كفر حماقة
(عمدة كفر حماقة وبعض أهلها … تتخلق المشاهد من بعضها البعض، لا حدود بينها، وكل اللعب
على المكشوف.)
النكدي
:
والعمل يا حضرة العمدة؟ … ده مش كلام!
نموت احنا بقى دونًا عن بقية البلاد اللي حوالينا!
(يتدخل «نص» كمُخرج وموجِّه للعبة.)
نص نيص
:
وله … جاك ضربة الدم اللي تِعوجك … حتمثِّل
زي بتوع التلفزيون … فلاحينا مش بالألوان يا ابن الرفضي.
خش صح لا خلِّي ليلتك أبيض واسود.
(يعيد إلقاء الكلام حتى يرضى.)
العمدة
:
ماتموت يا أخي … تخِف الذرية، وعلى روحك نقبض قرشين من بتوع حاجة بلاش كده.
(يضحكون مجاراةً أو نفاقًا أو رغبةً في شدِّ السلخ على
أيهم.)
قال يموت قال … تكونشي فاكر إن فسل زيك لما يموت ح يعلنوها كارثة قومية!
حناطة
:
والَّا حيدوا إجازة للمصالح الحكومية!
شرم
:
لأ … دول حيقروا عليه قرآن ومزيكة عسكرية!
برم
:
وانت الصادق حيعملوله جنازة حارة … والميت كلب!
زقرد
:
تعرفوا يا أولاد … حيعملوا له تمثال … تمثال كبير قوي ويهروه بالجزم!
النكدي
:
انبسطتم؟ … ارتاح بالكم؟ … لقيتوا اللي تتمقلتوا عليه؟ طيِّب … مقبولة … لكن أنا
حيا الله حتة فلاح … إن رحت والَّا جيت … لكنها بقى تخيل عليك يا عمدة … إنت لما
تموت برده اسمك من سلك الحكام.
(يضحكون غصبًا نفاقًا للعمدة.)
زقرد
:
اقلبها غم … يا باي! … صدَق اللي قال إن أبوك كان بيضحك شُكك.
(تعود الضحكة الصاخبة.)
عباطة
:
عمدتنا مش وش موت … دي بلدنا أساسها هو وبنوها حواليه بيت بيت.
النكدي
:
وزريبة زريبة.
حناطة
:
جاك داهية تغمك ولد وانت شبه جحشة أبو حشيش!
العمدة
:
سيبوه يطوِّل لسانه ما هي عادته، ح يشتريها؟!
الله يرحم أمه … كانت عاملة أبونيه في البازابورط!
الأبعادية حتبور لو ماجاش القطر؟ إنت يا واد عمرك ركبت دراجة؟
حناطة
:
عايز القطر عشان يلحق الديوان.
شرم
:
ح يعلقه في الساقية.
برم
:
يا جدعان لأ … ده عايز يروح بيه البندر يمشي من جنب السور.
النكدي
:
يا خلق … فوقوا … ح تفضلوا لامتى ناسيين إنكم منسيين من سنين على شط القرن
العشرين. هو أنا عامل على روحي؟!
العمدة
:
طول عمرك عاملها على روحك!
(يعاودون شد السلخ.)
عباطة
:
يا فضيحتي! … وتركب القطر ازاي وانت كده؟ … طب صن شويَّة!
النكدي
:
آهو ده اللي احنا شاطرين فيه … لها حق الحكومة طبعًا مايعبروناش في الصرمة
القديمة!
ما دام الكَفر مش عامل لروحه اعتبار، مين يعبَّره؟
عنها المحطة ما اتبنت … حينوبني أنا منها إيه؟!
آني رجلي والقبر … مش مخلَّد زي العمدة اللي كلامه خفيف على قلبكم.
كلامي تقيل عشان في مصلحتكم … معلهش!
كل اللي حوالينا حيلحقوا القطر … يركبوه ويعدُّوا علينا للمستقبل … وهو يزرط
على بلدنا.
علشان يغيظها أكتر …
آني عامل على مستقبل ولادنا.
