الجزء الأول
(افتتاحية غنائية بالطبل والزمر يقدِّمها الجوق كله، الأقنعة والشخصيات
الكومبارس والعسكر …)
اقرا الفاتحة لسلطان العصر الذهبي
ف أيام المماليك
أيام كان فيها الشعب المصري يا دوب
الله لا يوريك
من غُلبه ماشي يداري عذابه ف ضلة أقرب حيط
والكدب غنيمة؛ إن كنت جعان
وإن قلت كلام الحيطة ودان
تنده كرابيج الوالي لو اتكلمت ترد عليك …
•••
اقرا الفاتحة لسلطان الغوري اللي مايعرفش العيب
ولا عارف إيه اللي مخبي علشان حضرته في الغيب
والناس في طاحونة العيشة فريك
في السوق بتموت م الجوع تماحيك
أو في السراديب بتُهم تلاكيك
وإن كنت مريض بالشوق للعدل لا يمكن تلقى طبيب …
•••
اقرا الفاتحة لسلطان البر الغوري وقرَّب منَّا وشوف؛ المعزة حتصبح كلب وابن
الكلب حيبقى خروف؛ واللي حيبص لفوق
حيموت مشنوق مخنوق مخزوق
أو يتشنكل بالزوق، على حربة رعب وغدر وخوف
وإن كنت حترضى تعيش، كده زينا تاكل عيش
دراويش حرافيش زي الخفافيش، لكن من غير خرابيش
خليك زينا في الصبح بسيط، والضهر حويط، والعصر
شاويش، واهتف ويَّانا وقول
للغوري، يا غوري اسم الله عليك!
(يصعد الطالب من وسط المتفرجين ملفتًا أنظارهم بوسيلةٍ ما من على
المسرح يستغربون ولكنهم يتقبَّلونه.)
الطالب
:
النهارده المحروسة في عيد،
عيد تاريخي ماحصلش قبل كده في التاريخ ولا حيحصل.
النهارده في القاهرة أم الفنون والجنون،
كل الخلق واقفة على رجل واحدة … وبترقص على الواحدة ابتهاجًا بعودة عسكر
الأسطول السلطاني … منتصرًا على البرتغاليين.
بفضل حنكة وشجاعة السلطان الحاوي لكل فضل الآن،
الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري الأشرفي،
الذي زالت بسلطنته الشكوك والظنون … وقرَّت به العيون.
(السلطان يستعرض نفسه والأقنعة تزفُّه إلى الداخل.)
المشاعر النهارده في المحروسة فيَّاضة … والسلطان الفرحان قرَّر إقامة هذا
المهرجان إظهارًا للعرفان لأبنائه اللي راحوا في البحر غدر، واللي حيروحوا فدا
للسلطنة والأوطان.
(يدخل البلهوان العجمي الشقنجي مع زفة أمامهم نموذج للأهرامات
الثلاثة والطالب كمذيع أحد المواكب يواصل.)
(طبول جبارة، ويقود المهرِّج الأغنية.)
المهرج
:
يا أهل المحروسة يا غاليين
أدَّبنا البرتغاليين
لمَّا في المالح قابلونا
وعلى خوانة جُم هاجمونا
بعزيمة الغوري لاقيناهم
في بحور الهند وتاويناهم
وألسطة اللنش وراجعين
(الطالب تأخذه الحماسة فيذيع مثل المذيعين.)
الطالب
:
سيداتي سادتي لا تصدِّقوا ما روَّجه أعداؤنا عن هزيمة الغوري؛
فها هو احتفالنا اليوم أكبرُ دليل على …
(ينتبه لنفسه فيتأسف.)
أنا معذور … لأن اللي أنا شفته هنا الحقيقة يهبل ويجنن … إيه العز ده؟ …
تصوَّروا … الناس كلها معزومة على سُفرة واحدة من هنا لبولاق … كمونية وألماظية
وصواني لحم هُبر … سمك مقلي ومتبل وعسل أبيض منيل … وجبنة مقلية وطعمية محشية …
وأوزي ومحشي وحمام … وعدس! … أشكال والوان … إيشي وإيشي إيه ده؟ … كل ده عامله
للناس المحتسب المكتسح الكاسح الفالح … بركات بن موسى! ابن موسى مين؟ … عليَّه
الطلاق ده ابن فرعون!
اللي يقدر يعمل سُفرة … زي دي في زمن أزمة وقحط ومجاعات زي ده … ويدعي لحفلة
زي دي … ضيوف زي دول … ده يبقى ابن فرعون والَّا لأ؟ … يا خبر اسود ومنيل يا جدعان
… دانا كلت أكل! وقابلت كل أبطال التاريخ العربي والمصري … هنا كلهم معزومين
النهارده … وحتشوفوهم.
(يُقاطعه المهرج الذي يعود إليه مداعبًا.)
المهرج
:
لا … لا … لا … لن يظهر كل الضيوف الممتازين هنا … بعضهم فضَّل أن يبقى حضوره
الاحتفال سرًّا … لتجنب بعض التعقيدات الدبلوماسية، والبعض الآخر توجَّه على
الفور للجزيرة الوسطى (الزمالك حاليًّا) لينعم بمباهج الفنون والمُتع الصريحة
المباشرة.
وكبار السن آثروا البقاء في الحريم لأسبابٍ مَرضية.
أما البعض الآخر ففضَّل صيد السمك لأنهم مصابون ببعض الحساسية الجماهيرية.
وأنا كلفت نفسي أن أخبركم بذلك.
علشان ماحدش يضيَّع وقته في انتظار ظهور حد يكون عايز يضحك عليه.
أو يكون عايز يشتمه أو يشمت فيه.
الطالب
:
معاه حق … لأن المؤلف له رأي في ظهور بعض الشخصيات بالذات وكذلك
الرقابة.
آه … عنترة العبسي ولد شداد؟!
(يظهر عنتر وعبلة – قناعان.)
المهرج
:
عبلة لا تفارقه لحظة … لأنه منذ أصبح من الأشراف … وبعد جوازه بسِت اشهر …
بدأت تنتابه حالات مراهقة صبيانية.
الطالب
:
احم …
المهرج
:
لا تتناسب مع عاشق وفارس زيه … إيه؟
الطالب
:
وها هو الحجاج بن يوسف الثقفي، مؤدِّب أهل العراق الشهير.
المهرج
:
جلا جلا، ابن جلا، متى أضع العمامة تعرفوني.
الطالب
:
سَمعته يؤكد للكثيرين من الضيوف الأكابر … أنه لولا الضرب بشدة على أيدي أهل
الكوفة … لما أمنت الدولة مكر أهل دمشق … أو الفسطاط.
المهرج
:
برافو … اضرب المربوط يخاف السايب، واشخط في المزبوط يترعب العايب.
الطالب
:
بشت … هس … آه ها هي شجرة الدر التي وُلدت دولة المماليك من رحمها العاقر.
المهرج
:
ومن شابه أمه فما ظلم … واكفي القِدرة على فُمِّها تطلع الدولة لامها.
الطالب
:
هي بدأت كل هذه المأساة يوم قتلت ابن زوجها توران شاه ابن صالح أيوب شنقًا
وحرقًا وغرقًا في المنصورة.
المهرج
:
يا ويلتاه! … أول الغيث قطرة.
(يتوالى دخول الضيوف الأقنعة.)
الطالب
:
فاتح مصر عمرو بن العاص … مهندس الدولة الأولى الدولة الأم.
المهرج
:
يعني الأموية … ها!
الطالب
:
أبو العباس السفاح الذي لن يترك له فرصة الانفراد بالساحة أية ساحة … منذ
أقام دولة العباسيين على أنقاض دولته … فشتَّتها.
المهرج
:
إن كنت فارس إحنا كمان فرسان
وإن كنت تعلب أنا يا بطل أُلعبان
وإن كنت خدت الخلافة بحد سيف المكر
والتحكيم
إحنا امتلكنا الزمام
بحد سيف الحسام
هيلا هوب …
الطالب
:
وبنينا مجد الفتوحات بالقوة والإيمان!
المهرج
(تأخذه الجلالة)
:
أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
الطالب
:
وأظنني رأيت بالقرب من البوفيه … بهاء الدين قراقوش … وكافور …
آه … غير معقول … مَن الذي أرى؟
عبد الله بن محمد قائد ثورة الزنج … سبارتاكوس بلاد المسلمين.
عجيب … غريب!
(عبد الله بن محمد مقيَّد ويدفعه حارسان بينما هو يقاوم.)
المهرج
:
لا غريب ولا عجيب … الغوري يحاول قُدَّام الضيوف إنه يؤكد اتجاهاته
الديمقراطية.
عبد الله
:
عرفت لكن بعد فوات الأوان، لما صحيت لقيت خناجرهم بتحز رقبتي.
الثورة والقصر مايتقابلوش في عزومة … خلُّوني أرجع عصري … خلوني ألحق عصري …
خلوني أسبق عصري … عارف إنكم مش ح تخلوني لا أرجع ولا أسبق ولا ألحق … فاحذر يا
مَن كنت شبيهي في أيها عصر … إياك ترقص على سِلم أيُّها قصر!
