وداع الرئيس حبيب باشا
اليوم سلم شيخ لبنان مقاليد الحكم إلى فتاه، ونعم الأب والابن.
أبى القلم إلا أن يودع فارسًا جالد عشرات السنين، وشيخًا مفردًا حمل على منكبيه أثقال جبل وأهوال دهر.
ففي كل طية من جبينه تستريح أمنية متعبة، وتحت كل شعرة من مفرقه يرقد أمل منهوك.
ما كان قط إلا قائدًا، شابًّا وكهلًا شيخًا، فكأنما ولد للعظائم.
ما عجن لبنان وخبزه رجل مثله، ولا رأى أحد منا ما رأى ابن هذا البيت.
فمن عهد الإقطاعات، إلى زمن المتصرفية، إلى يوم الانتداب، والحكومة قائمة قاعدة في بيت سعد الخوري.
لست أؤرخ الآن، فادرس تاريخ سعد فهو تاريخ لبنان الحديث.
فيا ابن البيت الذي (ذاب) في حب لبنان، إننا نحييك.
إننا نودع رئاستك شاكرين حامدين، فما أبقيت من جهدك شيئًا.
لئن غاب شخصك عن الديوان، فرأيك ماثل في كل مكان.
يا أبا اللبنانيين.
يا ابن بيت الجبل.
أيها الوجه اللبناني المجيد.
يذكرنا محياك سيماء لبنان المحضة.
السيماء التي يبتلعها الأفق رويدًا رويدًا.
سيذكرك لبنان بالتعظيم، ويعلم أنك كنت حاكمًا له وأبًا.
تهش للقمر وترحب بالمثقف، وتداور العنيد الوقح.
خدمت بلادك حتى أعييت، فأنت بالراحة الجليلة جدير.
فاجلس على عتبة بيتك، وانظر إلى البستان الذي حرثت حتى المساء.
لقد سقيته عرق جبينك، ودفنت مع كل حبة ذرة من حياتك.
لقد ألقيت منجلك التي فضضها الحصاد، فبارك الآتين بعدك.
هنيئًا لمن تحل عليه بركة اليد النظيفة.
الرءوس تنحني باحترام أمام اليد العليا.
أما اليد السفلى فتُزدرى.
سنذكر ولايتك مرددين قول أبي الجهم في معاوية:
عمَّرك الله ما لبقت بك الحياة.
فبقاؤك أمل أشهى من العنقود.
ورجاء أخصب من الحبة.