شمُّ البصل
المخبر
:
خلاص … خلَّصتوا؟ رقصتوا؟ واتمسخرتوا كفايتكم؟ اللي سمَّاها كفر حماقة ماكدبش!
اسمع انت وهو اسمع … كل عمال البناء من بكره … يمشوا على بلادهم من طلعة
الفجر.
الفلاح
:
والمحطة؟
المخبر
:
مافيش محطة … خلاص … بلدكوا ماينفعش لها إلا موقف حمير … يا بهايم!
حيص بيص
:
والقهوة اللي صرفنا عليها دم قلبنا ولقينا سبوبة تغطِّي مصاريف الفن!
المخبر
:
مافيش قهوة … يا سلطان الزمان … يا ملك الأونطة … وانت وهو بالذات لو رجعت
ولقيتكم مالميتوش عزالكم … نهاركم حيبقى طين … وانت استنى عليَّه … لك حساب … يا
ابن زهيرة!
الفلاح
:
والكفر يرجع تاني شمس الدنيا تمر عليه وتفوت … والزمن يسبقنا أكتر ما هو
سابقنا … مكتوب عليك يا كفر حماقة … زي زقمانة … تفضل في الضلمة … تعيش في
الضلمة … محروم م النور لحد الموت!
المخبر
:
من أعمالكم سُلِّط عليكم … كفر حماقة؟! … عايزين الاسم المقرف ده ينكتب في
الخرايط والتذاكر؟ فضيحة! … فضيحة عالمية! … في الدنيا دي بحالها حد قرا أو سمع
عن بلد رسمالها اسم بيفضح عقل رجالها!
الفلاح
:
نغيَّره يا عم … الاسم اللي مش عاجب نغيَّره … دي حاجة سهلة … يغور الاسم واللي
بدعه … المهم المحطة.
زقمانة
:
هيَّ اللي ح تغير حياتنا … يا جدعان … أنا أمَّا غيَّرت اسمى ضحكتوا عليَّه أكتر …
مع إني غيَّرته عشان انضحك عليَّه!
الفلاح
:
انضحك عليكي لما غيرتيه … لكن البلد مش حينضحك عليها لو غيَّرت اسمها … دي
حيبقى لها محطة … والوابور ياخد ولادها … للمدارس للمدنية … وتدخل لها الكهربا
والنور … صدَّقوني!
فلاح
:
كنا بنحلم نركب الهوا سوا.
آخر
:
والمحطة كانت باب للحلم.
المرأة
:
غيَّروا «كفر الحماقة» غيَّروا لها اسمها … إنشاالله تبقى كفر زفت!
المخبر
:
أنا ماعنديش كلام … مش مصروف لي … كله على بيته يروَّح.
وابقوا قولوا للحكومة … غيَّروا لها الاسم … يا سلام … كان أصول سمُّوكم كفر
فتاكة … مين يا زقمانة ح يدفع أجرة التغيير وتكاليفه … لسه فيه تحت البلاطة …؟
فاكرة انه حاجة سهلة يغيَّروا اسم بلد … فين مصاريف اللجان … والانتقال … وبدل
سفر اللجان … ودمغة التغيير يا روحي … غيَّروا لها اسمها؟ ومين حيبحث في تاريخ
الاسم وأسبابه … وليه ح نغيَّره … هه … غيَّروا لها اسمها؟! مين هنا منكم جدع وعامل
فهلوي؟ … علشان يفكر في تكاليف طبع شهادات الميلاد … الجديدة وشهادات الوفاة …
من يومين ما كان للكفر ده أعشاش في الخلا … وسجلات الضرايب؟ … وعقود البيع
وأوراق المحاكم وشهادة القرعة من أيام ما كانت بدليَّة؟ … وبطايق البنك
والتموين وعقودات الجواز … والطلاق … واللي واللي … ده تاريخ الكفر والَّا
ح تشطبوه … أيوه ما دام حيص بيص بقى سلطان … يجوز … اسمعوا من غير كلام … الأوامر
عندي قالت كل شيء يرجع لحاله … وكل واحد على بلده وعلى بيته … مافيش محطة …
ولا قهوة … ولا تشخيص بعد النهارده … والسلام!
(يخرج مخلفًا الذهول.)
حيص بيص
:
لأ … لأ لأ … لأ بقى لأ … فيه تشخيص طول ما فيه دم … آه … وانا لسه سلطان
الزمان … وح افضل لآخر الزمان.
زقمانة
:
ح تشخص إيه تاني يا حيص بيص يا حبيبي … خلاص ح تنام الناس في الضلمة … مافرقتش معانا
… الضلمة خدنا عليها … آهو حلمنا شوية بالنور … كفاية علينا.
