محل طلبه وتجريبه، ومحل شرائه بالجملة أو التقسيط، ومصدره (إنجلترا، لندن). وهو بذلك يستعمل الإعلان في طابعه السحري ليُفضي بالقارئ المشاهد إلى المصدر الطبي. والأمر يتعلَّق لا بحانوت عشاب وإنما ببوتيكة؛ أي بمحل عصري يسمَّى صيدلية. والطابع الطبي هنا واضح وضوحًا جليًّا، بحيث يتم القطع في النهاية بطريقتين مع المدلول السحري المستشف منذ مطلع الإعلان:
  • إدخال القارئ في علاقة جديدة مع المنتج الطبي ذي الأثر العجيب؛ إذ يمكنه بالمراسلة أن يجرِّبه ويطلبه من مصدر موثوق له عنوانٌ وممثِّلٌ بمدينة طنجة.

  • إن مصدره ليس مصدرًا عربيًّا مما يُبعده عن مجال السحر، ويُدخله في مجال المنتجات الأكيدة الأثر التي تدخل في باب الاختراع، لا في باب التقليد المتوارث عن كتب الطب والحكمة والسحر. ولا أدل على ذلك من أن العنوان المثبت باللغة اللاتينية والمترجم للغة العربية، على سبيل التوضيح، يدل على أن المصدر الخارجي للدواء يرتبط بما أصبح متداوَلًا في بدايات القرن العشرين من كون الأجانب أطباء وحكماء يُداوون الأمراض بطرق جديدة؛ فالعلاقة بين الغريب والأجنبي والطبيب معروفة في شمال أفريقيا.١٧ فلقد كان التطبيب أحد الرهانات الهامة للحضور الأجنبي ولصورته، بحيث كان الرحالة الأجنبي يعتبر حكيمًا (طبيبًا) ويحمل معه دومًا ما أمكن من الأدوية والمراهم. بل إن إحدى أولى النساء المنتمية للهلال الأحمر قد استقرَّت بالجديدة في بدايات القرن الماضي وفتحت مستشفًى حديثًا لمداواة الأمراض الجلدية بالأخص.

وسوف تُركِّز العديد من الإعلانات التي سوف نُصادفها في جريدة السعادة على الجانب الاستشفائي من أمراض العيون وأمراض الجلد كما توضِّح ذلك الإشهارات التالية:

وبانتقالنا من الإشهار الأول إلى الثاني، نُلاحظ أن الطابع العجائبي قد تمَّ التقليل من حِدته، وأصبح الإشهار أقل توضيحًا (فالفارق خمس سنوات)، ولم يعد الأنموذج بريطانيًّا بل فرنسي؛ فنحن في ١٩١٢م وفرنسا قد بسطت يدها على المغرب وصارت المصدر الوحيد للمنتجات ومعها للحداثة الطبية أيضًا. كما أن الكاريكاتور، الذي يمكِّن من إذكاء الطابع المعجز للدواء والبرهنة المتخيَّلة عن مفعوله، قد عُوِّض بالرسم التوضيحي الإقناعي والحجاجي.

من ثم، إذا كانت الصورة الكاريكاتورية تُمكِّن من التوضيح المجازي لمفعول الدواء (عبر عملية القتل شنقًا لعنق الزجاجة، مع ما يحتويه هذا التركيب نفسه من مجاز سحري يتعلق بالخلاص)، فإننا هنا ننتقل من المجاز البصري إلى الدلالة الحرفية البصرية، ومن تقنية الإقناع الجاهز إلى الإقناع بالمقارنة العينية.١٨ بيد أننا سنلاحظ أن الرسوم التي اعتمدتها جريدة السعادة، سواء في هذه الفترة المتزامنة مع الحماية أو السابقة أو اللاحقة عليها، لن تأخذ سوى نماذج جسمانية ولباسية غربية، كما رأينا ذلك سابقًا مع الصابون، عكس الإشهارات الاستشراقية التي كانت تتخذ من الكائن الشرقي مجالًا للدعاية الإشهارية أو الريكلام؛ وكأننا بذلك أمام مقصدين للصورة: يتعلق الأول بفرض الأنموذج الجسماني الغربي المتمثل هنا في الجسد السافر، وفي قَصة الشعر، وشكل الشوارب، ثم في ما يبدو من البدلة الحديثة، ويتعلَّق الثاني بالمحاذير التي كانت تحوم حول التصوير وخاصةً تصوير المسلمين، وهو الأمر الذي لم تتورَّع الجرائد المصورة الفرنسية عن ممارسته بشكل واضح ودعائي منذ بدايات القرن. وبالرغم من أننا يمكننا أن نُدرك هذه الصور في طابعها التوضيحي فقط، فإن هذه الدلالة تظل مشتغلةً في الخلفية السياسية التي تتبناها الجريدة في ولائها السياسي لفرنسا، ومن ثمَّ يوضِّح ذلك ولاءها الكامل للأنموذج الغربي قلبًا وقالبًا.

