٢

خارطة: النيل يدخل بحيرة ألبرت ثم يخرج منها.

•••

ما إن يخرج النيل من بحيرة ألبرت، حاملًا اسم صاحبها المحظوظ، الذي يحاول ديناصور آخر كبير يحتكم على النصف الغربي من البحيرة، أن يحل محله، بحيث يصبح اسمها «بحيرة موبوتو سيسي سيكو»، حتى يتبعثر في متاهات من القنوات والبحيرات والبرك المتعددة حتى يبلغ «الحدود» السودانية.

***

الخارطة: الحدود الشمالية لأوغندا مع السودان.

•••

إنه المصطلح الذي سنجده على الخرائط، ولن نجده على الطبيعة، لا لأي سبب جغرافي؛ وإنما لسبب أصبح الآن مألوفًا لدينا.

***

من الأرشيف: مخيمات اللاجئين والنازحين.

•••

فمخيمات اللاجئين من السودانيين الجنوبيين الهاربين من الحملات العسكرية لحكومة الخرطوم، تنتشر على جانبَي الحدود السياسية التقليدية بحيث تكاد تخفي كل أثر لها.

***

خارطة السودان.

***

من الأرشيف: مونتاج من الصور للقرى والقبائل والرقص.

•••

فلعنة مضاعفات التخلُّف قد أصابت أيضًا أكبر بلد في أفريقيا، التي تمتد مساحتها ٢٥٠٥٨١٣ كيلومترًا مربعًا، وتضم ٥٠٠ قبيلة، يتحدَّث أفرادها أكثر من مائة لغة، وعدة بيئات طبيعية متمايزة (سافانا وصحراء وجبال ومستنقعات هائلة) وألوان من التقاليد المتباينة والأغاني والرقص. فبعد أن حصلت على الاستقلال سنة ١٩٥٦م، سقطت في شراك حرب أهلية استمرت طيلة ١٧ سنة، راح ضحيتها نصف مليون قتيل و٧٥٠٠٠٠ لاجئ (انتقلوا إلى مناطق الحدود الجنوبية، بينما استقبلت السودان على الحدود الشرقية ٤٠٠٠٠٠ إثيوبي هارب من وجه الجنرال الماركسي).

***

الخارطة: الحدود الشرقية للسودان ثم الشمال والجنوب.

•••

ففي الشمال، حيث يعيش أغلب السكان البالغ عددهم ٢٦ مليونًا، خلق الإسلام واللغة العربية وحدة معينة، أعطت لسكانه فرصة السيطرة على المقدرات الاقتصادية والسياسية للبلاد، لكن الجنوب الأفريقي يتألف من قبائل عديدة مختلفة لكلٍّ منها لغتها وعاداتها.

***

من الأرشيف: جعفر النميري، تصفية الحزب الشيوعي السوداني.

•••

وتسبَّبت هذه الحرب في انقلابات عسكرية متتالية جاءت في ١٩٦٩م إلى السلطة بالجنرال جعفر النميري، الذي دافع عنها في استماتة قادته في اتجاهات متباينة، فبرز بعد سنتَين وهو يتابعُ (وزجاجة ويسكي لا تفارق يده وفمه) التصفيةَ الجسدية لزعماء الحزب الشيوعي، الذي كان أكثر الأحزاب العربية جماهيرية.

***

من الأرشيف: الاتفاق بين النميري وزعماء الجنوب.

•••

وفي السنة التالية، ١٩٧٢م، تمكن من إنهاء الحرب الأهلية بتقديم بعض التنازلات إلى الجنوبيين، تضمنت إشراكهم في السلطة، ومنح المناطق الجنوبية حكمًا ذاتيًّا، لكنه لم يلبث أن أشعلها من جديد بعد عشر سنوات، عندما اكتشف أنه بدَّد ثروة البلاد، واحتاج إلى سند شعبي لديكتاتوريته، فأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية.

***

من الأرشيف: النميري يعلن تطبيق الشريعة الإسلامية.

•••

إن التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية أمر شديد التعقيد، ويمكن أن يتضمن أمرًا مستحيلًا؛ وهو تأمين أفراد الشعب تأمينًا تامًّا ضد الجوع والمرض؛ ولهذا اقتصر النميري على ما يسمى بالحدود أو العقوبات وهي قطع يد السارق، ورجم الزاني، وتحريم شرب الخمر. وأثار هذا غضب الجنوبيين الذين يتألفون من مسيحيين ووثنيين، فضلًا عن أن مشروباتهم الوطنية هي من الحبوب المخمرة، وأنها كما في حالة الأوغنديين، بعض ما تبقَّى لهم من أوجه محدودة للتسرية عن النفس، فإنهم كانوا يعرفون جيدًا غرام النميري بالزجاجة العتيقة.

