الوصول إلى نهاية السَّبق … حيث أكل النبق أو يصدق النبأ
(يدخل سعدون وهو يتأمَّل ما حوله من فخامة، ثم يتبعه شحاتة أنهكه
التشرُّد والتفكير المتفجر في رأسه … يجعله أكثر نبالةً وعقلًا.)
سعدون
:
كده بقى وصلنا لغاية المُراد من ربِّ العباد … ده قصر بحق وحقيق، صاحبه أمير
حقيقي وتشريفة حقيقية لا حمَّارة ولا خمَّارة.
شحاتة
:
قلبي بيقول لي المرة دي بالذات وصلنا لخمَّارة … يا سعدون!
سعدون
:
لأ بأه … إنت بتحب المخالفة … إذا كان الأمير هو اللي دعانا بعد ما عرف
قيمتنا … حاسس إنه حيوهبني أكبر طابية عنده.
شحاتة
:
مش حاسس هنا أي نسمة محبة، ولا شامم ريحة صدق اللي دايمًا بتدل قلبي … «شامة»
مش هنا يا سعدون!
سعدون
:
طب والطابية؟
شحاتة
:
يمكن تكون هنا طابية … لكن المؤكد أن المكان ده مش المكان اللي بيدخلوه
الفرسان إلا عشان يهدوه على دماغ اللي فيه.
(يدخل الوالي مرِّحبًا.)
الوالي
:
مرحبًا … ببطل الأبطال وسيف الرجال … وفارس الهول المهول … محرِّر عبيد الأسطول
… الفارس العاشق اللي الدنيا بتحكي عنه عرْض وطول.
شحاتة
(متحفِّظًا)
:
مَن أنت يا هذا؟ … ومن أين تعرفني؟
الوالي
(سعدون يحاول تخفيفَ التوتر بحركاتٍ صامتةٍ وتحذيرات)
:
مَن أنا؟! … شُفت يا صديقي … مستغرب إني أعرفه … أنا الأمير اللي حيختم بالمجد
رحلتك العبقرية … حتنول ما تشتهي … أيًّا كان … عندي تفويض من السلطان.
سعدون
:
أنا يا باشا لي في ذمتكم طابية … صغيرة … قد كده! كان وعدني بها سي اليزل أول
ما جينا نشتغل.
الوالي
:
اختار أي طابية … تبقى لك … وده وعد زي وعده … تمام.
شحاتة
:
لا أعرف … إن كان حُسن حظك وضعني في سكتك … والَّا سوء حظِّي هو اللي رماك في
طريقي … أنا … (مقاطعًا.)
الوالي
:
وفيلسوف كمان! … فارس وصاحب فلسفة … ده هو الكمال بذاته … الكمال اللي حيجعل
لصبرنا معنى خطير … ولانتظارنا …
شحاتة
(مقاطعًا)
:
كنت أفضِّل لو كانت «شامة» هي اللي في انتظاري.
الوالي
:
وهي في انتظارك فعلًا.
شحاتة
:
مش ممكن … في الأمر شيء غريب أو مريب!
سعدون
:
جرى إيه يا سي اليزل … ما غريب إلا الشيطان!
الوالي
:
لا يا سعدون … فعلًا … فارسنا له حق في إحساسه، للأسف الشديد مش ح اقدر أخبِّي
عليه الأمر المحزن اللي حصل، لكن وشرف السلطان العثماني … أنا حاولت بكل ما أملك
منْع الكارثة … لكن أنا مش فارس، وماعنديش الكفاءة عشان أتصدى «لسقرديون» اللي
هاجمنا امبارح … وسخط «شامة» وشوَّه جمالها … آه! أنا حاسس بالعار … ويا ريت
تتقبَّل أسفي.
شحاتة
:
مستحيل! (يخاطب سعدون ويلومه.)