الإشهار الثاني

ومتنه اللغوي هو: «إذا شئت اكتساب ثروة طائلة بطريقة سهلة قانونية شريفة، فليس عليك إلا أن ترسل اسمك وعنوانك إلى بنك الكريدي الفرنساوي في باريس، المؤسَّس منذ سنة ١٨٨٧م، ثم العنوان بالفرنسية، فيأتيك منه بجواب مجانًا، مشيرًا إلى أحسن طريقة بها يمكنك أن تصبح غنيًّا. وجرب تَرَ. المراسلات في اللغة العربية.»

كما يمكن أن يلاحظ القارئ ذلك، حُرِّر هذا الإعلان بالطريقة نفسها التي كانت تُحرَّر بها الوصفات السحرية، لكن المراسيم السحرية، المتمثِّلة في العديد من العمليات والأخلاط، تقابلها هنا المراسلة. ومقابل ما نجده في ختام الوصفات السحرية (مجرب) يتم تحفيز قارئ الإعلان بشكل مباشر فيما يشبه التحدي. إن هذا الإعلان يشبه اليوم ما يتلقاه العديد من أصحاب صناديق البريد الإلكترونية من كونهم قد ربحوا في يانصيب معينة تُعزَى لشركات معروفة ككوكاكولا ومايكروسوفت، وما عليهم إلا أن يبعثوا معطيَاتهم كي يتلقَّوا الأموال الطائلة المزعومة.

بيد أن فحوى الإعلان لا يتمثَّل فقط في ترسيخ المعاملات البنكية والمعاملة بالقروض في أوساط المغاربة آنذاك. وليس يخفى أن إعلانات من قبيل هذه قد وجدت لها العديد من الآذان الصاغية؛ فقد كان القُواد الكبار والباشوات والمقرَّبون من الإقامة العامة من أوائل من بدءوا بالتعامل مع البنوك، سواء لضرورات تجارتهم مع فرنسا والخارج، أو لعلاقاتهم السياسية بالحكومة والإقامة العامة. ولنا أن نخمِّن ما وراء هذا الإعلان من تشجيعٍ على الادخار والمعاملات المصرفية خاصةً وأن فرنسا قد ربحت منذ معاهدة الجزيرة الخضراء في ١٩٠٦م رهان التحكم في مالية المغرب.

أما الصورة التي صحب بها الإعلان، فإنها ذات دلالة خاصة تؤكد تضمينات الإعلان. يتعلق الأمر بامرأة مغمضة العينين يبدو أنها توزِّع المال وفي حركة عَدْو، ورجلها اليسرى معتمدة ما يشبه الشعار في صورة طائر فارد جناحيه. ولعل أول ما يتبادر للذهن هنا هو التماثل الفصيح بين هذه الصورة وصورة المرأة الرامزة للثورة الفرنسية. من ثم، فإن المحاكاة البصرية هنا توضِّح ما لا يُفصح عنه النص، والمتمثِّل في كون الغنَى نموذجًا فرنساويًّا ينبغي اتباعه، وأن أسراره موجودة في بنك الكريدي الفرنساوي. ناهيك عن الطابع الفاتن للمرأة المتسربلة في لباس يبين عن مفاتنها وعن نهديها النافرين وصدرها الظاهر وحركتها المبينة عن الدلال والفتنة. فالمماثلة إذن بين فتنة الجسد الأنثوي وفتنة المال تسعى إلى الترغيب والغواية المزدوجة، وحركة نثر المال موجهة بالأساس إلى عين القارئ المشاهد الذي يُدعى إلى التصور الذهني لما يحفِّزه الرسم التصويري. وهو الأمر الذي يجعل بين سحر الجسد الأنثوي وفتنته وبين المال وسحره وفتنته موازاةً تتحول بين الخطاب اللغوي والخطاب البصري إلى حركة تكاملية ظاهرها مالٌ وباطنها سياسة ذات مدًى طويل.

