الصهيونية العالمية وطوابيرها الخامسة في ميادين الثقافة
حسْبُ الصهيونية العالمية سلاحًا ماضيًا في جميع الميادين؛ طابورُها الخامس في ميدان المال والاقتصاد.
إن هذا الطابور الخامس متغلغل في كل ميدان، في كل بلد، في كل حركة عالمية، في كل دولة من الدول الكبرى على الخصوص.
وحسب الصهيونية العالمية أن يكون لها هذا الطابور الخامس، لتملك به وسائل السيطرة في كل ميدان من ميادين الحضارة الحديثة، وفي مقدمتها ميدان الثقافة والدعاية العالمية.
لكن الصهيونية لا تكتفي بالطابور الخامس في ميدان المال والاقتصاد، ولا تكتفي بأثره القوي في شئون الدعاية وما يتصل لها من شئون الثقافة وشئون الآداب والفنون على الجملة وإن كان في هذا الأثر الكفاية. لا تكتفي بسلاح المال والاقتصاد عامة وإن كان فيه الكفاية، بل تعمل للسيطرة على الثقافة العالمية مباشرة في ميدانها الأصيل، ولا تقنع منه بسيطرة الماليين والصيارفة وأصحاب الشركات والمشروعات في ميدانهم الكبير.
تتوسل الصهيونية العالمية إلى السيطرة على الثقافة والفنون بوسائل كثيرة، نتكلم في هذا الفصل عن بعضها لأنها أظهرها وأعمها، ولا نحصرها جميعًا لأنها بطبيعتها متشعبة في كل طريق، ويوشك أن تتشعب إلى كل مركز من مراكز الثقافة والدعاية من بعيد، أو من دورة ملفوفة لا تفطن لها الأنظار.
وسائلها الظاهرة للسيطرة على ثقافة العالم هذه الوسائل الأربع:
- أولًا: وسيلة الصحافة العالمية.
- ثانيًا: وسيلة الشركات التي لها اتصال وثيق بالصحافة ولا سيما شركات الإعلان.
- ثالثًا: شركات النشر والتوزيع.
- رابعًا: هيئات الثقافة العالمية.
وهذه الوسائل الأربع كافية — مع التضامن والتألب — لتمكين الصهيونية العالمية من السيطرة على الكتاب والقراء، لا تتيسر لقوة عالمية أخرى.
تتمكن الصهيونية العالمية من الصحافة بالمساهمة في رءوس الأموال، والمساهمة في التحرير والمراسلة، وبالمساهمة في السبق إلى الأخبار والأسرار.
ولكن الوسيلة النافذة هي الوسيلة الثانية، وهي شركات الإعلان.
فالصحف التي تطبع الملايين في البلاد الغربية لا تستغني عن الإعلانات، ولا يتأتى لها تعويض النفقات الكثيرة بثمن البيع أو الاشتراكات السنوية، فإن ثمن الصحيفة أقل من ثمن الورق الذي تطبع عليه، فضلًا عن تكاليف التحرير والإدارة والطباعة والتوزيع، وكلما اشتدت المنافسة بين الصحف عملت على نقص ثمن النسخة وازداد تعويلها على الإعلان، حتى بلغ ثمن الصحيفة المؤلفة من عشرين صفحة بنسًا واحدًا، وبلغت أجور الإعلان خمسة أضعافها في الربع الأول من القرن العشرين.
والصحيفة التي تجازف بالموت هي الصحيفة التي تهاجم الصهيونية العالمية، أو تناهضها في دسيسة من دسائسها، فإن المساهمين في رأس مالها يهددونها ويحرجونها في مجالس الإدارة، فإن لم تكن للصهيونيين حصة كبيرة من رأس مالها، ولم يكن لهم دخل في تحريرها وإدارتها، فهناك الإعلانات التي تعول عليها ولا تستغني عنها، فإنها تنقطع عنها فجأة، وتتركها عرضة للإفلاس، ولا تزال عرضة للإفلاس والتعطيل حتى تتوقف فعلًا عن الصدور، أو تدركها شركة جديدة، بمعونة جديدة، معلقة على قبول السياسة التي تملى عليها، بأسلوب صريح أو غير صريح.