العمدة
:
وهو انت يا ولد اللي عامل على المستقبل لوحدك؟
أنا عملت ما لا يعمل … وقابلت في الموضوع ده من أول العسكري أبو بريزة … لحد
باشكاتب عموم الخطوط في البر والبحر … أبو بريزة حمرة … والكل قال مافيش … مافيش محطة
لبلدكم … مش مصروف محطة لكَفركم!
أعمل إيه بقى يا فطين؟!
زقرد
:
طب ما نروح لغيرهم.
عباطة
:
نشوف مين اللي ف إيده أُس الحكاية وأساسها … حتى لو كان الشهر العقاري.
حناطة
:
أو سواق القطر نفسه … ونشوفه برده بحاجة!
العمدة
:
يا خرابي … صدَق اللي سمَّاه كَفر حماقة! … يا جاموس أبيض افهموا …
السواق ما هو إلا ميكانيكي بيمشِّي القطر … لكن الحكومة هي اللي في إيديها
توقَّف وتمشِّي حسب مواعيد موقوتة!
النكدي
:
وفين كلمتك المسموعة عند الحكومة؟ … طول عمرها بتسمع منك … قول لها على حالنا
… قول لها مرة إن روحنا متعلقة بشريط القطر … ياخدنا لبكرة … قول لها ع اللي
فينا مرة … ما انت فاهم كل حاجة، هو انا ح اقول لك!
العمدة
:
غلبت … كفر حماقة مش داخلة للحكومة ف زور!
النكدي
:
تبلع وراها حاجة …
تزلط … ده تاريخ يا عمدة وطول عمرها بتبلع!
العمدة
:
محشورة المرة دي … كل ورق البلاد اتأشَّر عليه بالاعتماد إلا كفر حماقة … زي
المرَة اللي مابتخلفش أولاد!
حناطة
:
يعني إيه؟ … هو احنا اللي واقعين من قعر القفة!
العمدة
:
عشان اسم بلدكو يا حماقة.
زغرب
:
هو احنا اللي كنا اخترنا الأسامي؟!
زقرد
:
حتى الحكومة حتتمقلت علينا! … وده نكد إيه ده؟!
عباطة
:
وعشان إيه نفضل مضحكة للي يسوى واللي مايسواش؟
النكدي
:
طبعًا … إذا كنا احنا بنضحك على نفسنا … وبنتمقلت على بعضنا … لهم حق!
شرم
:
إحنا وعينا لقينا اسمها كده.
برم
:
واتولدنا فيها كده … حد كان خد رأينا في شيء؟
عباطة
:
يمكن احنا اللي سميناها … ومش فاكرين!
حناطة
:
أو يمكن فاكرين وناكرين!
زقرد
:
الحكومة اللي سميتها.
زعرب
:
أكيد كان لها غرض.
زقرد
:
مؤكد كان لها غرض.
العمدة
:
جاك سِم بدنك منك له … إنت يا واد يا أبو دلق يا ولد حتتهم الحكومة إن لها غرض
وانها سمَّت البلد … غرضك إيه … ياوله؟
زقرد
:
ماتضربنيش يا عمدة، تضربني على سهوة ليه؟
هو كان أبويا اللي سمَّاها كفر حماقة؟!
العمدة
:
مايكونش هو ليه؟ … مش هو اللي حبس الديب في غيط القمح وقال آهي الجسور سدة
عليه للصبح؟!
شرم
:
كان نظره على قدُّه.
برم
:
الحَلفا كانت عاملة زي الجدار.
العمدة
:
جتكم نيلة حِزَم … والباقي جِزَم … فضحتونا … قال قطر قال!
خليكم مرطوطين ومتداريين عن الخلق ببلاويكم.
النكدي
:
وعايزنا نفضل مرطوطين ليه عمدة … ما احنا أهلك واللي يرطنا يرطك … واللي يحط
بينا يحطك … عايزين محطة القطر تنجدنا … تاخد ولادنا للدنيا وتاخدنا.
العمدة
:
وتاخدكم ليه … ما ربنا موجود وقادر؟
حناطة
:
يا خسارة! … القطر كان برده حيطلَّعنا على وش الدنيا.
زعرب
:
يالَّلا … نبقى نتمشي على القضبان.