هذا عقابي العادل … لأنني استمعت لنصيحتك القاصرة … وهربت بجلدي كالأرنب …
هيَّ فين؟
الوالي
:
الصبر يليق بالفرسان … وبالإنسان الكبير القلب اللِّي زيك … حتشوفها بالتأكيد
… اهدأ … كل شيء حيكون على ما يرام.
(يأخذه ويمضي مواسيًا … وبإشارةٍ خفيةٍ يدخل بعض الجنود والسُّياس
يحيطون بسعدون ويحجزونه … وهم يرحِّبون به.)
سعدون
:
هو ده وقته يا سي اليزل؟! … مش كنت تخلينا في الهم!
(السُّياس يحاولون مجاراته لكسبِ ودِّه.)
كانت حبيبته طول الوقت تحت مناخيره … وف بيته … ومش شايفها، عايزها أميرة، يوه
… مش كنا خلصنا الطابية وبعد ساعة وحياتكم أنقذ له أميرته دي … سواء من خمَّارة
البوظة أو من تراب الفرن … وأقدمها له على طبق … فضة حقيقي. بس أستلم مفاتيحها
وحتشوفوا يا عيال … أنا ح اعمل إيه في التاريخ … والنبي … لاعمل فيه زي
الحدَّاد ما بيعمل في حتة صفيح … كده هه …
سايس
:
تقدر؟
سعدون
:
إنتم مين؟
سايس
:
إحنا ولاد كار، سيَّاس خيل وحمير الوالي … جايين نرحب بك.
سايس
:
أهلًا بأشهر سايس بين سيَّاس العصر والأوان.
سعدون
:
أنا؟!
سايس
:
وصديق أشهر الفرسان.
سعدون
:
أنا؟!
سايس
:
إنت مش عارف قيمتك والَّا إيه؟!
سعدون
:
مرحبًا، وعايزين إيه؟
سايس
:
اسمع بقى … إحنا دلوقتي لوحدنا … إحنا أخوات.
سايس
:
وأولاد كار.
سعدون
:
أي خدمة … تحت أمركم.
سايس
:
إحنا دلوقتي لا معانا سادة ولا سلاطين.
سايس
:
إحنا المولودين العايشين في الطين.
سايس
:
المنحطين.
سايس
:
نتكلم مع بعض بصراحة … زي همه ما بيتكلموا دلوقتي مع بعض.
سعدون
:
همَّه مين؟
سايس
:
أسيادنا … سيدنا وسيدك.
سعدون
:
أولًا هو مش سيدي … هو صاحبي … إنما دكهه سيدكم مش صاحبكم.
سايس
:
الفرق مش مهم قوي … كلهم أسياد مع بعض واحنا خدم.
سعدون
:
لأ … فيه فرق … هو صاحبي وانا مش خدامه … وبعد شوية أنا ح ابقى حاكم طابية قد
الدنيا.
سايس
:
لا يا شيخ!
سعدون
:
طبعًا … أنا حاكم طابية … إزاي بقى الرءوس تتساوى؟!
سايس
:
طب ما انا مَلك الاصطبل!
سعدون
:
بتنكِّت؟ … إنت لا حاربت ولا اتغرَّبت … ولا ضربت وانضربت، أنا دفعت عشان حكم
الطابية دي كتير قوي … دم وعرق وجوع ودموع … وألم …
سايس
:
يا عم روق. إنت تعرف صاحبك المجنون ده من كام سنة؟
سعدون
:
لو قلت عليه مجنون تاني … ح اقول ع الوالي إنه أعرج وأعور وأعمى كمان …
وشحَّات.
سايس
:
بس ده مش حقيقي … الوالي لا أعرج ولا أعمى … ده أمير وعاقل.
سايس
:
بس … ماتلاوعناش … واعترف.
سعدون
:
أعترف بإيه؟
سايس
:
بالحقيقة.
سعدون
:
وانتم تعرفوا إيه عن الحقيقة؟ … وانتم مابتشوفوش غير تحت رجليكم! الجلَّة
والزبل والتبن والطين … عايشين بين رجلين البهايم … تعرفوا إيه عن الحقيقة …
الحقيقة اللي أعرفها عنه أطول من السكك اللي مشيتها معاه … وأقوى من الشوم
والعصيان اللي دقَّت على دماغي وكسَّرت ضلوعي.