***

من الأرشيف: حالات تطبيق الشريعة الإسلامية (قطع يد …).

•••

وخُيِّل للأخير أنه قادر على سحق مقاومتهم، لكنه لم يتمكن؛ فقد أصبح لهم جيش قوي يقوده كولونيل سابق في الجيش السوداني هو جون جرنق.

***

من الأرشيف: جون جرنق.

•••

إن جرنق حائز أيضًا على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة Iowa الأمريكية. أما موضوع الرسالة فهو قناة جونجلي.

***

خارطة قناة جونجلي.

•••

من بين ما تسببت فيه هذه الحرب من أضرار، تعطيل مشروع قناة Jonglei بطول ٣٦٠ كيلومترًا، والتي كان من المفروض أن تتيح إنقاذ عشرين بالمئة من مياه النيل الضائعة في مستنقعات الصُّد، وثلث المياه التي يبددها التبخر، فضلًا عن استصلاح ٤٠٠ ألف فدان من الأراضي الزراعية، ولا تقف أهمية القناة عند هذا الحد؛ فمشروعها تنموي يشمل مستشفيات، ومدارس، ونقط بوليس، وخلال فترة العمل الابتدائية اختفت المستنقعات وأمراضها المتوطنة.

***

من الأرشيف: تطورات العمل في قناة جونجلي.

•••

والذي حدث أنَّ ثوار الجنوب اعتبروا المشروع محاولةً جديدةً من الشمال لاستغلالهم، فأغاروا على موقع العمل في ١٩٨٣م عدة مرات، حتى أجبروا الشركة الفرنسية C.C.I. على وقف العمل.

***

مقابلة مع الدكتور منصور خالد.

•••

نائب رئيس لجنة الأمم المتحدة للبيئة منذ بداية الثمانينيات، ووزير خارجية السودان منذ ١٩٧١م حتى ١٩٧٩م مع النميري، وأحد مهندسي اتفاق أديس أبابا في ١٩٧٢م الذي أنهى ١٦ سنةً من الحرب الأهلية. اختلف مع النميري عندما ألغى النميري الاتفاق في ٧٩، وأعلن نفسه إمامًا؛ فترك الوزارة، ثم انضم للحركة الجنوبية في ١٩٨٤م.

***

- دكتور خالد … أنت مسلم، عربي، ومن أبناء الشمال، فماذا تفعل في قيادة حركة التمرد في الجنوب؟

•••

- المشكلة ليست جنوبًا وشمالًا، كما أنها ليست إسلامًا ومسيحية. وليست ضد العربية؛ فاللغة العربية حلقة التواصل وجرنق يخاطب جنود الجبهة باللغة العربية، فما يعاني منه الجنوب الآن تعاني منه مناطق أخرى مثل دارفور والنوبة، وأغلب أهلها مسلمون؛ وبالتالي فهدفنا هو تحرير كل هذه الأقاليم من هيمنة القوى السياسية المتخلفة للشمال النيلي.

***

- هناك من يتهمونكم بأنكم تَدعُون لانفصال الجنوب؟

•••

- أخذت القضية بُعدًا جديدًا بعد وصول الجبهة الإسلامية الحاكمة إلى الحكم؛ فهي تملك أجندةً خاصةً تقوم على الأسلمة القهرية لكل السودان، هذا الاستقطاب الحادُّ جعل استحالة وجود أرض للوفاق، فبرزت تيارات في الجنوب تدعو للانفصال، أي باستحالة الاتفاق مع الشمال، بينما التيار الرئيسي يرى أنه من الممكن، بالتعاون مع القوى السياسية الأخرى، أن يتحقَّق سودان جديد يمكن أن تتعايش فيه الديانات والأقليات المختلفة في ظل دستور جديد، وإعادة توزيع السلطة والثروة، لكن موقف حكومة الخرطوم لا يسمح بأي حل سلمي للقضية.