حيص بيص
:
لأ … أنا لسة عندي في الجراب ياما … اقعدوا يا اولاد ما تتكدروش … لأ … مش
حتنهشنا الوحوش … لأ … قوم يا نص نيص … قوم نكمل …
نص نيص
:
إنت يظهر عجبك اللعب الملوكي … اوعى يا حيص بيص … دي لعبة خطيرة يا حصحص قوي
… وانت ما انتش قدها.
السلطان
:
أنا قلت اخرس … يا وزير … انده الجلاد وخليه يخرَّسه.
(الحشاش يحاول الاختباء … ولكن ضياع الجوزة عندما أخفاها يعطله
طول الوقت.)
فلاح
:
فضها دلوقت … مش وقت الجوزة، لايمها … مش شايف قلبت جد!
(رجال القصر يلتفُّون حول السلطان يدورون فينكمش الجميع الملك
والوزير في الوسط.)
الحشاش
:
فينك يا وش المصايب … فين الجوزة حبيبة قلبي؟ … وسبب البلاوي! كان كل ده ليه؟
… ما كانوا تايهين دول ف دول … وساعات كنا نلاقي من دول … في دول … ومن دول …
في دول … النهارده كله سَن اسنانه … ودول ح يناموا في الضلمة ولسه حيحلموا
بالنور … يا بوي!
السلطان
:
دبَّرني يا وزير.
الوزير
:
التدابير لمولانا الأمير.
السلطان
:
يا سلام … دانت اتنجَّرت قوي … بقت التدابير ليه دلوقتي حتى ماهيش لله
حتى؟!
أعوذ بالله … أُمال انت بتعمل إيه؟ … لما انا اللي ح ادبر … والَّا هيَّ مناظر
على الفاضي!
الوزير
:
جزء م المُلك الوزارة … إحنا برواز الإمارة.
السلطان
:
يا سلام! … برواز؟ … خشب بقى والَّا ورق!
عايز تهرب والسلام!
الوزير
:
لا يا مولاي معاك … بس الكلام أخد وعطا … واللباقة من اللياقة … والاثنين
صنعة اللي تحت أمرك … أنا عقلي وروحي رهن إشارة من طرف صُباع حضرة جلالتك.
السلطان
:
والبلد؟!
الوزير
:
مالها البلد! وحشة البلد؟ … حلوة البلد … نايمة في برميل عسل … واحنا ما صدَّقنا
لمينا ولاد الإيه … ولقينالهم أشغال وأعمال تصونهم م الخيانة وم الحرام …
ومراكز تحمي نفوسهم الضعيفة م الانحراف … كلهم صاروا بظلك يستظلوا … يشربوا
العطف اللي انت نبع بحره … يفرَّقوه ع الناس حنان … يدرسوا العدل اللي انت بدعت
أمره … يعكسوه ع الناس أمان … باقي إيه؟ … كل شيء هادي وتمام.
السلطان
:
البلد في الضلمة عايشة … لو يغيب البدر ليلة بتبقى كحل … يكتروا فيها اللصوص
والجهلة واللقمة الحرام.
الوزير
:
ويبقى جوها شعري وساحر … الظلام ستار على دنيا الغرام.
السلطان
:
ده كلام فارغ … وزور.
الوزير
:
لما شعبك يا ملك ح يناموا بدري يصحوا بدري … بكل همة في الصباح.
السلطان
:
الظلام غُمَّة وخوف … البلد لازم تنوَّر.
الوزير
:
مافيش كفاية في الخزانة.
السلطان
:
يعني إيه؟
الوزير
:
يعني خطتنا على قد اللي عندي … واللي جاي قد اللي رايح.
السلطان
:
إنما السلطان أمر … وانا أمري لازم يُطاع.
الوزير
:
آدي الله … وآدى حكمه … لو حداك في خزينتك الخاصة حاجة باقية منك … تحت أمرك.
السلطان
(يتردَّد لحظة)
:
لو مافيش ح اخلقه … في سبيل النور أنا ادفع رغيفي … لجل شعبي … خد … وآدي مليون
دينار لجل ماتنورلنا ليل المدينة … خلي الشعب الطيب الغلبان يشوف أفلام ويسهر
في القهاوي … يقرا ميكي وألف نكتة … ويشوف ويفرح بالمشخصاتية وأصحاب الفنون …
أنا عايز النور ينور عقل بلدي … لو ح اشوفها في الظلام تاني … ولو لحظة دقيقة …
راح أطيَّر رقابيكم كلكم … إنت فاهم … خد آدي مليون دينار … وقصادك ليل نهار …
بعدها … لو مافاضش النور على ليل المدينة وهنَّا ناسها … اعتبر نفسك حمارة قطعنا
راسها.
(يخرج السلطان ويفكِّر الوزير من لازمة موسيقية ساخرة ستتكرر مع
الآخرين بعد ذلك … نفس الحركات نفس النغمة.)