الطالب
:
وعلى فكرة، أنا سمعت إن سليم العثماني … موجود هنا.
المهرج
:
قبضوا على تلاتة أوغاد بيأكدوا إنه بعد ما تخلص المسرحية دي على طول … حيضم
مصر لأملاكه … ويُسقط الخلافة العباسية ويقلبها عثمانية للأبد.
الطالب
:
ماحدش يعرف حاجة عن المستقبل! مين قال كده؟
المهرج
:
كلام الناس.
الطالب
:
مين؟
المهرج
:
كلام الناس! الرجل الأولاني … قطعوا لسانه فاعترف بالمؤامرة.
والتاني … نشروه من ساسه لراسه.
أما الثالث فسلخوه حيًّا … واكتفى الاستادار بالإنكار كدليل على التهمة.
الطالب
:
اللهم احفظنا … قطع ونشر وسلخ؟!
المهرج
:
وطِّي صوتك حد يسمعك تروح فيها.
الطالب
(يزعق أكثر)
:
أنا ضيف هنا وعندي حصانة … لأنني مكلَّف بتقديم الحفل … وتقديم الضيوف للضيوف
… تفضلي يا سيدتي … لا تخافي … تفضَّلي.
(تدخل الأم وابنها كقرويين يتفرَّجان مبهورين على المدينة.)
الأم
:
الله يسترك …
الطالب
:
إنتي من الضيوف؟
الأم
:
أنا مش من هنا.
الطالب
:
وانا كمان، ما تخافيش إنتي مين؟
الأم
:
آني فلاحة يُسترك واسمى ست أبوها.
الطالب
:
تبقى ست الكل، دانتي الشعب، كل واحد هنا له اسم ولسان وبيزعق عشان انتي ساكتة
… قولي حاجة وخدي راحتك!
الأم
:
رجلينا فأفأت من المشوار … أنا وابني مشينا سنة لحد هنا!
الطالب
:
دانتي وابنك تستحقوا تكونوا ضيوف الشرف … سنة بحالها عشان تشاركوا في حفلة
الانتصار! جيتوا في الوقت المناسب.
الأم
:
سامع يا متولي (يضحك دون صوت) ح نلحق الفرح … وناكل.
الطالب
:
كل الأكل ده من خيرك، قلتي لي إنتي منين؟!
الأم
:
من بعيد قوي … بس احنا أهل … وقرايب مولانا — الأشرف اللي مايعرفش الكذب ولا
العيبة.
الطالب
:
ياه … إنتي حكايتك إيه؟
الأم
:
حدوتة … حكاية ولا الحدوتة … السلطان مرَّ من عشرين سنة على بلدنا … كان
بيصطاد … وتاه عن رفقاته … آويناه … وكان عطشان سقيناه وخايف طمنَّاه … وف
حضننا داويناه … ماكناش نعرفه سلطان.
حبِّيناه …
الطالب
:
آااه!
المهرج
:
وبعدين؟
الأم
:
ولا قبلين … كَلنا عيش وملح … وسافر وفاتنا … معلهش ح يشيل هم مين والَّا مين …
شايل هم الدنيا كلها على قرونه.
إحنا … فقرا ونستحمل، لكن لما الحالة بقت زفت والطاعون ضرب في الوادي … جيت
له … (توشوشه.)
الطالب
:
يا خبر اسود ده …!
الأم
:
حكمتك يا رب!
المهرج
:
انزل يا عم بالأدان … دي فيها ولا ألف مدنة … ياللا … (الله أكبر …) حكمتك
يا رب … آن … آن …
الأم
:
في عَرضك ماتفضحنيش إلا لما نعرف هو ناوي على إيه!
المهرج
(مشخصًا)
:
تم التحفُّظ على بعض العوام الذين حلا لهم التَّلفُّظ ببعض الكلام عن قرابتهم
للسلطان … بالحلال أو بالحرام … قَطَع لسانهم من لغلوغه … وسلَّم بعضهم للزيني …
فلم يُقر بما قاله … فعصر من أصداغه ما اعترفش … كسرت أضلاعه قال ما اعرفش
لقطوا حلمات بزازه بكماشتين محميين في النار … انكر ومانطقش!
الأم
:
أنا ح ارجع بلدي، ياريتني سمعت كلام الناس!
الطالب
:
كلام إيه؟
بيقولوا إنه مالوش صاحب ولا حبيب!
قعد يتمسكن لحد ما اتمكن، وأول ما شطح نطح الاتنين اللي سلطنوه.
المهرج
:
مين سلطنك
اخلص منه
إياك تآمن وتسيبه
ولو عطاك … آه … خد منه
واعمل له إن انت حبيبه
بس اوعى يوم
تغفل عنه
لو زاغ ماتقدرش تجيبه
اعطيه أمان
واكسر سِمه
لحد ما يكشف عيبه
قنطر أبوه واخلص منه
تحلو ليام ويطيبو
مين سلْطَنك!
الأم
:
دول بيغنوها كمان؟!
الطالب
:
ما انتي عارفة أهل مصر لا يُطاقوا في لسانهم لو طلقوها على أحد …
الأم
:
بيقول إنه يبيع أعز أصحابه!
الطالب
:
هو مين اللي بيقول؟
الأم
:
كلام الناس.
الطالب
:
وبتصدَّقي كلام الناس؟
الأم
:
ح يعد إيه الفقير
لو عاش نهار لانتصار
وإيه ينوبه إن فلت م الموت
نهار الهزيمة
ما يطول في ساعة الحصار
إلا خراب الديار
والغوري بطل المرار
فايز بكل الغنيمة …
الطالب
:
وده برده كلام الناس …
الأم
:
الحمد لله، أنا ابني أخرس!
الطالب
:
أخرس؟!
الأم
:
خالص … لسان الناس طويل وع الفاضي من أيام فرعون وهمه نازلين كلام … ويقولوا
حتتغير! امتى؟ … عندك انت أخبار؟ ماسمعتش حاجة؟
الطالب
:
لأ … ماسمعتش.
الأم
:
ما تسأل دول!
الطالب
:
دول من زمن تاني … ولو عرفوا سرِّك حيفضحوكي.
(يدخل ابن القارح مع الحرس وهم يسيرون بخطوةٍ معينة وينشدون
بطريقة معينة.)
الحرس
:
انتصرنا … انتصرنا … وقول الله
واللي كان عايز يكسرنا كسرناه
عمر السلطان ما حيخسرنا
اللي على الكرسي احنا معاه …
ابن القارح
:
يا أهل المحروسة، تخطَّى الأعداء حدود الله، وكسروا السد اللي ذو القرنين بناه …
ليحجز بين المؤمنين والكافرين، يريدون سحب التجارة منا والذهاب للهند غصب عنَّا
… لكن بفضل الغوري … عاش …
الأم
:
عاش يا اخويا عاش!
(يزغر للطالب.)
الطالب
:
عا…ش …
(المهرج يأتي بطبلةٍ ويقلِّد حركاته ويردِّد آخر مَقاطعه.)
ابن القارح
:
ولا تستمعوا لطبالين الأعداء … اللي قالوا اننا اتحاصرنا وانهم غلبونا!
كلَّا … وألف كلَّا.
قالها صعلوك ليس بمملوك … بيتطاول على مقام الملوك … ويقولك ده كلام الناس …
ولد أرشل أهوج أهرج كداب من أصل وشه.
ولكنا في سبيلنا للقبض عليه … وسلخه حيًّا … ومن ثم محاكمته محاكمة عادلة …
فنحن متحضرون … ولكن مَن يردد أكاذيبه … فنصيبه حيصيبه من نصيبه … وعاش الغوري …
(عاش … عاش.)
الأم
:
كداب واحد … وموقَّف سلطنة بحالها على رجل!
الطالب
:
وانتي جاية من آخر الدنيا بحكاية ممكن تقطع الرجل الثانية.
الأم
:
إحنا راجعين بلدنا … أحمد، ورِّينا يا ابني انك أخرس، إحنا لا سمعنا ولا
قلنا!
(تسحبه وتخرج.)
الطالب
:
سيداتي آنساتي … سادتي.
أنا عارف اللي بيدور في دماغكم … عارف اللي حيتقال عن الدراما … وعن التاريخ
… حتقولوا بتضيَّع وقتنا في حاجات عارفينها كويس.
هو فيه مصري أو عربي مايعرفش تاريخ بلده … خلينا نبص لقدام … عامل حفلة
بانتصار ماحصلش … ليه؟!
المهرج
:
الضرب في الميت حرام.
الطالب
:
إيه يعني الغوري اتهزم … أجدع منه وعملها!
المهرج
:
لكل جواد كبوة.
الطالب
:
ومايقعش إلا الشاطر.
المهرج
:
والكورة مالهاش كبير … صح؟
الطالب
:
ثم إن هزيمة واحدة … بقعة على توب كله أبيض … وتاريخ كله انتصارات وأمجاد.