وليس كل الكتَّاب في الغرب من كتَّاب الصحافة الذين يعملون لها في التحرير والمراسلة واصطياد الأخبار والأسرار، بل هناك كتَّاب الأدب وكتَّاب الاجتماع وكتَّاب المذاهب الفكرية والفنية على التعميم. وهؤلاء لا تتركهم الصهيونية العالمية بمأمن من وسائل تأثيرها وطغيانها في كثير من الأحوال … ووسائل النشر والتوزيع والنقد بعض أدواتها الفعالة في عالم التأليف والتفكير.
وليس بالقليل بين دور النشر ما يملكه الصهيونيون منفردين بتمويله وإدارته، وأكثر من ذلك دور النشر التي يساهمون فيها بالحصص والأسهم، أو الإدارة والإشراف، وكل هذه الدور لا تستغني عن الدعاية الصحفية وغيرها من أساليب الدعاية في العصر الحديث.
وتأتي الهيئات العالمية بعد هذه الهيئات المشتغلة بالصحافة أو النشر أو الإعلان والدعاية.
تأتي بعد ذلك هيئات عالمية لا تخطر على البال لأول وهلة؛ لأنها مفروض فيها أن تعمل لخدمة الأمم الإنسانية جميعًا، ولكنها لا تعمل لخدمة أحد كما تعمل لخدمة الصهيونية العالمية.
خذوا لذلك مثلًا تلك الهيئة المعروفة باسم «اليونسكو» … والتي يقال إنها مجعولة لخدمة الثقافة الإنسانية في أرجاء العالم، والتي تتقاضى المال من كل أحد غير الصهيونيين.
فهذه الهيئة العالمية — الإنسانية — ينتشر في دواوينها الصهيونيون بين أمناء السر، ورؤساء المكاتب، ومديري الحسابات، وزمرة المحررين والمسجلين، ولم تعمل حتى اليوم عملًا أظهر وأجهر من أعمالها في خدمة الصهيونية ومحاربة أعدائها، وبخاصة أعداؤها المعروفون بكراهة الساميين.
وبين أيدينا الآن نحو عشرين رسالة في موضوع العنصر والسلالة، تدور كلها من بعيد أو قريب على محور واحد، وهو الدفاع عن الصهيونية وتسفيه آراء الناقمين عليها والمشهرين بها والقائلين بالفوارق الجنسية التي تمسها وتغيبها في نظر الأمم الأخرى.
وظاهر هذه الدعوى أنها إنسانية عامة، وبعض المشتركين فيها يكتبون لها على هذا الاعتبار، ولكن الاهتمام بها في الواقع إنما هو اهتمام بالسامية دون غيرها، لأنها هي مسألة العنصر المعروضة هناك على الأسماع والأبصار، وعلى العواطف والعقول، ولا يوجد إنسان تبلغ به البلاهة أن يتصور «اليونسكو» عاملة على محاربة الولايات المتحدة مثلًا في قضية الزنوج السود، ولا عاملة على خدمة الصهيونية دون غيرها: تبذل فيها أموال الأمم، وتسخر لها الهيئة العالمية الدولية، باسم العلم والإنسانية.
ولا يحسبن أحد في الشرق أننا نحن الشرقيين بمنجاة من هذه الشبكة العالمية في قضايانا مع الصهيونية، فإن الدعاية التي يسيطر عليها الصهيونيون لا تنسى الانتقام من أعدائها، ولا تنسى مكافأة أصدقائها، وبين حين وحين نسمع تلك الدعاية الخارجية — التي لا تعرف حرفًا واحدًا من العربية — تهلل لبعض الأعوان ولا تعرف لهم عملًا إلا أنهم أغضبوا الإسلام ولم يغضبوا الصهيونية بفعل أو كلام.
ولنا أن نتخذها قاعدة عامة في الدعاية العالمية التي تتولاها الصهيونية، تلك القاعدة العامة أنها لا تشيد بذكر كاتب من الأوروبيين أو الأمريكيين لا يعمل طوع بنانها في ترويج دعوتها الظاهرة أو الخفية، ومن دعوتها الخفية هدم العقائد والأخلاق وتحطيم الأديان والأوطان، وليس على حضرات القراء عناء كبير للتحقق من هذه القاعدة، فحسبهم أن يلتقطوا خمسة أسماء أو ستة من أصحاب الحظوة في الدعاية العالمية، فلن يجدوا منهم واحدًا يعادي الصهيونيين، وقد يجدونهم جميعًا خدامًا للصهيونيين السافرين أو المقنعين.