على حافَة الصَّحراء الموحشة!
على حافَة صحراء «بتاجونيا» الموحشة، وقف الشَّياطين الخمسة «أحمد»، و«عثمان»، و«إلهام»، و«هدى»، و«قيس»، ومعهم العجوز «فيجو»، ذلك الصَّياد الشَّهم الذي رافقهم خلال مستنقعات الشَّيطان؛ هربًا من «مارتينز» ورجاله، ومعهم أيضًا «موري» أحد زعماء قبيلة «منتزوما»، وصديق «فيجو».
كان الشَّياطين الخمسة مُجهَدين بعد مغامرة مثيرة، استمرت ثلاثة أيام في مستنقعات الشَّيطان … ولكنهم في النهاية استطاعوا الهرَب من وجه «مارتينز» ورجاله …
كان «موري» قد أقام لهم خيمتين كبيرتين يقضون فيها الليلة، ثم يستأنفون السَّفر عبر الصَّحراء إلى جمهورية «شيلي». وعندما جلس الخمسة قال «أحمد»: سوف ألخص لكم الموقف … فلا بدَّ من اتخاذ قرار هام في المرحلة المقبلة.
إلهام: أي قرار؟
أحمد: هناك العودة إلى المقر السِّري لعرض ما تم إنجازه على رقم «صفر» … أو مواصلة العمل في المغامرة حتى نهايتها.
إلهام: ذلك يتوقف على ما سنعرفه من فيلم المقر الذري الذي استولينا عليه من «مارتينز».
أحمد: هذا صحيح … وكما نعرف جميعًا؛ فإن هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، بدأت عندما قامت عصابة بخطف عالِم مصري شاب يُدعى الدكتور «جمال زهران»، كان يعمل في السُّويد مساعدًا لعالِم سويدي شهير، وُجد قبل أيام من خطف العالِم المصري في طائرة محطمة في جزر «فولك لاند».
هدى: بأيدي نفس العصابة على ما أظن.
أحمد: في البداية لم نكن نعرف … ولكن بعد أن تقرر أن نقوم باستطلاع عن الطائرة المحطَّمة، حضرنا إلى «الأرجنتين» وجئنا إلى قصر «مارتينز»، وهو المليونير الذي يملك الطائرة التي تحطمت في جزر «فولك لاند»، قد تأكد لنا أن العالِم المصري قضى ليلة في مقر «مارتينز»، قبل أن يُنقل إلى المركز الذري في القطب الجنوبي.
وصمت «أحمد» لحظات، ثم قال: وكما نعرف فقد استطعنا الحصول على فيلم يصور هذا المركز الذري … فإذا استطعنا تحديد مكان هذا المركز؛ فسيكون أمامنا قرار هام … هل نعود إلى المقر السري للاستعداد لجولة جديدة ثالثة في هذه المغامرة … أم نواصل العمل، ونسافر فورًا إلى القطب؟
هدى: المهم المعلومات التي سيفسرها لنا الفيلم.
أحمد: الفيلم هنا، ولكن المهم آلة العرض والكهرباء، إننا الآن على حافة صحراء «بتاجونيا»، أكثر صحراوات العالَم وحشةً وجفافًا، ولا ندري كم من الوقت سنقضي قبل أن نصل إلى مدينة يمكن أن نشاهد فيها الفيلم.
ساد الصَّمت بعد هذا الحديث … وغرق كل واحد من الشَّياطين في خواطره، وسمعوا جميعًا صوت الريح في الخارج، كانت عاصفة على وشك الهبوب … وتحدث «قيس» لأوَّل مرة قائلًا: هناك اقتراح ثالث.
والتفت إليه الجميع، فقال: إنني أقترح بدلًا من إضاعة الوقت في عبور الصَّحراء إلى «شيلي» أن نعود مرة أخرى إلى «الأرجنتين».
