الصهيونية العالمية دعوى الاضطهاد
حديثنا هنا موضوعه دعوى الاضطهاد.
ونحن لا نسميها «دعوى الاضطهاد»؛ لأن الاضطهاد غير موجود أو لم يوجد في الأزمنة الماضية، ولكننا نتكلم عن هذه «الدعوى» من جوانبها التي تخفيها الصهيونية، ويعاونها على إخفائها أذنابها المنتشرون في بلاد العالم، ومنهم السافرون والمتسترون.
نريد أن نقول «أولًا»: إن الصهيونية هي المسئولة عن كل اضطهاد تجره على نفسها وعلى أبناء دينها.
وأن نقول «ثانيًا»: إن الصهيونيين أشد الناس اضطهادًا لغيرهم إذا ملكوا القدرة الظاهرة أو الخفية.
وأن نقول «ثالثًا»: إن الصهيونيين يستغلون دعوى الاضطهاد، ويتخذونها وسيلة لتخير الأمم باسم الإنسانية والغيرة على الحرية.
إن الصهيونية مسئولة عن كل فاصل تقيمه بينها وبين أمم العالم؛ لأنها من قديم الزمن تقسم العالم إلى قسمين متقابلين: قسم إسرائيل وهم صفوة الخلق وأصحاب الحظوة عند الله لغير سبب إلا أنهم أبناء إسرائيل، وقسم آخر يسمونه قسم الأمم أو «الجوييم» ويشملون به جميع الناس من جميع الأقوام والأجناس.
ويقال لهم في هذا التلمود: «إنه وإن لم يكن من المفروض على اليهودي أن يقتل أمميًّا يعيش معه بسلام، إلا أنه لا يجوز له في حال من الأحوال أن ينقذ حياة أحد من الأمميين.»
وقد ينكر بعض الصهيونيين أتباعهم لهذا التلمود، ولكنهم لا يستطيعون أن ينكروا أنهم يستبيحون اليوم ما أبيح لهم قديمًا في التوراة، وقد جاء في كتاب الخروج من الأصحاح الحادي عشر أن شعب إسرائيل أمر «بأن يطلب كل رجل من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب … وأن الرب أعطى نعمته للشعب في عيون المصريين»، فأخذوا الأمتعة وهم على نية الرحيل من الديار.
ومعاملتهم لأعدائهم من باب أولى لا تعرف الحدود، ومنها استباحة قتل الأطفال والنساء وإحراق الحرث والنسل وتدمير المدن بما فيها من مساكن وحصون.
وكمشي هذا هو صاحب صحيفة «جويش أوبزرف» وصاحب المؤلفات المشهورة في الدعاية الصهيونية، ولا يزال قائمًا بهذه الدعاية إلى الآن.
فإذا كان هذا هو شعور الصهيونية نحو الأمم فلا غرابة في شعور الأمم نحوهم بفواصل التفرقة والانقسام، ويتمم هذا الشعور أن الصهيونيين من أيام أسلافهم متوارثون خلائق العناد والشراسة، ويصفهم أنبياؤهم بصلابة الرقاب، ويقول موسى — عليه السلام — نفسه: «إلى متى يغفر الرب لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة؟»
أما أن الصهيونيين معروفون باضطهاد المخالفين لهم كلما استطاعوا، فلا حاجة إلى الشواهد على ذلك من التاريخ القديم، وهو مشحون بهذه الشواهد منذ أربعة آلاف سنة، بل حسبنا شهادة واحد منهم وداعية من أكبر دعاتهم، وذلك هو صاحب «نيويورك تيمس» الذي ينشر لهم أباطيلهم في الولايات المتحدة، فإنه يقول: إنه «ينفر من أساليب الإكراه التي يعمد إليها الصهيونيون في أمريكا؛ إذ يستخدمون الأسلحة الاقتصادية لإسكات من يخالفونهم، وإنه هو نفسه — وهو أمريكي يدين باليهودية — قد يتعرض للمتاعب من جراء هذه الشكوى».
إن هذه الشكوى مما أشار إليه دوجلاس ريد في الصفحة المائة والتسعين من كتابه «الدخان والخنق» … وزاد عليها أنه يستطيع أن يعززها بما يملأ كتابًا كاملًا عما يلقاه المخالفون للصهيونية من ضروب الاضطهاد.
فليس من حق صهيوني أن يشكو الاضطهاد إذا تعرض له بسوء نيته وسوء خلقه وسوء فعله، فإنما الذنب فيه ذنبه قبل غيره، وليس من شأن سوء النية وسوء الخلق وسوء الفعل أن يجر إلى المودة والشكر والثناء.
والأعجوبة الكبرى في دعوى الاضطهاد أن الصهيونيين يستخدمونها لإقناع الناس بمطالبهم، ولا يتورعون عن أكذوبة قط في سبيل مطلب مقصود.
هل يخطر على بال أحد أن هجرة اليهود من ألمانيا كانت باتفاق مع هتلر؟
وأن حركة الاضطهاد كانت تنظم على علم من الدعاة الصهيونيين في القارة الأوروبية؟
هل يخطر على بال أحد أن الصهيونية كان لها مكتب معترف به في برلين، وأنها كانت على اتصال دائم ﺑ «الجستابو» عن طريق هذا المكتب وفروعه في البلاد الألمانية؟
وكان هذا المكتب ينظم الهجرة الصهيونية سرًّا إلى فلسطين، في الوقت الذي تثار فيه الثائرة على الجستابو وفظائعه المسلطة على اليهود …!
ولما أعلن الجنرال مورجان، بعد هزيمة ألمانيا، أنه لم ير أحدًا من اليهود المهاجرين في حالة سيئة، وأنهم جميعًا يهاجرون ووجوههم مشرقة، وجيوبهم منتفخة بالأموال؛ هبت عليه الأقلام المأجورة من أنحاء العالم تتهمه بالنازية والتواطؤ مع الأعداء، وتلح على حكومته بوجوب تجريده من ألقابه ومن كسوته العسكرية، جزاء له على كشف القناع عما وراء الستار.
هذه هي «دعوى الاضطهاد» في جوانبها التي تخفيها الصهيونية، وهي تدين المضطهَدين قبل أن تدين المضطهِدين، وتبرئ العالم كله من إثم الصهيونية؛ لأنها لو وجدت في عالم من الملائكة لما كان لها فيه نصيب أكرم من هذا النصيب، بل لعلها كانت في عالم الملائكة لا تنال من الرغد والنجاح ما تناله بالرشوة وخدمة الشهوات في ميادين السياسة الدولية، كما ابتلي بها العالم الآن.