المهرج
:
وافرض إن طق في نافوخ الغوري يبني هرم الجيزة … حصل إيه يعني؟
الطالب
:
أي عيِّل في الروضة عارف إن اللي بناه خوفو.
المهرج
:
خوفه والَّا خوفنا؟
الطالب
:
حتسألوا كل ده مقصود به إيه؟ … مين الغوري ده؟ خلينا في اللي احنا
فيه …
الحقيقة مش قصدي اللي بيدور في دماغكم، أنا راجل نِفسه يمتعكم … باكذب كذبة
وانتو تستمتعوا باكتشاف الحقيقي من الكذب … والصادق من الزايف … يمكن نوصل
للحقيقة أم حدين من الحقيقة أم وشين.
(دقة المسرح الأولى.)
أهه … دقة المسرح … المسرحية بدأت … غصب عنِّي وعنكم زي أحداث التاريخ … لكن
بارجوكم تتذكروا طول الوقت إن احنا في مسرح وضيوف على التاريخ … وأي واحد أو
واحدة شايف في نفسه إنه شخصية تاريخية أو مسرحية له الحق يحضر الحفلة ويطلع
القصر في أي وقت وينقَّطنا بسكوته … ولا ينساش إن زمن الحفلة دي هو الليلة، يعني
واحنا متأكدين تمامًا … إن الغوري مش بس اتهزم قدام البرتغاليين في البحر … لكن
وفي البر كمان … وإنه مابناش أي هرم … ولا هرم كاريوكا!
(دقة المسرح الثانية.)
حاضر … على فكرة … أنا ولا حاجة … أنا مجرد حلية أو حيلة هبلة لجأ ليها مؤلف
أهبل … علشان يركَّب تركيبة هبلة.
دُقِّي يا طبلة!
(الدقة الثالثة.)
(يدخل المدعوون من كل مكان ممكن، ناس على راحتهم، مظاهر
احتفالية، في كل ركن ضجَّة، ويدخل عنتر وعبلة واكلين الجو … أصوات تحيِّيهم على
طريقة أولاد البلد.)
– عنتر يا حاميها.
– أيوه يا عم صبرت ونُلت.
– اللي عطاك يعطينا.
– حنا للسيف … حنا للضيف.
عبلة
:
شايف يا عنترتي، لولا صيتك وشجاعتك ماكانش حد خد باله مننا … شوف حبِّي
خلَّاهم يحبوك قد إيه!
عنتر
:
عبرنا بحر الرمال والربع الخالي، بحد سيفي اليمين بهدلت ألف ع الشمال، وبحد
سيفي الشمال قندلت ألفين ع اليمين … وسفحت دم العدا من شان عيون عبلة.
المهرج
:
اديله قُبلة.
عنتر
:
جيبت النوق العصافير … مهر لبنت الأمير … رقص عشانها الغني قبل الفقير … أنا
نصير اللي مالوهش نصير.
المهرج
:
وجيبت الديب من ديله.
عنتر
:
وشقيت صدور المغاوير واتحديت المقادير … بيَّضت وش العرب، فرَّحت قلب القرايب
وكِدت الغرايب … ورفعت راية عبس تضوي بروس لجبال.
المهرج
:
يا واد يا عِترة يا أبهة … إنت الجريء وعملتها.
عبلة
:
رقَّصت بلاد العرب على رنة الخلخال … صح يا رجال؟
المهرج
:
أيوه صح.
الطالب
:
يا فارس الفرسان … تسمح بكلمة … بردون إن كنت قاطعتك.
عنتر
:
من أي حي أنت؟ وبأي لهجة بتلحن؟ من عبس؟ من فلول هلال؟
مين جبيلتك؟
الطالب
:
ما لي جبيلة، أنا عربي.
عنتر
:
عربي وما لك جبيلة؟! تبقى قليل الأصل «داسوس»، وذنبك مقتلك.
الطالب
:
حاسب بس خد نفَسك … ذنب إيه ومقتل إيه؟ … ما عدنا قبايل، إحنا ما شاء الله
كُلنا عرب … ساحت المسائل … أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
عنتر
:
أسمعت يا عبل؟ بيقول هذا الداسوس المسائل ساحت! … هل عبس تغلَّبت على باقي
الجبايل؟
الطالب
:
يا عم لا عدس ولا عبس … الحكاية …
عنتر
:
إيش تجول … يا عديم الأصول؟
الطالب
:
استنى بس … أصل الدنيا اتغيَّرت … هو انت ماحدش قال لك؟
عنتر
:
اخرس! … ماجينا عشان نسمع تخاريف مثل هذا … هذا زمان الهزايم.
عبلة
:
أيوه كده يا بطل.
المهرج
:
ماترحموش.
الطالب
:
يا سيد فرسان الزمان الزمان والعرب … سمعت عن رأس الرجاء الصالح؟!
عنتر
:
كل الرءوس طاطت قصاد سيفي
لأن سيفي فوق جميع لسيوفي
هذا قانون للحرب … معروفي.
عبلة
:
فن الحرب احنا بدعناه …
المهرج
:
والجاهل ياما علَّمناه …
الطالب
:
كان بودِّنا قانونك ينفعنا، كنا عايزين نستشيرك … تنصح بإيه يا مولانا الغوري؟
… يعمل إيه مع البرتغاليين؟ إسكندرية اتبهَّدلت قوي يا عنتر بعد امتناع البحرية.
عنتر
:
يبدو أنك لا تعرفنا … وما تقصد غير تخالفنا.
المهرج
:
اللي ما يعرفك يجهلك يا بطل.
عبلة
:
إيه بحرية وإيه بريَّة؟ … عنتر ما في شيء يعصى عليه.
عنتر
:
إحنا خلينا الصحراء بحور من دم … بتريد النصيحة هيك والَّا هيك (يهدِّده بالسيف
فيُفزعه).
عبلة
:
لا تخاف يا أزعر، عنتر ما ينازل غير الفرسان.
الطالب
:
كل قصدي إننا نسأل نعمل إيه مع البرتغاليين … دول شددوا الحصار على بلاد العرب!
واسكندرية عليها العوض … نعمل إيه؟
عنتر
:
أنا جيش وحدي … وسأخرج لهم لأجعلهم عبيدًا لعبلتي.
(عبلة تزغرد.)
الطالب
:
بس دول راكبين يا عم مراكب!
(يمضي عنتر ليقوم فيهم خطيبًا.)
رايح فين يا عنتر؟
عنتر
:
لما رأيت القوم أقبل جمعهم
يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بغُرة وجهه
ولبانه حتى تسربل بالدم.
المهرج
:
الله أكبر … الله أكبر … انتصرنا.
ربنا ينصرك على مين يعاديك.
الطالب
:
رايح يغني لمعركة فاتت … مافيش فايدة … وكأن التاريخ حجر نزعق من فوقه …
المهم نطلع بقصيدة خالدة.
(وهو يستدير فيصطدم بأحد الأقنعة) متأسف يا سيدي جدًّا … لا تهتم بي فأنا
أنفعل بالشعر … دائمًا.
الحجاج
:
اقترب منِّي … تعالى.
الطالب
:
يا سيدي … لا تهتم … فأنا مجرد صعلوك.
الحجاج
:
قُل مَن أنت؟
الطالب
:
أنا ضيف من الدهماء.
الحجاج
:
اقترب ولا تراوغ.
الطالب
:
أكرِّر شديد أسفي يا سيدي (مبالغًا) وأؤكد … أنني لم أكن أقصد.
الحجاج
(ضاحكًا)
:
تقصد؟ … أعرف أنك لا تقصد … وهل تجرؤ على الظن بأنه يمكنك أن تقصد؟
الطالب
:
معاذ الله … إنني أضعف من ذلك يا سيدي الحجاج!
الحجاج
:
أنت إذن تعرفني؟
الطالب
:
أعرفك؟ إنت أشهر من نار على علم!
المهرج
:
أطفالنا يحفظون خطبك في المدارس ليشبوا على الطاعة والأدب، فلا يضحكون بلا سبب،
ولا يشكون مهما كان السبب.
الحجاج
:
دائمًا تبالغون، الأمر يا بني لم يكن على هذه الدرجة من الصعوبة، كان عليَّه أن
أفاجئهم قبل أن يفاجئوني … أن أروِّضهم … أستل من عيونهم نوايا التمرُّد بجمر عيوني
… هل أنت أبله؟ … لم أرَ أحدًا في هذا الزي من قبل … من أي فِرق الخوارج
أنت؟
الطالب
:
أنا لست من الخوارج! بل أنا في الحقيقة من الدواخل … ومن المعجبين بك … فأنت
تتقن دورك تمامًا … أكنت تتدرَّب على الإلقاء قبل أن تواجه الجماهير؟
الحجاج
:
أيها الساذج … إذا لم يتقن أمثالي أدوارهم اختلَّ النظام العام وأفلت الأمر
من أيدينا جميعًا … وعليك إن أردت أن تتعلَّم … أن تتذكَّر … لا عواطف ولا مُثُل.