سايس
:
ده باين أجن من سيده!
سعدون
:
قلت لك مش سيدي، ده صاحبي.
سايس
:
إنت بتخرف أكتر منه.
(يبدءون في زغده وضربه.)
سعدون
:
اسمع … أوعى تفكر إن أنا خايف أرد عليكم عشان في قلعتكم لا … أنا بأرد دلوقتي
بلساني … لكن أقدر أرد بإيدي وبأسناني … آه!
سايس
:
إنت فاكر نفسك فارس إنت كمان يا معَّار … إنت ولا حاجة … واهبل زيُّه.
سايس
:
وحيمشي ورا المجنون مين غير الأهبل … يا أهبل!
سعدون
:
أهبل؟ لا … فليكن في علمكم أنني خرشمت ودشدشت ناس زيكم!
(تزداد سخريتهم ويناوشونه.)
صحيح كانوا حمَّارة … لكن واضح إنهم كانوا أشرف منكم.
(يضربونه.)
آه يا غجر … أيوه … أنا كمان هربت معاه من القلعة بعد ما غلبنا الحراس
… آه … وانا اللي كسرت الأقفال بتاع المساجين … يا أولاد الكلب!
(يصرخ في وجههم فتزيد سخريتهم به.)
سايس
:
أمك اسمها طابية.
سايس
:
يا سلام سلِّم … الطشت بيتكلم.
سعدون
:
باتكلم وباضرب كمان … أنا مش هفيَّة … آه!
سايس
:
طب خد … اعدل لسانك المعووج.
سعدون
:
ماتضربش … قلت لك!
سايس
:
خد … عشان تعرف تكلم أسيادك.
سعدون
:
يا غجر يا مجرمين … الحقني يا سي اليزل … كلامك صح … دي لا يمكن تكون إلا
خمَّارة … ودول حمَّارة … آه … ضربهم شبه ضرب الحمَّارين.
الوالي
(يدخل الوالي وشحاتة)
:
ولد! … امنع الضرب يا ولد … يا غجر يا بقر، إزاي تضربوا ضِيوفي يا كلاب!
شحاتة
:
لا تتدخَّل … لأنه قادر على تشتيت شملهم.
سعدون
:
يا سي اليزل دول أحمر من الحمَّارة … ملعون أبوها الطوابي … إذا كانت فيها
إهانة كده!
الوالي
:
لا يا سعدون … الطابية بقت بتاعتك خلاص … اعتبر نفسك حاكم عليها من دلوقتي …
ده فرمان.
(يتباهى أمام السيَّاس المنحنين أمام الوالي.)
طول الوقت بافكر إنت ستستلم طابيتك منِّي أنا … إنما انتم يا غجر … فحسابي
معكم بعدين … امشوا … واحبسوا أنفسكم في المطبخ عقاب لتطاولكم على سيادة الحاكم
… يا كلاب!
(يخرجون.)
سعدون
:
المطبخ؟ … تسمح لي أتحبس معاهم … وبعدين نرجع نسوِّي أمور الحكم يا مولاي …
أنا أصلي مايخففش من مواجعي قد ريحة المطبخ.
الوالي
:
إنت دخلت التاريخ … ولا يمكن لمن يحكم طابية أن يأكل مع السيَّاس.
سعدون
:
ماتعقَّدهاش، أنا حاكم شعبي.
الوالي
:
لا تبدأ حكمك بالتنازل … اصبر فهناك وليمة تليق بالملوك في انتظارك … أنت
صرت منَّا … وأكثر … فأنت الوحيد الذي شاهد أمجاد فارسنا الهمام … أنت الشاهد
الحي … الذي رأى كل شيء.
(جونج.)
الحاجب
:
مولاتي الأميرة …
(تدخل امرأة محجَّبة معها وصيفة.)
