ابتداء أسرة رومانوف
وضع الأساتذة س. ث. بلاتونوف، وفاسينكو، وتورايف كتابًا، بمناسبة مرور ثلاثمائة عام على مُلك آل رومانوف، وقد امتاز عن غيره من الكتب بدقة مباحثه وصحة روايته، وقد وجَّه التفاتي الفصل الأول من هذا الكتاب المعنون بالعنوان الآتي:
«تسلسلت أسرة رومانوف من الشريفين كوشكيني وزاخاريني وأقاربهم أسرة كاليتا».
وجاء في هذا الفصل أن أول ملك من الأسرة المالكة الآن من عائلة شريفة عريقة في الحسب والنسب، ويقول الكاتب أن أصل تلك العائلة ضاع في ظلمة العصور، ولم يعلم عنه إلا روايات تناقلتها بعض الألسن، منها أن عائلة رومانوف متسلسلة، من أمير بروسي الذي إذ طرد من أملاكه الموروثة في مقاطعة ساموجيتي وسودافيا، فرَّ في أواخر القرن الثاني عشر إلى روسيا، وقد بحث الكاتب في أصل هذه الرواية، وأوضحها الإيضاح التاريخي الآتي:
في أواخر القرن الخامس عشر، وفي أوائل القرن السادس عشر، أخذ يظهر في بلاط ملك موسكو، عدد كبير من الأمراء المتسلسلين من أصل عريق، وبالنظر إلى طيب عنصرهم، أخذوا يحلون محل أشراف موسكو في البلاط الملوكي.
فأخذ هؤلاء الأشراف يبحثون عن طريقة يتخلَّصون بها من مضايقة وإهانات هؤلاء الأمراء الذين اتصفوا بالكبر، وحاولوا تطهير البلاط الملوكي من الأشراف الذين خدموا ملك موسكو من عهد بعيد، وكان من بين هؤلاء الأشراف أفرادُ عائلة رومانوف الذين خدموا في البلاط من عهد بعيد، متسنِّمين ذروة المناصب العالية، وكل هذا جعلهم من زمن بعيد، يفتكرون من زمن بعيد في إرجاع أصل عائلتهم إلى سلف عظيم، وبما أنه في ذلك العهد هاجر إلى موسكو كثيرون من الأجانب من بلاد اليونان والبلاد الأخرى، فأخذوا يسعون إلى إيجاد تلك النسبة التي يبحثون عنها من أصل أجنبيٍّ، وهكذا تم، فإن عائلة رومانوف انتسبت إلى أصل شريف خرج من بروسيا.
ولكن ما هو السبب الذي جعلهم ينتسبون إلى أصل بروسي، ذلك أن كثيرين من أشراف روسيا انتسبوا مثل هذه النسبة، وعدُّوا نفوسهم من أصل الأمراء الذين هاجروا إلى روسيا من بروسيا، حتى إن ملوك روسيا كانوا ينتسبون إلى البروسي القديم، شقيق أغسطس قيصر الذي يقولون إن أول أمير روسي ريوريك كان من عائلته.
ثم قال الكاتب: إننا إذا جمعنا جميع الروايات عن أصل الأسرة المالكة الآن، نستطيع استخلاص منها ما يأتي:
في الجيل الرابع عشر، كان من بين أشراف موسكو أندريه إيفانوفيتش كابيلا الذي تسلسلت منه عدة عائلات شريفة، وأسلافه كانوا مقربين من ملوك موسكو، ولبثوا مقربين مع مزاحمة الأمراء الوافدين لهم.
ومن أجداد أسرة رومانوف المشهورين، زخاري إيفانوفيتش، جد الملكة أناستاسيا، التي اختارها الملك يوحنا الرابع زوجة له.
ثم قال الكاتب: ولقد تتبعت تاريخ عائلة رومانوف، فرأيتهم في خلال قرنين ونصف، خدموا بالأمانة والصدق ملوك موسكو، وكانوا واقفين على أفكارهم ونواياهم، ثم أخيرًا اتصلوا بالقربى مع عائلة الملوك، التي كانت في دور الانحلال، وكانت الملكة أنستاسيا المتواضعة ملاكًا حارسًا لزوجها يوحنا الرابع، الملقب بالرهيب، وأما شقيقها ذو القلب الطاهر والعقل الثاقب الشريف نيكيتا رومانوف، فكان صديقًا ومستشارًا للملك يوحنا الرهيب الذي له في التاريخ الروسي ذكر مؤلم، وكان الشعب يحبه محبة شديدة، ولا عجب بعد هذا إذا آل المُلك لأسرة رومانوف بعد أن خدموه الأعوام الطوال، واتصلوا مع العائلة المالكة بصلة القربى.
ثم إنه لما جلس على عرش الملك بوريس غودونوف، لم يُظهِر عداءه لآل رومانوف، ولكن في بدء عام ١٦٠١ غضب عليهم جميعًا، وعلى أقاربهم أيضًا، وأبعدهم عن البلاط، ونفى زوجته وحماته إلى أحد الأديرة، وحكم عليهما بالانتظام في سلك الرهبنة، ولكن هذا الحادث خدم آل رومانوف خدمة جليلة، وأشهر أمرهم في البلاد، وقد أفضى ذلك إلى أنه في ٢١ فبراير من عام ١٩١٣ انتخبت الأمة بإجماع الأصوات الشابَّ ميخائيل ثيودورفتش رومانوف ملكًا على مدينة موسكو.