لا عواطف … إن الممثل الذي يسمح لنفسه بالاستسلام للعواطف على المسرح … سيكون
حاكمًا رديئًا … قد يغتاله سائس بِغال … أو بقَّال.
الطالب
:
ولكن معظم الذين أتقنوا الإمساك بالزمام اغتيلوا … هم أيضًا!
الحجاج
:
ولذلك أنا لا أوافق الغوري على دعوته لأمثالك من العامة لحضور حفلات الانتصار؛
فأنتم لا تفعلون شيئًا في سبيله سوى أن تموتوا في المعارك.
الطالب
:
أو لا يكفى هذا؟!
الحجاج
:
يكفي أن تموتوا على أرض المعركة، حضوركم حفلات النصر خطأ فادح … لأنكم
ستظنون بعدها أن لكم حقًّا فيما يكون بعد النصر! مَن هذه المرأة التي تبحلق فيَّه
وكأنها رأت شبحًا؟
الطالب
:
إنها مجرد أم … أم مصرية … كالأخريات.
الحجاج
:
أبعِدوها من هنا … لست أدري لمَ يُسمح لكم بالدخول! إن هذا خطر جدًّا.
(يبعِدها الحرس بقسوة هي وابنها.)
الطالب
:
فهمت لماذا يلعنك الناس حتى أيامنا هذه؟
الحجاج
:
ولكنهم يخشونني أكثر.
سيفي يذكرني … خوفهم منِّي يخلدني.
الطالب
:
وغدًا يا حجاج؟
الحجاج
:
ماذا تظن أنه سيحدث غدًا يا أبله؟ تأكَّد أن دوري مغرٍ جدًّا للكثيرين أمس
واليوم وغدًا، أيها الشاعر الأحمق!
الطالب
:
لست شاعرًا.
الحجاج
:
ولكنك أحمق كالشعراء، فاحمد الله وإلا أجبرتك على قرض الشعر موزونًا مقفًّى.
الطالب
:
أنا هنا ضيف على السلطان ولِي حصانة.
الحجاج
:
لا تكن مطمئنًا؛ فإنها لم تصبح ديمقراطية بعدُ! وأستطيع أن أنادي أحد جنودي
الذين تمرَّسوا مع العراقيين …
الطالب
:
أظنهم مشغولين عنك هذه الأيام … بأحداثٍ جِسام.
الحجاج
:
بأي شيء؟
الطالب
:
بإعادة فتح القادسية والعراك القاتل مع بعض المسلمين الأجانب … أقصد
المجوس!
المهرج
:
كلاكيت — عاشر مرة — فيلم الموسم «المشاجرة الكبرى» بين المسلمين
والمسلمين!
الحجاج
:
وها أنت تطالبني أن أكفَّ! … ما زلتم أهل الشقاق والنفاق.
وما زلت أرى رءوسًا في كل مكان حان قطافها إذ أينعت … وإني صاحبها على الدوام.
ها ها … لا تخف!
فقلبي تعلَّق بك … فمنذ وقت طويل لم أُحدِّث أحدًا بمثل هذه المودة.
(تدخل شجرة الدر مقاطعةً لهما وهي مندفعة في غضب.)
شجرة الدر
:
ما الذي يجري هنا … هل انعدم البروتوكول في قصور المماليك إلى هذه الدرجة
المهينة؟ أم نسيتم مَن أنا؟ … ما هذا الاستقبال الفاتر؟ لا أحد في الشوارع … لا
طبول … لا زينات لا برازانات ولا هتافات … مَن الذي يستضيفنا هذه المرة … لا بد
أنه سلطان من سلاطين عصر الانحطاط!
الطالب
:
لا تغضبي يا سيدتي الجميلة … بل لكِ أن تفرحي؛ فلم يشغلهم عنك إلا نصر عظيم …
يا صاحبة المنصورة.
شجرة الدر
:
هووه … أووه … شكرًا يا اسمك إيه؟
الحجاج
:
ولكن هذا لا يعطيهم الحقَّ في تجاهل سيدة نبيلة مثلها … أيُّ ملكة هي؟ …
رائعة!
المهرج
:
الجهة الصالحية ملِكة المسلمين وعصمة الدنيا والدِّين … ذات الحجاب الجليل
والستر الجميل … أو العكس بالعكس.
الطالب
:
الملكة شجرة الدر …
الحجاج
:
أهو أنتِ؟!
شجرة الدر
:
هناك مَن يريد تدمير مجدٍ بنيناه.
الطالب
:
الغدر يهدم ما بنته الخيانة.
الحجاج
:
بماذا تهمهم يا ولد؟
الطالب
:
عفوك! فكلنا يعرف أن هذه السلطنة وُلدت من رحِمها – العاقر!
المهرج
:
مائتان وسبعة وستون عامًا … كل شيء مُباح للدفاع عن الذات … عن العرش … عن
الكرسي …
وللمحافظة على الثروة … التي جُمعت نهبًا وسلبًا … وتسخيرًا وتشميرًا …
وتقصيرًا وتقتيرًا …
الطالب
:
ولكنها صُرفت بكل (تبذيرًا)!
شجرة الدر
:
كان علينا أن نبني مُلكًا راسخًا … يواجه الصليبيين … ويحرِّر القدس … ويوقف زحف
التتار … وينقذ الخلافة من أعداء الإسلام.
الحجاج
(منصتًا)
:
برافووووه!
الطالب
:
بالطبع … ولغرس جذور العرش في نافوخ الخاضعين — هناك دائمًا ما يحتاج للإنقاذ
بالدماء من أجل البقاء.
المهرج
:
ومن أجل تزيين أسوار القاهرة برءوس المشنوقين.
ولِنقش حيطان دمشق بأشلاء الموسطين والمخزوقين … ولملء أسواق بغداد ومكة
بالمشموطين والكوفة بالمسمومين … والقيروان بالمشنكلين!
شجرة الدر
:
الحكم مسئولية صعبة.
الحجاج
:
كنت أدرِّبه على السلطة، ولكن يبدو أنه غبي!
شجرة الدر
:
مَن أنت يا صاحب القلب الرقيق؟
الطالب
:
أنا لا أحد … شبح غير حقيقي من زمن لم يحدث هنا بعدُ … وجدت أن من واجبي
التعريف بكم ما دُمتُ هنا.
شجرة الدر
:
ومَن أعطاك الحق في تجاهلي، أنا صاحبة النصر الذي كان؟
الطالب
:
أنا أتجاهلكِ؟! … معاذ الله وأنتِ صاحبة الريادة!
المهرج
:
قتلت ابن زوجها … ماذا في ذلك؟ كانت تضرب لهم المثل!
الطالب
:
سرير الهناء فوق بحر من الدماء.
شجرة الدر
:
رغم حدَّة لسانك أجدني أميل إليك … تعالى، هل تسمح لي بهذه الرقصة؟ … أتحب
الفالس؟
الطالب
:
لم أكن أعرف أنكِ تتقنين الرقص على الطريقة الأوروبية!
شجرة الدر
:
لا تنسَ أنني التي هزمت الفرنسيين.
المهرج
:
وإذا أردتَ أن تأمن شرَّ قوم … فأتقن رقصهم!
الطالب
:
أرقص معك؟ … شرف لا أستحقه … ولكنه للأسف لن يُذكر في كتب التاريخ!
المهرج
:
التاريخ مشغول دائمًا بتسجيل الأحداث السطحية.
(تقتحمهم ضجةٌ كمعركة بين اثنين، ومشجِّعون من كل لون، صياح
وضجة.)
شجرة الدر
:
مَن هذان المقاتلان الرائعان … مملوكان للفرجة؟
الطالب
:
لا، إنهما من الأشراف المنسبين … التعلب والسفاح.
شجرة الدر
:
مَن تقصد؟
(تشاهد الأم وابنها ضمن الجمع حول المتبارزَين.)
الطالب
:
أحدهما ساعدَ معاوية على تأسيس الأموية بالخداع … والثاني أقام العباسية فوق
بحر من دماء.
شجرة الدر
:
ما أحلاهما!
الطالب
:
ومن يومها صارا مثل ناكر ونكير … لم يلتقيا في أي مسرحية إلا وكانا كالديَكة.
الحجاج
:
ومَن منهما سينتصر؟
المهرج
:
انتصر دائمًا مَن كان معه خبير مثلك!
الطالب
:
لن ينتصر أحدهما … ولكننا سنُهزم دائمًا لاختلاف التفسير.
شجرة الدر
:
هل أنت مطَّلِع على المستقبل؟ اقرأ لي كفِّي!
الطالب
:
أنا المستقبل يا ربة الصون والعفاف.
ولأني لم أفهم ماضيكم أصبحت أجهل مستقبلي.
(الحجاج يندمج في المبارزة ويخرج معها وتبقى الأم مع ابنها
مشغولةً به.)
شجرة الدر
:
دعهم يذهبون واقرأ فنجالي … اضرب رملي!
الطالب
:
أنا أقرأ كتبًا … بها أكاذيب كثيرة … ولكنها أفضل من الودَع وقراءة الفناجيل.
ولكن أتعرفين؟ … أنتِ ما زلتِ جميلة!