ويحيل الإعلان الثالث على هذا العجب بشكل صريح في نصه؛ فهو يتعلق بإشهار المشاهد التنويمية للمسيو «تكمن»، الذي يُنعت بالخنقاطاري القدير. والمقاربة التي قمنا بها في البداية بين الغرابة العجيبة لهذه الإشهارات والطابع السحري نستقيها هنا لا من تأويلنا المبني على المقارنة واستيضاح التقنيات، وإنما من متن النص الإشهاري نفسه. والخنقطيريات كما هو معروف في مجال السحر تقترح «إعمال تحولات خارقة، كإنماء الزهور، أو إظهار سفرة مما لذ وطاب من الأطعمة.»١٩ ونظرًا لأن هذا السحر ليس من باب السحر الأسود، فإنه سحر معمول به، وإن كان المتشددون والمغالون يحرِّمونه ويدعون إلى حظره. بهذا المعنى، فإن إشهار ألعاب هذا «المشعوذ» تنبني على عملية المماهاة بينه وبين السحر الشعبي كما هو سائد لدى الإنسان المغربي. وهكذا فإن التنويم يغدو على هذا النحو سحرًا أبيض قائمًا على الإيهام كما هو حال السحر الخنقطيري المنبني على التنويم؛ غير أنه سحر من نوع آخر لأنه يشاهَد بشكل جماعي في شكل فرجة. وربما كان هذا من الإعلانات الأولى عن «المسرح» في شكله الفرجوي الجنيني.٢٠

أما الإعلان الرابع فغرابته تتمثل في الشكل الذي يأخذه؛ فلأول مرة يتم الإعلان بالخط المغربي عن ماركة معينة في إطار مزخرف بالتواريخ الإسلامية. ونص الإعلان هو كما يلي: «نصيحة وإرشاد عام لجميع الأنام، تنبيهًا لهم على السُّكر المسمى بقالب الذهب الذي تصنعه كمبانية بيكار، فاكتسب شهرةً كبيرة في أنحاء العالم وحاز صاحبه ثقةً وإقبالًا. إن هذا السُّكر قد حاز موافقةً عجيبة للصحة بسبب أن صاحب الفبريكة قد اجتهد وبلغ حد النهاية في تصفيته اجتهادًا كيماويًّا، فلينتهي شاربه أن شَرِب نفعًا وعافية؛ زيادةً على ما فيه من مصلحة الاقتصاد الظاهرة في قوة حلاوته التي هي البرهان القاطع على جودة تركيبه وصفاء مادته وسلامته من كل إضافة وتخليط. ولأجل ذلك أكب الناس على استعماله، وصار الحرص في التجارة فيه أقوى من غيره من الأنواع، فاتسعت دائرة التجارة فيه في جميع أقطار الأرض، وقال الناس فيه الأشعار الدالة على فضله واستحسانه. ومن جملة ما في مدحه:

من فاخرَ الحلوَ لم يظفر ببغيته
أمَا ترى الحلو للأذواق قد عذُبا؟
وخيرُ حلوٍ له التفضيل أجمعُه
السُّكر المتحلي قالبُ الذهبا
فَدُر عليه ولا تبغِ له بدلًا
تفُق بذلك من يأتي ومن ذهبا»