شحاتة
:
شامة؟! … (يُسرع ويمسك يدها ويركع معتذرًا) … لن أسامح نفسي لأني تركتك وهربت
… وعطيت الساحر الشرير الفرصة يعمل عملته الدنيئة.
(الوالي يخفي ضحكاته وتكشف الزوجة عن خِمارها …
ويضحكان.)
ماكنتش متصور إنه شوَّه جمالك لهذه الدرجة البشعة!
(الوالي يُفاجأ … وتحس الزوجة بالإهانة.)
يا لدناءة ما فعل! … لقد حوَّل أنفك إلى منقار بطة، لا بد أن يُعاقب على هذه
الجريمة.
الوصيفة
:
يا أعمى القلب، دي مولاتي زوجة الوالي.
سعدون
:
ضاعت الطابية!
شحاتة
:
إذن فإنه لم يكتفِ بتشويهها … وإنما لوَّثها … وزوَّجها من غيري.
(الزوجة تصرخ ويُغمى عليها.)
الوصيفة
:
ده مش مجنون وبس … ده حمار كمان!
الوالي
:
إنك تُخطئ كثيرًا يا فارس الفرسان.
هذه زوجتي … ألا تستطيع أن تُفرِّق بين حبيبتك وحبيبة غيرك؟
سعدون
:
آه … المسألة اتعقَّدت!
شحاتة
:
إذن فهو لم يكتفِ بتشويه حبيبتي فقط … بل شوَّه زوجتك إلى هذه الصورة البشعة!
سعدون
:
كحَّلها قام عماها!
الوالي
:
مش عارف إن كان فيه باقي ف مخك ذرة واحدة من فهم؟
شحاتة
:
لك حق … أحس بالتعب منذ دخلت إلى هنا، سأخرج لأشم قليلًا من الهواء النقي
… المكان ده مليان هوا فاسد وملوَّث.
الوالي
:
حاول تفرَّغ الهواء الفاسد اللي جوه نافوخك.
سعدون
:
خدني معاك يا سي اليزل … ماتسبنيش وحدي هنا.
(يخرج شحاتة والوالي يعترض سعدون.)
الوالي
:
دعه يا صديقي، سنبقى هنا لنتحدث في شئون الحكم … سنتكلم كحكام نفهم حقيقة
تخاريف صاحبنا اللي مش حاكم … إيه اللي حصل؟
سعدون
:
ماحصلش أي حاجة … على الأقل أنا ماعملتش أي حاجة وحياة دقنك.
الوالي
:
ماتخافش، أنا عارف إنك ماعملتش حاجة، إنت غلبانة، هو اللي غواك وضحك عليك.
سعدون
:
ضحك عليَّه وغواني؟!
الوالي
:
طبعًا … إنت فلاح لا لك في الطور ولا في الطحين … إيه رأيك؟
سعدون
:
أنا رأيي أن الست بتاعة سيادتك أجمل أميرة في الدنيا … وعلى الأقل أجمل وأحلى
من مراتي.
(تكون الزوجة قد أفاقت.)
يا صلاة النبي … إيه!
الوالي
:
يا سعدون زوجتنا تحب الفلاحين … وعلى فكرة هي صاحبة الطابية اللي حتحكمها.
سعدون
:
الله!
الوالي
:
طبعًا … بس عايزة منك تحكي لها عن أعمال صاحبك المجنونة، احكي من البداية إزاي
فاتحك في الموضوع … ومين شُركاته؟ ومين اللي ساعده في تهريب المساجين؟ … واللي
ساعدوه على الهرب مين؟ وكده احكي … احكي لها!
سعدون
:
أنا مابحكيش عنه … الناس هي اللي بتحكي.
الزوجة
:
وانت … لسانك مقطوع … مش كنت معاه طول الوقت وشفت كل حاجة؟!
سعدون
:
أنا ما اقدرش أقول عنه أي حاجة … عشان أنا مابحبش الكدب.
الوالي
:
حنعتبرك شريكه ف كل جرائمه.