***

- ما هو الوضع الآن بعد عشر سنوات من النضال؟

•••

- لأول مرة الآن كل القوى السياسية في السودان، وليس نحن وحدنا، تتحدث لغة جديدة، لأول مرة الحديث عن هُوية سودانية لها أبعاد عربية وإسلامية أخرى، وبدأ الحديث عن ضرورة اللامركزية وإنهاء هيمنة الخرطوم.

***

- لكن الأنباء تتحدث عن انتصارات لحكومة الخرطوم واستعادتها لبعض المدن؟

•••

- حققت حكومة الخرطوم بالفعل بعض الانتصارات في السنتَين الأخيرتَين؛ تتمثَّل في إعادة احتلال بعض الحاميات، لكن ظلت كل واحدة منها محاصرة بقواتنا. إن الحركة تسيطر اليوم على كل إقليم غرب الاستوائية، وأجزاء من شرق الاستوائية، وبحر الغزال وهي منطقة بحجم ثلاث دول أفريقية مجتمعة هي أوغندا، ورواندا، وبوروندي. وفي منتصف ١٩٩٤م عقدت الحركة مؤتمرها الأول الذي فصل بين السلطة العسكرية والإدارية، وأقيمت إدارات مناخية في هذه المناطق.

***

من الأرشيف: جون جرنق يتحدث في احتفال لقواته بمناسبة يوم المرأة العالمي.

•••

إن الحركة الشعبية التي يقودها جرنق تحاول أن تقدم نموذجًا مستنيرًا، ومتقدمًا لصورة المجتمع الذي تبغيه للسودان، ولا يُخفِي زعماء الحركة شعورهم بالمرارة تجاه موقف بعض الدول العربية والأفريقية، وموقف فرنسا التي يتهمونها بمُمَالأة حكومة الخرطوم، وتزويدها بصور الأقمار الصناعية لمواقع قواتهم على أمل استئناف التنقيب عن البترول في مناطقِ الامتيازات الضخمة التي حصلت عليها في الجنوب.

***

منصور خالد في المقابلة:

•••

فرنسا لها موقف غريب؛ فهي تمالئ نظام السودان وتدعمه بصورة مباشرة وغير مباشرة.

***

خارطة لمناطق الحركة الشعبية والقصف الشمالي.

***

من الأرشيف: طيور الكركي بأطرافها النحيلة، وأعناقها الرفيعة، ورءوسها الصغيرة، وسيقانها الدقيقة التي تستخدمها بالتتابع، فتقف بالساعات فوق قدم واحدة معتمدة على ركبة الساق الأخرى.

المشهد المألوف في هذه المنطقة من المستنقعات (التي يزدهر بها ٦٣ نوعًا من البعوض).

***

من الأرشيف: رجال القبائل النيلية في نفس الوضع وخاصَّة الدنكا.

•••

اﻟ Dinka الذين ربما هم أطول شعوب العالم قامةً، وأسودهم وجوهًا، وأكثرهم تقدمًا — في رأي البعض — لأنهم يتركون لنسائهم كامل الحرية في العلاقات الجنسية خارج الزواج.

***

من الأرشيف: نساء القبائل النيلية.

•••

وتمارس قبائل أخرى في المنطقة هذه الحرية، لكنها تختلف في درجات الدهاء؛ فبينما يعاقب اﻟ Banjara الخيانة الزوجية بسطل من البيرة يشربها الزوج المخدوع، فإن اﻟ Shilluk يفرضون على المرأة أن تعترف بعد مولد أول طفل لها بمن نامت معه، إضافة إلى زوجها، ويتعيَّن على كل واحدٍ من هؤلاء أن يكفِّر عن ذنوبه بأن يقدم ثورًا إلى الزوج.

***

من مجلة ناشيونال جيوجرافيك، الشيلوك وملكهم.