زقرد
:
آهو ينوبنا م الحب جانب … عفرة ودخان.
النكدي
:
يا عمدة لازم تعمل حاجة … ودلوقتي قبل بكرة … بكرة حيبقى الوقت فات … العالم
بيتكلم عن الذرة وحرب الفضاء واحنا بنحلم بمحطة قطر؟! دي نيلة إيه دي يا أولاد!
عباطة
:
ولو ما اتبنَتش المحطة الوقتي … ولا عمرها حتتبني.
زقرد
:
يا عمدة ياما عملت إنجازات!
شرم
:
أفضالك ع البلد لا تُعدُّ ولا تُحصى … تمِّمها.
العمدة
:
عملت … ياما … لكن المرَّة دي مش عايزين عشان اسم البلد المنيل ده … هو موال
حنقول ونلت فيه؟
النكدي
:
يا عمدة قصة الاسم دي تلكيكة … وتمحيكة.
حناطة
:
الحكاية فيها إنَّ.
زقرد
:
إنت سِيد مين يقنعهم … إنت فاهم لغوة الحكام.
(يشخص كأنه يتحدَّث لموظف ومحاولًا رشوته) … إيه؟
والنبي ما انت قايل لأ … هه … داني ماشي لك بلاد ومسافات عشان أطالع بهاء
بهويتك.
ومشِّي حالك تمشي المراكب … ما انت عارف طول عمرها على كده!
العمدة
:
كلامك صح يا أبو شنف … وانا ياما رطنت معاهم بلغاهم وكانوا بيدوا في الكلام …
وياخدوا.
لكن أول ما الورق يبقى ع الإمضا … يروحوا ضاحكين ويقروا اسم البلد وينزلوا
سلخ.
اللي يقولك مش بلدكو دي اللي طابور منها وقع في حفرة! … واللي يقولك مش بلدكو
دي اللي منها الواد اللي صابه الجفاف فأبوه عصره!
ولما حب يرضَّعه دق له الببرونة بمسمار في صدره!
مع إن عمر ما حد عرف إيه البارومة دي!
إنت تعرفها يا ولد؟
طب انت يا ولد؟ (يردُّون بلا … وراء بعضهم.)
طب انت؟ ولَّا انت؟
يبقى أكيد في بلدنا حد غريب بقى! … (يضحكون.)
زقرد
:
طب بس بتضربني ليه على سهوة … والنبي عمري ماشفتها … اتهمونا بقى.
النكدي
:
حلو قوي … وانتو بقى فرحانين بنكتهم عليكم دي … قولوا كمان … يمكن نتقدم
لقُدام لو فِشِّتكم عامت من الضحك زيهم … هه … والَّا تخفوا من البلهرسيا … اضحكوا
… الجراب ياما فيه نكت يا غاوي … مضادات حيوية ضد الهم والقهر … أقول لك نكتة
يا افندي؟ … طب قول إنت؟ … نكت؟ … مافيش أحلى من الضحك … يا راجل … فكَّها هو
حد بياخد حاجة معاه في القبر … وحياتنا ومستقبل ولادنا … يروح … في ضحك
الافندية … والسلام.
عباطة
:
يا حلاوة … كل النكت دي على بلدنا … طب على كده احنا وبلدنا مشهورين قوي!
حناطة
:
إلهي ربنا يحظِّهم أكثر لحد مايفطسوا من الضحك!
زعرب
:
يا هَناك يا فلاح! … بقيت نكتة على لسان أهل البندر والافندية!
شرم
:
تيجي يا عمدة تؤمر نلبس كلنا «زنز» ونبقى أفندية!
برم
:
آه … عشان مايلاقوش فلاحين يضحكوا عليهم … يموتوا من الغم.
العمدة
:
وبكده نِحل الموضوع.
برم
:
ننكد عليهم بدل ما ينكتوا علينا.
العمدة
:
فالح زي أمك!
شرم
:
طب تعالوا نطَلَّع عليهم نكت.
العمدة
:
قول يا ناصح … طلَّع!
شرم
:
مرَّة كان فيه واحد أفندي جارر جاموسته وطالع أسانسيه المجمَّع.
