في العمرة
قدمنا للقارئ الحكمة في العمرة، والسر فيها، ونزيد فيما يلي بيانًا عنها، فهي كفارة للذنوب، نزلت في فضلها الآيات القرآنية الكريمة، فقد قال ابن عباس: إن لها لقرينتها في كتاب الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ، ورُويَتْ في خيرها الأحاديث النبوية الشريف، فقد قال فيها الرسول ﷺ عن ابن عمر: «ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة»، وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.»
وعمرات الرسول أربع، وهي: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي أتى بها رسول الله ﷺ في حجة الوداع.
ويُلاحظ أن عمرة الحديبية لم تفسد لصد قريش رسول الله ﷺ ومن معه عن دخول مكة، ولكنها كانت عمرة مستوفية الشروط. ومن الأقوال الصحيحة أن رسول الله ﷺ ومن كانوا معه في «الحديبية» من المسلمين حين حلقوا رءوسهم للتحلل من العمرة احتملت الريح الشعر فألقته في الحرم.
ويُروى عن عائشة رضي الله عنها أن كل عمرات الرسول ﷺ كانت في ذي القعدة، إلا الأخيرة فقد كانت في شوال. وقال مجاهد: دخلتُ أنا وعروة بن الزبير فوجدنا ابن عمر جالسًا إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فسألناه: كم اعتمر النبي ﷺ؟ قال: «أربعًا، إحداهن في رجب»، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا صوت عائشة أم المؤمنين، فقال عروة: «يا أماه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟» قالت: «ما يقول؟» قال: «يقول إن رسول الله ﷺ اعتمر أربع مرات إحداهن في رجب»، قالت: «يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط.»
ولعلَّ عبد الله بن عمر قد نسي.
وقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجتُ مع رسول الله ﷺ موافين الهلال لذي الحجة، فقال رسول الله ﷺ: «من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، ولولا أني أهديت لأهللت»، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحجة.
وكانت عائشة رضي الله عنها قد أهلَّت بعمرة، وحاضت قبل أن تدخل مكة، فأدركها يوم عرفة وهي حائض، فشكت إلى رسول الله ﷺ فقال لها ما معناه: «دعي عمرتكِ وانفضي رأسكِ وانتشطي وأهِلِّي بالحج» ففعلَتْ، فلما كانت ليلة رمي الجمرات أرسل معها شقيقها عبد الرحمن إلى التنعيم، فأركبها ناقته خلفه، فأهلت بعمرة مكان عمرتها، فقضى الله حجها وعمرتها، أما المشركون فقد كانوا لا يعتمرون إلا بعد انسلاخ شهر (أي بعد صفر)، وكانوا يقولون: إذا عفا الوبر، وبدا الدبر، وانسلخ صفر حلَّت العمرة لمن اعتمر. ذلك أنهم كانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة ويهل صفر. وقد قال في هذا عبد الله بن عباس: ما اعتمر رسول الله ﷺ في ذي الحجة إلا ليقطع في ذلك أمر الشرك، وحتى يرى أهل الشرك أن العمرة في أشهر الحج لا جناح فيها على من أتاها. وقد سأله سُراقة بن مالك: يا رسول الله، ألِعامِنا هذا أم لأبد؟ فشبَّك رسول الله ﷺ أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج، لا بل لأبد الأبد.»
ولكي نبين شروط الإحرام بالعمرة نقول: يجب على الحاج القادم من مصر القاصد توًّا إلى مكة المكرمة دون أن يتخلَّف في جدة أن يُحرِم في «رابغ» بعد الاغتسال والنية وصلاة ركعتين، ومن أراد التخلف في جدة فعليه أن يُحرِم إما من جدة أو عند الأعلام قبل دخوله مكة، (والأعلام هي الفاصلة بين الأرض الحرام والأرض الأخرى)، ومن كانت نيته التوجه أولًا إلى المدينة المنورة فعليه أن يحرم بعد عودته منها في «أبيار علي».
ويعتمر الشامي من «الجحفة»، بينها وبين مكة المكرمة خمس مراحل، والنجدي من «قرن»، جبل، واليمني من «يلملم»، بلدة بعيدة عن مكة المكرمة، ومن أراد من الحجاج أن يأتي بعمرة أخرى فعليه أن يخرج من مكة المكرمة إلى ما وراء «الأعلام» أو إلى «جعرانة»، وهي مكان يبعد عن مكة المكرمة ست ساعات على ظهور الإبل، وحوالي أربعين دقيقة بالسيارات، فيخلع ملابسه ويغتسل، ويقص من شعر رأسه وأظافره إلى آخر ما وضَّحنا من شرائط الإحرام بالعمرة، ثم ينوي الإحرام بالعمرة ويصلي ركعتين، ثم يقدم مكة المكرمة معتمرًا ويلبس غير المخيط من الثياب.
وقد اختلف الفقهاء في التوقيت الخاص بالعمرة، فمن قائل إنه من عمل الرسول ﷺ ومن قائل إنه من عمل عمر رضي الله عنه.
وقيل إن إتيان عمرة في رمضان بمثابة حجة مع رسول الله ﷺ.
ومن الناس من ينوي العمرة غير مُحرِم، إما لمرض — وهذا جائز؛ لأن الدين يُسر لا عُسر — وإما اعتمادًا على يساره وغناه، فيذبح طَلِيَّيْنِ ويدخل إلى مكة المكرمة بملابسه العادية، ولكن مثوبة العمرة في الإحرام؛ لأن هذا التيسير الذي نزل به الشرع قصد به المرضى وغير القادرين على الإحرام لأعذار شرعية قهرية أخرى، أما من قدر على العمرة بالإحرام فعليه أن يؤدِّيها.