ولكن التاريخ قبيح … صحيح أنه أعظم منجزات البشرية … ولكنه أضعفها … فكل كلب
وصل إلى صفحاته بالَ عليها بكل غطرسة.
شجرة الدر
:
أيها البذيء … أهكذا تتحدَّث إلى إحدى صانعات التاريخ … يا قبيح؟!
الطالب
:
إنها هيصة يا سيدتي … مهرجان … وأنتِ بالتأكيد تحتاجين لبعض الترفيه الذي كان
سِمة رائعة من سِمات دولتك السنية!
(بروجي وطبل يدخل عدد من الحرَّاس ويقودهم ابن القارح.)
شجرة الدر
:
ومَن هذا؟ … بهلوان؟
الطالب
:
هذا ابن القارح … جاء ضيفًا كالضيوف … ولكنه لا يضيِّع وقته … فله موهبته في
الدخول إلى قلوب الحكام … وجد عملًا يليق بمواهبه … أصبح استادارًا.
شجرة الدر
:
استادارًا؟
الطالب
:
نعم استادارًا دائمًا.
شجرة الدر
:
إذن احترس! لا يجب أن يرانا معًا … فمثله لا يؤمن جانبه!
الطالب
:
أترحلين بهذه السرعة؟
شجرة الدر
:
لو وجدني معك فقد تجد نفسَك على الخازوق!
ابن القارح
(يدور حول الموجودين كالصياد)
:
هيا أيها السادة … يا أفاضل … كيف يفوتكم موكب النصر حين يبدأ … هيا … إنه
أول نصر حقيقي لنا منذ عين جالوت.
الطالب
:
لا تنسَ ذات الصواري يا ابن القارح!
ابن القارح
:
هيا … مَن ذا الذي يقاطعني … أيُّ صوارٍ يا هذا أمام أسطول البرتغاليين الجبار؟!
الطالب
:
أقصد …
ابن القارح
:
أعرف كلَّ ما تقصد … فاخرس … نحن هنا أمام منعطفٍ تاريخيٍّ فإما أن نكون أو لا
نكون … نندثر تحت رُكام حثالة الشعوب الكافرة التي تتطفل على التاريخ … ولذا
فهزيمتهم لها فرحة لا تُعادَل.
(تقاطعه شجرة الدر.)
شجرة الدر
:
أنا هزمت الفرنسيين وأسرْت ملِكَهم … يا هذا …
ابن القارح
:
سيدتي … صاحبة الصون والعفاف … اعذريني … ولكن الغوري احتفظ لمصر مع النصر
بالخلافة … وحافظ على موارد المال ورسوم البضائع … احتفظ بنبع العملة البندقية
وبالفلفل، والزيت والكمون وكله.
(يدور حول الطالب.)
وفوق ذلك كله … احتفظ بالرعايا راكعين على الرُّكب، يهتفون فرحًا في الشوارع،
ويفتدون السلطان بالروح والدم … والوطن بالدم والروح!
ونحن يا مولاتي، جئنا بكم لكي تكونوا شهودًا على القبر، الذي سنبنيه ليكون
مزارًا للسياح من أبناء أعدائنا، ليتأكدوا من خيبة جدودهم وهزيمتهم … هيا …
السادة … السادة فقط … هيا لتروا بداية الموكب … هيا …
(يلمح الأم وابنها) مَن الذي سمح لها بالدخول مرة أخرى؟ قلت ألف مرة، أبعِدوا
هذه الحثالة … (يخرِجها العسكر.)
الطالب
:
إنها الأم يا ابن القارح، وقد يكلفك طردُها الكثيرَ لو أن الأمور سارت حسب
الأصول الدرامية.
ابن القارح
(يبحث في دفاتره)
:
هل أنت أحد القادة التاريخيين؟
الطالب
:
لا.
ابن القارح
:
سلطان من سلاطين المسلمين؟
الطالب
:
لا تزعج نفسك، فلن تستطيع تصنيفي حسب جداولكم.
ابن القارح
:
مفكِّر من المفكرين؟
الطالب
:
إلا إذا أرسلتم تسألون المستقبل.
ابن القارح
:
داسوس … إن نظرتي لا تخيب … شككت فيك منذ البداية، وأنا عندما أشك في أحدٍ ما …
فإنني أدفع به إلى العرقانة ليتعفن وتأكله الكلاب.
(يحاول أن يُشير إلى العسكر فيمنعه الطالب.)
الطالب
:
اسمع يا ابن القارح … ليدَع كلٌّ منا الآخر وشأنه، وإلا فضحتك أمام كل هؤلاء
وأخبرتهم بما كتبه عنك «ياقوت الحموي»، وأطلعتهم على رأي شيخنا «أبي العلاء»
فيك؟ … هه … هل أقول لهم … مَن هو «علي بن المنصور»؟
هل أخبرهم بأنك بُلت في الإناء الذي أطعمك؟
دعِ الطابق مستورًا … وإلا فضحت قصة الدنانير الكعبية … ونصحت كل الحاضرين
بقراءة رسالة الغفران. احذرني وإلَّا …
ابن القارح
:
اخرس قلت لك!
الطالب
:
كده اتعدِل … حتعكر عليَّه؟ … ح ادخن عليك!
ابن القارح
:
أنا لا أفهم ما تقول … وعندما لا أفهم كلامَ أحد فإنني أرسل به إلى أحد سراديب
اﻟ… الخوند تمرباي؟
(تدخل الخوند تمرباي ابنة الغوري ومعها وصيفتها فيَقطع الكلام
ويتقدَّم منافقًا.)
الطالب
:
اسحب يا أُلعبان!
ابن القارح
:
زهرة المحروسة مولاتي! علي بن المنصور الحلبي المعروف بابن القارح يحمد الله
إذ يتشرف بالمثول بين يديك … لكي أبشِّرك …
الطالب
:
يا تعلب!
ابن القارح
:
بأن أميرك قد احتفظ بقلب العالم في قبضة ايديه، وملوك الأرض جميعًا جاءت
تهنِّيه.
المهرج
(يدخل بطبلة وفي لعبة مقصودة)
:
اتفرج يا جدع، اتفرج يا سلام … شوف النوادر العجيبة، والأحداث الغريبة،
صدفة مقصودة … مش معهودة … سفراء من كل الأرض … ١٤ سفير وقاصد خير … من السِّند
والهند … من الكوفة والمدينة. رسول ملك الكرج، وقاصد ملك الترك. من تونس وفد
… ومن عند ابن درغل وفدين … ومن التركمان ومن عند ابن عثمان ست وفود … ورسول
ملك الفرانسة … وقاصد البندقية … السنيور دمينيكو ترايفزاني … كله قاصد العتب
السلطاني … كله شاف لعب الكورة … وكله برَّق مبهور … من نطح الثيران والكباش …
وكله قال الله … على شجاعة المماليك لما عملوا مخصمانية بسيوف يمانية … شهدوا
بعظمة دولتنا … وبقوِّتنا ووجاهتنا.
زغاريد من الطيقان تلبِّش الشجعان، وأكل ممدود من جرجا لسمنود، شيء يفطر الصايم
ويلهي العابد … شفتم غنا زي غنانا وقوة زي قوِّتنا؟ … هه! هيبة بالويبة!
يا غاشم
يا ظالم
دي حالتك عدم
برغم الحرس والخدم والحشم
حتسمع آهاتي
وتشبع ندم
فتتمنى يقتل ودانك صمم
وتصحى فتبني بكدبك … هرم
وترمح كما الديب
واحنا الغنم
وفاكر تدوم للأبد عزوتك
وقبرك على بُعد
فركة قدم!
(الأغنية تجمع البعض، وابن القارح بنعومة هو ورجاله يتسللون
ويقبضون عليه دون أن يلحظ أحد ويخفونه ويسحبونه، ويعيد ابن القارح الحديث والطالب
يُذعر مما حدث.)
ابن القارح
:
وها أنت سمعتِ بنفسك يا مولاتي أن كل هؤلاء …
تمرباي
:
هل هو من الضيوف يا زليخة؟ (تتجاهله.)
ابن القارح
:
أنا الاستادار الجديد، علي بن منصور المشهور بابن القارح … ألفين سنة خبرة في
خدمة القصر. من أول بقت مصر مصر، فجر وصبح، وليل وعصر، خادم السلطان وأهل بيته
… والقريب قوي من نسوانه وغلمانه … وموضع سرِّه — وسر بره — وتحت أمرك …
(الطالب يختفي وهو يراقب ويكتم ضحكاته.)
تمرباي
:
لم أرَه من قبل … ليس ما يقوله مضحكًا … إن كلامه يجعلني أحس أنني سأموت
مسمومة، أرسليه بعيدًا وأحضري مضحِك القصر بسرعة.
زليخة
:
خطفوه يا ستي قدام عينيا.
تمرباي
:
كان هنا دلوقتي.
زليخة
:
سبحان مَن له الدوام … تبخَّر!
تمرباي
:
الحقيهم ورجعيه.