لم يعلق أحد من الشَّياطين على هذا الاقتراح المذهل، ومضى «قيس» يشرح فكرته: لقد عرف «مارتينز» أننا هربنا عبر المستنقعات. ونهاية المستنقعات هي بداية صحراء «بتاجونيا»، وبالطبع سيتوقع أن نجتاز هذه الصَّحراء بشكل أو بآخر، حتى نصل إلى «شيلي» بعيدًا عنه، وعن نفوذه … ولكن هل من المستبعد أن ينتظرنا «مارتينز» في «شيلي»؟
لم يرُد أحد، فمضى «قيس» يجيب عن السؤال: إنه لا يستطيع متابعتنا بالطائرة، وليس من المستبعد أن يكون لاتحاد العصابات فرع في «شيلي» … بل من المؤكد أن لهم هناك قوة لا تقل ضراوةً عن قوتهم في «الأرجنتين» … يخيل لي أن فرارنا من «الأرجنتين» إلى «شيلي» يشبه الانتقال من المقلاة إلى النار.
بدأت عيون الشَّياطين الأربعة تلمع بالإدراك والفهم … ومضى «قيس» يقول: ولكن من المؤكد أن «مارتينز» لن يتوقع مطلقًا أن نعود إلى «الأرجنتين»، ولهذا فإن عودتنا هناك ستكون عمليةَ تمويهٍ لا يمكن توقعها … خاصةً إذا ذهبنا إلى العاصمة «بيونس آيرس»، حيث سنغيب في زحام العاصمة … وهناك، يمكن وبسرعة، على ضوء المعلومات التي سنجدها في الفيلم، أن نقرر السَّفر إلى المقر السري، أو الاستمرار في المهمة …
قالت «إلهام»: إنني موافقة … فالمخاطر في الصَّحراء لا تقلُّ عن مخاطر دخول «بيونس آيرس»!
ووافق «عثمان» و«أحمد» و«هدى»، وقال «أحمد»: سنبقى هنا هذه الليلة فهذه الرِّياح بدايةٌ لعاصفةٍ هوجاء.
ودخل «فيجو» ومعه «موري»، وتحدَّث «موري» إلى «فيجو» بلغة لم يفهمها الشَّياطين، فلما انتهى من حديثه، تحدث إليهم «فيجو» قائلًا: إن صديقي «موري» يقترح أن تقضوا الليلة في هذا المكان. فهذه العاصفة ستدفننا في الرمال لو خرجنا إلى الصَّحراء.
ردَّ «أحمد» قائلًا: كم من الوقت تستمر هذه العاصفة؟
تحدَّث «فيجو» مع «موري»، ثم قال: إنها قد تستمر فترة بين ثلاثة، وخمسة أيام.
التفت الشَّياطين إلى «قيس». كان معه كل الحق في اقتراح العودة إلى «الأرجنتين» فورًا … فإن قضاء ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة في هذا المكان، معناه إضاعة وقت ثمين هم في أشد الحاجة إليه، كما أنه يضعهم في مأزق خطير … فلو أن «مارتينز» عرف مكانهم لاستطاع اصطيادهم ببساطة، كما يصطاد الذئب الدجاج في حظيرة مغلقة!
قال «أحمد» موجهًا الحديث إلى «فيجو»: هل تثق ﺑ «موري» جدًّا؟
فيجو: بالطبع … إنني أعرفه منذ زمن بعيد. وقد أنقذت حياته عندما دخل المستنقعات بطريق الخطأ وكاد يهلك فيها.
أحمد: إذن قل له إننا عدَلْنا عن اجتياز صحراء «بتاجونيا».
فيجو: هل هذا معقول؟ وأين تذهبون إذن؟!
أحمد: سنعود إلى «الأرجنتين» مرة أخرى … إن قضاء ثلاثة أو خمسة أيام في هذا المكان في انتظار سكون العاصفة، سيُضيِّع علينا فرصة الاستفادة من معلوماتنا عن «مارتينز» … وفي نفس الوقت قد يعثر هو علينا هنا، فنقع في يده … ولكنَّه لن يتصور أبدًا أننا سنعود إلى «الأرجنتين» مرةً أخرى.
فيجو: إنني معكم أينما تذهبون.
أحمد: نريد أن نسير بسرعة على حدود الغابات والصَّحراء إلى أقرب مكان يمكن أن نستأجر فيه سيارة.
فيجو: إن «موري» يعرف هذه الأنحاء أفضل مني، وسوف أسأله.
وتحدث «فيجو» و«موري» فترة من الوقت، وهما يشيران بأيديهما … وعندما كفَّا عن الكلام، قال «فيجو»: لحُسن الحظ، هناك قرية قريبة بها محطة بنزين، وقد نجد هناك سيارة للبيع أو للإيجار.