ولأن الزواقة المستعملة تحاكي هنا الأقواس العتيقة، فإن كلمة النصيحة تشكِّل عنوانًا خصوصيًّا للإعلان تضعه في محراب الإطار. وفي مقابلها في آخر النص يوجد رسم لقالب السُّكر يتوسَّطه بدوره قوس؛ وهو ما يجعل «النصيحة» دعوةً تشبه إلى حد كبير الحروز التي كانت متداوَلةً آنذاك على أوراق مشابهة قد تتضمن تربيعات وغيرها. وليس من باب التخريج أننا نستقي هذه الموازنة مرةً أخرى من كلمة «العجيبة» المستعمَلة إضافةً إلى الخط المغربي الذي يمنح للعزائم السحرية مفعولها؛ ذلك أن السحر لا يتماشى سوى مع المخطوط، وفاعليته مرتبطة بخط اليد لا بالخط المطبوع. من ثم فإن المحاكاة المزدوجة التي يمارسها الإعلان هنا، تُفصح عن لعبة مركبة تمارَس باللغة العربية وتتجاوز الطبيعة المباشرة للإعلان لتغدو نصيحةً وإرشادًا ذوي طابع ديني!

إن الأمر يتعلق هنا بإعلان ماكر؛ لأنه يأخذ شكل النصح والإرشاد، ولأنه يؤكد مقصده ذاك باستعمال الخط المغربي المؤسلب، ولأنه من ناحية ثالثة: يمنح طابعًا مقدسًا لقالب السُّكر، ويجعله موضوعًا للمديح من ناحية رابعة. لنحاول الكشف عن المقاصد المتحكِّمة في هذا المكر المركب.

في السنة التي ظهر فيها هذا الإعلان، كان ليوطي قد أصبح ماريشالًا وغادر المغرب إلى فرنسا، غير أنه كان قد ترك إرثًا تاريخيًّا خصوصيًّا يتمثل في كونه أحاط نفسه بالعديد من الشعراء والكتاب ومن بينهم الأديب المعروف محمد بوجندار، الذي كتب فيه قصائد مديح تشبه إلى حد كبير الشعر الذي مدح به السُّكر؛ فقد قال فيه حين ارتحل لفرنسا ليُرقَّى ماريشالًا ما يلي:

عهدنا مسافرنا جنرالًا
ولمَّا أتانا أتى ماريشالَا
لأنه بدر وشأن البدور
تزيد وقبلُ تكون هلالَا

وقال فيه حين زار الرباط سنة ١٩٢٣م:

ما للرباط مؤرج الثغر
والأنس فيه باسم الثغر؟

كما دأب الشعراء المغاربة على رثاء ومدح الفرنسيين كرثاء بوجندار للكومندان ميلي:

مات الكمندار ميلي
يا أرضُ مِيدي ومِيلي
مِيلي أُفِق من رقادٍ
واسمع عليكَ عويلي
واعلم بأني وَفِيٌّ
برغم كل عذولي

ومدحه للرئيس الفرنسي مييران حين زيارته للمغرب (سمعنا أن ميلرانا يزور/ فخامرنا لمَقدَمه السرور).

بل إن قاضي فاس وأستاذ علال الفاسي في القرويين، أحمد بن المأمون البلغيثي (صاحب أهم كتاب مغربي حديث في النكاح)، نفسه كان من المادحين لمييران، غير أنه لمَّا طلب منه نص القصيدة لنشرها في كتاب مصور يؤرخ للمناسبة تراجع عن مديحه في قصيدة يقول فيها:

فإن يكُ غيري أرسل المدح خفية
فإني الذي قدَّمت له المدح جهرَا
كتبته له في جذع من النخيل باسق
وقلت لي (ذا فيك مدحي) فقل شكرَا٢١
جوهر القول إن ولع الحماية وخاصةً الماريشال ليوطي (وهو الذي رسَّخ الأمر) باللغة العربية كان كبيرًا؛ فالسياسة الإسلامية التي انتهجها جعلته يحافظ على السلطان ويحيطه بالعلماء الأكثر اعتدالًا، ولم يُعرَف عنه أنه أباح وطءَ المعمرين للمساجد المغربية، وحتى حين طُلب منه ذلك رفض رفضًا قاطعًا وولج مسجد مولاي إدريس الذي زاره عند حلوله بمدينة فاس.٢٢ كما عُرف عنه تقييد النشاط التبشيري للمسيحيين بالمغرب، الأمر الذي كان يُثير غيظ الكنيسة.٢٣ بل سار به ولعه باللغة العربية إلى أنه كان يكتب مراسلاته للقواد الكبار وللسلطان باللغة العربية وبالخط المغربي تدقيقًا، وصنع له خاتمًا يشبه خاتم السلطان.

في هذا السياق بالضبط يمكن وضع هذا الإعلان الإشهاري ويمكن إدراكه وتأويله، خاصةً أن الإعلان عن السُّكر في الجريدة لم يكن وليد تلك السنة. ولا أدل على ذلك من كون الجريدة كانت قد نشرت إعلانًا مصوَّرًا باللغة الفرنسية سنة ١٩٠٦م عن مصانع السُّكر بمرسيليا (وهو بالمناسبة المصنع الذي اشتغل به أولُ فنان تشكيلي مغربي؛ محمد بن علي الرباطي، وأقام به ثاني معرض له سنة ١٩١٨م)، يمكن اعتباره أول إعلان مصوَّر وباللغة الفرنسية حصرًا، كما سبق أن ذكرنا ذلك.

بمثابة خاتمة: سلطة الصورة

ما هي العملية الإدراكية التي تُرسِّخها هذه الإشهارات؟ ما علاقة البصري بالمكتوب فيها؟ يمكننا القول بدءًا إن الاستراتيجية الإشهارية، في بلاد لا تعتبر الصورة من عوائدها، لم يكن لها أن تجد مشروعيةً لها لو لم تعتمد لغة التواصل المحلية من جهة، ولو أنها لم تتوجه إلى مواد استعمالية جديدة وحديثة كالأسفار والطباعة والبنوك والأدوات المنزلية والمراهم الطبية. من ثم فإن دور الصورة، إن كان في بدايات الإشهار بالجريدة ثانويًّا، فإنه غدا مع الوقت مركزيًّا، كما لاحظنا ذلك. فاستنبات الصورة صار يمنحها الأهمية التي تتخذها في الخطاب الإشهاري، بحيث إنها صارت في مرحلة معينة تكاد تكتفي بذاتها وتكاد تستغني عن الصورة كما في الإشهار التالي:

بيد أن هذا الاستغناء يحوِّل الصورة إلى صورة استعمالية لمعنًى واضح ولهدف مخصوص ومُنمذج، كما يُوضِّح ذلك برناس: «إن إشكالية الصورة تتمثَّل في استعمال الفائض على النص الذي تمارسه الصحافة ووسائل الإعلام. إنها تُشوِّه الصورة وتستعملها باعتبارها أداةً لبلاغة لا كوسيلة للقراءة. والخطاب والبلاغة يقتلان الواقع باستدلالات تُشوِّه الوقائع. وكلما كان النص موجَّهًا لتمثيلها افتراضيًّا، كانت الصورة وسيلةً للإمساك بالتلقي الوسائطي. الصورة الاستعمالية واقعة من وقائع التواصل تُشوِّه التلقي …»٢٤ إن هذا التشويه يطول الصورة نفسها كما وضَّحنا ذلك، بحيث إنها تبتكر المتلقي جملةً وتفصيلًا، من خلال استبدال جسده ومظهره بجسد ومظهر آخر، ومن خلال التركيز على الأنثوي في جماليته الكولونيالية. وما يمارسه الإشهار هنا (باعتباره إشهارًا كولونياليًّا حتى ولو تكلَّم العربية) هو تغييب حضور الآخر، وهو الأمر الذي مارسته السينما الكولونيالية أيضًا بشكل واضح؛ فحين يتم تمثيل الإنسان المغاربي في السينما الكولونيالية، لا يتم النظر إليه باعتباره شخصًا أو ذاتًا، وإنما باعتباره كِيانًا جماعيًّا وهلاميًّا ينمحي أمام التصور الذي يجعل منه كِيانًا متخيَّلًا صادرًا عن ماضٍ أسطوري.٢٥ والإشهارات القليلة التي عثرنا عليها في جريدة السعادة حتى الثلاثينيات، والتي يتم فيها تمثيل المغربي، نوردها فيما يلي: لنلاحظ أن الأول منها يقدِّمه في صورته الاستشراقية كما تُدوولت في الرسوم المستوحاة من ألف ليلة وليلة، أو في صورته التركية الحديثة كما تُدوولت أيضًا في المشرق، أو في صورته النمطية كفارس في خدمة المستعمر. إن هذا الاستبدال يجعل من العملية الإشهارية عمليةً غير مرجعية لا تهتم إلا بالعلامات والصور التي تخلقها وتُقدِّمها، باعتبارها المرجع المتخيَّل الوحيد الذي يمكن أن يعوِّض المرجع الواقعي التاريخي. وبهذا المعنى لا يخلق الإشهار فقط أثر منتَجاته، وإنما يخلق معها مجموعةً من الصور النمطية الجديدة التي تُستشرف لتعويض الصورة الواقعية.
figure