(ثم يتدارك غضبه.)
أنا أقصد بما إنك شريكه في بطولاته … احكي عن خططه، دانت الشاهد والراوي اللي
حيخلِّد ذكره في التاريخ.
سعدون
:
التاريخ؟ … تصدقوني لو قلت لكم … إن حماري بيفهم في التاريخ أكتر منِّي …
التاريخ كتابة … وانا أجهل من الفول الحِراتي.
الزوجة
:
لكن لك لسان فانطق!
سعدون
:
أقول إيه؟
الزوجة
:
اللي شفته … من أعماله!
سعدون
:
أعماله بتتكلم عن نفسها … ومش محتاجة دُهل زيِّي يحكيها، أنا لا شاعر ولا
مدَّاح.
الوالي
:
مش وعدك يعطيك طابية؟
سعدون
:
أيوه … لكن …
الوالي
:
من غير لكن.
كان ناوي يستولي على الطوابي العثمانية ويفرِّقها عليكم … مش كده؟
سعدون
:
يا عم لا … دي ليَّ أنا بس.
الوالي
:
طب فين الجيوش بتاعته؟
سعدون
:
جيوش … إنت بتصدق؟ … ده وعدني … وانا صدَّقته عشان هو راجل بيقرا ويكتب وانا
جاهل … زي ما انت وعدتني واجب عليَّه أصدقك.
الزوجة
:
وانت ماعندكش عقل تميِّز؟ … بتصدق كل اللي يتقال لك؟
سعدون
:
وما اصدقش ليه يا مولاتي … إنتم ناس أكابر … ومتعلمين، وعيب على واحد فلاح زيي
مايصدقش أكابره.
الوالي
:
اسمع يا تعلب انت يا مكار … بطَّل لف ودوران ح اسلخ جلدك، إزاي صدَّقته وانت شايفه
بيحارب الهواء … وبيقاتل الحجارة ع الطريق؟!
سعدون
:
لأنه مش ممكن يحارب ويقاتل وهو قاعد في بيته زي السلطانية.
الزوجة
:
ده فلَّاح قليل الأدب ولازم يتأدِّب.
الوالي
(متماسكًا يصدها)
:
واجبك إنك توضح لأهلك الفلاحين المساكين إنه بيشوف أشباح … وإن اللي حكوه عنه
كذب ف كذب … واللي سمعوه عنه أكذب وأكذب.
سعدون
:
وإذا كانوا سمعوا كدب همه ذنبهم إيه في دنيا كلها كدب ف كدب! … داحنا غلابة
قوي يا بيه.
الوالي
:
والغلابة لما ينخدعوا ف واحد زيه مش حرام؟ … ذنبهم في رقبتك!
سعدون
:
ربنا غفَّار الذنوب.
الوالي
:
إحنا مش عايزين الناس يتمسخروا عليه … ساعدنا نوضح لهم الحقيقة … عشان صورته
ماتبقاش مشوَّهة في التاريخ … وعشان مايقولوش إن فارس فوارسهم مجنون أو مهفوف.
سعدون
:
إذا كانت في الدنيا ناس دون وأشرار مالهمش شغلة إلا السخرية من خلق الله …
فسي اليزل حيقضي عليهم في يوم من الأيام.
الوالي
:
وانت طبعًا إيده اليمين.
سعدون
:
أنا معاه ع الحلوة والمُرة … هو الوش وانا القفا … خرجنا مع بعض وحنرجع مع بعض.
الزوجة
:
أو حتموتوا مع بعض.
سعدون
:
الآجال بيد الله.
الوالي
:
وتضيَّع حياتك من غير ما تعمل حاجة؟
سعدون
:
عملنا اللي قدرنا عليه (يتحسَّس ما به من آثار ضرب).
الوالي
:
آه … عملتوا إيه؟
سعدون
:
حاجات بسيطة، خلينا بنت مسكينة تحلم بحياة شريفة … وخلينا راجل نصَّاب يبطل
غش؟ وريحنا حبة مساكين من السخرة؟ ترقيع يا مولاي … حِتة عَدْل هنا، بسمة أمل هنا …
حاولنا نرقَّع وش عالم مايستحقش غير الحرق.