ابتسم «أحمد» قائلًا: هذا يناسبنا جدًّا … وسوف نتحرك في الصَّباح الباكر.
خرج «موري» و«فيجو»، وجلس الشَّياطين الخمسة يناقشون الموقف … ثم ذهبت «إلهام» و«هدى» إلى الخيمة الثانية، وبقي الشَّياطين الثلاثة «أحمد» و«عثمان» و«قيس» … وكانت الشَّمس قد مالت للمغيب، وساد سكون موحش، لا يُسمع فيه سوى صوت الرياح العاصفة، وهي تنهب الصَّحراء الواسعة. وسرعان ما استغرق الجميع في نوم عميق …
استيقظت «هدى» في الخامسة صباحًا، على صوت حوافر خيول تتحرك في العاصفة … استطاعت أذناها المرهفتان أن تلتقطا الأصوات الثقيلة وسط أزيز الرياح … ظلَّت تستمع لحظات حتى تأكدت، ثم قفزت من فراشها وأيقظت «إلهام» واستمعتا معًا إلى الأصوات، ثم قفزتا إلى سلاحهما المعلَّق على جدران الخيمة … وفتحت «إلهام» فرجة صغيرة في باب الخيمة ونظرت إلى الخارج، لم يكن هناك ما يمكن رؤيته في الظلام، ولكن صوت الحوافر ازداد وضوحًا … فأسرعت «إلهام» إلى خيمة الشَّياطين الثلاثة، فوجدت «قيس» قد استيقظ، وأنه يستعد لإيقاظ «عثمان» و«أحمد».
قالت «إلهام»: هل سمعت؟ إنها حوافر خيل.
قيس: لعلهم رجال «مارتينز»؟!
إلهام: ربما … ولكن الصَّوت قادمٌ من الصَّحراء، وليس من المراعي.
قيس: معكِ حق. ولكن يجب أن نكون على حذر.
واجتمع الشَّياطين الخمسة في الخيمة الثانية … ثم قال «أحمد»: سأذهب لرؤية «فيجو» و«موري» … إنهما يعرفان أكثر.
وقفز «أحمد» بضع قفزات وصل بها إلى الخيمة الصَّغيرة التي نام فيها الرجلان. وكم كانت دهشته أن يراهما مستيقظَيْن … قال «أحمد»: هل سمعتما؟!
فيجو: نعم … إن «موري» يعتقد أنها قافلة من قوافل التهريب التي تهرِّب البضائع بين «شيلي» و«الأرجنتين».
أحمد: هل هناك خوف منها؟
فيجو: لا أدري … سوف يتكفَّل «موري» بالحديث معهم عندما يقتربون.
عاد «أحمد» بهذه المعلومات إلى الشَّياطين الأربعة … وقرروا أن ينتظروا ما سيحدث، وقامت «إلهام» و«هدى» بإعداد بعض الشَّطائر والشَّاي السَّاخن، وأقبل الجميع على إفطارهم في نهَمٍ شديدٍ.
مضت فترةٌ حتَّى أصبحت حوافر الخيل على مسافة قريبة، ثم توقفت … وأرهف الشَّياطين أسماعهم لما يحدث، ولكن صوت الريح لم ينقل لهم إلا صهيلَ الخيل … ومضَت فترةٌ دون أن يعود «موري» بالأخبار … وفجأة فُتح باب الخيمة وظهر «فيجو»، وكان يبدو منزعجًا كما لم يرَوْه من قبل … وقال بصوت مضطرب: لقد تأخر «موري»، وأخشى أن يكون قد وقع له مكروه.
قال «أحمد»: ماذا حدث بالضبط؟!
فيجو: عندما اقتربت الخيول تمامًا، خرجنا ننظر، وقد استطعنا رغم الظلام والرمال، أن نرى قافلة بها نحو عشرة أشخاص، ومعهم بعض البغال المحملة بالصَّناديق … وطلب مني «موري» أن أنتظره، ثم ذهب للحديث مع رجال القافلة، وقد مضت نحو نصف ساعة، وأخشى أن يكون …
وقبل أن يكمل جملته قفز «عثمان» جانبًا وقال: اسمعوا … إن هناك صوت أقدام تقترب!
وتوقف الجميع عن الحديث، وحبسوا أنفاسهم في انتظار القادم …