لماذا إذن هذا الخوف من تمثيل المغربي؟ يبدو أن الاستراتيجية الإشهارية لجريدة السعادة ظلت تبني مفهومها للصورة على مجموعة من القواعد المتواشجة: الإنسان الغربي قابل للتمثيل والتصوير، وبالإمكان تصوير المرأة منه أيضًا. الإنسان المسلم عازف عن التصوير ويرفضه أحيانًا، إلا فيما ندر؛ وحين يتم تمثيله، فمن خلال الصورة الاستشراقية المتداولة كما في إشهار القهوة آنفًا. إن تصوير الآخر يمكِّن من تكريس علاقة الدال بالمدلول بشكل أكثر توافقًا مقارنةً مع تصوير المغربي المسلم؛ وكل ذلك يمكِّن أخيرًا من ترسيخ الأيديولوجيا الكولونيالية في مجال الإشهار والتداول التجاري باعتباره مدخلًا لترسيخ القيم الجديدة للاستهلاك، ولُحمة تمكِّن من إدخال «الأهالي» في إعادة إنتاج تلك القيم إلى ما لا نهاية.

١  في علاقة الأركيولوجيا بالوسائطيات يقول ر. دوبري: «لن يكون لأركيولوجيا الإرساليات من أهمية أكثر من وسائطيات الملفوظات؛ لأن ما هو خارجي في الأولى يكون داخليًّا في الثانية والعكس بالعكس.» هذه التكاملية هي ما يجعل تصورنا لتاريخ الإشهار بالمغرب بحثًا بإيقاعين.
R. Debray, Cours de médiologie générale, Gallimard, 1991, p. 49.
٢  انظر بهذا الصدد دراستنا: «المغاربة والصورة والحداثة»، ضمن فريد الزاهي، العين والمرآة، الصورة والحداثة البصرية، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، ٢٠٠٥م، ص٧١ وما يليها؛ وكذا محمد المنوني، «التصوير بالمغرب القديم»، دعوة الحق، ع١-٢، ١٩٧١م.
٣  هذا الصدى بدا واضحًا لدى الرحَّالة المغاربة إلى أوروبا وتتوج بالهجمة على الحداثة البصرية والسلوكية لدى عبد الله بن الموقت، الرحلة المراكشية، دار الرشاد الحديثة، ب. ت. (١٩٢٦م).
٤  Maurice Arama, Le Maroc de Delacroix, Paris, Jaguar, 1987.
٥  Edmondo de Amicis, Le Maroc, éd. Hachette et Cie, Paris, 1882.
٦  Pierre Schneider et al., Matisse au Maroc, éd. Adam Biro, 1990.
٧  أُدخلت أول مطبعة حديثة مجهَّزة بالآلات الدوَّارة rotative إلى طنجة سنة ١٨٨٠م، وهو ما يفسِّر تمركز الجرائد الأولى بالمغرب في هذه المدينة التي كانت مفتوحةً على الحداثة والوجود الأوروبي.
٨  Philippe Jacquier et al., Le Maroc de Gabriel Veyre, éd. Kubik, 2005.
٩  منذ العدد الأول، قدَّمت جريدة السعادة نفسها على أنَّها جريدة سياسية أدبية تجارية؛ أي إنَّها تولي اهتمامها أيضًا للمعاملات التجارية والأخبار المتعلقة بها من إعلانات وغيرها.