الوالي
:
وهرَّبتم المساجين عشان يساعدوكم في حرق العالم … مش كده؟
سعدون
:
افتكرهم مظلومين فخلَّصهم.
الوالي
:
أهه … اعترفت إنه اعتدى على الشرائع … وانت كنت معاه.
سعدون
:
ماتظلمنيش يا مولاي … دانا غلبان.
الوالي
(يعاود المكر به)
:
أنا أظلمك يا سعدون … معقول! … دانا حبيتك من أول ماشفتك … إحنا أصحاب وزمايل
… ولما تبقى حاكم حتيجي تزورني … وانا أروح أزورك … تشاركني في تجارتي وانا
أشاركك أفراحك … حكام بقى. وبالعكس حتكون إنت حاكم من نوع فريد … فلاح مصري
بيحكم طابية عثمانية، مجد لازم تقدِّم الدليل على استحقاقك ليه، حتبقى مسئول
قُدَّام السلطان عن الرعية وعن النظام … المجنون ده هو عيبك الوحيد … علاقتك
بيه بتشوِّه صورتك … أقول للسلطان وهبتُه أكبر طابية في ممتلكاتك يا سلطان وهو
بيكذب … ويخبِّي عليك؟! لازم أقول له إنك معانا … وإنك راجلنا اللي حيكشف
المجنون ده اللي عامل فارس!
(سعدون ينفجر في البكاء.)
سعدون
:
يا خسارة يا مولاي … بتتكلم زي السيَّاس بتوعك مع إنهم تربية الاصطبل … وانت
سيدهم … تصوَّر كانوا عايزيني أقول عن صاحبي إنه مجنون … إزاي أنطقها يا مولاي …
إزاي أفتري عليه وانا كلت عيش وملح معاه … وشاركني في أحلامه … أعطاني أعظم حلم
فيها … خلَّاني لأول مرة أحس إن أنا مش دودة … (يضحكان غضبًا) … ودي حاجة
بيتهيألي ماتضحكش، ممكن تضحكوا مننا عشان بنحلم في عالم مابيقبلش الأحلام …
عالم عينه فارغة … مايملهاش إلا التراب … لكن سي اليزل … خلَّاني أحلم أحلام
حقيقية … ممكن البني آدم منا يمسكها بايديه … لو كان أقوى شوية … أو كان أشرف
شوية أو أذكى بعضشي …
الزوجة
:
ده حمار ومهفوف زيه.
سعدون
:
ماتشتميش الحمير يا مولاتي … أنا كان ليَّ حمار بيفرق من أول نظرة … بين
الحشايش اللي تتاكل … والشوك السام … حمار أصيل لكن حتفهموا إزاي في الحمير؟
إلا إذا فهمتم إنني فاهم إنكم مش حتدوني الطابية إلا إذا بقيت كلب.
الوالي
:
أيها الناكر للجميل … سأسلخ جلدك!
(يدخل شحاتة فيتظاهر الوالي بالهدوء ويرحِّب به.)
شحاتة
:
أنا حاسس إن روحي بقت أصفى من ضوء القمر، وأكيد ح اقدر أشوف كل شيء على حقيقته
مهما اتخفَّى في صورة مخادعة يا سعدون … بتعيط ليه؟ مين هنا اتجرَّأ على تبديد
دموعك الغالية؟ … خايف عليَّه … ماتخافش يا سعدون؟ … أنا مش ح اموت إلا بعد عمر
طويل … الفارس مابيموتش قبل التابع، مش كده يا سعدون؟
سعدون
:
أنا مش بعيَّط … «اهئ» لكن أنا بادعي ربنا يحقَّق أحلامك وينجِّيك من شر السحرة
والناس الدون اللي يكرهو لك الخير.