الوزير
:
مليون دينار؟ شايل على قلبه مليون دينار؟ تحت البلاطة! وساكت وعَمَّال يقول
البلد في أزمة وكلام ملوش لزمة … إيه اللي جرى للراجل ده من يوم الحشاش ما
قابله؟ يكونش دماغه انخرم؟ … لا … الحكاية عايزة تدبير وتفكير … وانا في دماغي
مليون فكرة.
الحشاش
:
لأ … كتير … مليون كتير! إنت لسه جديد … كفاية نص مليون فكرة … لجل الأمر
يمشي … بكرة تفهم.
الوزير
:
أيوه فعلًا … نص مليون فكرة تكفي … يا كبير الأمناء.
(يدخل كبير الأمناء على نفس النغمة.)
الكبير
:
أمر مولاي الوزير.
الوزير
:
اسمع ونفِّذ اللي أقوله بدون مناقشة … عندك انت مهلة واحدة، للمغربية مع
ندهة الله أكبر … البلد توج نور، عايزين تلعلط … الملك أمر، والملك أمره قانون،
وقد رصد من حرِّ ماله، الخاص جدًّا … نص مليون دينار … لإنارة المدينة حارة
حارة، ودار دار … وإلَّا اعتبر نفسك مع الأدان حمار وراسه طار!
(يخرج بعد أن يسلِّم له المبلغ.)
الكبير
:
نص مليون دينار يا خبر … يا خبر … كبير الأمناء عبر … دي حكاية عايزة تدبير م
الكبير، وتفكير م المكير … وانا في دماغي نص مليون فكرة … هايلة.
نص نيص
:
لا، في عرضك ماتبالغش … خف عشان تعوم … ربع مليون على قدك … لسه فيه رجالة
بعدك.
الكبير
:
أيوه فعلًا … يكفي إني أقدر أفكر وأشيل الهم شيل بجد … ربع مليون من الأفكار
كفاية … يا صغير الأمناء …
الصغير
:
تحت أمرك يا كبير.
الكبير
:
شوف يا ابني … الملك أَمَر، وطبعًا أمره واجب … المدينة لا بد لا بد يصير
ليلها نهار ومهما كانت المهمة … إحنا ليها … وآدي الربع مليون م الدينار اللي
مولانا رصدها للعمل … عِدُّهم … ربنا بينا وبين مال العموم … وعلى المغرب تجيني
بعدما تَقِيد المدينة كلها بالنور تجيني تقول تمام … وإلَّا … اعتبر نفسك ساعتها
إنك حمار ع المشنقة ومش لاقيين له راس يربطوا فيها اللجام … (يخرج ويتكرر
الأمر.)
الصغير
:
شيء جميل … وبسيط قوي … المدينة مش كبيرة يكفي ليها ميت ألف فكرة عشان تنوَّر.
نص نيص
:
لأ ده عاقل ومتودِّك.
الحشاش
:
فاهم الفولة … وعال … ده أكيد مخضرم.
الصغير
:
كل فولة لها كيَّال … وكل فكرة لها عبرة … واحدة واحدة، إحنا مش مستعجلين.
كله بيمشي واحنا باقيين للأبد … علمتنا الدنيا إن اللي بيكبر فجأة يصغر فجأة
لازم … والَّا إيه يا معلمين؟ يا كبير حرس المدينة … تعالى حالًا …
كبير الحرس
:
تحت أمرك يا صغير … إيه الأوامر؟
الصغير
:
عندنا م الليلة شغل كتير كتير … الملك أمر وأمره أكيد مطاع … واحنا كالعادة
جنود ومجندين من أجل تنفيذ الأوامر.
الملك عايز المدينة في عزِّ ليلها تكون نهار … وآدي مية ونص ألف من الدينار
من خزينته الخاصة … يعني فلوس حلال … أعطاهم لي هدية لجل عيون مدينته … ياللا
يا ابني … يكفي حتى المغربية … أيوه يكفي … ياللا … وإلا – اعتبر نفسك حمار ع
المشنقة ومالوش دماغ للحمرقة.
الحشاش
:
والحكاية اتسلسلت …
نص نيص
:
كل خطوة بعد خطوه اتنيِّلت … قبل ما يقِيدوا القناديل … واتقندلت لحد ما وصلت
لآخر السلسلة.
الحشاش
:
لرئيس عموم غفر المدينة.
ر. غ
:
هع … يا حلاوة؟ … بقى عايزها تنور كلها؟ نقلب الليل المدغمش لنهار … يا سلام ع
الأُبَّهة وتكرم ع المدينة جلالته قال — ومن حسابه الخاص رصد لجل الإنارة … ميت
دينار! حاجة تقرف! دي الجاموسة اللي دايرة في المدار … أكيد ح تحرن لو حنديها
علف بالميت دينار … طب وكيف عقلي يفكر … حاجة فقري … همه طبعًا لهفوها حمري
جمري (يدس النقود في جيبه في قرف).