زليخة
:
مكانش يتعز … زمانهم خوزقوه من امبارح … مش سمعتيه وهو بيتأوز على
انتصارنا!
تمرباي
:
خسارة … الوحيد الذي كنت بافهم كلامه … وكنت معاه بافهم الدنيا … تعرفي يا
زليخة … كل السلاطين عشان رجالة: أغبيا! وخصوصًا بابا الغوري!
زليخة
:
ماتقوليش كلام الناس.
تمرباي
:
أهه … آدي انتي قلتيها … تصوري إنه عايز يقبض على كلام الناس!
زليخة
:
يا أميرة، أبوكي مايقصدشي كلام الناس كلام الناس … لكن ده راجل أدباتي
زجَّال مسمِّي نفسه كلام الناس.
تمرباي
:
راجل؟!
زليخة
:
أيوه راجل … طبعًا.
تمرباي
:
الله! … وشكله إيه؟ … أكيد حلو … ما دام أبويا بيكرهه.
زليخة
:
راجل … ده مجرم بيستهزأ بابوكي.
تمرباي
:
يبقى أكيد راجل هايل.
زليخة
:
نعرف منين؟ كلامه كله قلة أدب. غلط في غلط … إشاعات … ده بيقول إن احنا اللي
شربنا مية المحيط الهندي!
تمرباي
:
صح.
زليخة
:
وإن المواني بتاعتنا راحت عليها … والتجارة فلتت من ايدينا!
تمرباي
:
صح … صح.
زليخة
:
إيه هو اللي صح؟ … ده بيقول إن، بعد الشر بعد الشر، السلطان، بعد الشر، حيطق
بعد الشر، في مرج؟ مش عارفة إيه؟ … وإن رجالته حيخونوه ويسلَّموه لسليم!
تمرباي
:
مؤكد الراجل ده مكشوف عنه الحجاب! … وبيقول الحق … بابا السلطان محتاج لحد
يخونه ويقلشه؛ لأن مدة حكمه طالت قوي … أكثر من المعتاد المملوكي.
زليخة
:
مولاتي … عيب … مش انتي اللي تقوليها!
تمرباي
:
ليه يا زليخة؟ خايفة يعلَّقوني على باب زويلة … أو يشنقوني ويسلخوني حية؟ …
الله … لعبة حلوة!
زليخة
:
يا مصيبتي!
تمرباي
:
مش أحسن ما يجوِّزني لحصان م اللي راكبهم!
صح كلام الناس، وكلامه صح … مش يجوز يكون هو الواد اللي ف بالي والَّا أنا باحلم
بيه؟ … مش يجوز يكون هو الراجل اللي حيوقعني ف حبه وغرامه؟
زليخة
:
مين؟ لأ يا ستي ف عرضك، أنا مش ناقصة!
تمرباي
:
لكن أنا ناقصة؛ لأني ماحبتش لغاية دلوقتي … الله لازم أحب حد … والَّا فيه
عندك كلام تاني؟
زليخة
:
الأمير جاب النصر هدية لفرحك … حبِّيه.
تمرباي
:
أنا مش باحب القفل ده.
زليخة
:
يا أميرة تمرباي … السبعة اللي قبله … ماتوا علشان يرضوكي … اللي مات عطشان
في الصحرا وهو بيطارد العربان … واللي شنقوه الفلاحين عشان حرق بيوتهم … واللي
اتخوزق على إيد التتر … واللي واللي … لكن ده علشان خاطر عيونك حفظ مركزنا بين
الدول.
تمرباي
:
كلهم زي بعض، الواحد منهم يحط راسه زي السحلية على صدري، وفجأة عينه تبظ
وينهج زي السمكة الحولة اللي خرجت من المية على سهوة … ويحوطني بدرعات زي
التعابين … ويقول باحبك … أقوم أنا لما أضحك من المنظر يزعلوا … ويروح الواحد
منهم منطور … وراكب فرسه ويدوَّر الدبح في اللي يقابله … الله! … وعايزني … أحبه
طب ليه؟
زليخة
:
لكن انتي وعدتي الأمير تتجوزيه لو غلب العدوين!
تمرباي
:
حصل … ورجعت ف كلامي … إيه يعني! روحي هاتي قرفة ودوَّري على حد يكون سمع
واتأكد إن الأمير مات … وله عندي حلوان … كامليه بسمور و۱۰۰ دينار بندقي …
(تخرج) يا رب يكون مات … وكلهم يموتوا … كله عايز السلطنة … مع إن بابا السلطان
مش ناوي يموت ويسيبها، وعينه مفنجلة قد كده … الخطرين يا وسَّطهم يا نفاهم يا
قتلهم … واللي طمَّاعين سلخهم أو فلَّسهم … واللي ف حالهم حلَّفهم على مصحف عثمان …
داهية، بابا السلطان ده داهية كبيرة … وعشان كده اللي حيتجوزني منهم، نقبه
حيطلع على شونة؛ لأن بابا مش ناوي يسيبها، ولا لبنته وجوزها، أنا عايزاها بس من
باب التغيير زهقت … حتى هدوم التمثيل دي قرفانة منها موت.
(تتوجَّه بالحديث للحاضرات.)
يا ساتر … أي واحدة عايزة تلعب الدور ده مكاني ح اخلع عليها هدومي … على طول
… وح انزل أقعد أتفرَّج عليها وسط الشعب … واشوف حتقدر تتحمَّل قرف اللعبة دي قد
إيه … تصوروا سبعتاشر سنة متحملة … وبعدين ييجي واحد يبرَّق في عيني ويحول …
ويحلف إنه بيحبني … كدب … نِفسي حد مرة يقول الحق … وياخدني على مشمِّي ويديني
علقه عشان أعقل. وجاية تقولي لي اوعي تسمعي كلام الناس! دانا أكيد ح اقع في
حبه … أو يمكن بحبه فعلًا … لأنه راجل … وقال لأ … يا غوري … بطَّل كدب … كفاية
كده.
(الطالب يدخل ويستمع إليها فترة ويراقبها ثم يتقدَّم ويلمسها
فتصرخ وتنادي الحرَّاس.)
الطالب
:
يا آنسة … ماتخافيش … لأ …
تمرباي
:
يا حرَّاس … الحقوني … عفريت!
الطالب
:
أنا … لأ … دانا … أنا …
تمرباي
:
إنت مين؟ أمير؟
الطالب
:
أعوذ بالله! أنا شكل أمير؟! … هدِّي نفسك دانا من الشعب.
تمرباي
:
مين؟
الطالب
:
طالب في الجامعة العربية، صعلوك … جاي أدرس لغز الغوري اللي حيَّر الجميع …
بتبحلقي فيَّه كده ليه؟ … آه … بدلتي؟ دي جاهزة من بلد اسمها بورسعيد … مدينة
حرَّة لسه حتظهر بعدين على الخريطة … أكيد؟ لأ؟ شنبي؟ غريب هه! مع إنه ولا حاجة
جنب الشنبات اللي هنا!
تمرباي
:
إنت مين … بالضبط بالضبط؟
الطالب
:
طب اقعدي … حنفضل واقفين كده! … ده حتى الكلام يزعل مننا، والَّا انتي مستنية
حد؟
تمرباي
:
إنت طلعت لي منين؟
الطالب
:
أشرح لها ازاي دي بقى؟! يا ستي أنا مش من هنا … أنا من بعدين قوي، من قدام …
أكبر منك يمكن بخمسميت سنة.
تمرباي
:
يعني عارف مستقبلنا …
الطالب
:
فيما يختص بابوكي آه … ومستقبل السلطة دي آه … عارف كتير قوي.
تمرباي
:
أنا قصدي مستقبلنا احنا … مستقبلي أنا … أكيد إنت شايف حاجة … أصل أنا مش
شايفة حاجة خالص … مين اللي ح احبه؟ هه!
الطالب
:
احم …
تمرباي
:
مش عارفة ممكن يحصل إيه بعد دقيقة واحدة من دلوقتي؟ قول لي ع اللي تعرفه …
اتكلم … جاي تعمل إيه هنا؟ … قول!
الطالب
:
يا أميرتي العزيزة أنا جيت في مهمة محدَّدة … عايز اعرف ليه اتهزمتم قدام
البرتغاليين؟
تمرباي
:
اتهزمنا؟!
الطالب
:
ماكانش فيه طريقة تمنع التدهور اللي حصل ده؟! الأسواق تخرب … والعملة تقل
قيمتها وتتغيَّر سبع مرات في خمس سنين … هه؟ ليه؟ عايز اعرف ليه الفلاحين سابوا
الأرض ومابقوش فلاحين؟ … وليه الدود ضرب في كل حاجة؟
والوظايف تتباع؟ … والمراسيم تتغيَّر وتتفصَّل حسب الثمن! والمقشرة عمرانة
بالمعصرين والمشنكلين؟! … الفقر والبذخ. الشحاتين والحرامية والأمراء والمقدَّمين
… ومع ذلك استمر حكمه كل المدة دي؟! وكأنه لزقة مش حتتطلع إلا بطبل انتصار
العثمانيين … بعد ما يبلينا بأكبر هزيمة عرفناها في العصور الوسطى … بعد متين
و٦٧ سنة مملوكية عباسية … بلا نيلة!