١٠  وهو ما يُعتَبَر مرحلةً بدائية في العلاقة بين النص والصورة في الإشهار، بحيث يُعتَبَر الرسم تعيينًا رمزيًّا لطبيعة موضوع الإشهار، وهو ما لا ينفي أبدًا ذلك التلازم الأولي بين البصري واللغوي في الفضاء الإشهاري.
١١  Auguste Mouliéras, Le Maroc inconnu, 1895, Librairie coloniale et africaine, Joseph André, Paris, T. 1, p. 11.
١٢  انظر دراستنا، «المغاربة والصورة والحداثة»، ضمن كتابنا: العين والمرآة، مرجع مذكور، حيث نُحلِّل كيف ساهمت الصورة بشكل كبير في ولادة مفهوم الذات والفرد والأنا، من خلال مفهوم اللوحة الموقَّعة والبورتريه الذي يُخلِّد الشخص ويجعله قابلًا للتداول باعتباره صورة.
١٣  R. Barthes “Rhétorique de l’image,” in Communication nº 4, Seuil, 1964, p. 32.
١٤  R. Barthes, “Publicité de la profondeur”, in: Mythologies, Seuil/Points, Paris, 1957, p.
١٥  السيوطي، الرحمة في الطب والحكمة، دار الكتب العلمية، ط٤، ٢٠٠٦م، وهو مُصنَّف يمزج بين التطبيب والسحر.
١٦  هذا الإشهار لم يمنع الجريدة من الإعلان عن الشمبانيا.
١٧  إدمون دوطي، السحر والدين في شمال إفريقيا، ترجمة فريد الزاهي، منشورات مرسم، ٢٠٠٨م، ص٣٨.
١٨  يشير جاك بيرك في كتابه الهام المغرب العربي بين حربين (منشورات لوسوي، ١٩٦٢م، ص٨٧-٨٨) إلى تراجع العديد من الأمراض التناسلية والجلدية؛ فهذه الأمراض تتدخل لتسجن الشخص من الأهالي في طابعه الأهلي، غير أن المرء بين الحربين صار يعاين مظاهر أقل فأقل للإصابات التي تنخر الوجوه والأرجل والأعضاء. «وإذن فإن قَدَر المغاربي في الإصابة بالأمراض المعدية العديدة كان يسم الحياة الإنسانية بهشاشة قريبة من الإثم مرتبطة على كل حال بالقَبول بالمكتوب.»
١٩  إدمون دوطي، السحر والدين في شمال إفريقيا، مرجع مذكور، ص٢٢٤.
٢٠  سوف تنشر الجريدة بدءًا من الثلاثينيات إشهارات عديدة للتمثيليات المسرحية المغربية وللفرجات السينمائية المصرية.
٢١  عن: محمد احميدة، من الأدب المغربي على عهد الحماية، محمد بوجندار الشاعر الكاتب، منشورات عكاظ، ١٩٩٣م، ص١١٣ و١١٤.
٢٢  Didier Madras, Dans l’ombre du Maréchal Lyautey, souvenirs (1921–1934), éd. Félix Moncho, Rabat, 1953, p. 84.
٢٣  Jamaa Baida, “Massignon et l’indépendance du Maroc”, in Louis Massignon et le Maroc une parole donnée, éd. Fondation du roi Abdulaziz, 2008, p. 51.
٢٤  Steven Berns, La Croyance dans l’image, L’Harmattan, 2006, p. 170.
٢٥  Abdelkader Ben Ali, Le Cinéma colonial au Maghreb, éd. du Cerf, 1998, p. 187.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