•••

إن الشيلوك الذين يميزون أنفسهم بصفٍّ من الندوب البارزة، على شكل حبات الخرز يحدثونها في جباههم، يعيشون في إفريز من القرى على الشاطئ الغربي شمال الصُّد، ويزرعون الذرة الحلوة، ويرعون الماشية. وما زال لهم ملك مقدس، مرهوب الجانب، لا شأن له بحكومة الخرطوم، هو تجسيد للسلف الأسطوري للقبيلة Nyikang. وعندما يموت الملك يتم انتخاب واحدٍ جديدٍ، يجب أن يكون خاليًا من العيوب، حتى لو كانت سنًّا مكسورة؛ لأنَّ سلامته الصحية ترمز للقبيلة كلها، وحتى سنة ١٩٨٥م كان الملك الثالث والثلاثون Ayang Anei Kur يعيش في قريته الملكية المؤلَّفة من أكواخ صغيرة على مبعدة ثلاثة أميال من النيل، يجلس في فناء مفتوح متربعًا فوق منصة صغيرة، مغطاة بجلد فهد، حوله مستشاروه، ويحمل في يده اليمنى منشة للذباب، وفي الأخرى صولجانًا، وعلى الأرض إلى جواره جهاز ترانزستور كبير يصدر منه ضجيج موسيقى الروك الأفريقية، وكوم من الشرائط الموسيقية، ومبصقة! فهو كبقية رجال القبيلة يتعاطى المُضغة، لكن يحرم عليه أن يلمس بصاقُه الأرض. وبعيدًا عن مرمى بصقته، ينحني الرعايا من أصحاب الالتماسات في خضوع، ويلمسون الأرض بأطراف أصابعهم.

***

من الأرشيف: النوير. الأكواخ، شجرة آدم. الزينة.

•••

بالقرب من حافة الصُّد أيضًا تقع أكواخ اﻟ Nuer التي تشبه قطرات من الشكولاتة السائلة، بين نخلات الدوم وحقول الذرة. ويتميز أصحابها بالرشاقة والجمال؛ ولهذا يسيرون عرايا ويتباهون بأجسادهم، كما يفعل الأوروبي بملابسه، لكنهم على عكسه لا يتعرون من أجل اكتساب اللون الأبيض، وعلى عكسه أيضًا يعرفون المكان الذي خلق عنده آدم، إلى جوار شجرة معينة لديهم، وفضلًا عن مستوى جمالهم الواضح، يميزون أنفسهم عن القبائل الأخرى بالندوب المعهودة التي تغطِّي الوجه كله حول العينَين والفم والوجنتَين في صفوف منتظمة.

***

من الأرشيف: فتاة من قبيلة مونداري.

•••

ما إن تصل الفتاة من قبائل Mondari إلى سن البلوغ، حتى تحيط سرتها بندوب بارزة على شكل العنكبوت أو نجمة معقدة التكوين، متعددة الأفرع، تؤلف مثلثًا مثيرًا مع نهدَيها القويَّين العاريَين؛ لأنها لا تغطي سوى عانتها. وهنا تستطيع أن تفهم سر الحماس الملتهب الذي قاد أولئك المستكشفين العظام، القادمين من أوروبا فيكتورية، وجعلهم يتحملون كل أنواع الأخطار حتى وصلوا إلى «سرة» أفريقيا، ثم رووا لنا مغامراتهم دون أن يشيروا بكلمة واحدة إلى ما فعلوه بأجسادهم، مؤكدين على إخلاصهم للجغرافيا بمثل ما برر جوجان فراره إلى تاهيتي بإخلاصه للفن.

***

من الأرشيف: صور مكتشفي منابع النيل: بيرتون، بيكر وستانلي، سبيك، جرانت.

•••

وعلى أي حال، فإن المرأة البيضاء التي تزجج حواجبها، ورموشها، وتلهث وراء تصفيف جديد لشعرها كل فصل طقسي، وتحني رأسها تحت ثقل السلاسل الفضية المدلاة من كل مكان في رأسها ورقبتها، ليس لديها ما يدعو للضحك على الخطوط المنقطة المرسومة على وجه أختها السوداء، والسلاسل الحديدية المدلاة من أذنَيها، والتصفيفات المعقدة للشعر، والزخارف الملونة لكل أجزاء جسدها.

***

من الأرشيف: مقارنات بين الموضة النسائية الأوروبية وزينة نساء القبائل.

•••

إن ملوك الموضة، الذين أوشكت جعبة الابتكار لديهم على النفاد؛ اتجهوا صوب هؤلاء البدائيين، يحدوهم الأمل في أن يجدوا في زينتهم الساذجة ما ينقذ مستقبلهم المهدد.

***

من الأرشيف: مقارنة بين عري المرأة الأوروبية وعري الأفريقيات في الماضي، وتغطيتهم الآن لأجسادهم.