تمرباي
:
إنت الأدباتي … هه؟
الطالب
:
ماحصلش.
تمرباي
:
إنت بتاع الكلام، ده … كلام الناس … إنت؟
الطالب
:
أنا … إزاي؟ … ياريت!
تمرباي
:
وقدرت تقتحم القصر؟ رغم كل الحرس والطوارئ؟ إنت شجاع كمان … هايل … باحبك.
الطالب
:
استني بس … خدي نفَسك … الحكاية …
تمرباي
:
يا سلام … واخترقت البستان ونطيت السور! إزاي؟!
الطالب
:
يا ستي خلي بالك إن ممكن أبوك يخش ف أي وقت … مش كويس … وانا وحداني.
تمرباي
:
وانا وحيدة.
الطالب
:
لو شافك حد كده … حيطيَّر رقبتي على أحسن الفروض.
إنتي سنِّك كام سنة؟!
تمرباي
:
۱۷ سنة.
الطالب
:
صغيرة.
تمرباي
:
لأ … دانا كبيرة خالص … بص …
الطالب
:
للأسف أنا ٣٤ عمري قدك مرتين … مش حينفع.
تمرباي
:
إزاي؟ … مين قال كده؟ … داحنا متناسبين جدًّا … حتى شوف …
الطالب
:
ماتبصليش كده!
تمرباي
:
أمال أبص ازاي؟
الطالب
:
مش عارف … إنتي عارفة؟
تمرباي
:
يا ترى انت اللي انكتب لي احبك … واللي انا عشت العمر الطويل ده استناه؟
الطالب
:
ياه … تنتظريني أنا؟ … قلت لك مش حينفع لأني من بعدين قوي …
تمرباي
:
قول إن انت اللي ح احبك … قول!
(يدخل ابن القارح.)
ابن القارح
:
أنا استادار القصر الجديد، الخادم المطيع المقرَّب من السلطان ومن الحريم …
والمشرف على المطابخ والأفران، والمكلَّف بالغلمان وبالنسوان، والأمين على المخازن
والبيوت في كل مكان … وانت مين؟ … أنا لما ماعرفش اللي قدامي … يبقى داسوس على
السلطان. ولا بد اني أقوم بواجبي، واحطُّه في العرقانة لحد ماينتن، أرميه
للكلاب.
(الحراس يلفُّون الحبال حول الطالب، والأميرة تنزع الحبل وتلفُّه بنفس الطريقة حول ابن
القارح.)
تمرباي
:
خذوه وحطوه في العرقانة لحد ما يعفَّن وتأكله الكلاب.
الطالب
:
أشكرك يا مولاتي … أنا مَدين لك بحياتي … عندكم غيره؟ … مين اللي حيعمل
شغله؟
تمرباي
:
اللي بعده حياخد مكانه وحيورثه.
كل ما مات اللي قدام فرحوا اللي وراه.
الطالب
:
لكن انتي رميتِه للكلاب … كده ممكن أبوك يزعل؟
تمرباي
:
أبويا؟ أبويا حينبسط جدًّا … أولًا لأنه حياخد نص أملاكه على الأقل … ثانيًا
لأن اللي حيحل محله قدامه مدة على بال ما يطمع في السلطنة.
وبكده … تطول مدة اطمئنان أبويا … دانا بخدمه … رغم إن ده ضد معتقداتي.
(يضحكان.)
الطالب
:
إنتي ذكية … ورائعة … مش فاهم ليه بس حالتكم منيلة كده؟
تمرباي
:
وانت عاجبني … قول لي بقى بصراحة … هو انت؟ … أرجوك … (تبكي) أنا وحيدة جدًّا.
الطالب
:
مافيناش من عياط يا مولاتي تمرباي … لأ … اسمك تمرباي؟
تمرباي
:
هم.
الطالب
:
الله! هم اسم جميل يتاكل أكل … (تضحك.)
تمرباي
:
كنت نسيت الضحك من زمان … الضحك مقتول في القصر، حتى البهلوان اللي كان
بيضحكنا خوزقوه بمناسبة الاحتفال!
الطالب
:
ماتفزعيش … تعالي بس … اهدي …
تمرباي
:
كل الدم ده … وكل الكدب والرعب … ومش عايزني أتفزع … خدني معاك من هنا!
الطالب
:
بيني وبينك خمسميت سنة.
تمرباي
:
ومع ذلك باحبك.
(يدخل ابن القارح في شكل جديد.)
ابن القارح
:
أنا استادار القصر الجديد خادمكم المطيع المقرَّب من السلطان ومن الحريم، والمشرف
على المطابخ والأفران … والمكلَّف بالغلمان وبالنسوان … والأمين على المخازن
والبيوت في كل مكان … ويشرفني رؤية وجهك الجميل الذي يجلب السعادة … الجميلة …
لأخبرك أن بابا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري الأشرفي … موجود
هنا … هنا.
عاش عاش!
(يقترب من الطالب) أنت لا تهتف من قلبك؟ ومَن لا يهتف للسلطان من قلبه يُثير
الشك بقلبي … وعندما أشكُّ في إنسان … فإنني أرسله فورًا إلى العرقانة ليتعفن
ثم تأكله الكلاب.
(الحراس يلفون الحبل حوله – الأميرة تفك الحبل وتلفه حول ابن
القارح.)
تمرباي
:
خذوه … ارموه في العرقانة ليتعفَّن وتأكله الكلاب!
الطالب
:
أنقذتي حياتي مرةً ثانية … الثالثة حتبقى تابتة … عن إذنك!
تمرباي
:
رايح فين؟ … ح اعمل إيه لوحدي؟ … ماتسيبنيش … والَّا ح اتجنن، ح اكلم الحيطان
… والحجر … كل اللي هنا زي ماشفت مزيفين … إنت بس اللي حقيقي … ومع ذلك ح اضطر
أتخيلك، أرجوك ماتمشيش … أكيد ح اعيا ويمكن أموت … هه … إنت ساكت؟
الطالب
:
وإنتي بتتكلمي.
تمرباي
:
إيه ده؟ … جرح قديم؟ من إيه؟ … من خصمانية بالسيوف … مع مين؟ … والَّا من
التعذيب؟ … إنت اتسجنت؟ … عذبوك في العرقانة؟
الطالب
:
تقريبًا … لكل عصر عرقانته.
تمرباي
:
أرجوك قول لي؟ … لازم اعرف … وح اعرف من مين غيرك؟
الطالب
:
أبوك على وصول، دلوقتي دلوقتي. اعملي معروف!
تمرباي
:
أنا مابيهمنيش.
الطالب
:
أنا بيهمني.
تمرباي
:
وانا مسنودة لصدرك، أقدر أسمعهم وهمه بيتصعبوا عليه ويقولوا بكره لما أموت:
صعقها الحب … ومش ح يهمني … برده ما دمت أموت على صدرك!
الطالب
:
يا حلوة أرجوكي … باي باي … بابا جاي.
تمرباي
:
مش ح اسيبك تمشي … طول عمري باحلم بفارس أحلامي … واهه قدامي … قدامي … ياه …
أنا سعيدة … تصوَّر!
الطالب
:
سامع أصواتهم بتقرَّب.
تمرباي
:
أكيد بتحب واحدة تانية؟
الطالب
:
أبوكي وصل.
تمرباي
:
فيه واحدة تانية؟ … لو فيه ماتقولش … بعدين أموت!
الطالب
:
يا ستي أنا نفسي أقول لك الدنيا ماشية ازاي! … اسمعي …!
تمرباي
:
استخبي … استخبي جُم … لكن استناني!
الطالب
:
فين؟
تمرباي
:
ح اجي لك ولو في آخر الكون.
(يدخل ابن القارح والعسكر ومجموعة صحفيين ومصورين – عدسات
تصوير.)
(بروجي – هرج ومرج – وجري … وسط الزيطة يدخل عمرو وشجرة الدر
يتحدثان في وقارٍ، الكل ينحني ظنًّا أنه السلطان.)
شجرة الدر
:
أنا اللي خليت عز الدين أيبك سلطان، تنازلت له عن العرش. كنت باحبه فإذا بيه
يخونني مع مراته … كان بيخطط يتعشَّى بيه … لكن أنا اتغديت بيه … لكن قتلوني
بالقباقيب ورموني للكلاب … دعيت عليهم … مافيش سلطان منهم مات على فرشته مرتاح
البال … اللي على الجسور نهشت النسور جتته … واللي دوبت الشمس عضمه في الصحرا …
واللي … واللي … ها … ها …
عمرو
:
ويبدو لي أيضًا أنهم كذابون … ولذلك احتاجوا لنا لكي نشهد على انتصارهم! على
مَن؟! البرتغاليون؟! لست أعرفهم … هل هم نوع من الروم؟ … كنا نسوقهم أمامنا مثل
النِّعاج … ولكن ما يُحيِّرني شيء، أن قائد الجيش هنا، والمعركة على بُعد آلاف
الأميال … نوع جديد من القيادة … ولكن … انظري … نفس الوجوه التي تعوَّدت أن
أراها عقب كل هزيمة … أو انتصار … نسور جارحة … ضباع. أعوذ بالله … لو كنت أدري
أن الأمور ستسير إلى هذه الدرجة من السوء … لما …
شجرة الدر
:
تعالى من هنا … حتى لا نُقابل ذلك السفاح الذي يتحرَّش بكَ كلما رآك. تستطيع أن
تجلس في هذا المكان لنشاهد كل شيء … هيا … فالبداية على ما يبدو كانت على يديك
القويتين … نعم أظنه أنت … كنت البداية قبل بدايتي.