(يضحكون ويبتكرون نكاتًا شبيهة ولكنها لا تُضحك أو غير
موفَّقة.)
النكدي
:
يا ناس احنا مش ضد الضحك … داحنا عاملين الليلة دي مخصوص عشان الناس دي تضحك
مش علينا … يضحَّكوا الافندية وينبسطوا بس مايضحكوش علينا ويهفوا المحطة …
ينكتوا زي ما هم عايزين … بس المحطة تلزمنا … وتلزم بلدنا … لأنها لو ما اتبنَتش
حتبقى النكتة سخيفة وسئيلة … وضحكة مش مقبولة حقِّنا في المحطة مش حيضيع علشان
همه بيضحكوا وينكتوا علينا … لأ …
دول همه بيضحكوا وينكتوا عشان يضيعوا حقنا فيها.
وده الضحك اللي مش قابلينه.
حناطة
:
هو ده الكلام اللي مايتعيبش.
العمدة
:
ما هو بس لو ماكنش الاسم المقرف ده!
النكدي
:
اسم إيه وبتاع إيه يا عمدة! … إنت مصدَّق؟ … دي حجَّة … تفرق إيه كفر حماقة والَّا
كفر ظرافة … نغيَّر الاسم يا سيدي … بلاش من حماقة يا سيدي … صحيح … إن الحماقة
أعيت من يداويها!
العمدة
:
والنبي بلاش فلسفة … هيَّ مصيبة تقيلة وخلاص … سكة القطر حتنهب من أراضينا
الشيء الفلاني … ولا حينوبنا غير دخانه وزعيقه ونهيقه.
وانا بقى ماعدش ف إمكاني … عملت اللي ما يُعمل وقالوا مافيش لبلدكم ولا
موقف حمير حتى!
يقولوا لك … معقول؟ … محطة قطر تنكتب في أوراق الحكومة وفي الخرايط الرسمية
كده … حماقة!
طب ولو ترجمناها وسألوا السياحة … في بلاد برة … نقول لهم إيه؟ … كفر الفوليش
… نيس!
قال ودي قباحة وشتيمة قال!
وحنبقى قلة قيمة للبر كله.
زقرد
:
وسكِت لهم يا عمدة؟
العمدة
:
أنا ما اسكتش أبدًا! اشتكيت للي فوق … ورفعت الأمر لفوق اللي فوق … مافيش
فايدة … مكتوب عليك يا كفر حماقة … تموت بالحيا وتكفنا أسامينا.
(جرس تليفون … ويجري الحديث بطريقة كاركاتورية.)
العمدة
:
ألون … أيوه أنا حماقة … طب يا سيدي ربنا يضحكك … ويحظك أكتر وأكتر … هه؟ … لأ
دي نكتة قديمة … ربنا يسامحك؟ … إيه؟ معقول؟ لأ؟ مش معقول؟ … لأ … معقول؟
(يضع السماعة … وهو مذهول من الفرحة.)
العمدة
:
زغرطوا يا بنات … راح يبنوا محطة!
الجموع
:
معقول؟ … مش معقول؟
(العمدة يقود الزفَّة وأثناءها يتحول إلى حيص بيص يقود
الجوقة.)
إيه هو اللي مش معقول
د المفتوح أصلًا مقفول
هيَّصوا يا بنات
وارقصوا يا اولاد
راح يبنوا محطة
وخلاص من بكره
ح يدقوا حديدها
وبلدنا حماقة
تزبَّط مواعيدها
وف كل خريطة
فلتحيا حماقة … حتى بلافرنجي
وفوليش ياللي انت
تنكر يوم عيدها
نخرج للدنيا … ونشوف النور
وعلى المدنية كَفْرنا حيفوت
بمكن ومداين … توت توت
سينمات وجناين … توت توت
كازونات الابندة … توت توت
بوتيكات ولوكاندة … توت توت
اصحى واتحرك … يا هلفوت
ع الفقر ودقه … بالنبوت
توت توت …
(وتدور الزفة التي تُصبح زيطة صبيانية تعكس أحلامًا ساذجة
وبدائية عن معنى المحطة الجديدة إلى المدينة.)