عمرنا ضاع كله في تنفيذ أوامره … والنهاية … ميت دينار في شغلة عايزة ميت
نهار … الأصول الشخص منَّا يهج يطفش من البلد دي لأي داهية … يلقى فيها اعتبار
… يا عساكر … يا غفر … اسمعوني يا غجر … الملك حالًا أمر … تجمعوا لي هنا قوام
… جميع مشايخ الحارات … جرجروهم … جرَّسوهم وهاتوهم لي قوام!
(ومع الموسيقى يجمع الغفر مشايخ الحارات حوله.)
نص نيص
:
كل عزومة وليها بواقي.
وارحم إنت لهفت الباقي!
الحشاش
:
حظك بُمب اللي فضل حاجة.
راسك للتفكير محتاجة … (يعزم عليه بالجوزة.)
في زمن داير زي سواقي.
ر. غ
:
اسمعوني يا غجر … الملك بالنور أمر … وكل صاحب بيت … عليه يجيب الزيت … ويعلَّق
على بابه فانوس … الخزينة مافيش فلوس.
وكل واحد منكو مسئول عن بيوت حارته قصادي.
والليلادي … إنتو أحرار في اختياركم … يالفانوس … يالمشنقة … على باب
دياركم … وانتم أحرار في اختياركم يا تيوس … مشنقة والَّا فانوس؟!
(رقصة نشطة تحت الكرابيج – سمكرة ومعاصر زيوت – عمل نشط تحت
الضرب - الأغنية الراقصة تنتهي بفوانيس مضيئة كالنجوم.)
كورس
:
شقَّق دقدق
لفَّق وفَّق
لزق عفق …
كرباج ورا دي الحوجة بتحرق …
قشَّر نشر
افرز مزمز
عصر مسمر
زيتنا دموعنا شموعنا تبصر
خطط بطط
زبط ربط
واوعى تلخبط … أو تستعبط
شبك … حبك
شلل سلك
كل ماليل الويل اتلعبك
تلقى فتيل الضي يشقشق.
حيص بيص
:
بس أنا كان قصدي مش كده يا نص نيص.
نص نيص
:
كان قصدك إيه؟ مين كان قصده؟ دي مدينة وملوك … أمرا وسلاطين … وليهم قوانين …
من مينا لعصر الملامين … إن الملوك إذا …
حيص بيص
:
ما انا كان قصدي إن نغيرها … مش بس طاحونة ندوَّرها.
نص نيص
:
إحنا يا عم بتوع تفانين واللي علينا … احنا عملناه.
لا في إيدينا نبني محطة … ولا نعصر زيت للفوانيس … شغلتنا نفك الترابيس ونحرر
قلب المحابيس … وعقول الجهل … ننورها.
(مع الفوانيس التي تُضاء وتملأ المسرح يغنِّي كل
المشخصاتية.)
إحنا اللي علينا ننورها
واحنا بايدينا نغيَّرها
مش معقول ح نبيض البيضة
وح نسلقها ونقشرها
ونسيبها ازاي للي هبرها
داحنا عرقنا اللي مخضَّرها
مليون سنة ساقية ندوَّرها
ياكل لحمتنا جزَّارها
يعصرنا لمونة اللي عصرها
لكن لزمًا ح نغيرها
لما بفوانيسنا ننورها.
نص نيص
:
ويا ألف أهلًا ع الصحبة ديه
شرفتمونا وإن كان عليه
أهديكو قلبي يشهد عليه … سيدنا الحسين.
الحشاش
:
ويا ألف مرحب ملعون يا جهلا
الكون بيجري لا تقول لي مهلًا … ولا تمهَّل
الفن نورنا … مهما نعاني … وبكرة أجمل
وانا إن سقطت فخذ مكاني
وشيل … يعينك عبد المعين.
حيص بيص
:
ويا ألف أهلًا ويا مرحبًا … الفن يلطش كالكهربا
فاسمع ودقق … مقق وبحلق
يا تشوف كويس … يا تعيش متيَّس … ع المصطبة
يا مشخَّصاتي … شكشك وطبطب … ضحك وكهرب
نكتة وآهن … تحت السواهن … نكشف دواهن
ونكون دواءً للمظلومين
وألف أهلًا يا مغنواتي
ماتشد حيلك … صحي الناياتي
أنا طال سكاتي … والجهل عاتي
نفسي أقولها … في ريح مواتي
مصر ف قلوبنا
مش في جيوبنا
وإن كان ده عيبنا … واكبر ذنوبنا
يا رب نفضل كده معيوبين …
(جزيرة بدران، مارس ١٩٨٤م.)