•••

ولعل الأمور تغيرت بعض الشيء على الأقل فيما يتعلق بالعري؛ فبينما كان الرجل الأوروبي مشغولًا في محاولة إقناع المرأة الأوروبية بالتخفيف من ملابسها، لدرجة العري الكامل انطلاقًا من شعارات أخلاقية، كان يبذل نفس المجهود، مستخدمًا شعارات أخلاقية أيضًا، في إقناع الأفريقيات بتغطية أجسادهن، عن طريق شراء القمصان والفساتين التي أنتجتها مصانعه من القطن الذي اشتركْنَ في زراعته.

***

من الأرشيف: الزواج عند القبائل النيلية.

•••

لكن الحب هنا، على ضفاف أعالي النيل، ما زال أكثر أخلاقيةً منه لدى الرجل الأبيض؛ فلا تتزوج فتاة من بنات القبائل رجلًا بسبب ثرائه، وإنما تختار من تحبه، فعندما يصبح ثدياها في حجم قبضتي يديها، تلقي فتاة قبيلة Luri بوردة حمراء على الرجل الذي أعجبها، وتهيئ لها القبيلة على الفور خيمة خاصة لهما، فإذا حملت لا بد أن يشتريها، أي يتزوجها.

***

من الأرشيف: نيل منطقة الصُّد.

•••

الإبحار في نيل منطقة الصُّد، بفروعه، وقنواته المتعددة، صعب بسبب الجزر العائمة من الزنابق (ورد النيل) والأعشاب، التي تخفي تحتها، مثلما تفعل قمة جبل الثلج العائم في المحيط، شبكات من الجذور والتربة والنباتات المتحللة، ملتحمة في كتلة صلبة.

***

الباخرة.

•••

البواخر العابرة تتألف الواحدة منها من خمسة مراكب للبضائع، تم وصلها بعضها ببعض وهي وسيلة النقل الرئيسية من Juba، أقصى نقطة تسيطر عليها حكومة الخرطوم، إلى Kosti خلال موسم الأمطار، وتحمل كلٌّ منها حوالي الألف نسمة (مع مراتب نومهم ومواقد الفحم الخاصة بهم) يتجمعون فوق السطح من أجل التنفُّس، مسافة ٩٠٠ ميل، تستغرق في أحسن الحالات ستة أيام لكن قد تمتد، نتيجة الأعطال أو الجنوح، إلى ستة أسابيع.

•••

خارطة الطريق من جوبا إلى كوستي.

***

من الأرشيف: مظاهر الحياة في الشمال: البيوت بدلًا من الأكواخ، والجلاليب البيضاء.

•••

خلال ذلك تظهر علامات التغيُّر على الجنة: الأدغال الكثيفة، التي تلعب القرود بين أغصانها تتحول بالتدريج إلى أراضٍ شبه صحراوية، وبشرة الرجال تخف دكنة سوادها، وتظهر الجلاليب البيضاء فوق أجساد الرجال، تتبعها بعد قليل عمائم من نفس اللون، وتتغطَّى النساء، والعناقيد المفتوحة من أكواخ خلايا النحل تفسح المجال لبيوت مسورة مغلقة على سكانها، لكن النيل سرعان ما يكشف عن وجه مثير من أوجه تحولاته.

فهو يجري بلا منحدرات وسط المستنقعات، ثم الصحراوات، لكنه لا يتبخر أبدًا؛ ففي الصيف عندما تجفُّ الأنهار الأخرى تكون مياهه قد وصلت إلى أعلى منسوب لها، ورغم أنه أقل وفرةً من الكونغو أو الدانوب؛ فإنه يواصل الجريان في ظروف أكثر صعوبة، خلال أراضٍ جرداء غير ممطرة، ويظل مع ذلك قادرًا على تعويض حاجة الأرض من المياه، كل ذلك لأنه، حاملًا اسم النيل الأبيض، يلتقي عند الخرطوم بقرينه، النيل الأزرق المنحدِر من هضاب الحبشة.

***

خارطة النيلَين والتقاؤهما عند الخرطوم.

•••

وكالعادة في أمثال هذه التسميات، فإن النيل الأبيض ليس أبيضَ أبدًا، والأزرق كذلك؛ فالأول يبدو أخضر اللون في الربيع، وأحمَرَه بعد ذلك، ولا يصفو أبدًا ولا في الشتاء، أما الأزرق فهو صافي اللون عادةً، إلا عند الفيضان؛ فتسبح مياهه في لون الشكولاتة، التي يكتسبها من الهضبة الحمراء التي يجري خلالها، مانحًا الحياة لغرب إثيوبيا وشمال السودان وكل مصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