شحاتة
:
ممكن أكون أضعف من إني أنازلهم كلهم … لكن ح احاول يا سعدون … وح اكون أقوى
وأقدر على مواجهتهم … ما دمت انت معايا.
سعدون
:
أنا دودة … يا دوب أنا دودة.
شحاتة
:
لا … لا يا سعدون لا … بعد كل المعاناة والألم مش ممكن الإنسان يفضل دودة …
مع بعض حنواجه كل أشرار الدنيا … وحتحكم طابيتك اللي تستحقها.
سعدون
:
ماعدتش عايزها … خلاص.
شحاتة
:
اهدا … أنا مش خايف ما دمت انت معايا … فماتخافش وانا معاك … قدامنا لسه كتير
… وفَّر دموعك.
أيها الأمير … أنا الآن على استعداد لمواجهة شر الدنيا كله لإنقاذ حبيبتي …
فأين سَجَنها الساحر؟
الوالي
:
مش عارف … خطفها وخلاص … وهربوا لما عرف بوصولك.
شحاتة
:
وراح فين؟
الوالي
:
راح لمملكته المسحورة.
شحاتة
:
وفين مملكته المسحورة؟ … لازم اللي زيك يعرف مكانها.
الوالي
:
بعد السبع بحور والسبع جبال … في النجوم.
شحاتة
:
في النجوم؟!
الوالي
:
طبعًا … مش كل ساحر عايش في نجم … ماتعرفش تنجيم؟!
شحاتة
:
شفت يا سعدون!
في الوقت اللي افتكرت فيه أننا وصلنا لقلعة أمير نبيل قلت لك إننا وصلنا
خمَّارة حقيرة … بص … بيحاول خداعي وف وقت الجد … يهزل ويقول نكت سخيفة!
الوالي
:
اخرس … واعترف بعجزك وتخاريفك إن كنت مش قادر توصل لمملكته فأنت أعجز من أن
تكون فارس.
شحاتة
:
أنا أقدر أشق البحر وأهد الجبل … لكن النجوم. يمكن في يوم من الأيام … يوصل
لها غيري … لكن أنا لأ … دلوقتي أنا متأكد أن حقيقة الإنسان هي إدراكه لحقيقة
قدراته … وحدودها.
الوالي
:
برافو … وعرفت دلوقتي إنك مجرد قراقوز مضحك … ماعملش أي حاجة ولا حيعمل؟ …
أيها المهرِّج التافه … صفِّقوا له … فقد أتقن دوره ولا أعظم مضحك في
الشوارع!
شحاتة
(ضاحكًا)
:
شفت يا سعدون فعلًا وصلنا لقصر الساحر لا يمكن أن يكون الساحر إلا على هذه
الصورة القميئة.
الوالي
:
اخرس أيها التافه البهلوان الحقير … الكذاب!
شحاتة
(يلاقيه بسيفه فيرعبه)
:
أنا سمحت لك تضحك بما فيه الكفاية، لكني مش ح اسمح لك بإهانتي أيها الوالي
المتخفِّي في ثوب الساحر أو الساحر المستتر في هيئة والي.
أيًّا ما كنت … أشهِر سيفك … وقاتل!
الوالي
:
أيها المهرج الأونطجي، اركع واطلب الصفح والغفران على كل ما قلتَه وما فعلتَه،
واسترحمنا لنسمح لك باختيار الخازوق الذي ستُعدم به … أيها الحارس!
شحاتة
:
لن يسمعك أحد منهم؛ فقد أغلقت عليهم أبواب المطبخ … فهيا للمبارزة لو كانت لديك
ذرة من الشرف!
(يتجمَّع الجوق حولهما أو يظهر في مدى البصر، ويحرضونه بصوت هامس
يتصاعد ببطء أن يقتله.)
شحاتة
:
أستطيع أن أذبحك كالشاة، ولكني لست مخادعًا مثلك … فإن كانت لديك ذرة من نبالة
… فلتبارزني كالفرسان … (الجوق مستمر في تحريضه) لن أخون مبادئي … فأشهِر سيفك،
قاتل بشرف!