عمرو
:
نعم! قصدًا أخَّرت قراءة خطاب الخليفة حتى عبرت حدود مصر … خفت أن يثنيني عن
فتحها … هل أخطأت، أم كان صوابًا ما فعلت؟ لست أدري … فهي بلاد كالحلوى … تجذب
كل ذباب الأرض … ولذلك أثقلها الدخلاء بالجرائم، وأغرقوها في الدماء … الآثمون
من كل جنس ولون حتى من أبنائها يحمِّلونها رهقًا.
شجرة الدر
:
لا تشغل بالك بالأجناس … فإن الله يُسلِّط جنسًا على جنس.
(الغوري يظهر – ترتفع الهتافات … يبدأ في تحية الناس … يوزِّع
أزهارًا على كل مَن يقابله … في رقَّة.)
الغوري
:
أبنائي … (هتافات) ها نحن أخيرًا نلتقي بعد مسيرة طويلة … وناجحة بكل
المقاييس … وانتم عارفين … أنا من الأول، الأول رفضت السلطنة … لدرجة أنني
بكيت بشدةٍ وبكل صدق … لا أريد هذا … لا أريدها! مسئولية كبيرة … أن تحكم
بلدًا كهذه … وأنا رجل بسيط ضعيف … وقلبي خفيف … كلهم كانوا ضدِّي — قيت
الرجبي أمير سلاح، ومصرباي أمير كبير — ولذلك سلطنوني لأحمل ذنوبهم وذنوبها …
وذنوبكم، وكيف سأقابل ربِّي … وفي رقبتي طعام كل هؤلاء الجوعى … وملابس كل هؤلاء
العُراة … ولكن ماذا كنت أستطيع أن أفعل … وقد حاصروني … فلم أجد بدًّا إلا أن
أجلس على المكان الوحيد الآمن … على العرش … ثم قتلتهم جميعًا … نعم قتلتهم …
لم يكن لي أن آمن لهم … والأخطار كانت حولنا في كل مكان …
لست أُلقي الكلام على علَّاته … ولكن ها هي الإحصاءات والوقائع … والحسابات …
والأرقام … هي التي تتحدث وتتكلم … نعم … وكلها تؤكد أنني فعلت لمصر كل شيء …
ودفعت لها كل شيء … وصرفت عليها كل شيء … حتى لم يبقَ شيء.
(هتافات.)
عشنا معًا وكافحنا إيد لإيد … وحققنا أهدافنا العظيمة، أوقفنا نزف الدماء
وغلبنا أهل الدهاء … فيما عدا بعض الفلاحين الذين يهربون من فلاحة الأرض من
الجعيدية ومن الزُّعْر … والأوباش … وسكان الحارات البرانية، الذين لا يريد أحد
منهم أن يشتغل بصنعة.
وفيما عدا بعض العربان الذين لسَّنوا على «أيبك» وقالوا إنه عبد ومملوك ولا
يصلح لما تصلح له الملوك … وهل هم يصلحون؟ تصوروا … لو أن العربان حكمونا … كان
حالنا يبقى إيه؟
أما اليوم … فإنه ليسعدنا أن يتقدَّم مواكب احتفالاتنا … بالنصر … صديقي سليم
العثماني بنفسه — مفاجأة … هه؟ سربريز!
ففي الوقت الذي دمَّر فيه الفرنجة السد الذي بناه ذو القرنين … ووصلوا بحر
الروم ببحر العرب يضع هو يده في يدي … لنبني سويًّا عالَمًا أبديًّا ثابت
الأركان … من الثقافة المشتركة والأمن بين أولاد العم … واليوم سنبني هرمًا
رابعًا ليكون مزارًا لأحفاد المعتدين … ليعرفوا كيف حافظنا على طرق التجارة
آمنة وليعرفوا أننا … وليعرف الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.
ابن القارح
:
هرم الجيزة الأكبر … إحدى عجائب الدنيا السبع … مبني على مساحة ١٢٫٥ فدان
مربَّعة تمامًا … وله أربعة أضلاع. كل واحد منها يواجه جهة من الجهات الأربعة …
وقد استُخدم في بنائه حوالي ۲ مليون و٣٠٠ ألف حجر … متوسط وزن الواحد منها ٢٫٥
طن … وارتفاعه حوالي ٥٠٠ قدم أو ١٦٧ مترًا تقريبًا، واستُخدم في بنائه مائة ألف
عامل … مات منهم على الأقل ستون ألف … وسيستمر العمل فيه حوالي عشرين سنة إن
شاء الله … وسهَّل.
الغوري
:
ولقد قرَّرت أن يبدأ العمل فيه من الغد … في وجود كل هؤلاء الضيوف الكبار
ليكونوا شهودًا على مَن سيزيفون التاريخ بعدنا وسيتقولون غدًا بأننا هُزمنا … يا
ابن القارح.
ابن القارح
:
أمرك يا مولاي.
الغوري
:
هل حضر جميع الضيوف؟
ابن القارح
:
نعم يا مولاي … ولكن فيه بعض سوء الفهم … فقد اضطُررنا لمنع الملكة كليوبطره.
الغوري
:
كيف تجرؤ؟
ابن القارح
:
منعها فقط من الظهور عند باب السلسلة … لأنها جاءت عارية تقريبًا يا مولاي
كسِلْو زمانهم.
الغوري
:
تخلُّف! … ويسألون لماذا هُزمنا؟! اعتذروا لها وأدخلوها إلى جناحي مباشرة.
ابن القارح
:
وحاجة تانية يا مولاي … الشاه إسماعيل الصفوي … احتجَّ على وجود الخنكار سليم
… وانسحب وهو يهدِّد بالحرب قائلًا: إن الحية لا تلد كتاكيت، وإن مافيش حاجة تسر
القلب تيجي من الغرب!
الغوري
:
يعني إيه؟
ابن القارح
:
لست أفهم.
الغوري
:
في ستين داهية! حنلاعب عيال إحنا؟!
(للناس) أبنائي، بهذه المناسبة البهيجة أُبشركم يا أصدقائي لكي تنفتح شهيتكم للطعام؛
فقد حققت ما وعدت به منذ بداية ولايتي … قضينا على كل الأعداء الداخليين … ولم
يبقَ سوى مُعارض واحد … هو الأُدباتي السافل … بتاع كلام الناس … وما هو إلا
داسوس خنَّاس، وأزجاله بذيئة وعديمة الفنيَّة وغير موزونة … لكن أُبشِّركم أننا
قبضنا عليه … وهذا فأل حسن لاحتفالنا … و…
(هتافات.)
تمرباي
(منزعجة)
:
قبضتم عليه؟ … إزاي؟ … معقولة!
الغوري
:
وسوف نُجري له محاكمة عاجلة وعادلة … فنحن لسنا برابرة … حتى أعداؤنا نكفل
لهم المحاكمة العادلة … فقلب العالَم يدق على دقَّات طبولنا … فهيا للمحاكمة
الفورية!
ابن القارح
:
قبل الأكل يا مولاي!
الغوري
:
لك حق يا ابن القارح فلنؤجل المحاكمة للفصل الثاني، أما الآن فكلوا واشربوا من
خيرات مصر.
واعزفوا الموسيقى … الضيوف هم الأولى بالرعاية، فنحن أصحاب كرم.
أشعلوا البخور … انثروا العطور … عايزين موسيقى شعبية وباليه وطبل … وزمر …
ورقص ودانص ثقافة … ثقافة لكل الناس … ثقافة … شعبية!
(تُضاء الأنوار ويشارك الجميع في رقصة عامة وأغنية تلبيةً
للإرادة السَّنية السلطانية.)
ثقافة … ثقافة
قهاوي
صحافة
رداوي غناوي
في سوق الهيافة
تعيش الثقافة.
•••
وآهي الناس تفرفش
في ضلَّك تنعنش
يا سلطان مخلي رقبتنا زرافة
بفضل الثقافة.
•••
مطولها خالص
وإيه اللي ناقص
م القلعة نرقص لكوم الشقافة
بلبس الثقافة.
•••
مماليك وهيبة
وعمة شيبة
وعقلك يا غوري مثال الحصانة
ونبع الثقافة.
•••
يا طلعة بهية
كلامك بديع
لياليك هنيَّة
وعصرك ربيع
فاض النيل بأمرك عصر الجوافة
محلي بثقافة.
(تُوزَّع المشاريب.)