الجوق
:
اقتله … فرصتك الآن … بعد الآن يكون الوقت اتأخَّر.
شحاتة
:
لا … أنا لست سفاحًا … إنني فارس … أعطيك الفرصة لتكون نبيلًا للحظة واحدة
في حياتك … قاتل بشرف!
(يستدير ليعدَّ خطوات المسافة بعد أن يُلقي إليه بسيف.)
(الأراجوز يضحك ضحكةً أقرب للبكاء.)
شحاتة
(متوترًا بعض الشيء)
:
هيا ودافع عن نفسك أمام الجميع!
(الوالي يُلقي السيف ويُشهر خنجره ويسرع فيطعنه … يسقط شحاتة في
بطء ويتماسك.)
الفتاة
(صارخة)
:
سي اليزل … (في ملابسها العادية الأولى.)
شحاتة
:
وصلت في الوقت المناسب … سامحيني لأنني تركتك ورحلت … ماعرفتش سكتي كويس …
الشر طمس على عيوني … زي ما طمس على عيونكم … لكن أنا حاولت إني أصنع حلم بسيط
… لي … ولكم … وأحيانًا بيبقى الحلم أقرب من حبل الوريد.
سعدون
:
ماكانش حقك تسيب له فرصة يغدر بيك.
شحاتة
:
وده كان حيغير إيه يا سعدون؟ … دول كثير … كثير قوي … أكثر مما كنت أتصور …
المهم يا سعدون تساعدني علشان أكتشفهم، الرحلة أطول من خطاوي الواحد منَّا لوحده …
وأصعب من جهد فارس واحد … لكن أنا مشيتها على قد ما قدرت.
سعدون
:
ماتسيبنيش … وتموت … إنت وعدت إنك ماتموتش قبلي!
الفتاة
:
إنت الأمل الوحيد … نعمل إيه من غيرك!
شحاتة
:
لا … ماتصدقوش … لو كان الأمل الباقي، فارس وحيد، حتى ولو كان سيف بن ذي يزن
نفسه … يبقى أمل ناقص وحلم عمره ما ح يتحقق.
(الفتاة تنفجر باكية – الجوق الذي أصبح الآن يخفيه هو والبنت
وسعدون يطرق في حزن … الراوي يتأمل الأراجوز في يده … يُلقي به على الأرض … يظهر
سعدون حاملًا سيف شحاتة وهو يمسح دموعه … البنت تتعلَّق وتتحامل على رئيس الجوق الذي
يتقدَّم.)
رئيس الجوق
:
وبكده يا سادة …
يا منورين السهرة وزيادة …
انتهت سيرة فارسنا المنصوري … شحاتة البشبوري على غير ما جرت به سيَر الفرسان،
وإن كنت أظن أنها كلها تنتهي هكذا في العادة.
إحنا ياما قرينا وانتم ياما سمعتم.
وإن كنا قصَّرنا …
فلأنه الألم عصرْنا …
لكن في سكك الفن ما اتحسرنا …
طول ما نفس مصر — مهما نشت ونغرب — يمصرنا.
(والكل يغنِّي.)
وتظل الناس … تحلم وتعيش وتعيش تحلم … تحزن تفرح … تضحك تبكي
ترضى وتشكي وهي بتحلم
وعلى الأنفاس يركب أنجاس
مملوك صعلوك، فرعون تركي
وشاهات وملوك، ودوسيه سركي
بيدوسوا بقسوة حلم الناس، والناس بتعيش علشان تحلم
والدنيا تسير ع الحلم تعيش
ونعيد ونزيد نحكي ونعيد
في سكك أبو زيد، نحلم ونطير ويَّا الأساطير
علشان نخرج من قعر البير
للشمس لا تنسانا المواعيد … ونعيد ونزيد نحلم ونعيد
لكن يلزم للحلم أكيد
يلزم تفسير
يا فراخ الطير يلزم لك ريش.
(إضاءة)